رغم أنني قلت ذلك، لم أبدأ في الغناء على الفور.

كان يتم تمرير الغيتار وفق ترتيب محدد، ولم يحِن دوري بعد.

لم يكن أمامي سوى الانتظار، وأنا أعبث بأصابعي.

جلست وفمي مغلق، شارداً في أفكاري، بينما تسللت إلى أذني أصوات غناء الطلاب.

– "اللعب هو الأفضل! الأصدقاء يتجمعون..."

– "الأخلاق وسم محفور في القلب..."

– "لا تفكر حتى في لمس النار المشتعلة..."

كان الطلاب يغنون بحماسة، والأساتذة يصفقون بتشجيع.

امتزجت الضحكات والتصفيق مع الموسيقى، فخلقت أجواءً مرِحة ومتناغمة.

"...ليست سيئة."

انجرفت مع الجو المبهج، ولم أتمالك نفسي من رسم ابتسامة خفيفة على شفتي.

لكن تقوس شفتي كان يبدو غريباً، وكأنه لا يليق بي.

سرعان ما مسحت تلك الابتسامة قبل أن يلاحظها أحد، ومررت ظهر يدي على فمي، محولاً نظري.

– فرقعة... فرقعة...

استقر نظري المشتت على النار المشتعلة.

كانت ألسنة اللهب ترقص وتتمايل، تلتهم الحطب بنهم، وتنشر وهجًا دافئًا أضاء المكان حتى في ظلام الليل الحالك.

كانت كأنها شظية من شمس محطمة.

"..."

هواء الخريف البارد كان يُدفأ بلطف من حرارة النار.

كان القمر والنجوم يقفان جنبًا إلى جنب في السماء المظلمة، يُلقيان ضوءهما الخافت علينا.

أخذت أراقب هذا المشهد بصمت.

وبينما أنا شارِد هكذا، عاد الغيتار إليّ بعد أن أتم دورته.

"هيه، أيها المجنون. دورك."

"أجل."

يبدو أنني كنت آخر من بقي. غولدن بوي، ومارغريت، وجميع الطلاب الآخرين قد أدّوا قبلي.

للمعلومية، غولدن بوي غنّى أغنية شوارع منتشرة مؤخرًا في العاصمة.

وكانت... محتملة بشكل مدهش.

غولدن بوي، مغنّي عاطفي... يا له من أمر مرعب.

أما مارغريت، فقد اختارت أغنية كلاسيكية، أقدم من أغنية غولدن بوي.

وبخصوص ما غنّت... حفاظًا على صورة السيدة، سأمتنع عن التعليق.

"أتعرف العزف على الغيتار، صحيح؟"

"إلى حد ما."

"فـ... ماذا ستغني؟"

"ماذا أغني... هه."

ربّتُّ على الغيتار بيدي متأملاً، رداً على سؤال غولدن بوي.

بصراحة، كنت قد قررت بالفعل ما سأغنيه.

فهناك أغنية واحدة فقط كنت أُجيد عزفها بشكل صحيح.

وكانت كذلك، الأغنية الوحيدة التي أريد أن أُغنيها.

"لقد قررت."

"ما هي الأغنية؟"

"لن تعرفها حتى لو أخبرتك باسمها."

كانت أغنية من حياتي السابقة... أغنية حديثة.

لم تكن من النوع الذي يعرفه أحد في هذا العالم.

إنها الأغنية التي عرفني بها أخي، تشانغهو، والتي أصبحت المفضلة لدي.

لحن ساعدني في تجاوز أحد أصعب فترات حياتي.

بدأت أعزف مدخل الأغنية بخفة، واهتزت الأوتار تحت أناملي، تبث ذبذبات مألوفة.

أضفى العزف لحناً شجيّاً مليئاً بالكآبة، فتلاقت عيناي للحظة بعيني مارغريت.

كانت عيناها الحمراوان تحملان مزيجاً معقداً من المشاعر.

ابتسمتُ لها ابتسامة خافتة، وبدأت أغني:

"عتبةٌ إذا تجاوزتُها، يغدو المكان مُربكًا،"

"إنها خط الراحة الذي تعودت عليه."

"مشاعر لا جدوى منها، كنت قد وضعتها جانباً، لكنها الآن مغطاة بالغبار."

"الخروج من هنا هو موت، فالسعادة المجهولة أخوف من الحزن المألوف."

"أخشى أن أصبح مثل حذائي البالي، مُهملًا على قارعة الطريق."

"فالعالم، والزمن، والناس، سيُهلكونني."

انطلق صوتي مصاحبًا لعزف الغيتار، يخترق عتمة الليل.

غنائي الهادئ المليء بالسكينة انتشر في الهواء، متسللًا إلى كل زاوية من المخيم.

لم أتسرع، بل تركت الألحان تتدفق ببطء وتروٍّ.

"هل أستحق السعادة أصلًا؟"

"لماذا أغرق نفسي في الجراح، حتى وإن كانت ضحلة؟"

"قد تكون الحياة وابلًا من السهام للجميع، لكن لماذا يكون الهدف عندي بهذا الحجم؟"

بدأت همهمات الطلاب تخبو شيئًا فشيئًا.

