"انعكس!"
طنين..!
بشق الأنفس، تمكنت من صد السهم الذي انطلق نحوي محملاً بهالة شريرة.
الهجوم المفاجئ باغتني، وقوة الاصطدام شقت أطراف أصابعي، متسببةً في نزف الدم.
عضضت شفتي، أكتم صرخة، وضغطت بأصابعي على الجرح لأوقف النزيف.
"را-رايدن؟! هل أنت بخير… ماذا حدث؟!"
"المجنون!"
"س-سيدي الشاب ليشيت...!"
اندفع رفاقي نحوي، وجوههم مرسومة بالقلق.
"أنا بخير!" زمجرت، رافعًا يدي لأوقفهم. "فقط... كونوا يقظين!"
كلماتي بدت كأنها صفعتهم، فاستعادوا تركيزهم بسرعة، ووجهوا أنظارهم إلى اتجاه السهم.
أخرج غولدن بوي صولجان التدريب من حزامه، بينما بدأت مارغريت وفيوليت في تجميع المانا.
مزّقت قطعة من كمّي وربطت بها جرحي بسرعة، ثم انضممت إلى رفاقي في وضعية دفاعية.
"حواس حادة لديك، بالفعل."
صوت بارد ومخيف قطع الصمت.
ظهر عدد من الأشكال من خلف الأشجار، تغلفهم هالة سوداء تنذر بالخطر.
كانوا يرتدون دروعًا سوداء حالكة، وأسلحتهم تلمع تحت أشعة الشمس المفلترة. من خلف خوذهم، رأيت لمحات من لحم متعفن وعيون حمراء متوهجة.
"أموات أحياء...؟"
تلعثمت مارغريت، التي كانت تتهيأ لإطلاق تعويذة.
"لكن... لماذا هناك أموات أحياء هنا؟ لم أشعر بأي مانا..."
"أموات أحياء... لا يطلقون مانا؟" تمتمت، بينما جبيني يتجعد.
هذا مستحيل. حسب معرفتي، لا يوجد في هذا العالم من يستطيع استدعاء مثل هذه الكائنات سوى كائن واحد.
"...الملوك الأربعة السماويين. بايرن."
الملوك الأربعة السماويين...
لا، هذا غير ممكن. لم يكن من المفترض أن يظهروا في هذه المرحلة من القصة.
لماذا تنهار الحبكة؟
"هاي... رايدن..."
همس غولدن بوي وهو يربت على كتفي، وجهه شاحب.
وأشار بأصبعه المرتجف نحو مؤخرة صفوف الأموات الأحياء.
"انظر..."
"ماذا هناك...؟"
تبعت نظراته، محاولًا الحفاظ على هدوئي.
ثم رأيته.
مخترقًا برمح أحد أكبر الأموات الأحياء، ورأسه متدلٍّ بزاوية غير طبيعية...
البروفيسور لوكاس.
عيناه الزمرديتان، التي كانت مليئة بالحياة دومًا، تحدقان الآن في الفراغ، بلا روح.
عقلي توقف عن العمل.
البروفيسور لوكاس... كان من المفترض أن يكون في المخيم الأساسي.
لماذا…؟ كيف…؟
ميت...؟
لا. هذا غير ممكن.
"لا بد أنني... أتوهم..." تمتمت، بصوت أجوف.
ليكن هذا مجرد وهم مريض، أرجـوك.
لكن رد غولدن بوي حطم أملي إلى شظايا.
"أياً يكن ما نراه… فنحن الاثنان نراه."
"..."
لا بد أن هذه كذبة.
أردت أن أصرخ بذلك، لكن الكلمات لم تخرج.
البروفيسور لوكاس... ميت؟
كان من أقوى السحرة في الأكاديمية، لا يسبقه سوى المديرة كورن. كيف يمكن له أن...
ضاق تنفسي، وتهاوى توازني كمنزل من ورق.
منذ يوم فقط، كنا نتحدث ونضحك... والآن...
لقد مات.
قبض الرعب البارد على قلبي، يسحب الهواء من رئتي.
ترنحت إلى الوراء، ورؤيتي تتلاشى تدريجيًا.
"غااه... هاااه..."
تماسك، رايدن.
عضضت لساني بقوة، والمذاق المعدني للدم ملأ فمي. كان عليّ أن أبقى واعيًا. إن فقدت وعيي الآن، سنموت جميعًا.
كانت هذه الفكرة، الكئيبة واليائسة، الشيء الوحيد الذي يبقيني متصلًا بالواقع.
- تذكّر، رايدن. في أي مواجهة، القاعدة الأولى هي الحفاظ على الهدوء.
- تدرب بعقلية أن أي لحظة ضعف ستؤدي إلى هزيمتك.
من المفارقة، أن "تعاليم" والدي هي من أعادتني من حافة الانهيار.
ساعات طويلة من الإهانات والضرب انغرست في أعماقي، والآن، هي ما يمنعني من السقوط التام.
ابتلعت مرارة القيء الذي صعد إلى حلقي، وكررت تلك الكلمات في داخلي كأنها تعويذة.
