الضباب...

كثيف، أبيض، كأنه نُسج من نسيان.

خطوات أمبر تُحدث صدى لا يُفترض أن يكون في الفراغ.

لا جدران، لا أرض... ومع ذلك، تشعر بثقل تحت قدميها.

عينها تلتقط ظلالًا متقطعة، كأنها أجزاء من ذكريات مكسورة.

صوت... ضحكة؟

ثم صراخ.

ثم وجه — نصفه محترق، النصف الآخر مألوف.

إيفان.

يقف أمامها، لا يتكلم.

ينظر إليها بملامح متناقضة — محارب، وأسير، وصبيّ قلق في آنٍ واحد.

تمد يدها نحوه، فيُختطف من أمامها فجأة، كأن أحدًا جرّه من عمق الحلم.

ثم —

يتبدل المشهد.

زنزانة؟

نعم، ترى نفسها جالسة في زاوية، تئن.

تسمع همسات، صوتًا يقول:

"المخطوطات... حيث تجتمع القوى الخمس. الظلال تحفظها... والماء يكشف الطريق."

قبل أن تفهم، تسقط حولها صفحات سوداء، محروقة الحواف.

واحدة تهبط أمامها، مكتوب عليها بلغة قديمة، لكنها تقرأها كأنها تعرفها منذ ولادتها:

"ما يُدفن في الذاكرة، يُبعث في الحلم."

يشتد الضوء فجأة —

صوت أنثوي يناديها، يخرق الحلم كالخنجر:

"أمبر؟! استيقظي، حبيبتي، استيقظي!"

تنفتح عيناها، تتنفس بسرعة...

ووجه والدتها مقابل لها ، ملامحها قلقة لكنها حنونة.

أمبر لا تتكلم...

عينها تظل معلقة بالسقف، كأن صدى ذلك الحلم ما زال محفورًا هناك

تقدم ليونارد الذي يحمل كأس ماء في يده و يمرره لآمبر التي تعتدل في جلستها بنعاس

" كابوس آخر ؟..."

اردف ليونارد بهدوء

قالت امبر بنعاس بينما تلتقط الكأس من يده

" أظن ذلك ، مع انه واقعي قليلا "

كانت والدتها تجلس على حافة السرير، تمسك بكفها بلطف، وعيناها الياقوتيتان تمتلئان بقلق خفي.

ديانا بهمس خافت :

"كنتِ تتقلبين وتهمسين... كأنك تحادثين أحدهم."

أمبر لم تجب فورًا.

صدى الحلم ما زال في أذنيها — "المخطوطات... الماء يكشف الطريق..."

حروف الجملة تشتعل على جدار عقلها.

الأم:

"اهنالك ما تحتاجينه ، او ما تريدين مني احضاره ، عزيزتي ؟"

أمبر تهز رأسها بصمت، تجلس ببطء، تحتضن ركبتيها.

الدماء تعود إلى يديها المرتجفتين، كأنها عادت من مكان آخر، بعيد جدًا.

أمبر بهمس خافت:

"أمي... هل كنتِ تحلمين يومًا بشيء لا تتذكرينه، لكنكِ تشعرين به وكأنه عاش معكِ؟"

الأم تحدق بها لحظة، ثم تبتسم ابتسامة متعبة:

"أحلامي كثيرة يا صغيرتي... لكن بعضها، أظنها رسائل لا تأتي عبثًا."

أمبر تنظر إليها — لم تكن بحاجة لموافقة، بل لتأكيد ما بدأت تدركه.

أمبر بتفكير :

إذا كانت تلك تلميحات... فربما هذه ليست مجرد أحلام.

ربما... هناك من يحاول إخباري بشيء.

نهضت فجأة من السرير.

البرودة لامست قدميها الحافيتين، لكنها لم تهتم.

تتجه نحو النافذة، تزيح الستارة.

السماء رمادية...

السحب تتكدس كأنها على وشك البكاء.

وفي قلبها — يقين غامض...

أن عليها أن تبدأ بالبحث.

عن المخطوطات.

عن الظلال.