واحدًا تلو الآخر، عمّ الصمت، وتوجهت الأنظار إليّ.

خلق غنائي فراغًا من الصمت، وملأته بالبيت التالي:

"مشاعري تتأرجح بين النقيضين."

"ألهث، غير قادر على التحكم في قلبي."

"أُفرج عن هذا العالم، والسعادة على بُعد خطوات فقط، لكنني أواصل رفع الدرجات... واحدة تلو الأخرى."

شعرت بنظراتهم تلاحقني.

من الجانبين، من الأمام، ومن الخلف.

شعرت كما لو أن الجميع قد توقف عما كانوا يفعلونه، وتركّزوا فقط عليّ.

انزعجت من هذا الاهتمام المفاجئ، فأغمضت عيني.

وصلت الأغنية إلى ذروتها.

"أبكي دون دموع."

"أبكي مجددًا، كما لو أن التنفس أصبح بكاءً."

"في الحزن الذي صار موطني."

"وحتى حين أحاول التقدم، أبكي على العتبة."

مع كل بيت أغنيه، كان ألمٌ خافتٌ ينتشر في صدري.

شعرت بحرارة في عينيّ، وكأن الدموع توشك أن تنهمر، وضيّق الخناق على حلقي.

تنفست برفق، محاولًا تهدئة سيل المشاعر المتدفقة.

ومضت في ذهني ذكرى مريرة من الماضي.

– "هاه؟ ماذا أفعل؟ فقط أستمع إلى بعض الموسيقى."

– "تريد أن تسمعها؟"

– "إنها الأغنية التي أسمعها دائمًا عندما أكون حزينًا."

كانت الأغنية التي عرّفني بها تشانغهو.

الوحيد الذي حاول أن يُنقذني من حياة البؤس، وذكراه منقوشة في هذا اللحن.

رغم أنه لم يعد موجودًا الآن.

رغم أنه فقد كل شيء ورحل عن هذا العالم.

لكن حضوره ظل حيًا بداخلي.

"في عمق الحزن الذي صار موطني، أتساءل..."

"هل يمكنني دعوتك إلى حزني، الذي صار موطني؟"

قاومت الرغبة في فتح عينيّ، وأجبرت نفسي على إنهاء الأغنية.

حتى تتلاشى تلك الذكرى الموجعة للوحدة.

---

"..."

جلست مارغريت ساكنة، والدوامة تدور في عقلها.

تكررت في ذهنها كلمات الأغنية، محاوِلة فهم معناها.

– "في الحزن الذي صار موطني."

– "حتى عندما أحاول أن أخطو، أبكي على العتبة."

المُغني كان يبحث عن ملجأ من عالم يعذّبه، في أحضان حزنه المألوف.

كان حزنًا متجذرًا فيه حتى صار كالوطن.

يغرق في شقائه، ويختنق ببطء في أعماقه.

الكلمات كانت مثقلة باليأس، وتركت أثرًا عميقًا في قلب من سمعها.

لم تستطع مارغريت أن تُبعد ناظريها عن الفتى المغني.

رغم أن تعابير وجهه لم تتغير، إلا أنها لم تستطع تجاهل تلك الهالة الحزينة التي أحاطت به، وكأنه على وشك البكاء.

"...لماذا؟"

لماذا غنى بذلك الصوت الممزق للقلب؟

أي حزن يعتمل في داخله لِيُخرِج هذا الكم من المشاعر الصادقة؟

فجأة، تذكرت مارغريت تلك اللحظة التي التقت فيها أعينهما قبل أن يبدأ بالغناء.

تلك النظرة التي تردّد فيها قليلًا، ثم ابتسم لها ابتسامة مرة.

كأنه كان يتوسل إليها.

يرجوها ألا تكرهه كثيرًا.

"..."

عضّت مارغريت شفتها، وعقلها مضطرب.

الكراهية والاحتقار اللذان ملآ قلبها، بدآ يتزلزلان أمام شكٍ صغير.

شكٌّ كان يتعاظم مع كل لحظة.

ومع نهاية الأغنية، لم تستطع أن تُبعد ناظريها عن رايدن.

---

طَنين... طَق.

مع اختفاء آخر نغمة، وضعتُ الغيتار على الأرض، وأدركت أن هناك شيئًا غير طبيعي.

الطلاب، الذين كانوا يتحدثون فيما بينهم قبل غنائي، أصبحوا ينظرون إليّ بذهول، وأفواههم مفتوحة.

"...؟"

ماذا بحق الجحيم؟ لماذا ينظرون إليّ هكذا؟

هل كنت سيئًا إلى هذه الدرجة؟

تراجعت قليلًا، وأنا أحدق حولي بقلق.

لكن من تعابير وجوههم، لا يبدو أنهم انزعجوا من غنائي.

على العكس... بدوا متأثرين.

كانت دموع تلمع في أعين أغلبهم، وبعضهم بدأ يشهق.

"..."

هل... هل غنّيت بشكل جيد؟

حككت ذقني مترددًا في تفسير ما يحدث.

وفجأة، رنّ صوت مألوف في أذني.

