ثم تدفقت الأغنية.
{على مجرى النهر المقدس،
الذي يتدفق بهدوء هنا؛
تنعشه ترانيم الطيور بين أشجار الصنوبر.}
في تلك اللحظة، جفلت ذراع هانز، التي كانت تمسك أريا بإحكام، وارتجفت.
'هل تغنين في هذه الحالة؟'
هل جُنَّت هذه الطفلة لأنها كانت مذعورة؟
ومع ذلك، تلاشت المشاعر العبثية بينما ذاب الهواء البارد بعيدًا في لحظة.
لقد كانت تغني بشكل جيد للغاية….
{سنبحر بعيدًا؛
على مجرى النهر، سنبحر بعيدًا ؛}
استمرت الألحان التي كانت ملفوفة برفق حول أذنيه في التدفق وكأنها تتدفق عبر نهر.
عندها توقف الثعبان عن الزحف.
على وجه الدقة، أصبحت عيون الفريسة، التي كانت تتحكم في سلوك الثعبان، ضبابية. ورمش بعينيه.
وكأنه لا يعرف الان ماذا يفعل في هذا المكان.
{عبر أمواج النهر التي تتلألأ بشكل مشرق،
نجدِّف بلا مبالاة،
سنصل قريبا إلى المنحدرات.}
أغنية السلام.
لقد كانت أغنيةً تجعل المرء يفقد كل نواياه في القتل في لحظة.
وحتى الأشخاص الذين تجمعهم علاقة عداوة يمكن أن يمسكوا بأيدي بعضهم البعض مؤقتًا.
{حيث تغرد العصافير بخفة.
عسى أن يحفظك الرب من الأخطار.}
الألحان التي حلَّقت إلى الأعلى بدأت تسقط من السماء مثل زهور الربيع التي ترقص في الرياح.
مد هانز يده إلى الهواء الفارغ.
'لدي مهمة لأفعلها…'
لحن رقيق يعانق جسده كلَّه بلطف.
شعر بالإستنزاف بشكل غريب. من الواضح بأنه لم يكن لديه وقتٌ ليضيعه حتى وقت سابق واعتقد بأنه يجب أن يتحرك بسرعة.
لكن سرعان ما أصبح الأمر غير مهم.
{حتى نصل إلى البحيرة التي في مرمى بصرنا،
حيث يوجد البجع البري، تلك الأجنحة الثلجية التي لديهم كالغرباء،}
لم يكن يريد أن يفعل أي شيء.
يريد فقط أن يبقى في هذا المكان ويستمع إلى هذه الأغنية إلى الما لا نهاية.
هذا المكان…..
لكن أين يوجد هذا المكان؟
آه، إنها الدوقية الكبرى للفالنتاين.
'ماذا عن ذلك الأمر.'
عائلة الفالنتاين.
لقد اعتاد بأن يعتقد أنهم أشرار يستحقون الموت، لكنه لم يعد يشعر بأي عداء تجاههم، ولا يشعر بالرغبة في القتال ضدهم على الإطلاق.
{تعال وانضم إلينا في اجتماعهم!
آه! تعال وانضم إلينا في اجتماعهم!}
لم يكن أمام هانز أي خيار سوى أن يرخي اليد التي كانت تحمل أريا.
***
"لماذا ينقسم الناس ويتقاتلون ويبدؤون الحروب؟ سيكون من الجميل أن يتعايشوا مثلنا".
تمتم هانز، الذي قرر أن يكون من دعاة السلام اعتبارًا من اليوم، بحزن بينما يمسك بذقنه.
وفريسة جرذان الحضيض الجالس بهدوء بجانبه أومأ برأسه كما لو أنه متفق مع ما يقول.
"هل أنتَ في مهمة لاختطافي؟"
سألت أريا سؤالا.
"هاه. كنت سأقوم بتهديدهم بكِ بعد أن أصيبَكِ بالشلل عن طريق ثعبان التحنيط. وذلك من خلال عرض ترياقٍ عليهم، والذي هو غير موجود في الأساس، كشرط ".
عندها نطق هانز بكل الحقيقة دون تردد وكان هو نفسه عاجزًا عن الكلام من الدهشة.
"أي شرير هذا من الدرجة الثالثة* الذي لديه مثل هذه الفكرة بحق خالق الجحيم؟ فكرة من هذه؟ "
عندها حدَّقت الفريسة في هانز. وغمغم هانز كما لو أنه تذكر ذلك بعد فوات الأوان.
"آه ... لقد كنت أنا."
" … "
"أنا هو الشرير من الدرجة الثالثة."
