"سيدي الشاب ليشايت...؟"

عندما سمعت الصوت المألوف خلفي، التفتّ لأرى من المتحدث.

"جلالتك...؟"

كان ميليام واقفًا وسط الأعشاب، وبجانبه السير أوستن.

أمال ميليام رأسه قليلًا وسأل:

"ما الذي جاء بك إلى الحديقة في هذا الوقت المتأخر؟"

انحنيت له احترامًا وأجبت:

"لم أستطع النوم، فخرجت لأتمشى."

"أفهم، أفهم... المشي يساعد على النوم أحيانًا."

تأمل ميليام قليلاً، ثم قال:

"إن لم تمانع... هل تود أن تتمشى معي؟"

"سيكون ذلك شرفًا لي."

كنت على وشك العودة لغرفتي، لكن...

لم يكن لذلك أهمية.

الاستلقاء لن يجعلني أنام فجأة.

أومأت له بابتسامة، فابتسم بدوره وبدأ بالمشي ببطء.

تبعت خطواته بهدوء.

-هوووش...

كان صوت النسيم العليل يملأ الصمت من حولنا.

المشي وسط الحديقة المضيئة بضوء النجوم الزرقاء كان تجربة ساحرة بحق.

"ما رأيك؟ أليست رائعة؟"

التفت ميليام الذي كان يمشي أمامي وسألني.

كنت مأخوذًا بجمال المشهد الليلي.

"نعم، إنها كذلك."

"هاها... إنها من مفاخر هذا القصر!"

ضحك ميليام بسعادة، ثم توقف في منتصف الحديقة.

توقفت خلفه ببضع خطوات.

-سوش...

الأشجار اهتزت بانسجام مع الريح.

ورقصت بتلات الزهور في الهواء، ناشرة عبيرها العذب.

وقف ميليام شامخًا وسط روائح الخريف المبكرة، مستمتعًا بالهدوء.

بعد لحظة من الصمت، سأل فجأة:

"هل تعلم شيئًا؟"

"ما الذي تقصده يا جلالة الإمبراطور؟"

"أنا... لا أحب الشمس كثيرًا."

"هاه...؟"

فوجئت بقوله، لكنه تابع مبتسمًا:

"لا أقصد شيئًا عميقًا، أعنيها حرفيًا."

"لكن... كيف يمكن لشمس الإمبراطورية أن تقول ذلك؟"

"هاها، هل يبدو الأمر غريبًا؟"

ضحك ميليام مجددًا وأشار بإصبعه إلى السماء.

"الشمس ساطعة جدًا."

"وهل يعد ذلك عيبًا؟"

"شمس مشرقة... تبتلع كل شيء حولها بنورها الساطع، ضوء النجوم، الهواء البارد، سكون الليل، كل شيء."

نظر ميليام إلى القمر بتعبير شارد.

ولم أشأ أن أقطع تفكيره.

"الشمس محكومة بالوحدة."

أما القمر، فهو مختلف.

ضوءه الهادئ يتعايش مع النجوم الكثيرة.

أنزل ميليام بصره نحوي وقال:

"كنت أريد أن أكون مثل القمر... لأن البشر لا يستطيعون العيش وحدهم."

لطالما أعجبت بالشمس وتفردها.

لكن بعد أن أصبحت تلك الشمس، أدركت أنني إن أصبحت ضوءًا سامقًا ووحيدًا، فلن أنتظر سوى الغروب لأختفي وحدي خلف الأفق.

"البشر مثل سماء الليل... يحتاجون إلى من يعيشون معهم، ويحتاجون إلى بعض الظلام حولهم."

"......"

كان يتحدث إليّ، لكن كأنها كانت مناجاة مع نفسه.

تأمل الشمس المليئة بالأسى والندم تردّد بهدوء في هذا الجو الهادئ.

"أتذكر أن ميليام... كان يُعرف بأنه رجل وحيد يعيش في عالمه الخاص."

بعد وفاة الإمبراطورة، حبه الوحيد، في سن مبكر...

تغيّر وفقًا لوصيتها الأخيرة، وبدأ يهتم بمن حوله...

عند تذكّري تلك القصص، بدا لي الجو المحيط به أكثر وحدةً من المعتاد.

ابتسم ميليام ابتسامة غامضة وقال:

"اعتنِ بمن حولك جيدًا... عليك أن تصلح كل ما أفسدته."

لأنك إن تأخرت أكثر، فقد يصبح الوقت قد فات.

ثم ضحك لنفسه واستأنف المشي.

"يبدو أنني لم أعد أستطيع إخفاء سني... أصبحت عجوزًا كثير الكلام."

"ما زلت قويًا يا جلالة الإمبراطور."

"هاها... سأعود الآن، أراك غدًا."

ثم غادر مع السير أوستن.

تركني تحت السماء المزينة بالنجوم، حيث اختفت الشمس.

أعدت حديثنا في رأسي بهدوء.

"البشر لا يستطيعون العيش وحدهم، هاه..."

لم أستطع فهم مغزى تلك الكلمات بالكامل، فقد قضيت معظم حياتي السابقة بمفردي.

