- طنين! تَشقق...!! خبط!
اندلعت معركة دامية، وتطاير اللحم والدم في كل مكان.
الصوت الوحيد الذي كان يعلو في قاعة الولائم هو صوت تصادم الفولاذ وتمزق اللحم المروع.
كان الطلاب يرتعدون خوفًا، عاجزين حتى عن الصراخ، وقد غمرهم الرعب بالكامل.
أما الفرسان، فوقفوا في حراسة مشددة، ووجوههم مشدودة بالتوتر.
وسط هذه الفوضى، كانت لوسي جالسة على الأرض، جسدها يرتعش بلا توقف.
شظايا الطاولات المحطمة والسهام الملطخة بالدماء كانت متناثرة أمامها.
أما السجاد، فكان ملطخًا بقطع من الأمعاء، مشهد جعلها تصطدم بواقع مرعب.
"أنا... كدت أموت؟"
قبض الخوف المتأخر والقوي على عقلها.
لم تلاحظ شيئًا.
ولا حتى ظل السهام القادمة.
لو لم يقم ذلك الطالب بإنقاذها، لكانت…
"كنت سأموت... مخترَقة بتلك السهام..."
لأول مرة في حياتها، شعرت بوجود الموت.
وحقيقة أن الموت مرَّ قريبًا منها بهذا الشكل جعلت الحفاظ على رباطة جأشها أمرًا مستحيلًا.
حتى وإن كانت أميرة الإمبراطورية،
فهي لا تزال فتاة صغيرة.
"لا تبكي... لا تبكي، أنتِ أميرة الإمبراطورية... تمالكي نفسك."
حاولت لوسي تهدئة نفسها بتكرار العبارات،
لكن الدموع كانت تتجمع في عينيها، خائنةً محاولاتها.
عضّت شفتها بقوة لتخفي أنين تنفسها المتقطع.
"أنا خائفة... لا أريد أن أموت..."
اجتاح الذعر قلب لوسي.
وما أعادها إلى الواقع
كان أصوات المعركة المستمرة.
- طنين!! تحطم! خبط!!
- اللعنة...! من أين خرج هذا الفتى بحق الجحيم؟!
- لو كان بإمكاننا استخدام المانا، لكان هذا الوغد...!!
"آه."
خرجت لوسي من شرودها ورفعت رأسها فجأة.
توقف قلبها لحظة.
سقط نظرها على شاب يقاتل المعتدين بشراسة.
- لا تقلقي، يا صاحبة السمو.
- فارسُكِ هنا.
رغم أن أغلب الحاضرين لم يتعرفوا على هويته خلف القناع،
إلا أن لوسي تعرفت عليه على الفور.
كيف لا؟
كان الصوت الذي أحبته... وكرهته بشدة.
"را... رايدن؟"
همست لوسي باسمه، ووجهها خالٍ من التعابير من هول الصدمة.
لم تستوعب ما يحدث.
من هؤلاء القتلة؟
ولماذا رايدن يقاتلهم؟
نيريا كانت على الجانب الآخر من القاعة، هل هي بخير؟
كل هذه الأسئلة اجتاحت عقلها، وزادت من قلقها.
ورغم كل ما يحدث حولها،
لم تستطع الحراك.
"..."
الضعف لا يزال يسيطر على جسدها.
أطراف أصابعها ترتعش بخفة،
وساقاها كانتا ثقيلتين كأنهما مغمورتان في الطين.
رغم إحاطتها بالفرسان، كانت تشعر بعجزها التام.
"أه، آ..."
ابتلعت لوسي دموعها، وقبضت على يديها،
عندما سمعت صوت تصدع من وسط القاعة.
- تشقق!!
صوت مشؤوم مزق الأجواء، جعلها تنظر للأعلى.
رأت رايدن يتمايل ويفقد توازنه.
شظايا قناعه المحطم كانت متناثرة على الأرض بجانبه،
والدم يتدفق من جرح طويل على وجهه.
إحدى عينيه كانت مصابة بشدة، جفنه متدلٍ بلا حراك.
صرخت لوسي بلا إرادة منها:
"رايدن!!"
لكن حينما التقت عيناها بعينيه، تجمدت في مكانها.
ابتسامة بشعة ظهرت على وجهه، من خلال القناع المهشم.
اختفت بسرعة، لكنها ظلت محفورة في ذاكرتها.
رايدن كان يبتسم.
مغطى بالدماء،
بإشراقة...
كأنه يستمتع بكل هذا الجنون.
---
- طق!!
صوت تحطم حاد تزامن مع ضربة قوية ارتطمت بوجهي.
تشوشت رؤيتي للحظة.
ترنحت وأنا أفتح عينيّ بالقوة.
لو تراخيت للحظة، لكانت هذه اليقظة الهشة قد اختفت.
"ها... ها..."
رائحة الدم المعدنية ملأت أنفي مع كل نفس ساخن أخرجه.
تناثرت شظايا قناعي المكسور على الأرض،
وكانت يدي تقبض على سيف مغطى بالدماء.
"اللعنة، كح، هاك... تباً..."
سعلت بعنف، وتقيأت دما،
الضربة التي أصابت رأسي بدت وكأنها صفعتني لإفاقتي.
"…اللعنة."
لبضع لحظات، فقدت السيطرة، ابتلعني غضب رايدن.
كان من حسن الحظ أن القدرة الاستشعارية الاحساس الفائق كانت مفعّلة.
بصعوبة تفاديت هجومهم المشترك الذي كان سيشطر وجهي نصفين.
رغم أنني تجنبت الأسوأ،
إلا أن عيني اليسرى قد تم تمزيقها تماماً، وغرقت رؤيتي في ذلك الجانب في الظلام.