صحيح. هذه مواجهة.
مواجهة يجب أن أبقى فيها هادئًا، مهما حدث.
مواجهة تعني أن لحظة ضعف واحدة تعني الموت.
ولا يمكنني أن أخسر.
ليس الآن...
"لا... يمكنني... الخسارة..."
تمتمت لنفسي كالمجنون.
فتحت عيني، والإصرار يتصلب في نظرتي.
تحول ذهني إلى كتلة جليدية باردة، يحلل الموقف بدقة.
كنا في وضع ميؤوس منه.
نحن بلا معدات مناسبة، بينما الأموات الأحياء مدججون بالسلاح.
وكان عددهم لا يقل عن عشرين، خمسة أضعافنا.
ونحن مرهقون بعد ساعات من السير، بينما هم...
"لا يمكننا الفوز في مواجهة مباشرة."
هؤلاء لم يكونوا مجرد أموات أحياء عاديين.
كانوا نخبة بايرن، محملين بقوة شيطانية بعثت القشعريرة في جسدي.
نظرت إلى غولدن بوي، الذي كان يحدق بي بمزيج من الخوف والتوقع.
"..."
"..."
تلاقينا بالنظر، وفهمنا بعضنا من دون كلمات. كان قد سبقني بخطوة، جسده مشدود، مستعد للانقضاض.
أومأت له بإيجاز.
"غولدن بوي."
"نعم؟"
شد قبضته على صولجانه، وعضلاته تشد بقوة.
"اركض. الآن!"
ما إن خرجت الكلمات من فمي، حتى انطلق غولدن بوي للأمام، صرخ و صولجانه في الهواء.
- بانغ!!
اصطدم الصولجان برأس فارس ميت، ودوّى صوت تحطم خوذته، متسببًا بانفجار من الدم الأسود اللزج على أرض الغابة.
توقفت صفوف الأموات الأحياء للحظة، مذهولين من الهجوم غير المتوقع.
وكانت تلك اللحظة كل ما نحتاجه.
أمسكت بمارغريت، بينما حمل غولدن بوي فيوليت، وركضنا.
"كيااا!"
"وااه!"
مر شبح من أول درس في كتاب الأكاديمية "تكتيكات القتال" في رأسي.
القاعدة الرابعة للبقاء على قيد الحياة في المعركة:
إذا واجهت عدوًا لا يمكنك هزيمته، انسحب فورًا.
"تحرّك، يا مجنون!"
لم نكن بحاجة لمن يخبرنا مرتين.
استدرنا وهربنا، ومطاردونا يلهثون خلفنا.
"إنهم يقتربون!" صرخت مارغريت، والذعر يملأ صوتها.
"استمري في الجري!" صرخت وأنا أدفع نفسي بقوة أكبر.
وهكذا، بدأنا لعبة مميتة من الغميضة في قلب الغابة.
في هذه الأثناء، في معسكر القاعدة…
كان هناك شخصان يجلسان قبالة بعضهما البعض على طاولة مستديرة صغيرة.
آرون وكايت.
كانت وجهيهما، اللذان عادةً ما يملؤهما الحيوية، شاحبين من القلق وهما يحدقان في الساعة التي كانت تدق بشكل ينذر بالسوء على الطاولة.
ـ تك توك… تك توك…
كان صوت عقرب الثواني المستمر يعزز الصمت الثقيل الذي خيّم على المعسكر.
كانت الساعة الثانية بعد الظهر، متأخرة كثيرًا عن وقت الغداء.
"لوكاس لم يعد بعد…" قالت كايت، بصوت يثقل القلق نبرته.
كان آرون ينقر بأصابعه على الطاولة بعصبية.
"كان الغداء من المفترض أن يكون عند الظهر… مرّت ساعتان…"
"هل تأخر من قبل؟"
"لا أتذكر أنه فعل ذلك… ولا مرة خلال السنوات الخمس الماضية."
عضت كايت شفتها، وازداد قلقها مع مرور كل لحظة.
"لقد قال إنه يشعر بشيء سيئ… قبل أن يخرج في دورية…"
"نعم…" تمتم آرون، وهو يشعر بانقباض في أحشائه.
لم يستطع التخلص من هذا الشعور بأن هناك شيئًا خاطئًا تمامًا.
لقد كانا زملاء منذ سنوات، ولوكاس لم يتأخر قط.
كان قاتلًا محترفًا، والدقة تسري في دمه. يعيش وفق مبدأ الانضباط التام.
ومع ذلك… ها هما الآن، ينتظرانه عبثًا.
"هناك خطب ما…" همست كايت، وصوتها يرتجف قليلًا.
"لا تقولي ذلك…" قال آرون محاولًا أن يبدو مطمئنًا، لكنه لم ينجح في ذلك.
بدأ يخاف من الأسوأ.
فجأة، اقتحمت شارون خيمة الطاقم، ووجهها متورد وعيناها متسعتان من الهلع.
"آرون! كايت!"
"ما الأمر، شارون؟" سألت كايت، وجبينها ينعقد بقلق.
