لكل فعل رد فعل، حين تكون جزء من سلسلة انتقام لا تنتهي عليك ان تحسب كل خطوة بدقة و تدرسها جيدا، ففي اللحظة التي تظن بها انك تفوقت على غريمك ستقع بشباك الغرور و ستغفل حينها عن الصورة الكبيرة، لتغرق اثر ذلك ببحر الخطة المضادة التي قد تكون حيكت ضدك دون ان تدري، و أحيانا لن تحسب نفسك بتلك السلسلة بالفعل، حينها اعلم انك قد انتهيت، فأصعب الأمور التي يمكنك التعامل معها هي الأمور المفاجئة و التي تأتيك على غفلة منك، خاصة إن كنت ذا ميولات غريبة .

السؤال الأن هو كيف تعرف انك ضمن سلسلة انتقام ؟

لا يوجد شيء يمكنك الاعتماد عليه لمعرفة ذلك ، لكني سأسرد لك طريقة فعالة لمعرفة مدى احتمال كونك ضمن هذه السلسة، الامر بسيط، راجع نفسك ! عليك مراجعة افعالك لتعلم، حتى الأفعال البسيطة في نظرك راجعها ، فلعل مزحة طفل صغير قد تدمر عائلة كاملة ، و هو ما يعرف بتأثير الفراشة .

جرت جسدها بملل إلى المطبخ و هي تجاهد لفتح عيناها، فسهرها ليلة أمس جعلها الأن ترغب بالاستمرار بنومها الهنيء لكن صوت صراخ والدتها المزعج جعلها تعدل عن فكرتها و تستيقظ لوحدها بوقت باكر في نظرها، فهي تفضل جهاد الإستيقاظ على أن تتم معاقبتها بسحب هاتفها أو أحد أجهزتها الإلكترونية، اعدت كوب قهوتها القاتمة المرة و قد حاولت بشتى الطرق أن لا تسكبه أثناء سيرها نحو المائدة، ما إن باشرت احتساء اول جرعة لها حتى باغتتها والدتها يطلبها

" بيلا حبيبتي هل لك أن توقظ شقيقتك كاثرين ؟ "

بصقت بيلا ما كان في حلقها، فطلب كهذا هو بمثابة طلب الموت من أحدهم بطريقة غير مباشرة، نبست من نوبة سعالها باستنكار

" ماذا؟ …. أنا …. لكـ …"

قطعتها ولدتها بصوتها الغاضب و بلهجتها الصارمة التي لا رجعة فيها

" بيلا أنا لن أقضي اليوم بطوله احاول اقناعك! "

همهمت الأخرى بعد أن انكمشت ملامحها في انزعاج لتقول من تحت انفاسها بكلمات عاجزة ممزوجة بالخيبة

" انا فقط لا اريد الذهاب للثانوية بإعاقة دائمة"

أجفلت على صوت صراخ والدتها باسمها و الذي دل على أن فرصة تفاوضهما منعدمة، لم تجد بيلا مفرا من الانصياع لرغبة والدتها التي اعتبرتها رغبة مجنونة، لذا حملت كل ثقلها نحو غرفة توأمها ' الحبيبة' كاثرين، كان بالنسبة لبيلا من السيء حقا ان تمتلك اختا ككاثرين، فقد كان من المسلمات احتمالية فقدانك لرأسك ان حاولت الإقتراب منها و هي نائمة، أما إن أيقظتها فاعلم انه لن يحل عليك صباح، ستكون ميتا لا محالة !

لاحظت انها تقف بالفعل امام غرفة نوم شقيقتها رغم انها لا تدري حقا متى وصلت او كيف فقد كانت غارقة فقط بأفكارها أثناء سيرها، رفعت يدها و كل دواخلها تأمل أن تكون كاثرين مستيقظة و توفر عليها عناء زيارة الطبيب، طرقت الباب ثلاثا لكن لا رد، لذا فتحته بهدوء و لكم راعها المنظر، فقد كان جل الأثاث يطفو حول توأمها حرفيا، في الواقع هو امر معتاد ومعروف بكل عائلة سيلفر فأختها ولدت بمانا غير مستقرة، بينما بيلا ولدت بمخزون ضئيل من هذه الأخيرة، رغم ذلك التوأمان كاثرين و بيلا يعتبران اخر ساحرات بعائلة سيلفر التي لم تنجب اي سحرة منذ أزيد من قرن من الزمن، تقدمت بيلا بضع خطوات نحو سرير اختها، حاولت المناداة باسم الراقدة لكن صوتها خرج مرتجفها كالهمس، بالكاد قد تسمعه هي فما بالك بشخص نومه كالسباة، اخذت نفسا عميقا مهدئة به من روعها، ثم اعادت مناداة كاثرين بصوت مرتفع نسبيا لكنها كانت كالقتيل، لا تستجيب !