لكن، بطريقة ما، شعرت أنه كان محقًا.

"......"

كنت واقفًا وحدي وسط الحديقة.

دفعني هواء الليل البارد للغوص أعمق في أفكاري.

تمامًا عندما كانت مشاعري على وشك الانهيار...

"هاف... هاف... رايدن...!"

ناداني صوت مألوف من الخلف.

صوت أنثوي، رقيق، لكنه يلهث.

التفت فجأة، مصدومًا.

"......"

أول ما وقعت عليه عيناي كان شعرها الأشقر البلاتيني المتدفق.

وعيناها الزرقاوان المتألقتان.

وبشرتها البيضاء التي بدت أكثر سحرًا تحت ضوء القمر.

نظرتُ إلى هذا المشهد الساحر، وناديت باسمها.

"سموّكِ...؟"

"هاف... هاف..."

كانت لوسي.

تقدمت نحوي وهي تلهث، خطواتها متسارعة.

ملابسها كانت مجعّدة، وكأنها كانت تركض.

"سموكِ، ما الذي جاء بكِ إلى هنا في هذا الوقت؟"

سألتها مذهولًا.

لكن لوسي عبست ونظرت إليّ بغضب.

كانت عيناها الزرقاوان تعكسان صورتي بوضوح.

تراجعت خطوةً للخلف حين التقت نظراتنا.

تذكّرت الخوف والريبة التي رأيتها في عينيها حين التقينا عند محطة العربة.

"رايدن..."

تغيرت تعابيرها.

بل، انكمشت إلى ملامح يأس.

تجمّدت في مكاني، لا أعلم ما الذي يحدث معها.

"سموكِ...؟"

"......"

لم ترد.

فقط نظرت إليّ، ويداها ترتجفان.

وشفتيها ترتعشان بخفة.

وعيناها، الممتلئتان بمشاعر متداخلة، كانت تحدق بي بثبات.

كانت آثار الدموع ما تزال على خديها.

-تب...

اقتربت مني بخطى بطيئة، همست بصوت مرتجف:

"رايدن... أنت... أنت..."

"هاه...؟"

كانت تهمس بكلمات لم أفهمها.

ثم وقفت أمامي مباشرة، وشدت قبضتيها، ثم...

"أنت... أنت..."

"سموكِ... ما بكِ...؟"

"أيها الأحمق...!"

"أوووه...؟!"

اندفعت ناحيتي، واصطدمت برأسها في صدري.

ما هذا بحق...؟

وقعت على الأرض من شدة الاصطدام، وأنا لا أفهم شيئًا.

---

قبل ذلك بعدة ساعات.

بعد المحادثة في قاعة الاستقبال.

كانت لوسي جالسة على سريرها في غرفتها.

على عكس جسدها المرتاح، كان عقلها ساحة معركة.

وضعت يدها على جبينها النابض بالألم، وتمتمت لنفسها:

"ما... ما الذي كان يعنيه ذلك...؟"

كانت المحادثة بين ميليام ورايدن تتكرر في رأسها باستمرار.

– أليس ذلك طبيعيًّا؟ ... الباحثون، والطائفة.. إنهم أعداء والدتي.

– لقد تغيّرت كثيرًا... سمعتُ أنك توقفت حتى عن تصرفاتك الطائشة.

– نعم، هذا صحيح.

– كيف كان الشعور؟ أن تخلع ذلك القناع؟

– ...لم يكن مريحًا كما كنت أظن. لقد خسرتُ الكثير في المقابل.

عبست لوسي وهي تسترجع حديثهما الغامض.

بدا وكأن هناك خلفية لا تعرفها.

وحقيقة أن حالة رايدن كانت سيئة لدرجة أنه اضطر لأخذ عشبة الموت الشهيرة، كانت شيئًا لم تسمع به من قبل.

عدد قليل فقط من أفراد العائلة الإمبراطورية كانوا على دراية بمأساة السيدة ليشيت.

وبطبيعة الحال، لوسي، التي لم تكن تعرف قصة رايدن، لم تستطع سوى التأمل في هذا الغموض.

"آه...!"

غير قادرة على تحمّل الاضطراب في قلبها، نهضت لوسي فجأة من السرير.

وطأت قدماها الأرض وتمتمت:

"يجب أن أسأل أخي... بدا وكأنه يعرف شيئًا."

تذكّرت نظرات سيون الغامضة نحو رايدن، وخرجت من غرفتها.

توجهت مباشرة إلى جناح ولي العهد.

– طَرق، طَرق، طَرق...

"أخي...؟ هل أنت متفرغ الآن...؟"

– لوسي؟ ما الذي جاء بكِ في هذه الساعة...؟ آه، تفضّلي بالدخول.

تفاجأ سيون بزيارة أخته المفاجئة، لكنه رحّب بها بحرارة.

كان مكتبه مغطى بالأوراق كما لو كان يعمل عليها للتو.

شعرت لوسي بوخزة من الذنب، ظنًا منها أنها تقاطعه، لكنها دخلت على أي حال.

