في صباح عطلة نهاية أسبوع، والنسيم البارد يهب بلطف،
كانت الشمس، الممزوجة بحلاوة الراحة، تدفئ الأرض ببقايا حرارة الصيف.
تجولت سحب حادة الحواف في السماء الزرقاء الصافية،
وانتشر في الجو عبق أوراق الأشجار المتمايلة.
لقد كان الصيف.
مشهدٌ هادئ، يليق بمثل هذا الوصف.
استنشقت كل هذا، وشعرت بالانتعاش...
"…اللعنة."
تمتمت بلعنة تحت أنفاسي.
يبدو أنني أصبحت ألعن كثيرًا منذ قدومي إلى هذا العالم.
لكن لا مفر من ذلك.
فاليوم، شعرت بأنني أسوأ من البارحة.
"بسبب ذلك الحلم..."
تنهدت، وأنا أمسك رأسي الذي لا يزال ينبض بالألم.
حلم وفاة والدتي.
كان كابوسًا أراه مرة واحدة على الأقل في الشهر، لذا كنت أعلم أن موعده قد حان،
لكن لم أتوقع أن يتداخل مع أحداث البارحة.
كان من الجيد رؤية والدتي في الحلم،
لكن لم يكن جيدًا رؤيتها وقد تحطمت جثتها بعدما صدمتها شاحنة.
"آه..."
تأوهت بوجه متجهم،
حينها تحدثت أرييل، التي كانت تقف بجانبي.
"أخي…؟ لا تبدو بخير هذا الصباح."
نظرت إليّ الفتاة ذات الشعر الأحمر بعيون قلقة.
مسحت شعرها برفق، فأغمضت عينيها بلذة، وكأنها قطّة تتمسح بيد صاحبها.
"هممم…"
…هل بدأت أشعر بتحسن قليلًا؟
الجمال نعمة عجيبة.
بإمكانه حتى تهدئة الصدمات النفسية.
أخفيت غضبي وكآبتي خلف قناع من الهدوء وابتسمت.
"أنا بخير. فقط لم أنم جيدًا البارحة، لذا أشعر ببعض التعب."
"هل أنت مريض؟"
"لا تقلقي، ليس الأمر كذلك."
عبثت بشعرها مجددًا، وابتسمت.
"الأهم من ذلك، هيا نبدأ."
ربّتُّ على سيف التدريب في يدي لتشتيت انتباه أرييل.
نظرت إليّ للحظة، ثم سحبت العصا المعلقة على ظهرها.
ابتسمت لها مجددًا، وتقدّمت إلى وسط ساحة التدريب.
"أخي! أقف هنا؟"
"ارجعي قليلًا."
"هكذا؟"
"ممتاز."
وقفت أرييل على بُعد مناسب مني،
وبدأت تضخ المانا في عصاها استعدادًا لاطلاق تعويذة.
"لكن، ما نوع هذا التدريب؟ عادةً ما تتدرب وحدك، أليس كذلك؟"
"هناك شيء أريد تجربته."
"تجربة؟"
أمالت أرييل رأسها باستغراب.
تلاعبت بالسيف الآخر المعلّق عند خصري، وأجبت:
"نعم. مؤخرًا… في الواقع، منذ حوالي شهر، حصلت على قدرة جديدة وأريد اختبارها."
"حصلت على قدرة؟"
"مم… فلنقل أنني أريد تجربة تقنية جديدة."
"فهمت."
أومأت أرييل بتفهم.
أحكمت قبضتي على السيف في يدي،
وباليد الأخرى، لمست بلطف "الحزن"، السيف المغمود عند خصري.
-نقرة…
صدر منه صوت غريب.
كان هذا السيف هو مفتاح تدريب اليوم.
كان عليّ أن أعتاد عليه قبل استخدامه في قتال حقيقي.
بالطبع، لم يكن بإمكاني التلويح به بحرية، فقد كان من المحرّم أن يعرف أحد أنه قطعة أثرية سماوية.
لكن استخدام مهاراته الخاصة دون لفت الانتباه كان ممكنًا.
الغمد كان يكتم تمامًا الهالة الفريدة لـ"الحزن".
"لنبدأ."
عندما أمسكت بالمقبض بقوة، اهتز "الحزن" كما لو كان متحمسًا.
-وووووو...
ربتُّ عليه مطمئنًا، ونظرت أمامي.
هناك، وقفت الساحرة ذات الشعر الأحمر، موجهة عصاها نحوي.
لوّحت أرييل بيدها وهتفت:
"أخي~! نبدأ~؟"
رفعت إصبعي مشيرًا بالموافقة.
