وهكذا بدأ اليوم الثاني من رحلتنا الميدانية.
كان من غير الدقيق أن نُسميه "اليوم الثاني"، إذ لم يكن مختلفًا كثيرًا عن اليوم الأول.
الطلاب كانوا يتجولون في أنحاء الجزيرة الشاسعة، بينما الأساتذة اعتكفوا في المعسكر، على الأرجح يلعبون الورق...
"لماذا عناء قدوم أولئك العجائز أصلاً؟"
ألم يكن من الأفضل أن يُترك الطلاب يخوضون هذه الرحلة وحدهم؟
ليس أنني كنت أشتكي، فالجزيرة مليئة بالمناظر المثيرة، ولم يكن في الأمر ما يُشعِرك بالملل.
إضافة إلى ذلك، تم تزويد كل منا بجهاز سحري محمول للحالات الطارئة.
لذا لا، لم يكن لدي ما أشتكي منه.
باستثناء حقيقة أن الأساتذة مسترخون في المعسكر بينما نحن من يقوم بكل العمل.
خصوصًا أمثال شارون وكيت، اللتين غالبًا ما تُغرقاننا بالواجبات.
"تبًا، في يومٍ ما سأقلب هذه الأكاديمية رأسًا على عقب."
بسلطة عائلتي، سأحرر كل الطلاب الذين يعانون من استبداد الواجبات. ( كل الدعم)
"حسنًا، ما عدا لوكاس. هو جيد." (.....)
أعباؤه معقولة، وصفوفه ليست صعبة.
"في يومٍ ما..."
كنت أشتعل غضبًا بحماسة الثائر، مستعدًا للإطاحة بنظام الأكاديمية القمعي، عندما قال غولدن بوي، الذي كان يسير أمامي فجأة:
"هيه، هل تعرف حتى إلى أين نحن ذاهبون؟ لقد توغلنا كثيرًا..."
أخرج خريطة من جيبه وحاول تحديد موقعنا.
وكما هو متوقع من الأحمق الذي هو عليه، كان يُمسك الخريطة بالمقلوب.
كنت على وشك أن أتنهد وأصحح له، حين تكلمت مارغريت التي كانت تسير بجانبي:
"نحن متجهون إلى ’قبر النجوم‘، إنه عند حافة الجزيرة."
"قبر النجوم؟ دعني أرى... قبر النجوم..."
جالت عينا غولدن بوي في الخريطة، وارتفعت حاجباه بدهشة.
"واو... إنه في الجانب الآخر تمامًا من الجزيرة؟"
"نعم، يبدو أنه متصل بالوادي القريب."
"الجانب الآخر من الجزيرة؟"
كنت أعلم أن الجزيرة ضخمة، لكن أن نمشي كل هذه المسافة؟
سنموت من الإرهاق قبل أن نصل حتى.
"همم..."
تأوهت داخليًا من التفكير في طول الرحلة أمامنا.
أخرجت عشبة موت من جيبي، باحثًا عن شيء يلهيني عن تعبي الناتج عن قلة النوم.
أشعلت العشبة واستنشقت رائحتها الغريبة والمسببة للإدمان، حينها شعرت بنظرة مسلطة عليّ.
مارغريت، التي كانت تنظر إلى الخريطة مع غولدن بوي، كانت تحدق بي الآن بتعبير متردد.
"هل... أنت بخير؟" سألت.
"هل... تسألينني؟" أجبت وأنا أرفع حاجبيّ.
"ومن غيرك هنا يبدو عليه التعب؟"
"لا تقلقي عليّ. فالأمر ليس مجهدًا لدرجة كبيرة."
"حسنًا... بما أن الطريق طويل، سنركب الخيول لاحقًا."
"هذا خبر جيد."
نظرت مارغريت إلي بنظرة غريبة بسبب ردي اللامبالي، ثم أدارت وجهها وتابعت السير.
تبعتها، وعيناي تتبعان شعرها الفضي المتألق وهو يتمايل مع كل خطوة.
---
في هذه الأثناء، في معسكر أكاديمية رينولدز...
ثلاثة أشخاص ممددون في خيمة الطاقم.
آرون، وكيت، وشارون.
وهم أساتذة الفصول التي تضم لييل، وزينون، وسيرينا على التوالي.