– دينغ!

[تمت مهمة فرعية!]

العنوان: أغنية الروح

[ازدادت الألفة مع طلاب الأكاديمية بمقدار 200.]

[تم الحصول على 500 نقطة.]

"إذًا... سارت الأمور على ما يُرام."

تنفست الصعداء مع ظهور نافذة الحالة الزرقاء.

تمطيت قليلًا وأنا أغلق النوافذ.

كان الوقت قد تجاوز منتصف الليل. النار التي كانت مشتعلة في وسط المخيم لم يبقَ منها سوى جمر متوهج.

تثاءبت وأنا أنهض بتثاقل.

الطلاب الآخرون بدأوا يتفرقون، عائدين إلى خيامهم.

كنت على وشك أن أتبعهُم، حين مرّت بي مارغريت.

"......"

نظرت إليّ لوهلة، ووجهها بلا تعبير، ثم استدارت وسارت نحو خيمتنا.

تبعتها بخطى مترددة.

وأثناء سيرنا بصمت، لحق بنا غولدن بوي.

"ذاهبان للنوم؟" سأل بمرح.

"لقد تأخر الوقت." أجبته باقتضاب. "لدينا أنشطة غدًا. نحتاج للراحة."

"إذًا، سأنام أنا أيضًا~"

"تمام."

"أراهن أن فايلوت نائمة في الخيمة بالفعل."

"على الأرجح. عادت قبل فترة."

تبادلنا بعض الكلمات العشوائية ونحن نسير.

وبعد قليل، وصلنا إلى خيمتنا الكبيرة التي تتسع لأربعة أشخاص.

دخلناها بحذر، حتى لا نوقظ فايلوت.

---

وفي الجانب الآخر من الجزيرة، كانت هناك ساحةٌ شاسعة.

مكان يُعرف بـ"قبر النجوم"، حيث يرقد الفرسان الذين ضحوا بأرواحهم في الحرب القديمة ضد مملكة الشياطين.

بدأ شيء ما يتحرك وسط صفوف القبور.

– أزيز... تشقّق، تفتّت...

الأرض التي تغطي القبور أخذت تهتز وتتموّج، كأنها حية.

هالة سوداء غريبة بدأت تنبض وتتلألأ، مُغرقة المكان بوهج مريب.

في وسط هذا المشهد المرعب، وقف رجلٌ عجوز.

يرتدي عباءة سوداء، يحمل كتابًا غريب الشكل في يده العظمية.

رفع ذراعيه نحو القبور، وهو يتمتم بكلمات بلغة مجهولة:

"أستدعي أرواح الراحلين، لتنهض ما بعد الموت وتقرع جرس الفوضى..."

صوته كان أجشًا ومخيفًا، كأنه يحمل صرخات العالم كله مكثفة في نغمة واحدة.

"سأُعيد أجساد الأبطال النبلاء إلى الحياة، ليأخذوا ما لهم من دمٍ ولحم..."

اعبروا نهر الموت، وسيروا في درب السُّبات الأبدي.

"...وسيُتحقق حلمي الذي طال انتظاره."

بدأت طاقةٌ شريرة تتجمع حول يديه.

سائلٌ أسود لزج تقاطر من أطراف أصابعه، متسللًا إلى القبور.

فتح الكتاب، ووخز إصبعه، وأسقط قطرة دم على صفحاته.

انتشرت البقعة، وسرعان ما اشتعلت الهالات السوداء المحيطة بالقبور بنور قرمزي.

رمق العجوز هذا المشهد وقال بهمس: "أيها الملك الشيطاني العظيم، لوغيتينا توف دي أتراهيس. باسم تلميذك الثالث، أحد ملوك السماء الأربعة، بايرِن... آمرك."

انهضوا، يا فرساني.

– تشقق!!

وإذا بيدٍ تخترق التراب فجأة.

– خشخشة! تشقق!

أعقبتها أيادٍ أخرى، تمزق الأرض وتخرج من ظلمة القبور.

الفرسان الذين قاتلوا ببسالة قبل ألف عام عادوا كفرسان موتى.

"أنتم قرابين مثاليون قبل عودة الملك الشيطاني..."

ضحك العجوز بخفوت، وهو ينظر إلى العشرات من الموتى الراكعين أمامه.

"سيدي، ما أمرك؟"

انحنى الفارس الميت في المقدمة وقال.

تألقت عينا بايرِن بشرٍّ خالص وهو يُصدر أمره.

"اقتلوا كل كائن حي على هذه الجزيرة."

"أمرك، سيدي."

استل الفرسان أسلحتهم في وقت واحد.

ضحك بايرِن ضحكة أخرى شيطانية وهمس:

"مولاي... اليوم الذي نستقبلك فيه قد اقترب."

ثم اختفى الرجل العجوز.

ولم يبقَ سوى جيش الموت، يتقدم نحو هدفه.

– قعقعة... قعقعة...

كان صوت خطواتهم الثقيلة يتردد في الليل.

وجهتهم: مخيم أكاديمية راينولدز.

2025/06/06 · 70 مشاهدة · 1464 كلمة
Ji Ning
نادي الروايات - 2025