ثم ضربت بعصاها المملوءة بالمانا الأرض.
-دوي!
اهتز المكان، وبدأت المانا من حولنا في الاضطراب.
-زئير…!
جزيئات المانا المضطربة اصطدمت ببعضها البعض، محدثة طنينًا غريبًا.
شعرت بتنميل يجري في جسدي، وعدّلت وقفتي.
وسط هذا التدفق الفوضوي، ركّزت أرييل طاقتها على تشكيل التعويذة، وأغمضت عينيها.
بدأت شفتيها الصغيرتين تترنمان.
"يا برد الشتاء القارس،
يا ماريبيل، التي أزهرت زهور الجليد في عالم نقي قبل أن تُسجّل الكتب.
اسمعي ندائي، أنا وريثة أرض الجليد القاحلة.
أشتهي مجزرتك العظيمة،
وأرغب في بناء برج الحزن بدموع الساحرات الساقطات.امنحيني البرودة التي تمحو الصيف."
-التطبيق السابع من سحر الجليد لأرييل-
『هبوط الجليد الرقيق 』
مع نهاية الترانيم، انخفضت درجة الحرارة فجأة.
تكوّنت طبقة من الصقيع الأبيض حول قدمي أرييل،
وتكثّف زفيرها ليصبح مرئيًا.
ظهرت شظايا ضخمة من الجليد خلفها.
"قضمة الصقيع، رماح الجليد."
مئة رمح جليدي ملأت السماء.
راقبتُ هذا المشهد ببتسامة ساخرة على وجهي.
كما هو متوقع من فرد من عائلة ليشايت.
كانت أرييل تمتلك موهبة طاغية في سحر الجليد،
وهذا ما يليق بمن وُلدت بهذه الهبة.
أرييل ليشايت، "ساحرة الشتاء"، والوريثة المرتقبة لشتاينر ليشايت، "إمبراطور اللهب".
شدّدت قبضتي على "الحزن" لأطرد رهبة الموقف.
ثم تمتمت:
"الحزن."
بمجرد أن نطقت اسمه، اهتز النصل بعنف.
تمسّكت بثبات، وفتحت عينيّ.
وميض أزرق خافت لمع في جفني.
نطقت بكلمة التفعيل:
"استيقظ."
-صريررررر!!!!
أطلق "الحزن" صرخة شرسة.
تسربت هالة زرقاء من الغمد، ومرت عبر يدي الممسكة بالمقبض.
تسلقت الرسغ كأفعى، ثم لفّت جسدي بأكمله.
حواسي…
استيقظت.
-دينغ!
[تم تفعيل المهارة الفريدة رقم 1 للسلاح السماوي "الحزن": "الإحساس الفائق".]
[※ الحد الأقصى لمدة "الإحساس الفائق": 10 دقائق ※]
[الوقت المتبقي: 9 دقائق و59 ثانية]
وخزة خفيفة…
ألم خافت تسلل إلى جسدي مع ظهور نافذة الحالة.
ثم، فجأة، حواسّي كلها أصبحت حادة إلى درجة مؤلمة.
"آه…!"
دينغ!
[بسبب الأثر العكسي للمهارة الخاصة "الإحساس الفائق"، أصبت بحالات (ارتباك، غثيان، صداع)!]
شعرت وكأن رأسي سينفجر.
أصوات لم أسمعها من قبل أصبحت واضحة في أذني،
وتفاصيل دقيقة كانت غير مرئية من قبل باتت تظهر كما لو أنها صور فوتوغرافية.
كنت أشعر بجريان الهواء، بدرجة حرارة الجو، وبالتيارات الفوضوية على جلدي.
مئات الروائح، التي عادة لا ألاحظها، كانت تتداخل داخل أنفي.
كان ذلك مؤلمًا للغاية.
طبلة أذني كانت على وشك الانفجار.
وشعرت كأن حدقتيّ تشتعلان.
جلدي بدا وكأنه يُنتزع من الزمن الحقيقي،
وألم حاد ومخترق هاجم أنفي.
وكأن دماغي لا يستطيع معالجة كل هذه المعلومات، بدأت أفقد وعيي.
"آه…!!"
كدت أتقيأ لكنني ابتلعت الشعور.
لا بأس. اصبر قليلاً فقط، وسرعان ما…
دينغ!
[المهارة "الإرادة الحديدية" أبطلت تأثيرات الحالات (ارتباك، غثيان، صداع).]
