"آآآآآآآغ!!!"
صرخة دوّت في أرجاء قاعة الولائم الشاسعة.
كانت الأجواء الفوضوية التي عمت القاعة بسبب الهجوم الإرهابي قد هدأت إلى حد كبير.
وما تبقى من الأصوات في القاعة الصامتة كان فقط:
فرقعة النيران... يليها أنين مروع.
كل الأنظار في القاعة كانت مركزة نحو الوسط.
فمع لجوء معظم الطلاب إلى الزوايا،
أصبح المشهد المتجسد في مركز القاعة الخالية أكثر بروزًا.
كما لو أن مسرحًا قد أُعد خصيصًا لأحدهم.
"......"
تجمد الطلاب في أماكنهم، وعيونهم تحدق في المشهد المفزع.
أشلاء مبعثرة هنا وهناك.
سجاد ناصع البياض تلطخ بالدم القرمزي.
جثث مشوهة ملقاة بلا ترتيب، ورائحة كريهة تخترق الأنوف.
"......اغ."
"أوغ..."
بدأ بعض الطلاب بالتقيؤ، ممسكين بطونهم من شدة الغثيان.
ولم يكن ذلك غريبًا.
فالمشهد كان فظيعًا للغاية بالنسبة لمراهقين لم يبلغوا حتى سن الرشد.
"......"
ومع ذلك، معظم الطلاب، باستثناء القليل منهم، لم يُبدوا أي رد فعل.
أو بالأحرى، لم يستطيعوا.
لقد سحقهم شيء...
جنون وغضب يصدران من فتى واحد.
تلك المشاعر اللزجة، المغذاة بالكراهية، كانت كافية لتجميد الدم في عروقهم.
"هاها...! آههاهاهاها!!"
ضحك الفتى ببراءة، كما لو كان يستمتع بشيء للغاية.
كان كذلك منذ البداية.
حتى عندما كان يُطعن بجسده من كل جانب.
حتى حين كان يقتل المهاجمين واحدًا تلو الآخر في القاعة.
وحتى الآن، وهو يحرق شخصًا حيًا...
لم تغب الابتسامة المشرقة عن وجهه.
كان يبدو هادئًا.
...لكن ذالك الهدوء كان متطرفة أكثر من اللازم.
شعر الطلاب برعبٍ لم يستطيعوا وصفه.
إحساس غريب، يضغط على أعناقهم، ويمنع أنفاسهم.
وكأن مجرد تحركهم قد يجعل رؤوسهم تنفجر في لحظة.
"هاه...! هاه...!"
ومع ذلك، وسط هذا الجو القاتم،
كان هناك فتى واحد ركض بيأس نحو مركز القاعة.
إنه "آلين راينهارت".
عيناه الذهبيتان مسحتا القاعة الخالية بحثًا عن أحدهم.
"جلالتك! هل أنت بخير، يا جلالتك!!"
فقد حدثت محاولة اغتيال أيضًا في المكان الذي كانت فيه القديسة والأميرة الثانية.
"آلين"، الذي نجح في إحباط ذلك الهجوم، كان يركض الآن لإنقاذ "لوسي".
هل تأخر؟
هذا السؤال راوده...
لكنه طرده من ذهنه بالقوة.
لا يزال صوت "نيريا" المتوسل، والدموع تملأ عينيها، يرن في أذنيه:
"أرجوك أنقذ أختي!"
"أنا متأكد أنني سمعت صراخًا من هذا الاتجاه...!!"
لحسن الحظ، وجد "آلين" "لوسي" بسرعة.
كانت منكمشة عند أحد جدران القاعة، مع وصيفاتها إلى جانبها.
"جلالتك!!"
شعر "آلين" بالارتياح لرؤيتها سالمة، وركض نحوها.
ولكن... كان هناك شيء غريب.
فرغم نداءه العالي، لم تُبدِ أي رد فعل.