اقتربت اكثر مبقية على مسافة امان بينها و بين شقيقتها فقد كان جل اهتمامها منصبا على أن لا تصبح حديث الفتيات بالإعاقة التي من المحتمل ان تسببها لها تلك المتوحشة الراقدة، بعثرت افكارها محاولة البحث عن الحل، ثم جالت بحدقتيها القرمزية الأثاث المعلق في الهواء باحثة عن اي شيء قد يساعدها،تهللت اساريرها عقب نسجها لخطة صغيرة رغم كونها مجنونة، لكنها كانت تؤمن انه لا يوجد امامها سوى خيارين اليوم إما ان تنجح و تنجو و إما ان تفشل و تودع حياتها، هي تعرف اختها جيدا، لن تتردد بقتلها!

أو فقط هذا ما كانت تؤمن به

عبرت بيلا الدرج وثبا لتهجم على غرفة شقيقها الأصغر ريو كثور هارب من حلبة ثيران مجنونة، وقفت امامه محاولة إلتقاط انفاسها ثم سألته بكلمات مبعثرة

" المسدس… مسدس الماء… اعني لعبتك…. اين هي ؟ "

أشار بسبابته الصغيرة دون ان ينبس ببنت شفة، فقد كان لا يزال تحت تأثير صدمة اقتحام اخته المجنونة لغرفته الهادئة و المسالمة، تناولت هي غايتها و اتجهت ركضا نحو الحمام، ملئت خزانه بالمياه ثم عادت لغرفة شقيقتها، فلتت منها ضحكة بعد ان استوعبت المنظر الذي تبدو عليه الغرفة، فقد كان شعرها الفضي الذي يصل لمنتصف ظهرها يغطي كل من وجهها و الوسادة، بينما يدها مسندة على درابزين سريرها الأثري و الأخرى متموضعة تحت جسدها النحيل الممشوق، اما رجلاها فقد كانت تحتضن وسادة أخرى ذات لون بنفسجي كلون سائر الأثاث الذي يزركش قسمات الغرفة، حاولت بيلا جاهدة كتم ضحكاتها بينما تتناول كل من هاتفها و مكبر الصوت -الذي كانا يطفوان هما الأخرين كغيرهم من متعلقات كاثرين- تلت بيلا تعويذة بسيطة على المسدس تمنع خضوع المياه لسحر شقيقتها، بينما تتمتم بسعادة مخفية

" ماذا ستفعلين الأن ايتها الساحرة الشرسة "

لم يطل السؤال برأسها كثيرا، فقد جاءها الرد بنفس اللحظة بحيث وضعت كاثرين كلتا يديها على اذنيها تحاول كتم الصوت المزعج من النفوذ لرأسها، كما أطبقت على جفنيها بقوة في انزعاج صريح منها، وجهها كان يقطر ماء و كذلك ملابسها، لم تعلم بعدها بيلا ما اللعنة التي حلت في الثانية التالية، ففي اللحظة التي انفرجت بها عيناها عن اخرهما هوى كل الأثاث ليصدر دويا انتفض عقبه جسد المسكينة بيلا مرتجفة، و قبل أن يرتد جفني بيلا وجدت كاثرين امامها تبحلق بها بحدقتيها الحمراء الدموية و هالة من البرود تحيط كيانها، انزلت البائسة بيلا بصرها نحو اليد الموجهة لعنقها لتجد مشرطا من الاينوكس يضغط لحمها الأبيض اليشمي، لم تدري ان كانت حافة نصله تلمع حقا ام انه تأثير ارتفاع مستويات الادرينالين بأوردتها.

شعرت ببضع قطرات ساخنة منسابة خاطة طريقها نحو عضام ترقوة التي تزينها، ابتلعت رقيها بينما انفاسها كانت قد تجمدت أنفا، حاولت النطق بأي شيء لتدارك الموقف، لكن لم يخرج من فاهها سوى تهتهات لا تحمل اي معنى و كأن الكلمات تجمدت بحلقها بل كانت بالفعل هي كذلك، عقلها كان يفكر فقط بمصدر الأسلحة التي تخفيها اختها، حتى كادت تجزم انها تخفي قنبلة نووية في غرفتها بل ربما بجيبها، اثناء محادثاتها النفسية انزلت كاثرين يديها مبتسمة لبيلا بهدوء و رزانة كأنما لم تفعل شيئا، ربتت على رأسها و هي تتلو بداخلها بضع تعوذات جعلت الجرح الذي تسببت به لأختها بيلا يختفي، ما إن انتهت حتى اردفت بتأني