بدا هانز المسالم مصدومًا تمامًا من شخصيته الحالية.
'إنها أغنيتي، لكنها بالفعل ...'
أحيانًا يكون من المخيف رؤية تأثيرها.
تساءلت أريا كيف سيكون رد فعله في اللحظة التي سيستعيد فيها عقله. لقد كانت مقتنعة بأنه سوف يشتم نفسه بسبب الغضب الشديد والعار.
"لا يوجد ترياق؟"
"لا. لا يزال غير مكتمل ".
إذن، يبدو بأنه بعد 5 سنوات من التجول في الظلام داخل الحضيض سيكتمل صنع ثعبان التحنيط.
"إنه ليس ثعبانًا حقيقيًا، أليس كذلك؟"
”إنه كيميرا*. مخلوق مصنوع من يد البشر. "
"كيميرا ..."
فكرت أريا في ذلك للحظة.
لقد كان الأمر غريبًا نوعًا ما.
على الرغم من أنه كان أمرًا من سيده بإبقاء الثعابين في جسده، إلا أن تلك الثعابين لم تكن لتظهر النية لمهاجمتها.
لكن هذه قامت بمثل ذلك التصرف لأنها كانت حياةً لم تولد بشكل طبيعي.
'هذا يعني بأنك كنت تحاول استخدام سمٍّ غير مكتمل علي والذي ليس لديه حتى ترياق مناسب.'
فكرت في ذلك ونظرت إلى الجاكوار الذي كان بين ذراعيها.
لولا هذا الصغير، لكانت قد سُحبت إلى الحضيض الآن، وكانت ستُستخدم كأداة تهديد حتى يوم وفاتها.
ستكون واعية بمحيطها، لكن جسدها سيكون متجمدًا مثل الدمية، وستكون غير قادرة على الحركة.
لن تستطيع فعل أي شيء.
‘إن الأمر مروع مثل الحياة السابقة.'
نظرت أريا حولها. لقد أرادت البحث أكثر، ولكن للأسف، قبل أن تتدفق الحشود، عليها أن تقرر كيفية التعامل مع هذا.
"هل ستسلميننا إلى الحراس هكذا؟"
لكنها لم ترغب في ذلك. لقد كادت أن تتعرض للهجوم، لذا لم ترغب في ترك الأمر يمر بهذه السهولة.
'وأكثر من أي شيء آخر، جرذان الحضيض.'
حتى لو سلمت هذين الشخصين إلى حراس الأمن، فلن يتسبب الأمر في أي ضرر لجرذان الحضيض.
لم تستطع تركهم يفلتون بالأمر هكذا.
'ربما لديهم نزعة انتقامية مناسبة بسبب قضية فينسنت ...'
أليس من اللازم أن يعرفوا ما سيحدث إذا قاموا بحيل متسرعة؟
"هل أنت من رتبة عالية في الحضيض؟"
عندها وضع يده على خصره وكأنها تسأل عن شيء واضح وأجابها بثقة.
"بالتأكيد. أنا أيضا شخص موثوق به، ولدي عدد غير قليل من الإخوة الصغار ".
كان يبدو الأمر هكذا منذ البداية.
لقد توصَّل إلى خطة تبدو خطيرة للتسلل إلى قلعة الفالنتاين من أجل خطف خطيبة الأمير الأول بنفسه، وحتى وضعها موضع التنفيذ.
"هذا يعني بأنني واثق من مهاراتي وأنني شخص موثوق به."
إنه لا يبدو وكأنه شخص دائما ما يفعل الأشياء بشكل غير كامل.
'يجب أن يكون قد تم اختيار تلك الفريسة لقدرته على الاحتفاظ بثعابين التحنيط في جسده، والطَّرَف ...'
نظرت أريا إلى هانز لأعلى ولأسفل.
ظهر فجأة من العدم حيث لم يكن هناك أي أحد وأوقعها أرضًا. كما أنها شعرت بتدفق السحر في اللحظة التي لمس فيها يد أريا.
'لابد من أنه ساحر.'
هذا رائع جدا أيضًا. على الرغم من أنه لم يتمرد أبدًا وتأثَّرَ بأغنية السلام، إلا أن ذلك حصل لأنه لم يكن لديه أي فكرة بأن أريا كانت سيرين.
"إذن اسمحي لدعاة السلام هؤلاء بأن يفعلوا ذلك." (قصد انه سيسلم نفسه للحراس)
"هاه؟ ماذا يعني ذلك…"
تذكرت أريا الأغنية التي غنَّتها ذات مرة من أجل أن يتم نقشها في الروح.