"هااام... آرون... أين لوكاس...؟" تمتمت كيت بتثاؤب كبير.
فتح آرون، الذي كان يتأمل، عينيه وحدّق بها بتعب.
"كم مرة يجب أن أكرر؟ إنه في مهمة استكشافية."
"آه... ولكن ماذا عن نوبة الغداء...؟ أليس هو من يُفترض أن يطبخ...؟"
"ألا يمكنكِ الطهي؟"
"لكن... طبخ لوكاس أطيب بكثير..."
"هي ليست مخطئة في ذلك." تدخلت شارون.
كانوا جميعًا قد تخطوا وجبة الإفطار للإشراف على الطلاب، ومعدتهم بدأت تُقرقع من الجوع.
"فلنأكل حالما يعود لوكاس..." قالت شارون بصوت ضعيف من شدة الجوع.
"لحم! أريد لحمًا!" صرخت كيت.
"وماذا عن بعض الخمر مع ذلك؟" اقترحت شارون.
"الآن تتكلمين!" تبادلت الاثنتان ضربة كفّ بحماس.
أخذ آرون يدلك صدغيه محاولًا تجاهل حديثهما السخيف.
"حقًا؟ تريدان الشرب خلال رحلة مدرسية...؟"
"هيا، يوم واحد فقط!" تذمرت كيت.
"نعم! لقد أحضرت نبيذك المفضل ’ثورة‘، وبعض شراب ’عسل ريترونا‘ للوكاس." أضافت شارون بغمازة.
"متى... متى فعلت ذلك...؟" تمتم آرون بدهشة، لكن شارون غمزت ثانية ثم نقرت بأصابعها.
ظهر تموج في الهواء، وتجسد زجاجتان بهدوء.
"تا-دا! خدمة توصيل الكحول!" أعلنت شارون بفخر.
حدق آرون بالزجاجات، إحداها مغطاة بطبقة جليدية.
"خزّنتِ النبيذ في بُعد متجمد؟! ولماذا تهدرين سحرك المكاني المتقدم في هذا؟!"
"وماذا عساني أستخدمه لأجله؟ الحياة تتمثل في التفاصيل الصغيرة." قالت شارون بلامبالاة، وأعادت الزجاجات للاختفاء في الهواء.
كيت، التي كانت تتابع المشهد باستمتاع، اقتربت من شارون وهمست:
"هل أحضرتِ الجعة السوداء ’ليتون‘؟"
"بالطبع، لم أكن لأنسى."
"أنتِ الأفضل..." تنهدت كيت بسعادة.
وهكذا استمر الأساتذة الثلاثة في الدردشة والمزاح، مستمتعين بالاستراحة النادرة من واجباتهم المعتادة. يبدو أن الرحلة الميدانية منحت طاقة جديدة ليس للطلاب فحسب، بل للكادر التدريسي أيضًا.
وتحدثوا بحماس عن الوليمة التي سيقيمونها حين يعود لوكاس.
لكن، رغم حلول وقت الغداء...
لم يظهر لوكاس.
---
كنا نتحرك منذ ساعات.
بحسب موقع الشمس، كان الوقت يقترب من الظهيرة، أي أننا كنا نسير لأكثر من ثلاث ساعات.
ولم نكن نمشي فقط. ركبنا الخيول، وقطعنا نهرًا في قارب صغير...
"حتى مع كل وسائل النقل، لا زلت منهكًا..." تمتمت، ورؤيتي تبدأ في التشوش من قلة النوم.
توقفنا عدة مرات للراحة، لكنها لم تكن كافية لتعويض ليلتين بلا نوم.
أخرجت عشبة موت أخرى، آملاً أن تُصفّي رأسي.
كانت هذه السابعة اليوم.
لا، إن حسبت تلك التي دخّنتها خلال الليل، فهي أقرب للعشرين.
-نقّر، نقّر...
تشققت العشبة الجافة بين شفتيّ بينما أشعلتها واستنشقت نفسًا عميقًا.
بينما كنت أزفر سحابة دخان، لاحظت فيوليت تحدق بي.
"...!"
سرعان ما صرفت نظرها، وقد احمرّ وجهها خجلًا.
أدارت رأسها بسرعة حتى أن شعرها البنفسجي القصير حلق للحظة، كاشفًا انحناءة رقبتها الرقيقة.
