كما لو أنها ستدوم إلى الأبد، تلاشى الظلام أخيرًا، وطلع الصباح.
فركت جفنيّ المتعبين، إذ لم أذق طعم النوم طيلة الليل.
"هاااام…"
بتثاؤب مشوب بالنعاس، رفعت عُشبة الموت إلى شفتيّ.
وفي تلك اللحظة، انفتح باب الخيمة وخرج أحدهم منها.
"آه... آسفة، أيها الفتى... لم أسمعك تستيقظ... هاه؟"
شعر فضيّ ما زال يتلألأ حتى بعد الاستيقاظ.
وعينان حمراوان تغشاهما النعاس.
إنها مارغريت.
توقفت في منتصف خطاها حين التقت أعيننا، وعلى وجهها نظرة من الحيرة.
رمشت مرات عدّة، ثم نظرت حولها كأنها تحاول استيعاب الوضع.
أشعلت عُشبة الموت بهدوء، متجاهلًا دهشتها.
"ما الأمر؟"
طق…
اشتعل العشب، وتصاعد منه دخان كثيف.
وبينما كنت آخذ نفسًا عميقًا، تكلّمت مارغريت أخيرًا، وصوتها يغلبه الذهول.
"... لا تقل لي... بقيت مستيقظًا طول الليل للحراسة؟"
"لم يكن ذلك باختياري تمامًا."
أخذت نفسًا آخر، بنبرة هادئة.
حدّقت مارغريت بي، حاجباها معقودان بدهشة.
"لكن... لدينا أنشطة اليوم...! أليس من المرهق لجسدك أن تسهر الليلة كلها؟!"
"لم أستطع النوم... أرق، على ما يبدو. أمر مزعج بالفعل."
"أرق...؟"
ضيّقت مارغريت عينيها، وقد أثار هذا المصطلح فضولها.
"أرق... ما هو ذلك..."
"أيها المجنون! لماذا لم توقظني لنوبتي؟!"
خرج غولدن بوي من الخيمة قبل أن تكمل مارغريت سؤالها.
رفعت له إبهامي ذهنيًا.
توقيت ممتاز، يا غولدن بوي.
آخر ما أحتاجه الآن هو المزيد من الأسئلة وأنا بهذه الحال.
وقع بصره النعسان عليّ، وانعكست على وجهه دهشة مارغريت ذاتها.
"لا أصدق... توليت نوبة الحراسة كلها وحدك؟"
"هكذا... حدث الأمر."
"يا رجل... آسف حقًا! بفضلك نمت نومًا عميقًا كجثة."
فرك غولدن بوي شعره الأشعث بأسف، ولوّحت له بيدي بلا اكتراث.
"اذهب وأيقظ فيوليت. حان وقت التجمع تقريبًا."
"حسنًا، انتظر لحظة."
فتح باب الخيمة مجددًا.
كانت فيوليت ملتفّة داخل كيس نومها في الزاوية، تغطّ في نوم عميق.
في الوضعية ذاتها التي تركتها عليها قبل ساعات.
ابتسم غولدن بوي بمكر عندما رآها.
أخذ نفسًا عميقًا وصرخ:
"انهضيييييييي!!!"
"إييييك؟!"
دوى صوته في أرجاء المكان.
وضعت يدي على وجهي وتنهدت بتعب.
صحيح... الاعتماد عليه كان خطأ…
---
كانت فيوليت تحلم.
حلم غريب ومشوّش.
السماء الزرقاء الداكنة تتلألأ بضوء أثيري، والهواء مشبع بعطر ترابيّ حلو.
أوراق حمراء قانية تتراقص في النسيم اللطيف، ونار المخيم تتقد بسرور.
مشهد خريفي خلاب.
وكان هناك فتى يجلس وسط هذا المشهد.
لا بد أنه كان مؤلمًا...
...ووحيدًا.
رأت وجهه، شعره الداكن يحيط بعينين تخترقان السكون.
سمعت صوته، هادئًا وثابتًا، لكنه يحمل رجفة خفية. وشعرت بقطرات المطر الباردة على جلدها.
كان الفتى يربّت على خدها، والدموع تنهمر على وجهه.
شعرت فيوليت بالحيرة.
حاولت أن تخفي ندبتها، وجسدها يرتجف خوفًا.
فالناس دائمًا ما يتغيّرون عند رؤيتها.
مقززة...
ابتعدي عني، أيتها الوحش!
وحش...!
حتى أولئك الذين كانوا طيبين في البداية، ابتعدوا في النهاية.
لم تفهم السبب.
كل ما كانت تعرفه أن له علاقة بالندبة على وجهها.
يا إلهي، ناجية...
- لا تخافي. لن أقتلك. بل...
- سأمنحك مصيرًا أسوأ من الموت.
ذلك اليوم... الذي تغيّرت فيه حياتها إلى الأبد.
اليوم الذي فقدت فيه كل شيء في الحريق، ويوم لعنتها الكائنات المشؤومة.
"…"
كانت اللعنة مطلقة، أو هكذا ظنّت دومًا.
كل من رأى ندبتها، تأثّر بها.
بعضهم أظهرها مباشرة، وبعضهم تدريجيًا... لكنهم جميعًا كرهوها في النهاية.
دائمًا كانت كذلك.
أو هكذا كان يجب أن يكون…
لا بأس… أنا بخير.
...أبدًا. لستِ مقززة على الإطلاق.
ذلك الفتى كان مختلفًا.
رأى ندبتها، لمسها... ولم يجزع.
لم يظهر أي اشمئزاز.
ربّت على خدها بحنان لم تعهده، ودفء لمسته انتشر في جسدها بالكامل.
اقتربت من يده، كفراشة تنجذب إلى لهب.
