كانت فترة امتحانات منتصف الفصل مرهقة للغاية.
كان على العامة إثبات جدارتهم،
وعلى النبلاء تهذيب أنفسهم لإثبات شرعية دمهم الأزرق.
وكانت الأكاديمية على دراية كاملة بمدى اجتهاد الطلاب.
ولمساعدتهم على الاسترخاء، كانت تقيم وليمة حصرية للطلاب بعد كل فترة امتحان.
لكن هذه الوليمة كانت أكثر فخامة وبهاءً من المعتاد،
فقد حضرتها أميرات الإمبراطورية، والقديسة، وأبناء كل من عائلات الدوقات.
لقد أنهك مجلس الطلبة والمساعدون التدريسيون من التحضيرات المكثفة للحفل،
بينما خطا الطلاب بحماس فوق ثمار جهودهم.
ومع ذلك، تحطمت كل جهودهم وتوقعاتهم حين غرق الحفل في الفوضى.
"إرهابيون!!"
"اهربوا!"
"الأساتذة! أحضروا الأساتذة بسرعة!!"
في بداية الحفل، وما إن دق الجرس معلنًا الساعة التاسعة مساءً، اقتحم المهاجمون القاعة.
غرق الطلاب في الفوضى وهم يشاهدون السهام تصيب الناس وتتطاير الدماء في كل مكان.
"تحركوا!!"
"بسرعة! أخرجوا، بسرعة!!"
هرع بعض الطلاب نحو المخارج في محاولة يائسة للهروب من القاعة.
أمسكوا بمقابض الأبواب بجنون، لكن...
-طَق طَق!
"اللعنة! الأبواب مقفلة!!"
"هنا أيضًا!"
"م-مهلًا! ليست مغلقة، لقد نُصِب حاجز من الداخل!!"
أُغلِقت قاعة الحفل بالفعل عن العالم الخارجي، محاصرة من قبل المهاجمين.
رغم أن مبنى الأكاديمية كان محصنًا بعدة تعاويذ حماية وكشف،
إلا أن سحر المهاجمين الفريد، المغذى بدماء تضحيات لا تُعد، تمكن من اختراق الدفاعات.
"لا تدفعوا!"
"ت-راجعوا قليلًا!!"
اختفت الألحان المرحة التي ملأت الأجواء منذ لحظات،
واستبدلت بصراخ الطلاب المرعوبين.
كان أغلبهم قد انسحب بالفعل إلى الزوايا، متجمعين بخوف.
وبقي القليل منهم في أماكنهم يحاولون الحفاظ على رباطة جأشهم، لكن حتى هؤلاء لم يستطيعوا إخفاء اليأس في أعينهم.
كانت الأسلحة محظورة داخل قاعة الحفل، ما تركهم بلا وسيلة للدفاع عن أنفسهم.
ومع ذلك،
وسط الفوضى، وقف شخص في وجه المهاجمين.
شاب، يخفي وجهه خلف قناع أبيض نقي.
يمسك بسيف بدا وكأنه ظهر من العدم.
-أنت تعرفــني…
-اسمــي هو…
ربما الفضاء الخالي حولهم ضخم من حضورهما،
لكن المواجهة بين الشاب والمهاجمين بدت وكأنها مشهد مسرحي.
بعد تبادل بعض الكلمات غير المسموعة، اندفعوا نحو بعضهم البعض.
سبعة مهاجمين مجهولين.
وطالب واحد مجهول الهوية بنفس القدر.
راقبت لوسي فون ليشيت، الأميرة الأولى للإمبراطورية، المشهد بعينين متسعتين من الصدمة.
"را-يدن…؟"
همست باسمه بصوت مرتجف.
---
لم تكن هناك حاجة للمزيد من الكلام.
أو ربما كانت هناك، لكن لم يعد يهم الآن.
كانت رؤيتي محجوبة بالغضب المشتعل.
"لا مفر. لا تشتكِ، أنت من جلبت هذا على نفسك."
لحسن الحظ، كان الوقت عاملًا حاسمًا لهم أيضًا.
قال قائد المهاجمون ، بعينين خاليتين من المشاعر:
"اقتلوه."
-بانغ!!
في اللحظة التي نطق بها، اندفع أحدهم للأمام.
ظهر ظل أسود قاتم أمام عينيّ،
وفي اللحظة التالية، انفجرت كفه الممدودة بلهيب مشتعل.
