"......"
حدقت مارغريت بذهول إلى أسفل الجرف الذي سقط منه رايدن.
كان وادياً عميقاً للغاية، حتى إنها لم تتمكن من رؤية قاعه.
لم تصدق المشهد الذي وقع أمام عينيها، فتمتمت باسم الفتى وكأنها تنكر ما حدث.
"رايدن...؟"
بطبيعة الحال، لم يصلها أي رد.
تجمد عقلها، غارقاً في فاجعة مفاجئة لا تُحتمل.
ارتجفت عيناها الحمراوان.
كانت مارغريت تحاول أن تدرك الواقع، تبحث بيأس عن تفسير.
"......"
كانا قد قفزا في محاولة لعبور الوادي.
ثم استخدما سحر رايدن الفريد للانتقال عبر الفضاء.
حتى تلك اللحظة، لم تكن هناك أي مشكلة.
حتى مارغريت، حين أدركت خطة رايدن، أعجبت بها واعتبرتها فكرة عبقرية.
بدت خطة محفوفة بالمخاطر، لكن فرص نجاحها كانت جيدة.
إلى أن رأت النظرة المذعورة على وجه رايدن بعد الانتقال.
-آه...
لقد فشلا.
معلّقان في الهواء فوق هاوية لا قاع لها، تذكّرت مارغريت متأخرة أن رايدن قد استخدم "الوميض" مرتين لحمايتها.
(…أنا سأموت.)
أغمضت مارغريت عينيها بقوة، وقلبها ينبض بقوة في صدرها.
وبينما كانت تستعد لدفع ثمن الفشل، رايدن، الذي كان يحتضنها بشدة، رماها فجأة بكل قوته.
-أنت...؟
تمتمت بضعف، وهي تراقب الفتى يبتعد عن قبضتها.
اختفى رايدن دون أن ينطق بكلمة، تاركاً إياها خلفه.
"......"
حدقت مارغريت إلى حافة الجرف، منهارة تماماً.
حاولت أن تبحث عن الفتى في أعماق اليأس، لكن دون جدوى.
رايدن كان قد...
-تحطم...
انهارت ساقاها وسقطت على الأرض.
رايدن مات.
جملة بسيطة، ومع ذلك، لم تستطع مارغريت استيعابها.
الفتى الذي كان يسير بجانبها قبل ساعة فقط، قد اختفى من هذا العالم.
تجمدت من شدة التنافر بين الواقع والمأساة، فلم تستطع الحراك.
وبقيت هناك، عاجزة عن فعل أي شيء.
تحدّق بعينيها الخاليتين إلى قاع الوادي حيث اختفى الفتى.
---
في هذه الأثناء…
في الغابة، على بُعد كيلومتر تقريباً من الوادي حيث كانت مارغريت.
كان غولدن بوي وفايوليت يواجهان سبعة من الفرسان السود.
"هاها~ هذا موقف لا يُحسد عليه، أليس كذلك؟"
قال غولدن بوي بابتسامة باهتة، متراجعاً خطوة للخلف.
نظر إلى فايوليت، التي كانت تختبئ خلفه، وأخذ يستعرض بشكل مبالغ فيه.
"كنت أظن أن المجنون سيلفت انتباههم... لكن يبدو أن بعضهم تبعنا!"
"إيييك...! م-ماذا نفعل؟ غ-غولدن بوي؟"
ارتجفت فايوليت خلفه، وعيونها تفيض بالدموع.
هز غولدن بوي كتفيه بتعبير لا مبالٍ.
"ممم~ أظن أننا سنموت. يبدو أن البروفيسور لوكاس مات بالفعل، فكيف سنقاتل هؤلاء؟"
"م-م-ماذا تعني...!"
حتى في هذا الموقف، لم يستطع غولدن بوي كبح رغبته في السخرية، بينما كانت فايوليت ترتعد من الخوف.
فيما وقف الاثنان عاجزين، كان الموتى الأحياء يتقدمون نحوهما ببطء.
قبض غولدن بوي على قبضته وأطلق تنهيدة خفيفة.
"ما زلت صغيراً على الموت..."
أخذ وضعية قتالية، ثم تنهد بعمق وهمس لفايوليت:
"اذهبي."
"هاه؟"
"اذهبي للأمام. عودي إلى المعسكر."
اتسعت عينا فايوليت عند سماع كلماته العفوية.
غولدن بوي، متجاهلاً ردّ فعلها، ثبت بصره على الأعداء المتقدمين.
"إذا مشيتِ قليلاً من هنا، ستجدين الخيول... اذهبي إلى المعسكر وعودي بالبروفيسورات."
"و-ولكن... ماذا عنك، غولدن بوي...!"
"أنتِ مزعجة جداً. أقول لك إنكِ عبء في القتال، لذا اذهبي."
وبّخ غولدن بوي فايوليت المترددة، وابتسامة هادئة تزين شفتيه.