ذلك الدفء طرد البرودة التي تجذّرت في عظامها لسنوات.
غمرتها مشاعر لم تختبرها منذ زمن، ففاضت عيناها بالدموع.
لم تفهم لماذا كانت تبكي.
لم تستطع السيطرة على المشاعر التي اجتاحتها.
لمسة دافئة، الأولى منذ فقدت عائلتها، ومنذ لُعنت…
كان ذلك فوق طاقتها.
تعلّقت بيده، تبحث عن دفء يعيد إليها شيئًا من إنسانيتها.
وقد بقي معها، احتضنها، حتى هدأت وغفت.
"…"
لابد أنه كان حلمًا، فكرت.
كان جميلًا جدًا، خياليًا أكثر من اللازم.
مجرد لمحة من حياة لن تنالها أبدًا.
…إلى أن بدد صوت صاخب كل شيء.
"انهضييييييي!!!"
"إييييك؟!"
استفاقت فجأة، قلبها يخفق بجنون.
"أه... أأه...؟"
"هيا، يا نائمة! انهضي!"
رأت فتى ذا شعر أشقر أشعث يبتسم لها.
إنه غولدن بوي، أحد زملائها.
"...أما كنت تستطيع إيقاظي بلطف أكثر...؟"
"هذه هي الطريقة الوحيدة التي تنجح!"
ضحك، فرأت خلفه فتى آخر يقترب.
كان وجهه بلا تعبير.
"أخيرًا استيقظتِ."
"…"
شهقت فيوليت حين تعرّفت عليه.
رايدن ليشيت.
"غفوتِ على المقعد البارحة. لذا نقلتك إلى خيمتك..."
"انتظري، كنتِ مستيقظة فجراً، فيوليت؟"
"أجل، خرجت قليلًا عند الفجر."
"واو، فلاحة تلتقي بدوق وحدها... أمر مرعب."
"اصمت."
حدّقت فيهم فيوليت، وذهنها في دوامة.
جلسة خاصة مع رايدن ليشيت...؟
لكنه كان حلمًا...؟
"هـ-هل كان... حلمًا...؟"
"حلم؟ عمّ تتحدثين؟"
"لـ-لا شيء!"
قطّب رايدن حاجبيه بقلق، ولوّحت فيوليت بيديها خجلاً.
"همف، إن كنتِ تقولين ذلك."
لم يُلح في السؤال، مما منحها بعض الراحة.
لكن بينما حاولت تهدئة قلبها، عاد رايدن يتحدث.
"هيا، استعدّي. حان وقت التجمع."
"…"
رمق ضمادها للحظة، فشعرت بقشعريرة.
لم يكن ينظر إلى الضماد... بل إلى ما تحته.
إلى الندبة الملعونة المخفية تحت القماش الأبيض.
...كان يعلم.
ضربها الإدراك كالصاعقة.
ما حدث البارحة لم يكن حلمًا.
انهيارها أمامه، تشبثها به كطفلة... كان كلّه حقيقيًا.
لكن بدلاً من الشعور بالفرح لأن أحدًا لم يتأثر بلعنتها، اجتاحها خجل عارم.
"....!!"
احمرّ وجهها من الإحراج.
"ما بكِ...؟"
"لا تهتم بها."
تبادل رايدن وغولدن بوي نظرات مسليّة، تاركين فيوليت تغرق في حرجها.
---
وفي الجانب الآخر من الجزيرة...
كانت أصوات المعركة قد خمدت، وحلّ محلها صمت مخيف.
كان المكان مشهدًا للدمار الكامل.
اقتُلعت الأشجار، وتبعثرت الحطام، والهواء مشبع بالدخان.
كأن كارثة طبيعية اجتاحت الغابة.
"حسنًا... لقد طلع الصباح."
وقف الرجل العجوز في وسط الساحة المدمّرة، صوته بالكاد يُسمع.
كانت ثيابه مغطاة بالتراب والرماد.
نفض الغبار عن نفسه بلا مبالاة، ونظر حوله.
كان عشرون فارسًا أسودًا تقريبًا راكعين أمامه، بانتظار أوامره.
"ههه... استغرق الأمر وقتًا أطول مما توقعت. هؤلاء الشباب أقوياء، أليس كذلك؟"
"سيدي، هل نعود الآن؟" سأل أحد الفرسان بصوت مكتوم من تحت خوذته.
"نعم، لا يمكننا البقاء هنا أكثر. القيود بدأت تدخل حيّز التنفيذ."
رفع الرجل العجوز يده، وقد بدأت أصابعه تتفتت إلى غبار.
وألقى بشيء كان يحمله إلى أحد الفرسان، وفي صوته شيء من الأسف.
"كنت أودّ الاستمتاع قليلًا مع أولئك الطلبة، لكن ذلك الشاب استنزف وقتي... على أية حال، كانت تجربة مسلية."
"وماذا عن الأوامر التي أعطيتنا إياها؟"
"نفّذوها كما هو مخطط. لا أتوقع منكم القضاء عليهم جميعًا بقواكم المتبقية، لكن حاولوا إثارة أكبر قدر من الفوضى والدمار."
"كما تأمر، سيدي."
لم ينتظر الرجل العجوز ردًا. استدار واختفى في دوامة من عباءته السوداء.
حدّق القائد في المكان الذي اختفى فيه سيده، ثم استلّ سيفه.
تبعه باقي الفرسان، يستلون أسلحتهم.
"حان وقت نشر الموت، أيها الجنود."
رفع القائد الجسم الذي أعطاه إياه الرجل العجوز وثبّته في رأس رمحه.
كان...
رأس الأستاذ لوكاس، مفصولًا، وعيناه تحدقان في الفراغ.