"ما بها؟"
عبستُ، متحيرًا من تصرفها الغريب.
"هل هو بسبب ما حدث هذا الصباح...؟"
وبّخت نفسي في ذهني. على الأرجح كنت متهورًا معها حينها.
فهي دائمًا ما تكون منطوية، وأنا اقتحمت مساحتها الخاصة دون تفكير.
كان يجدر بي أن أكون أكثر حذرًا...
غارقًا في التفكير، نقرت على طرف العشبة.
خرج من فمي فقط نفَسٌ آخر من الدخان.
راقبته وهو يتلاشى في الهواء، متفرقًا في كل الاتجاهات...
لحظة... في كل الاتجاهات؟
كان هنالك شيء مريب في حركة الدخان.
استنشقت عشبة موت أخرى، مركزًا على الدخان هذه المرة.
"هممم..."
بدلًا من الانجراف في اتجاه واحد، تشتت الدخان بشكل عشوائي، كأنه محاصر برياح فوضوية.
كأننا دخلنا منطقة ذات تدفق مانا غير مستقر.
"..."
زفرت عدة مرات أخرى، لكن النتيجة كانت ذاتها.
كان هناك شيء مريب في تيارات الهواء.
بدلًا من الجريان اللطيف، كان هنالك اضطراب غير طبيعي، تشوه دقيق لكن مزعج.
نظرت حولي، أحاول تحديد مصدر هذا الاضطراب.
في النظرة الأولى، بدا كل شيء طبيعيًا.
الغابة بدت كأنها لوحة خريفية، بأوراقها الحمراء الزاهية المتناقضة مع الأرض المغطاة بطبقة خفيفة من الثلج.
كانت أشعة الشمس تتسلل عبر الأغصان، لتلقي بظلال راقصة على الأرض.
لكنني لاحظت شيئًا.
الصمت.
صمت غير طبيعي خيم على الغابة.
تغريد العصافير المرح الذي ملأ الجو قبل لحظات...
حفيف الحيوانات الصغيرة في الأدغال...
هدير الشلال البعيد...
كله اختفى.
"هناك..."
كان هناك شيء خاطئ بالتأكيد.
لا بد أن غولدن بوي شعر به أيضًا، لأنه توقف ونظر حوله بقلق.
"أيها المجنون..." قال بصوت غير معتاد عليه، متوتر.
"هناك شيء غير طبيعي..."
"أعلم."
أجبت، ويدي تتحرك غريزيًا نحو السيف المعلّق على خصري.
"ما هذا بحق الجحيم..."
تمتم غولدن بوي وهو يفتش الأنحاء بعين حذرة.
والآن بعد أن انتبهنا، كانت العلامات واضحة.
رائحة دم معدنيّة خفيفة تملأ الجو.
ثم ذلك الشعور...
وخز في مؤخرة عنقي، كأن أحدهم يراقبنا.
عيون باردة، مفترسة، مختبئة في أعماق الغابة.
"..."
"..."
ساد صمت خانق على الساحة، لم يُكسر سوى بأنفاسنا المتقطعة.
كنا في مواجهة صامتة مع عدو خفي.
تم كسر التوتر بواسطة مارغريت، التي كانت غافلة عن تغير الأجواء.
وقفت مكانها، تحدق بي وبغولدن بوي، ورأسها مائل باستغراب.
"أمم... لماذا أنتما واقفان هكذا...؟"
-طنين!
صوت وتر قوس ينفلت دوّى في المكان، تبعه صوت صفير سهم يشق الهواء.
لم أكن أملك الوقت الكافي لفهم ما يحدث قبل أن يصبح السهم أمامنا مباشرة، موجّهًا إلى حلق مارغريت.
"وميض × 2!!"
-طرقة!
اختفى جسدي في ومضة ضوء، وظهر أمام مارغريت.
كان الوقت متأخرًا جدًا للهرب.
دفعتها بيدي اليسرى، ورفعت اليمنى لملاقاة السهم القادم.
"انعكاس!"
-طنين!
اصطدم السهم، المتوهج بهالة سوداء خبيثة، بيدي المملوءة بالمانا، فأحدث الاصطدام موجات صدمة هزّت ذراعيّ.