-كواااااااا!!!
صوت مدوٍ رافق حرارة حارقة كادت تلامس عنقي.
لو لم أنحني، لاحترق جسدي العلوي بالكامل.
كانوا عازمين على قتلي بلا رحمة.
تمامًا مثلهم.
كنت سأصاب بخيبة أمل لو ترددوا لحظة.
"ماذا؟ لقد تفاديت ذلك؟"
قال الساحر الناري، مزمجرًا بانزعاج وهو يرى هجومه المباغت يفشل.
تراجعت خطوة للوراء، مباعدًا بيننا، وتصدّيت لضربته التالية.
"فقط مت!"
استعد لإطلاق تعويذة أخرى، والغضب واضح على وجهه.
أسرعت بإخراج لفافة سحرية من جيبي،
وقبل أن يتمكنوا من الرد، مزقتها.
-ررررررريب!!
صوت تمزيق الورق الحاد تردد في القاعة.
وفي اللحظة التالية، تشكل حاجز نصف كروي محيط بي وبهم.
-التطبيق السادس المتجاوز، سحر رايمون الدفاعي -
‘المجال المطلق’
حاجز أزرق، مشع من اللفافة، غلف المساحة حولي.
كنت محاصرًا مع المهاجمين في نطاق سحري.
ابتسمت بسخرية بينما أتلذذ بنجاح خطتي الثانية.
-دينغ!
[استخدام لفافة عالية المستوى: "المجال المطلق".]
[يتشكل حاجز نصف كروي بنطاق 20 مترًا حول المُستخدم، ويدوم لمدة 10 دقائق.]
[الدخول والخروج محظور حتى يُدمَّر الحاجز أو تنتهي المدة.]
كانت قاعة الحفل مليئة بالمتغيرات.
مليئة بالرهائن المحتملين،
وأي استفزاز بسيط قد يؤدي إلى فوضى كارثية.
وأفضل وسيلة لمنع ذلك ومواجهة العدو مباشرة كانت…
‘عزلهم أمامي.’
هذه اللفافة تحتوي على سحر فريد صممه دوق فايلر، المعروف بـ "درع الإمبراطورية".
كان حاجزها متينًا لدرجة أن السحرة العاديين لا يمكنهم حتى خدشه.
ولأنها قوية للغاية، فقد مُنع تداولها حاليًا.
اضطررت لدفع ثروة للحصول عليها.
وبالطبع، كان لهذا السعر ميزة خاصة:
"م-ما هذا…؟"
داخل الحاجز، تم تعطيل استخدام المانا.
أطلق الساحر الناري صوت ذهول وهو يرى سحره يتلاشى.
بلا تردد، انقضضت عليه، أمسكت بياقته،
وغرزت سيفي في بطنه.
-طعنة!!
اخترق النصل جسده بسلاسة.
ارتعشت أطرافي وأنا أشعر بالإثارة تصل إلى أطراف أصابعي.
وبينما أحدق في كمّي الملطخ بالدماء،
انفجرت ذكرى من الماضي في عقلي.
-اركض، رايدن!!
-أنا آسفة... ط-طفلي...
ذكرى ذلك اليوم... اليوم الذي تحطم فيه عالمي.
صورة نبيلة، جمالها يتضاد مع مشهد موت مروع لأحد ذوي الرداء.
لم أتمالك نفسي وواصلت طعن الساحر مجددًا ومجددًا.
-طعنة، طعنة!! طعنة!
في كل مرة تتناثر الدماء،
يغمرني شعور غامر بالرضا... كأن عقلي يذوب من النشوة.
انهمرت دموعي الساخنة على وجنتيّ.
"...هاها."
هذا غريب.
لماذا أفعل هذا؟
رائحة الدم الكريهة، والمشهد المروع...
كان يجب أن يُشعراني بالغثيان.
لكن بدلًا من ذلك،
أحسست بفراغ هائل يتملكني،
ورعب عابر يهمس في قلبي: لقد قتلت إنسانًا.
ومع ذلك، رغم الصدمة،
كان أول قتل لي...
مُخمِّرًا بلذة مسكرة.
"هاها... آهاهاهاها!!"
انطلقت ضحكة هستيرية من حنجرتي.
تحولت شفتاي، التي كانت متيبسة قبل لحظات، إلى ابتسامة واسعة ومجنونة.