وعن الحقيقة... ما قصة تلك الاحلام التي تراودها باستمرار ، و ما قصة تلك الاصوات في رأسها؟

وقفت من مكانها و بدأت يتجهيز نفسها للذهاب للسيدة روبينا و التدرب على القوى كالعادة و كان رأسها غارقا في التفكير طزال فترة التدريب ، هي ترى الاحلام كثيرا بالفعل ، لكن حلم اليوم كان غريبا ... وقعه كان اشد عليها من سابقيه ، و كأنه ذكرى واقعية منسية

شيء داخلها ظلّ عالقًا هناك، في ذلك الحلم — حيث تقاطعت الوجوه، واختلطت الأصوات، وكان إيفان... هناك...هذا الاسم الذي لا تعلم لما نطقه فقط يجعل قلبها يدق في الدقيقة الف مرة ، هذا الاسم الذي لا تعلم اين سمعته قبلا ، و كيف عرفته ، او حتى من صاحبه ، و اذا كان حقيقيا ام لا ، كب ما تعرفه انه اسم يتردد كثيرا في احلامها

كانت تعرف ذلك اليقين الغريب الذي يصاحب الرؤى النبوئية — الحلم لم يكن حلمًا فحسب.

انتهى تدريب اليوم

غادرت آمبر مكان التدريب بعد توديع روبينا ، متجهة الى المنزل ، تحاول تنظيم الافكار المحتشدة في رأسها ، و بينما هي تسير متجهة نحو منزلها ، شد انتباهها موقد حجري

ذلك الموقد الحجري الصغير في وسط الفناء.

منذ قرون، حسبما أخبرها داميان، كان هذا الموقد يُستخدم في الطقوس القديمة لاستدعاء "روح العنقاء" — طائر النار الأسطوري

حيث ان البلاد العربي التي يسكنها داميان ، لديها علاقة وطيدة مع مملكة النار ، علاقة عميقة بطول السنوات ، حيث ان الملك السابع للقارة العربية ، قد كان الصديق المقرب للامير السابع لعائلة فوكاريجيا ، و العنقاء هو الطائر الممثل لمملكة النار ، و قد عقد الملك السابع للعرب عقدا روحيا مع الطائر ، ما جعله يطون الحامي الرسمي للقارة العربية و سيكوندا بروفينسيا ( مملكة النار)

ما لفت نظر آمبر اليوم... لم يكن سوى رماد. رماد رمادي غامق، ساكن.

ثم — لمحة.

شرارة.

وميض صغير انبثق من وسط الرماد .

وكأنه عَبَر من عالمٍ آخر ليلفت نظرها.

اقتربت، ببطء، كأنها تخشى أن تنكسر لحظة ما تزال تتشكل.

جثت على ركبتيها أمام الموقد.

لم يكن فيه شيء... سوى دائرة رماد.

لكن ما أثار قلقها، أن الرماد تحرك — لا بريح، بل بدفء غريب... وترك في وسطه علامة. شكل نصف ريشة، محروقة من المنتصف.

مدّت يدها، تلامس الرماد.

كان دافئًا... بل نابضًا.

أمبر بهمس خافت:

"عنقاء..."

الكلمة خرجت من فمها كاعترافٍ نُطق للمرة الأولى.

في تلك اللحظة، سرت رجفة في عمودها الفقري.

ثم، من حيث لا تدري، سُمع صوت — ليس خارجيًا، بل داخلها:

"حين تحترق العنقاء، تُفتح الأبواب... اتبعي وهجها، ستجدين ما حُجب عنك."

اتسعت عيناها.

كان ذلك... تلميحًا.

ليس عن إيفان فقط، بل عن الأحلام، والمخطوطات، والماضي الذي دُفن عمداً.

نهضت.

نظرت إلى الحديقة الشرقية — حيث يقول البعض إن هناك معبدًا قديمًا، مطمورًا تحت الرمال، كانت ٱقيمت فيه طقوس عقد النار الأولى. مكان قيل إن نُسخًا من مخطوطات القوى دُفنت فيه

خطواتها الأولى كانت بطيئة، مترددة.

ثم أسرعت.

عبرت بستان الزيتون، حتى وصلت إلى الحديقة الشرقية — أرض جافة لم يزرعها أحد منذ سنوات.

وهناك...

في وسط التراب المتشقق، رأت صخرة دائرية، نصفها مغطى بالرمال.