كانت فقط تحدق إلى الأمام بشرود، وجهها شاحب كالجليد.
شعر "آلين" بالحيرة، فتتبع نظرة "لوسي".
"ما الأمر، جلالتك؟ بم تنظرين...؟"
لم يستطع إنهاء جملته.
مشهد لا يُصدّق تكشّف أمام عينيه.
أخيرًا، رأى "آلين" ما كان الطلاب الآخرون يحدقون فيه طوال الوقت.
"الشاب لِيشايت...؟"
ساحة من الدماء والجثث.
وفتى يحرق شخصًا حيًا في مركزها.
"ما هذا...؟"
خوف، صدمة، ورهبة لا يمكن وصفها.
المشاعر التي شعر بها "آلين" لم تختلف كثيرًا عن مشاعر الباقين.
لكن شدتها... كانت من مستوى آخر.
ربما لم يلاحظ الآخرون ذلك.
لكن "آلين"، بعيني البطل، كان يرى بوضوح.
"ما... ما هذا؟"
هالة زرقاء تدور حول الفتى.
باردة... مشؤومة...
طاقة ضخمة تبعث ضغطًا خانقًا.
شعر "آلين" بعرق بارد ينزل على ظهره.
لقد رأى شيئًا مشابهًا فقط في النصوص اللاهوتية القديمة.
طاقة عنيفة تشبه "الشياطين" في العصور الأسطورية.
بلا تفكير، سحب "آلين" سيفه، وصرخ:
"ت-توقف، أيها الشاب ليشايت...!"
ثم...
استدار "رايدن"، الذي كان يستمتع بإحراق المعتدي، لينظر إليه.
ارتجف "آلين" حين التقت عيناه بعيني الفتى السوداوين.
لأنه كان...
يبتسم.
وجه مغطى بالدم.
واقف فوق الجثث.
يحرق شخصًا حيًا.
وينظر إليه.
ويبتسم.
........
"أوغ، كح... كحح."
سعلت بعنف، متقيئًا الدم.
كان جسدي في حالة مروعة.
شعرت بالدوار والوهن، وكأنني سأفقد وعيي في أي لحظة.
أجبرت نفسي على التركيز وأخذت نفسًا عميقًا.
"هاه......"
كان سيكون من الرائع حقًا أن أستلقي الآن.
لكن للأسف، الوضع لم ينتهِ بعد.
صحيح أنني حميت "لوسي"، هدف الهجوم.
وصحيح أنني حيّدت جميع القتلة، لكن... من يدري؟
لن تنتهي هذه الفوضى بالكامل إلا عندما:
يقوم أساتذة الأكاديمية بإبطال الحاجز حول قاعة الولائم ويدخلون.
حتى ذلك الحين، لا يمكنني التراخي.
"......"
خفضت رأسي قليلًا ونظرت إلى الأسفل.
كتلة محترقة بدأت بالارتعاش في مجال رؤيتي.
التقت نظراتنا، وأطلقت صرخة صامتة.
"......!!!"
هل انهار عنقه أخيرًا؟
لم يعد هناك أي صوت يخرج من حلقه.
ذراعاه وساقاه تناثرت على الأرض، ممزقة بشكل فوضوي.
كل ما تبقى من "جسده" كان جذعه ووجهه.
بقيت خطوة واحدة فقط لإكمال طقوس الإعدام المقدسة.
"......آمل أن تجلب لك بعض السلام، يا رايدن."
تمتمت بصوت خافت، وسكبت ما تبقى من الكحول.
السائل اللزج أغرق رأسه، واهتز جسده مرة أخرى.
لا يهم...
أخرجت آخر عود ثقاب بيدين مرتجفتين.
– خدش، خدش
ربما لأن كل قواي كانت قد استُنزفت...
حتى إشعال عود ثقاب بات أمرًا صعبًا.
"تبًا... اشتعل فحسب...!"
– خدش!
بعد عدة محاولات يائسة، اشتعل عود الثقاب أخيرًا.