"أحد أجهزة الاتصال الطارئة… توقف عن العمل!"
"ماذا؟!"
"لدينا مشكلة!"
ألقت شارون كومة من الأجهزة الصغيرة التي تشبه الصناديق على الطاولة. كانت تومض بشكل غير منتظم وتصدر وهجًا أحمر خافتًا.
أمسكت ببعضها، وبدأ صوتها يرتجف قليلًا وهي تشرح:
"هذه هي أجهزة الاتصال لجميع الفرق الثلاثين… هل تلاحظان شيئًا غريبًا؟"
"لماذا الضوء مطفأ في… جهاز الفريق الرابع؟"
"الاتصال انقطع. هناك من عطّل خطوط المانا…"
"تعطيل؟ هل أنتِ متأكدة؟ ربما مجرد عطل تقني…"
"أوه، بحق السماء يا آرون!"
ضربت شارون صدرها بيدها، وقد نفد صبرها من رد فعل آرون البارد.
"أنا من صنعت هذه الأجهزة! إنها لا تتعطل ببساطة! ألا تدرك مدى خطورة هذا؟ هناك من عبث بخطوط المانا!"
"عبث؟ تقصدين… أنه ليس مجرد نقص مانا بسيط؟"
"بالضبط! هل بدأت تفهم الآن؟!"
انفجار شارون أعاد آرون إلى وعيه.
تعطيل في خطوط المانا…
قد يبدو كأنه مجرد نقص طاقة، لكنه في الواقع شيء آخر تمامًا.
عادةً ما تتعطل الأجهزة السحرية بسبب نقص المانا الخارجي.
لكن التعطيل هنا… كان شيئًا آخر كليًا. أشبه بحاجز يمنع الإشارات السحرية من الوصول إلى هدفها.
ببساطة، إنه حاجز لا يمنع تدفق المانا، بل يعزل الإشارات التي تمر عبرها.
وكان ذلك شكلًا متقدمًا ومعقدًا للغاية من السحر، يتحدى قوانين العالم نفسها.
"وتعرفون ما هو الأسوأ؟ لا أحد منا… شعر بأي شيء."
"…"
"…"
تبادل آرون وكايت نظرة مذعورة.
كانت شارون محقة.
لم يشعروا بشيء.
لا تموج سحري، ولا حتى رجفة خافتة.
وهؤلاء كانوا من أقوى السحرة على القارة.
"أنتِ تقولين…"
"نحن نتعامل مع شخص… أو شيء… قوي بما يكفي لإخفاء توقيعه السحري عنا،"
"الأمر لم يعد متعلقًا بلوكاس فقط!"
"إذا كانت نظريتي صحيحة… فجميع الطلاب على هذه الجزيرة… في خطر! يجب أن نفعل شيئًا!"
"اللعنة!"
نهض آرون فجأة، فأسقط كرسيه أرضًا. ارتدى معطفه بسرعة، وتوجه يده تلقائيًا إلى قبضتي القتال اللتين يحملها دائمًا.
مع اختفاء لوكاس، أصبح هو أقدم أستاذ متبقٍ. وسلامة الطلاب أصبحت مسؤوليته الآن.
"شارون، حددي مكان آخر إشارة للفريق الرابع،"
"وأرسلي رسالة طارئة لجميع الفرق. قولي لهم أن يعودوا إلى المعسكر فورًا!"
"ح-حسنًا!"
"كايت، اذهبي لتحذير بقية الأساتذة،"
"علينا إعادة الجميع إلى بر لأمان بأسرع وقت ممكن!"
"ما الذي يحدث بحق السماء؟!" صاحت كايت، وصوتها مليء بالذعر.
بدأت شارون تعمل بسرعة على أجهزة الاتصال، بينما انطلقت كايت، وجسدها محاط بتوهج أزرق خافت، متجهة إلى المعسكرات الأخرى.
أما آرون، فلم يضيع لحظة، وركض نحو الإسطبلات حيث كانت الخيول.
"سأترك الأمر بين يديكِ، شارون،"
"آرون، إلى أين أنت ذاهب؟" صاحت شارون خلفه.
"إلى آخر موقع أُرسلت منه إشارة الفريق الرابع،"
"الفريق الرابع… تعني…"
"نعم، الفريق الذي يضم رايدن ومارغريت،" قال آرون بوجه قاتم.
"كلاهما من عائلات دوقات! هذه كارثة وشيكة!"
وفي تلك اللحظة، انطلقت صوت جديد، هادئ لكن مملوء بهيبة ملكية:
"أنت تقول إن جهاز الاتصال الخاص بفريق السيد الشاب ليشايت توقف عن العمل…؟"
استدار كل من شارون وآرون فجأة، واتسعت أعينهما دهشة حين تعرفا على المتحدثة.
"س-سموكِ؟!"
سقطت أعينهم على أميرة الإمبراطورية الأولى، لوسي فون ليتريو.
كانت عيناها الزرقاوان، المرتجفتان قليلًا، مثبتتين عليهما.
"أخبراني،"
"ماذا حدث للسيد الشاب ليشايت؟"