"آه… هااه…"
انتهت النوبة بسرعة مع تفعيل الإرادة الحديدية.
تنفست بعمق لأتخلص من الأعراض المزعجة، وبدأت أراقب حالتي.
وفهمت فورًا القيمة الحقيقية لـ"الإحساس الفائق".
"…"
كان إحساسًا غريبًا.
شعرت وكأن كل حواسي تضاعفت لعدة أضعاف.
جسدي أصبح خفيفًا، والعالم من حولي يتحرك ببطء شديد.
كنت أشعر بكل انقباض وانبساط في عضلاتي أثناء الحركة.
"هذه هي المهارة الفريدة الأولى… الإحساس الفائق."
وبينما أنا منبهر بهذه القدرة الرائعة…
فشش!!
سمعت صوت شيء حاد ينطلق بسرعة من الخلف.
انحنيت بسهولة وتفاديته.
طاخ!
انغرس رمح في الأرض.
استدرت فرأيت أرييل تطلق الهجوم كما طلبتُ منها.
"انزلي."
بكلمتها الأخيرة، بدأت الرماح الجليدية التي ملأت السماء تهطل.
كأنها مطر أزرق باهت.
وكان هدفها، بطبيعة الحال، هو مكاني.
أطلقت العنان لسيف الحزن، واتخذت وضعية استعداد، ممسكًا بسيف التدريب.
فششش!!!
مئات الأصوات اخترقت الهواء، مزّقة طبلة أذني.
شعرت بكل أخدود في مقبض السيف وأنا أمسك به.
استسلمت لموجة الإحساس.
وفي الوقت ذاته، تدحرجت بسرعة إلى الجانب.
تحطّم! انفجار! ارتطام!
عشرات الرماح اخترقت المكان الذي كنت أقف فيه.
نهضت بسرعة ورفعت سيفي بزاوية مائلة.
طنّ! دوّي!
رُمحان كانا يستهدفان كتفي انحرفا بفضل شفرتي المائلة.
'…لقد كانت قريبة.'
يدي، المدعومة بـ"الإحساس الفائق"، تحركت كأنها امتداد للسيف.
اهتزازات السيف زادت من تركيزي.
فشش!!
وابل من الرماح تساقط بلا توقف، لم أُمنح فرصة للراحة.
بدأت أتراجع إلى الخلف، أصدُّ شظايا الجليد القادمة واحدة تلو الأخرى.
'ثلاثة من الأمام خلال 0.4 ثانية.'
خمسة من الأعلى خلال 0.7 ثانية.
اثنان من الخلف خلال ثانية واحدة.
أربعة من اليمين واليسار خلال 1.4 ثانية.
طن! طاخ! تحطّم!!
حساب، قياس، استنتاج، تنفيذ.
عقلي المتسارع اتخذ قرارات سريعة، تقودني خارج الخطر.
سمعي ولمسي نبهاني للهجمات القادمة من النقاط العمياء،
وبصري ساعدني على رؤية التعويذات المعقدة.
شخ!
صوت خلفي.
درت بجسدي بسلاسة.
طاخ!
رمح خدش وجنتي.
برودة الجليد ظلت على بشرتي، حيث كاد الطرف أن يلمسني.
"واو…"
شهقت أرييل مندهشة مما رأت.
ابتسمت بهدوء ولوّحت بسيفي مجددًا.
'مع أنني لست هادئًا كما أبدو.'
وابل الهجمات كان عنيفًا لدرجة أنني كنت على وشك الإصابة في أي لحظة.
كنت فقط أُقلّل من حركتي لأقصى كفاءة،
مما جعل الأمر يبدو وكأنني أتفادى الهجمات بسهولة.
'الحفاظ على وجه خالٍ من التعبير مهارة مهمة في المعارك أيضًا.'
دوّي! فشش! طاخ!
كتمت أنفاسي المتسارعة ولوّحت بذراعي.
تفادٍ، صد، اعتراض.
لا حركة واحدة زائدة.
كل تصرف كان مدروسًا وله هدف.
دينغ!
[3 دقائق متبقية للمهارة الخاصة "الإحساس الفائق".]
شعرت وكأن ساعة مرت، لكنه كان فقط 7 دقائق.
إدراكي العالي جعل الوقت يبدو أبطأ.
ركّزت نظري، مستعدًا لإنهاء هذه المنازلة.
طنين، تحطّم…! طاخ!!
لم يتبق سوى حوالي عشرة رماح.
بدأت بتقليل عددها واحدًا تلو الآخر.
أشق شظايا الجليد القادمة إلى نصفين،
وأجعل تلك التي تتقاطع في المسار تتصادم وتتحطم.