{الحب طائر متمرد.}
وبدأت تغني.
أغنية تجعل الخصم مطيعًا تمامًا.
لقد كانت أغنية السِّحر.
***
"آنستي! لقد جئت راكضًا بعد أن سمعت بأنك لوحدك ... أوواك*! " (*مؤثر صوتي للصراخ)
صرخ كارلين، الذي أخمد النار بسرعة وركض إلى الحديقة.
لأن أريا كانت مستلقية على العشب وكانت تهذي. وبجانبها كان الجاكوار يئنّ بينما يعض طرف ثوبها وكأنه يسحبها كي يضعها بطريقة ما في مكان آمن.
لكن بدا من المستحيل أن يحملها على ظهره حتى لأن أريا لم تستطع رفع إصبع واحد.
"ما هذا بحق خالق الجحيم!"
ذُهِل الشامان وأمسكها بسرعة.
ونظر إليها بعمق. لقد كان جسدها رخوًا كما لو أن طاقتها قد نفدت، لكن لا يبدو أن هناك شيئًا خطأ.
ارتاح قلبه.
لقد اندلع الحريق فجأة، لذا ركض تحسبًا لأي طارئ، لكن من حسن الحظ أن شيئًا لم يحدث.
"شكرًا لك. فقد جسدي قوته فجأة ولم أستطع الحركة ".
"انتظري، هل أصبحت هكذا فجأة أثناء المشي؟"
تلعثم، بينما أصبح لونه أبيضًا شاحبًا. لقد كانت تعابير وجهه تعبّر عن عدم معرفته بوجود مثل هذا الجسم الشبيه بالزجاج في العالم.
'هل ذلك ممكن؟'
أضافت آريا كلمة أخرى.
"أتعلم. يمكنني الآن غناء أغنية الشفاء ".
ابتسمت بصوت خافت بينما تحوِّل نظرها نحو الجاغوار الصحي.
تمت إزالة السموم منه قبل أن يتم تصلب الجسم تمامًا بسمّ التحنيط. لذلك لن تكون هناك آثار جانبية لاحقة معينة.
"نعم؟ كيف؟ لا، انتظري ... ألم أقل لك ألا تستخدمي قواك حتى تتحسني! "
لقد استخدمتِ قوتك بالإجبار وهذا ما حدث! كنت أعرف!
هَمْهَم كارلين وصرخ وتذمر.
عندما أصدرت أريا، التي تعرضت لهجوم في طبلة أذنها، صوت أنين، سرعان ما تضاءل صوته.
"أنت في حالة جيدة بشكل غريب بعد شيء كهذا؟ طاقتك مستقرة للغاية ... "
"لقد اقترضت طاقة كارلين في المرة الأخيرة، ولكن بمجرد أن تمّ فتح المسار، كان الأمر أسهل من هناك."
كان ذلك سخيفًا.
لقد نجَحَت في استخدام قوة شخص آخر مرة، وبعدها نجحت في إدارة الطاقة بالكامل بقوتها الخاصة؟
"هل تقولين بأنك سمعتي النظرية مرة واحدة فقط وطبقتها دون تجربة أو خطأ؟"
أي نوع من العباقرة يجب أن تكون كي تصبح قادرة على القيام بذلك؟
أخرج كارلين لسانه دون أن ينبس ببنت شفة.
'هل هذا ما يشعر به الآخرون عندما يرونني؟' فكر في نفسه.
كانت اريا خارج نطاق فهمه، هو الذي يفتخر بكونه عبقريًا.
"لماذا غنَّيت فجأة أغنية الشفاء؟"
لم يسأل كارلين، لكنه نظر حوله للحظة.
عند رؤيته لحالة أريا، كان مذهولًا لدرجة أن الأوان قد فات على إدراكه للأمر.
'.. رائحة المكان سيئة؟'
كانت الرائحة فظيعة لدرجة الرغبة في التقيؤ، وكانت رائحةً كريهة كما لو أن شيئًا مزعجًا كان يلتصق بالجسم كله.
لقد كان يعرف هذه الرائحة جيدًا.
رائحة الحضيض.
"بأي حال من الأحوال، هل كان جرذان الحضيض هنا؟ هل غادروا؟ "
نظرت إليه آريا بنظرة تقول كيف عرفت ذلك.
استنشقت الهواء عدة مرات ولاحظت الأمر.
لقد كان لديه أنف كلب لا يصدق.
"لا، بل طرفه."
"ماذا؟!"
أصيب كارلين بالذهول من هذه الكلمات.