"إذاً... ما الذي جاء بكِ في هذا الوقت المتأخر، يا صاحبة السمو؟"

"…لدي سؤال أريد أن أطرحه."

"لابد أنه مهم إذا أتيتِ حتى هنا... ما هو؟"

"حسنًا... في قاعة الاستقبال سابقًا..."

بدأت لوسي تطرح الأسئلة التي كانت تدور في ذهنها.

استمع سيون لحديث أخته بصمت.

يبدو في الظاهر مرتاحًا، لكن توقفه عن تحريك قلمه كشف عن اضطرابه الداخلي.

"…لذا تساءلتُ إن كان هناك شيء لا أعلمه..."

"......"

"ظننتُ أنك ربما تعرف..."

عبثت لوسي بأصابعها وكأنها تحاول قياس ردة فعله.

أدار سيون عينيه للحظة، ثم أطلق تنهيدة عميقة.

"هاه... كنت أعلم أن هذا اليوم سيأتي."

"أخي، أنت تعرف شيئًا، أليس كذلك...؟"

"أعرف، لكن لست متأكدًا إن كان من الصواب أن تسمعيه مني..."

"أرجوك... أخبرني، أخي."

نظرت إليه لوسي بعينين متوسلتين.

ظل سيون صامتًا، كأنه في حالة تفكير، ثم خدش مؤخرة رأسه.

"...حسنًا، بما أن والدي والسيد ليشيت تحدّثا عن الأمر، فهذا يعني... أنه لا بأس بأن تعرفي."

"إذاً...؟"

"سأخبرك. عن 'المأساة' التي حلت بعائلة ليشيت، والتي تم إخفاؤها بعناية فائقة."

.

.

.

"هاه... هاه..."

كانت لوسي تركض.

فور سماعها لقصة سيون، اندفعت من الغرفة.

ركضت عبر أرجاء القصر، تبحث بجنون.

– صاحبة السمو...؟! إلى أين تذهبين في هذه الساعة...؟

– صاحبة السمو...؟

سمعت أصوات الخادمات تناديها، لكنها تجاهلتها وواصلت الركض.

اسم واحد فقط ملأ عقل لوسي.

– لوسي... نحن مدينون له بالكثير.

– بطريقة ما، تم التضحية بالسيد ليشيت من أجل مصلحة العائلة الإمبراطورية...

– لا أستطيع حتى أن أتخيل كيف شعر عندما أبعد من يحبهم.

رايدن ليشيت.

الصبي الذي كانت تحقد عليه كثيرًا.

الصديق الغبي الذي حاول تحمّل كل شيء وحده.

و... الفارس الوفي الذي لم يخنها أبدًا.

كان عليها أن تراه.

"رايدن...!"

ركضت لوسي إلى غرفة رايدن، لكنه لم يكن هناك.

عضّت شفتها من الغضب.

"لا..."

لا يمكنه أن يختفي الآن.

لقد اكتشفت الحقيقة للتو.

أخيرًا فهمت حزنك، وألمك، ووحدتك.

مسحت دموعها وواصلت البحث عنه.

وبعد وقت من البحث...

أخيرًا وجدت لوسي رايدن في الحديقة خلف القصر.

كان يختلط بعتمة الأشجار الكثيفة.

شعره الأسود يتمايل مع الريح، وعيناه الزرقاوان تتألقان في الظلام.

"هاه... هاه... رايدن...!"

"صاحبة السمو...؟"

التفت الصبي عند سماع صوته يُنادى.

حبست لوسي أنفاسها وهي تقترب منه.

"ما الذي أتى بكِ في هذه الساعة يا صاحبة السمو؟"

سأل رايدن بهدوء.

عبست لوسي.

كانت غاضبة.

كيف له أن يبدو مرتاحًا هكذا؟

وهو يتألم بهذا الشكل في داخله.

لماذا يتظاهر بأنه بخير؟

اجتاحها شعور بالحنق والاستياء لا تعرف مصدره.

"......"

لكن كل تلك المشاعر تبددت عندما رأت ردّة فعله.

تراجع رايدن خطوة إلى الوراء عندما التقت أعينهما.

شعرت لوسي بانقباض في صدرها.

"راي

دن..."

اهتزت شفتاها، وضاق صدرها.

بدا مظهره الهش حزينًا وبائسًا الآن، بعد أن عرفت الحقيقة.

برؤية مشوشة، سارت نحوه.

ماذا يجب أن تقول؟

كانت هناك أشياء كثيرة تريد قولها.

لكن كل ما خرج منها كان همسات مبعثرة.

"رايدن... أنت... أنت..."

تشكّلت آلاف الجمل وتلاشت في فمها.

اصطدمت الكلمات في ذهنها، ثم ارتبطت، ثم تحطمت وتفرّقت من جديد.

وفي النهاية، لم تستطع قول شيء.

لم تستطع سوى...

"أحمق...!"

قبل...أن تنفجر باكية وتلقي بنفسها عليه.

2025/06/02 · 102 مشاهدة · 1434 كلمة
Ji Ning
نادي الروايات - 2025