وحين ضربت آخر رمح بمقبض سيفي وحطمته،
دينغ!
["الإحساس الفائق" أُلغيت بسبب انتهاء الوقت.]
انتهت مدة "الإحساس الفائق".
انهرت على الأرض، أقرأ رسالة نافذة الحالة.
"هاه… هاه…"
رئتاي المشتعلتان تطلبان الأكسجين.
ربما بسبب الأثر العكسي للمهارة، صوت طنين قوي ملأ أذني.
'…لا يمكنني تكرار هذا مرتين متتاليتين.'
حتى يوم كامل من تدريب التحمل أقل إرهاقًا من هذا.
رأسي وعيناي تؤلمانني،
والحركات العنيفة سببت لي الغثيان.
وضعت يدي على بطني المضطرب محاولًا تهدئته،
حينها ركضت أرييل نحوي من مكانها.
"أخي! هل أنت بخير؟!"
"نعم… أنا بخير… آغ…"
"هل ضغطت على نفسك كثيرًا…؟"
قولي هذا لنفسك.
أمسكت بيد أرييل الممتدة ونهضت.
عضلاتي صرخت اعتراضًا.
"…أنا أموت."
تمتمت، فنفخت أرييل خديها وقالت:
"أنت من تباهيت بأنك ستكون بخير…"
"آسف، آسف. لم أتوقع أن تكون بهذه الشدة."
ابتسمت ابتسامة ضعيفة وربتّ على رأسها.
"هـ-هيه…! يدك متعرقة! تبلل شعري…!!"
زمجرت مثل قطة.
ضحكت من ردة فعلها المشاكسة.
"هل نعود؟"
سألت بينما أدلك كتفي المتصلب.
أمالت أرييل رأسها بدهشة وقالت:
"الآن؟ مرت ساعتان فقط."
"لكن يبدو وكأنه مر وقت أطول بكثير."
"حسنًا… صحيح، لكنك عادةً ما تقضي ست ساعات على الأقل في ساحة التدريب، أليس كذلك؟"
ست ساعات…؟
كنت أبقى هناك طوال هذه المدة؟
هذا يعني أنني كنت أقضي يومي بالكامل تقريبًا في التدريب، ما عدا وقت الصف والنوم…
'…هل هذه عادة من حياتي السابقة؟'
كنت مهووسًا بالتدريب دون وعي. الإدمان أمر مخيف.
ابتلعت المرارة ورفعت كتفيّ.
"هناك أيام مثل هذه أيضًا. بالإضافة، أنا مرهق فعلًا اليوم."
"حقًا…؟"
"أوه، صحيح. هل تودين القدوم إلى سكني؟ رايتشل كانت تئن وتريد رؤيتك."
"رايتشل؟! رايتشل في الأكاديمية؟!"
قالت أرييل مندهشة.
أملت رأسي مستغربًا من ردّها وسألت:
"ألم أخبرك؟ رايتشل أصبحت خادمتي الشخصية الآن."
"مــاذااا؟!"
وبينما كنا نتحدث في طريقنا نحو موقف العربات…
"هاه؟"
"آه."
تجمدت أرييل في مكانها، وقد التقت عيناها بعين شخص ما.
"أرييل؟ ما الأمر؟ هل تعرفينهم…؟"
تبعتُ نظرتها، ولم أستطع إلا أن أتوقف بدوري.
لأن من وقف أمامنا كانا شخصين غير متوقعين.
فتى بشعر وعينين ذهبيتين،
وفتاة بشعر وعينين زرقاوين عميقتين.
فتى وفتاة أعرفهما جيدًا.
شخصيتان رئيسيتان من الرواية الأصلية، [أبطال يمحون الحزن].
البطل، آلن راينهارت.
وكلارا ميسوف، بطلة آلن وأفضل طالبة في دفعتنا.
الشخصيتان اللتان لم أرهما إلا بين صفحات الكتاب، باتتا الآن وجهاً لوجه أمامي.
'البطل… إنه البطل.'
ذلك الذي كنت معجبًا به،
والذي أعاد لي ذكريات ثمينة.
للحظة، اجتاحتني مشاعر لا يمكن وصفها.
لكن مشاعري تحطمت بكلمات كلارا الأولى لأرييل:
"أوه، أوه، أوه. من غيرك، وصيفتنا."
"أنتِ…!!"
"أوه، يا له من رد سريع… أنتِ ترتجفين من مجرد كلمات."
هاه؟
ما الذي يجري بينهما؟