أزاحت الغبار بيديها، فظهر الرمز: عنقاء كاملة بأجنحة ممدودة، ونقش صغير تحتها بلغة قديمة.

لكنها استطاعت قراءته دون عناء، كأن الكلمات خُزنت في عقلها منذ زمن:

"حين تحترق النية، تُفتح الأبواب."

جلست أمام الحجر.

أغمضت عينيها، وحصرت نيتها في شيء واحد:

"أنا أبحث عن الحقيقة... عن من أنا، ولماذا هذه الذكريات تطاردني."

وفجأة — الحجر اهتز.

ضوء برتقالي تسلل من الشقوق، ثم انفتح الحجر ببطء، كاشفًا عن درج حجري مظلم يقود إلى أسفل الأرض.

تراجعت قليلاً، قلبها يطرق صدرها كطبول تنذر بشيء كبير.

لكنها لم تتراجع.

"لا مزيد من الهروب... أنا سيدة القوى، وآن لي أن أعرف لماذا اختيرت لي هذه النار."

نزلت.

خطوة... فخطوة.

وفي داخلها، يقين يتشكل:

الحلم لم يكن سوى البداية.

والمخطوطات التي خُبئت عنها، ستحمل الإجابة عن كل شيء — عن إيفان، عن الاحلام العشوائية ، عن لعنة الامبراطورة ...

المكان مظلم ، لكن لسبب ما ، كلما تقدمت آمبر تتوهج الشموع المعلقة على الجدران الحجرية

واصلت النزول ، انوار من النار تلتف حولها و كأنها ترشدها الى الطريق

الى ان وصلت قاعة واسعه تحت الارض ، ذات طراز ملكي عربي أصيل ، تحتوي على رفوف كثيرة تحتضن آلاف الكتب ، وسط تلك القاعة ، كان هناك تمثال لطائر ما

طائر العنقاء الاسطوري ، طائر النار ، عنقاء الامل

تقدمت منه امبر بهدوء متأملة له ، و كأن ذلك الطائر انتظرها لسنوات .

...و كأن ذلك الطائر ينظر إليها.

عينيه الحجريتين، اللامعتين بنورٍ غريب، تحملان شيئًا أعمق من النحت، أقدم من الحجر،

كأنهما تعرفانها.

أمبر توقفت عند قاعدته، ترفع يدها ببطء...

مجرد لمسة خفيفة على جناحه —

فانفجرت دائرة من النور حول التمثال، كما لو أن الأرض تنفّست للمرة الأولى منذ قرون.

الشموع كلها اشتعلت دفعة واحدة،

رفوف الكتب اهتزت،

وغبارٌ ناعم بدأ يتساقط من السقف كرماد ذكرى تُبعث من جديد.

التمثال الحجري تحول فجأة لطائر عنقاء ناري خاطف للأنفاس ، إلتف حولها مغلفا اياها بنيرانه الدافئة الجذابة

ثم... سُمِعَ الصوت.

كان ناعمًا، متكسّرًا كأغنية ضائعة في ممرات الزمن:

"سيدة القوى، يا من حملتِ الشعلة في الظلمة...

لقد عادت الذكرى، وعاد الدم ليبحث عن نَسَبه.

الحقيقة مدفونة هنا، بين الحبر والنار."

أمبر ابتلعت ريقها، عيناها تائهتان

ثم رأتها.

مخطوطة واحدة، تختلف عن بقية الكتب، مضيئة كأنها مشتعلة من الداخل،

موضوعة عند قدمَي العنقاء.

اقتربت.

مدّت يدها نحوها... ولمّا لامستها، شعرت باهتزازٍ عميق في صدرها،

كأن النبض ذاته تغيّر.

'هذه المخطوطة مصنوعة من سحر قوي ، قوي جدا ليناسب ساحرا من سحرة سيدة القوى ، الامر أشبه بأنها مصنوعه من سحر أقوى ، سحر لشخص لا يقهر حاملا للقوى كلها ، كشخص يشبهني ؟ '

ارتجفت.

لكنها لم تتراجع.

فتحت المخطوطة.