كيف أبدو الآن؟
بالتأكيد... مقزز.
لكنني... لا أهتم.
كل ما أردته أن تستمر هذه النشوة إلى الأبد.
"القائد... ما خطب هذا الرجل؟"
"تماسك! قد يبدو مجنونًا، لكنه قتل ماكس بضربة واحدة."
"اللعنة... ‘المجال المطلق’، أليس كذلك؟ سيكون هذا مزعجًا."
حولت نظري نحو المهاجمين الباقين الذين كانوا يتحثدتون بقلق.
ألقيت بالجثة الممزقة من يدي على الأرض،
واندفعت نحوهم بركلة قوية.
"لا وقت للتردد. اقضوا عليه، نفذوا الهدف، وغادروا المكان."
"نعم سيدي!!"
استلّ ذوو الرداء، بمن فيهم القائد، سيوفهم.
وعاد صوت تصادم الفولاذ إلى القاعة،
واستأنفت الوليمة الدموية مع سمفونية الرعب.
(مم:اي سمفونية تعتقدون ستلائم المشهد؟ Moonlight؟همم)
---
كان "المجال المطلق" يُعد أقوى لفافة دفاعية في التاريخ.
ورغم أن الحاجز غير قابل للاختراق تقريبًا، إلا أنه لم يكن بلا ثغرات.
أول طريقة لتجاوزه كانت باستخدام قوة خارقة للسحر أو الجسد.
وكانت هذه أصعب الطرق.
حتى "الباحثين" أنفسهم كانوا سيجدون صعوبة في اختراقه.
لذا، اختاروا الطريقة الثانية:
قتل مُستخدم اللفافة.
السحر المعتمد على اللفافات يستجيب لإرادة المستخدم،
و"المجال المطلق" لم يكن استثناء.
فإذا مات المستخدم، يختفي الحاجز مباشرة.
جينوم، قائد العملية، رأى أن هذا الخيار أكثر واقعية.
فأمر أتباعه:
اقتلوا الصبي.
نعم، هذا كان خطتهم...
-طنين! طق! طعنة!!
"كح..."
"آهاهاهاها!!!"
ماذا يحدث؟
لم يتمكن جينوم من استيعاب المشهد.
ذلك الصبي، الذي جُنّ كليًا، كان يُمزق رفاقه.
ثلاث جثث تناثرت حوله، من بينهم ماكس، أول الضحايا.
"إنه مجنون...!"
"م-ما هذا بحق الجحيم؟!"
"اهدأوا جميعًا!"
حاول جينوم تهدئة رجاله، لكنه كان حائرًا مثلهم.
من هو هذا الصبي؟
بعد مقتل ماكس، هاجمه كامل الفريق مرة واحدة.
حتى جينوم، الذي نادرًا ما يقاتل بنفسه، شارك في المعركة.
كان عليه ضمان نجاح المهمة.
لكن الصبي واجههم بابتسامة باردة، وأجبرهم على التراجع.
رغم تفوقهم العددي، تغلب عليهم بثبات.
استغل الطاولات والكراسي وحتى زجاجات الخمر لإرباكهم،
وأحيانًا كان يخلق مناطق عمياء ليفاجئهم.
لكن خصومه لم يكونوا عاديين.
-لا تنخدعوا بحيله. طوقوه أولًا.
-اثنان منكم استخدموا الأقواس، والبقية معي.
-استمروا باستهداف زواياه العمياء.
رغم أن "الباحثين" كانوا في الأساس سحرة،
إلا أنهم مغتالين نخبة، تم اختيارهم بعناية.
ومع ذلك...
-اللعنة…!! كيف يعقل هذا؟!
-انتظر، تود وقع في الفخ…!
-غاه، آغغ...
الصبي، كأن الأمر طبيعي، تغلب عليهم جميعًا.
كان يصد ضرباتهم وكأنها ماء جارٍ،
بل وحتى السهام كان يتفاداها أو يصدها بسيفه.
كأنه كان يحسب كل حركة ومسافة داخل الحاجز بدقة متناهية.
"...ها."
ضحك جينوم ضحكة خاوية.
الصبي كان يحدق به، والدموع تسيل من عينيه.
وابتسامته… تلك الابتسامة الملتوية... كانت مرعبة بحق.
قبض جينوم على سيفه مجددًا، وتمتم:
ذلك الصبي...
لا، ذلك الشيء...
كان وحشًا.