" اخبريها اني سألتحق بكم بعد قليل"

أومأت بيلا ايجابا بعد كلام اختها ثم انسلت للخارج للتنفس الصعداء بعد ان كان بينها و بين الموت شعرة، ثم إبتعدت بخطوات مهرولة عن الغرفة و كل دواخلها تصدح بمدى جنون اختها، تمتمت بغضب ممزج بخوف من خلف اسنانها

" مجنونة، انها مجنونة، بل هي حتما كذلك، من يشهر بنصل مشرطه بوجه توأمه ! طبعا لن يكون إلا شخص سيكوباثي معادي للمجتمع له عقد نفسية، أنا متأكدة ان نهايتي ستكون على يدها حتما ذات يوم "

في تلك الأثناء بعد انصراف بيلا كانت كاثرين قد اخذت بالفعل حماما باردا ازالت به اثر التعب الذي اكتسى كل خلية من جسدها، كانت ساخطة من الوضع الذي تعيشه فعائلتها تعتمد عليها في كل شيء تقريبا، كلا بل هي بالفعل تعتمد عليها في كل شيء، حتى في جلب الطعام لهم، لعنت من تحت انفاسها، يكفيها فقط أعمالها المكتبية التي لا تنتهي، غسلت وجهها مرارا و تكرارا لتنفض كم الإرهاق الجاثم عليها، ما خفف سخطها هو كون ان دور بيلا سيكون غدا، و هو ما سيمنحها مجالا الراحة و إن كان لمجرد اسبوع واحد فقط

تأملت غرفتها في انزعاج فقد كانت بحال يرثى لها، رتبتها بسرعة مستعينة ببعض السحر بعد ان انهت تجفيف شعرها، ثم ارتدت ملابس تليق بالجامعة بينما تركت شعرها القمري منسدلا على ظهرها

تناولت هاتفها وشرعت تتصفح اخر الأخبار و مستجدات اليوم كأداء روتيني يصب بأعمالها المكتبية اليومية، انتبهت لوجود اشعار من الإيميل ما جعلها تستغرب، فهي نادرا ما تتلقى إشعارات من هذه المنصبة بحسابها هذا الذي يعتبر مجرد حساب للتسلية و ليس خاصا بالأعمال الرسمية، تفقدت الإشعار لتجد ان المرسل كان شخصا يضع اسم المنتقم رازيس كاسم لحسابه، تملكها الفضول فضغطت على الإشعار ليقودها لفحوى الرسالة التي ابتلعت عيناها كلماتها بنهم و فضول لمعرفة سرها، تمتمت بعد كل حرف تقرءه بصوت منخفض حتى جمعت جملة كاملة كانت

' إن اردت النجاة فلا تقدم على ما تنتوين فعله اليوم '

شتمت من تحت انفاسها فقد كان اخر ما تتوقعه هو رسالة سامجة كهذه ، حسبت انها ستكون رسالة مهمة و ليس هراء كهذا، تمنت في هذه اللحظة لو فقط يختفي أمثال مرسل الرسالة من الكرة الأرضية و كذلك تحسرت على الوقت التي اضاعته بقراءة مثل هذه الترهات، أخذت حقيبتها في انزعاج لتلتحق بعائلتها الذين كانوا متحلقين بالفعل حول مائدة الإفطار ألقت التحية لتسحب الكرسي المجاور لبيلا و تجلس عليه، ما إن مدت يدها لتناول خبز التوست حتى وجهت والدتها سؤالها لها بلهفة شديدة

" ما مخططك لليوم يا كاثرين ؟ "

دحرجت الأخيرة عيناها بملل فروتينها اليومي قد بدء بالفعل مع سؤال والدتها هذا تمتمت من تحت انفاسها

" ها قد بدأنا مجددا "

كأي يوم اخر، هكذا تكون بدايته، أسئلة رتيبة اعتادت كاثرين الإجابة عنها، بل صارت تحفظ اجاباتها مسبقا عن ظهر قلب و عقل، ايام رتيبة و معتاد، إلا أن اليوم سيكون يوما مختلفا فاليوم هو يوم الحسم و تنفيذ ما كانت تنتوي عليه منذ ثلاث سنوات كاملة، و بعد ان طال الإنتظار أتى اليوم الموعود اخيرا، فهل ستستطيع النجاح و الظفر بغايتها ؟ ام انها ستشهد فشلا ذريعا بعد كل ذاك التخطيط و الحذر ؟

2023/06/25 · 39 مشاهدة · 1526 كلمة
السحبة
نادي الروايات - 2025