تنهدت بهدوء ورفعته.
"...!.!!...!"
رآني ذلك الرجل وفتح فمه على وسعه، والدموع تنهمر على وجهه.
من طريقة تمتمته، يبدو أنه كان يتوسل من أجل حياته...
حسنًا، يمكنني تجاهله بكل بساطة.
قلبت عود الثقاب بين أصابعي بخفة.
ومع طقطقة، طارت شرارة قرمزية نحو وجه "جينوم".
"آه......"
غشى اليأس عيني الرجل الذي كان يلهث بشدة قبل لحظات.
غروب أحمر نزل ببطء على حياة مغمورة بالكحول.
قد يبدو الأمر مضطربًا نفسيًا قليلًا...
لكن، للحظة، بدا المشهد جميلاً بالنسبة لي.
وهكذا...
غابت الشمس.
– فوووش...!!
اللهب الصغير الذي لامس جسد "جينوم" اشتعل فجأة، وابتلعه.
جسده كان يرتجف في كل مرة ترف فيها النيران القرمزية.
نظرت إليه بازدراء يملأ عينيّ.
"حينما تلتقي بأم رايدن في العالم الآخر... تأكد من أن تعتذر لها كما يجب."
لم يأتِ أي رد.
لم يتبق سوى فرقعة النيران في أذنيّ.
نقشت هذا المشهد في ذاكرتي لبرهة.
وأنا أراقب حياةً تتحول إلى رماد،
وصلني صوت مألوف من خلفي.
"ت-توقف، أيها الشاب ليشايت...!"
حادّ، ومع ذلك لطيف.
صوت جميل.
إنه صوت بطل قصتنا، "آلين".
وصول "آلين" يعني أن الوضع مع القديسة والأميرة الثانية قد حُلّ دون مشاكل.
"حسنًا... هذا متوقع. أولئك الأوغاد لن يجرؤوا على إيذاء القديسة."
وبما أنني كنت على وشك فقدان الوعي، كان وصول "آلين" مصدر ارتياح كبير.
حتى لو فقدت وعيي، سيتولى هو الأمر.
مع هذا التفكير، تنهدت بارتياح وأدرت رأسي.
وكما توقعت، كان "آلين" واقفًا هناك.
شعر أشقر لامع، عيون ذهبية كالشمس، بملامح وسيمة.
إنه "آلين" المعتاد.
لكن... كان هناك شيء غريب...
"أسقط سلاحك!!"
كان يوجه سيفه نحوي.
"......؟"
وجه "آلين" كان مزيجًا من الحيرة والصدمة والخوف وهو ينظر إليّ.
طرف سيفه المرتجف كان موجهًا نحوي مباشرة.
عبست، غير قادر على فهم ما يحدث.
"فجأة، لماذا...؟"
– بوووووم!!!
وقبل أن أنهي سؤالي، دوّى انفجار هائل في قاعة الولائم، وغطّى على كلماتي.
وفي الوقت ذاته، تحطم الحاجز الذي يحيط بالمبنى، واندفعت أبواب القاعة إلى الخارج.
"الأساتذة وصلوا...!"
"لقد نجونا...!"
أساتذة أكاديمية "رينولدز" اخترقوا الحاجز ودخلوا القاعة.
وبينما كنت أراقبهم يندفعون إلى الداخل، بدأت رؤيتي تتشوش.
آه، انتهى الأمر.
أستطيع أخيرًا أن أرتاح...
تبًا، عقلي يتلاشى مع زوال التوتر...
"......"
انقطع خيط وعيي أخيرًا، وارتجفت جفوني وأغلقت عيناي.
جسدي المرتجف فقد قواه وسقط أرضًا.
وفي وعيي المتلاشي، آخر شيء رأيته كان امرأة بشعر أحمر متدفق تسير نحوي بخطوات واثقة.
كانت "كورن رونيزيا"، مديرة أكاديمية "رينولدز".