– لا تدع العواطف تسيطر عليك.
– في اللحظة التي يُقاد فيها سيفك بالعاطفة، يفقد انسيابيته، ويقودك نحو الهزيمة.
رن صوت والدي في أذني كعادته.
تباً له... حتى في مثل هذه اللحظة يُلقي عليّ المواعظ.
لا هو ولا أنا كنّا في حالة طبيعية.
كنت أظن أنني بارع في السيطرة على مشاعري،
لكنني ابتلعت بالكامل داخل نية القتل التي غمرني بها رايدن قبل أن أتمكن من الرد.
رايدن ليشايت... هذا الوغد الآسر والخطير.
"ها... كح، أوغ..."
مسحت الدموع الدامية التي تسيل من وجهي، وركّزت نظري بما تبقى من بصري.
رغم أن خطتي انحرفت قليلاً عن مسارها،
إلا أنني تمكنت من القضاء على ثلاثة من بين السبعة المهاجمين في وقت قصير.
ليست بداية سيئة.
أخذت نفساً عميقاً ومتقطعاً، وبدأت أصد وابل ضربات السيوف القادمة بهدوء.
- طنين! تكسر…!! ارتطام!
الآن وقد استعادت نفسي توازنها، أصبحت حركاتي أخف بشكل ملحوظ.
دفاعاتي، التي كانت قد تراخت، عادت لتشتد مجدداً.
وأسلوبي في القتال، الذي كان وحشياً وعدوانياً، عاد إلى أصله، يتدفق بهدوء جديد.
"…!!"
بدا أن المهاجمين قد شعروا بهذا التغيير وترددوا في هجماتهم.
وكان ذلك طبيعياً.
فالهالة المتوحشة تختلف كثيراً عن الوحشية المسيطر عليها.
تحدثت ببرود إلى الشخصيات المقنعة أمامي:
"تلك الهجمات المضحكة لن تنجح بعد الآن."
كانت مجرد حرب نفسية.
كلمات تهدف إلى الضغط على خصومي وتشتيت تركيزهم.
قد تبدو تافهة،
لكن بناء الزخم يعتمد على تراكم هذه التفاصيل الصغيرة.
"هاه، أنت بارع في الثرثرة."
"سعيد أنك لاحظت."
"لولا هذا الحاجز اللعين، لتحولت إلى لحم مفروم في دقيقة واحدة...!"
"ومن الذي يتحول إلى لحم مفروم الآن؟"
"تباً لك!!"
فقد أحدهم أعصابه، وجرحت كرامته بكلماتي.
وكما هو متوقع من ساحر، كانت يده التي تمسك بالسيف ترتجف بشكل بائس.
تفاديت هجومه ووجهت سيفي نحوه.
"انتظر، رافي…!"
– ارتطام!!
حاول الآخرون التدخل، لكن الأوان قد فات.
كان سيفي قد اخترق حلقه بالفعل.
رافي، أكان هذا اسمه؟
ربما مجرد اسم مستعار، لا يهم. وداعاً، أيها الأحمق.
– تمزيق...
سحبت سيفي، وتدحرج رأسه المقطوع على الأرض.
ركلته باتجاه زعيم الشخصيات المقنعة.
"أوغ، ها... ها... تبقى ثلاثة فقط الآن..."
"...هاه."
أطلق الزعيم ضحكة خاوية، ووجهه كئيب.
كانت عيناه، المثبتتان عليّ، تحملان مزيجاً من المشاعر المعقدة.
نعم، لا بد أنه مذهول.
خطته المحكمة أُفشلت على يد فتى واحد.
القوة النخبوية التي جلبها معه كانت تُذبح بسهولة، لا بد أن ذلك كان ضربة قاسية لغروره.
وفوق كل ذلك، عُبس داخل لفيفة سحرية أسطورية، لقاء نادر الحدوث، ربما لمرة واحدة في العمر. لا بد أنه يشعر بإحباط شديد.
لكن، ماذا عساي أن أقول؟
الحياة والموت في جوهرهما هكذا.
عابران، هشّان،
يتلاشيان دون أثر.
دون حتى ذرة من الغضب تظل خلفهما.
أمي، أختي جيه-هي، رحلتا عن هذا العالم بنفس الطريقة. وأيضاً…
"الدوقة ليشايت، التي قتلتموها بأيديكم، لم تكن مختلفة."
كانت أفعالي نوعاً من الانتقام.
أردتهم أن يذوقوا اليأس والعجز الذي عاشه رايدن، ذلك الفتى البائس.
"مع ذلك... أظن أنني قمت بعمل لا بأس به، رايدن."
لست متأكداً إن كان ذلك سيرضيه، لكن...
كنت آمل أن الدماء التي تغطي يدي
تمنحه على الأقل ذرة من العزاء.
ضحكت بمرارة ومسحت الدماء عن سيفي.
"عليّ أن أنهي هذا الفوضى وأسلم هؤلاء للأكاديمية... أظن أنني سأقبض على الثلاثة الباقين أحياء."
وقبل أن أنهي ما تبقى،
ومع نظرات زعيم المهاجمين التي كانت مليئة بالتعقيدات، بدأت عيناه تلمع فجأة.
تمتم بشيء لنفسه، وكأن فكرة خطرت بباله فجأة، ثم وجه نظره إليّ.
"ليشايت... رايدن ليشايت... هكذا إذن. الآن فهمت."
"استسلم بسلام."
"هيه."
"لن أستمع لتفاهاتك..."
"هل يؤلمك كثيراً أن أمك ماتت بأيدينا؟"
ابن ال*اهرة هذا.
بدأ يتفوه بكلمات لم أكن لأتخيلها.