"لماذا لم تخبريني من قبل!"
"لقد اعتنيت به بمفردي؟"
"يا إلهي…."
لقد كان عاجزًا عن الكلام ، فتوقف ولمس جبهته.
يبدو أن آريا لم تكن تدرك بأنها في العاشرة من عمرها فقط. وحتى لو حدث وكانت لديها آثار جانبية على شخصيتها نتيجة معرفة المستقبل، لكن هذا لا يعني بأنها أصبحت بالغة.
"إذن كان هناك حريق، والسيدة غنّت أغنية شفاء ... ماذا حدث بحق خالق الجحيم ... آه، هل سوف أُقتَل أخيرًا على يد صاحب عملي؟"
تمتم كارلين: لقد كنت أعرف أن هذا اليوم سيأتي.
لقد كان يتحدث بوجه جاد.
"لا، سأُبقي الأمر سرًا أن طرف جرذان الحضيض تسلل إلى هنا."
"لا، ليس عليك ذلك. بالطبع سوف أتعرض للقتل، لكنهم يهدفون إلى الآنسة الصغيرة التي ستصبح دوقة فالنتاين الكبرى. ومن أجل أن يصبحوا عبرة، يجب علينا معاقبتهم ".
أجاب الشامان بحدة.
كان يكره رؤية جرذان الحضيض أكثر من الموت لأن تلك الجرذان كانت تنظر باستخفاف إلى عائلة الفالنتاين.
"سأفجر الحضيض!"
بدا كارلين، الذي كان يُعتقد بأنه شخص عقلاني، مثل تريستان ولويد للحظة.
فكرت أريا في نفسها: 'يبدو أنك تحب عائلة الفالنتاين أيضًا'
"هل تعلم ماذا يعني تدمير الذات؟"
"كيف لي أن لا أعرف."
"التدمير الذاتي؟"
"لماذا تتصرفين فجأة مثل البلهاء؟"
هزت أريا رأسها وأضافت:
"ستكون الأمور هكذا قريبًا."
~~~~~~~
[إقتباس الأغنية من: "Flower Duet" من Delibes أوبرا Lakmé]
~~~~~~
*الشرير من الدرجة الثالثة هو مصطلح أدبي يطلق على أشرار الروايات المبتذلين وذوي المكانة المنخفضة والمنحطّة في القصة.
*كيميرا أو خَيْمَر باللغة العربية وهو مخلوق شهير في الأساطير اليونانية القديمة، مكوّن من ثلاثة حيوانات، رأس أسد وجسم ماعز وذيل حية .. واصبحت هذه الكلمة تستخدم فيما بعد لوصف اي شيء تدخلت فيه يد الانسان ولم يولد بطريقة طبيعية (سواء كان عن طريق التهجين او في الروايات عن طرق السحر او الخيمياء)
صورة الكيميرا الحقيقية 👇
*التحنيط هو حفظ جثث الموتى باستعمال مواد كيميائية، فيبقى جسم الإنسان محافظاً على مظهرهِ ويبدو كأنهُ حي.. وفي هذا الفصل قُصِد به تصلب الجسد وتحوله إلى هيئة تشبه الحجر لكن مع الحفاظ على الروح بداخله فيصبح الانسان مثل دمية جامدة. ذكرت الاساطير الإغريقية القديمة بضعة وحوش كانت قادرة على تحويل الانسان الى هذه الحالة ومنها 'ميدوسا'، وهي واحدة من ثلاث أخوات يسمون بالجورجيات، وكانت مشهورة بجمالها وحسنها مما جعل الاله نيون يقع في حبها، فمارسوا الفاحشة بداخل المعبد مما أدى إلى لعنها من طرف إلهة المعبد مينيرفا وجعلت شعرها الجميل الذي أعجب نيون يتحول الى أفاعي وأصبحت لديها القدرة على تحويل كل من ينظر اليها الى تمثال حجري. قُتلت في الاخير على يد بيرسيوس.
تم تخليد هذه الأسطورة في اللوحة الشهيرة للرسام الباروكي كارافاجيو نهاية القرن السادس عشر .. ولم يقتصر الأمر على اللوحة فحسب بل كانت هذه القصة مصدر إلهام للعديد من الفنانين في القرن ال17 وتجسدت في العديد من المنحوتات والرسومات والاعمال الأدبية ولا زالت الى حد اليوم احد اشهر الاساطير التي لا تخلو منها افلام الفانتازيا الساحرة.
اللوحة 👇
~~~~~
أتمنى لكم قراءة ممتعة 🌷🥰💕✨