تضمنت خطة ما ، و خريطة لقارة لونازوري ، كانت خطة وضعت في سبيل الذهاب للقارة الاخرى و كسر اللعنه بعد التقيد بالخطوات المدروسة في المخطوطة لإعادة ديانا ، و اصلاح كل شيء

وسُمع صوت آخر — لا يأتي من الخارج، بل من داخلها:

"أنتِ وحدكِ من يستطيع كسر السلسلة...

لكن أول الحقيقة، هو وجعها."

أغمضت عينيها، وتنفّست.

شعرت بمزيج من المشاعر ... بالحيرة ، و الضياع ، لكن هناك شعور ما كان أقوى من باقي مشاعرها ، الامل و اليقين اللذان لم تعرف سببهما ، أحست ان كل ما ورد في المخطوطة كان صحيحا ، كما ان من وضعها هنا و خطط لكل شيء ، تعمد أن يبقي أثر السحر الذي استعمله على المخطوطه

كونه استعمل قوة كبيرة كهذه في المخطوطة ، رغم كونها مخطوطة بسيطة ، و أيقض طائر العنقاء الاسطوري ، بالطبع لن يكون شخصا عاديا ، و استغل احساس آمبر بالقوي بالقوى السحرية و الروحية لجعلها تثق بكل ما ورد في المخطوطة

وقفت آمبر و لفت المخطوطة جيدا و بادرت بالخروج ، لكن فجأة إلتف طائر العنقاء حولها مجددا قائلا بصوت راسخ

"سيدة القوى الخمس القادمة ، آمبر لونازوري ، سأكون المرافق الانيس لك طوال رحلتك ... سٱفيدك بكل ما اعلمه ، فأنا مثلك أجهل بعض الاشياء ... سأكون ذراعك الايمن سيدتي "

نظرت نحوه امبر للحظة

ثم قالت بصوت هادئ

" مالذي تقصده بكونك تجهل بعض الاشياء ؟"

همس الطائر بهدوء

" الجميع يعلم أنني الحامي لمملكة النار لكنني عقدت عقدا مع ملك هذه القارة السابع ، و اصبحت حاميا للقارة هذه ، لكن هناك شخص ما قيدني بسحر خاص قبل 500 سنة في عهد سيدة القوى الخمس التي قبلك ، لكن هناك من حررني ، و قدم المخطوطة لي و خطط لمجيئك ، كنت مقيدا الحركة ، لكن بلمستك تلك لجناحي في وقت سابق ، تحرر القيد بفضل قواك ، سيدتي ، المشكلة هنا انني لا اذكر من حررني ، او ما حصل في فترة تقييدي هناك الاف الامور التي اجهلها "

نظرت له آمبر مطولا و كأنها تحاول إيجاد ذرة كذب في كلامه ، كان صادقا ، وجه الصدق بارق من عينيه ....

نبست بهدوء

"و المطلوب مني ؟"

"التعاقد معي "

اكملت امبر بابتسامة جانبية

"التعاقد معك ؟ الا يعني هذا انك لن تبقى حاميا لهذه القارة ولا مملكة النار ، بل ستصبح تابعا للعائلة الامبراطورية ، ستصبح تابعا لسلالة القمر الازرق ... أيروقك هذا حقا؟"

صمت الطائر للحظة ثم نبس

" سلالة القمر الازرق ... لونازوري ... "

ثم اكمل بحزم

" لا خيار امامي سوى الانصياع للقدر ، اريد استعادة ذكرياتي كما انني سأكون عونا كبيرا لك سيدتي "

رأت امبر انه سيكون عونا لها ، و انه مثلها ، يريد معرفة المخفي ، هو يريد معرفة ذاته و ذكرياته المفقودة و هي تريد معرفة قصة تلك الكوابيس

التي لا تعلم ما اذا كانت حقيقة ام لا ...

*.❅·🧣⋆يَــتبَع ·˚ ༘ 🧤

*.❅·⋆·˚ ¡?

.

.

.

.

.

.

.

.

أَسْـــتَــغْــفِرُ الـلـهَ " {3}

"الحَــمْدُ لـلـه" {3}

"الـلـه أَكْبَــر"{3}

"سُــبْحَـانَ رَبِي الأَعْــلَى"{3}

" سُبْــحانَ الـلـه العـظيـم "{3}

2025/05/09 · 2 مشاهدة · 1786 كلمة
هالفيتي
نادي الروايات - 2025