"سأشغلهم قليلاً ثم ألحق بكِ."
"ه-هذه راية موت..."
"فقط اذهبي، أرجوكِ."
-قعقعة، قعقعة...
حتى أثناء جدالهما، واصل الموتى الأحياء التقدم.
وأخيراً، دفعتها الظروف لاتخاذ قرار.
ركضت فايوليت والدموع تنهمر من عينيها.
"س-سأعود مع الاساتذة...!"
"نعم، نعم."
راقبها غولدن بوي تختفي وسط الشجيرات، ثم أطلق زفرة.
ضحك بهدوء، وكأنه شعر بالارتياح، وعندها نطق أحد الفرسان، وقد اقترب حتى صار في مرمى الضرب:
"من، أجل، تضحيتك، النبيلة، نقدم، لك، احترامنا."
"ما هذا؟ ألم يكن القائد يتحدث بطلاقة؟ لماذا لسانك ملخبط؟ تعفن ولا إيه؟"
سخر منهم غولدن بوي رغم اقترابهم، دون أن يُظهر أي خوف.
اعتقد الفرسان أن كلامه مجرد تبجح صبياني، فأشهروا سيوفهم نحوه.
"طفل، غبي، لا، تتوسل، من، أجل، حياتك... الموت، قادم، لنا، جميعاً."
"......"
حدّق غولدن بوي في الفارس الذي هدده بصوت بارد، وتغير تعبيره.
ثم أغلق عينيه وبدأ ينظف أذنه باستهزاء.
"مهلاً... أنتم تفهمونني بطريقة خاطئة ؟"
"ماذا، تعني؟"
أمال الفرسان رؤوسهم في حيرة من ابتسامته الماكرة.
وفي اللحظة التالية، تلاشت الابتسامة، وفتح عينيه.
"أنتم تتحدّون الشخص الخطأ."
صوت حاد، كأنه يخترق طبلة الأذن، دوّى بقوة في المكان.
تراجع الفرسان خطوة إلى الوراء، ورفعوا أسلحتهم بتوتر.
(مم: اخييرا غولدن بوي سيزيل قناعه ..)
كان ذلك خوفاً بدائياً.
خوف الفريسة من مفترسها.
حدّقوا في "الشيء" الذي أمامهم وعيونهم ترتجف.
الفتى خفيف الظل الذي كان يحدثهم قبل قليل، قد اختفى.
وما بقي أمامهم لم يكن سوى كيان يشع قوة طاغية.
-شرر، شرر...!
الشرٓرْ الأزرق تطاير حول جسد الفتى بأكمله.
في الوقت ذاته، بدأ شعره الأشقر يتحول تدريجياً إلى الأبيض، كما لو كان قد صبغ.
وعيناه الزرقاوان توهّجتا بنور مهووس.
"واو... هذا الإحساس مألوف! لم أظهر بهذا الشكل منذ سنين وأنا أختبئ!"
تمتم غولدن بوي، وهو يعبث بالشرارات الزرقاء التي تتراقص حول أصابعه.
شعر أبيض وبرق أزرق.
أحد الفرسان المذهولين شهق حين رأى مظهر الفتى المميز.
"لا تقل لي... أنت من نسل تنين الرعد...؟"
"أوه، عرفتني؟"
"بالطبع... لقد واجهنا، الكثير، من، المتاعب، مع، التنانين."
"هممم~ يبدو أن التنين كان شائع في أيامكم، صحيح؟ أنتم من حوالي ألف سنة."
"هل، لم، يتبق، الكثير، من، التنانين، الآن؟"
"انقرضوا تقريباً."
"أفهم."
أجاب غولدن بوي على سؤال الفارس بلا مبالاة، وقبض على قبضته المتوهجة بالشرر.
ذراعه بالكامل بدأت تتوهج باللون الأزرق، وتشع بالكهرباء عالية الجهد.
"حسناً، يكفي حديثاً..."
-بززززت!!
تطاير شعر الفتى الأبيض وسط البرق المتصاعد.
غولدن بوي، بابتسامته المعتادة، نقر بأصابعه.
"موتوا."
وبكلمة قصيرة، اندفع برق بدائي ليبتلع الفرسان السود.
أحرقهم البرق الأزرق حتى لم يبقَ لهم أثر، سوى رماد.
وحين انقشع الغبار، لم يبقَ واقفاً سوى الفتى ذو الشعر الأبيض، هادئاً كعادته.
---
-روووووه...!
هدير المياه العنيفة ملأ الأرجاء.
اصطدم التيار القوي بالصخور، هادراً بشدة.
رايدن، الذي فقد وعيه بسبب الضوضاء الصاخبة، فتح عينيه أخيراً.
"كح! كح!!"
استيقظ وهو يلهث، قابضاً على حنجرته، وسعل كمية كبيرة من الماء.
وبعد عدة جولات من السعال الجاف، أفرغ رئتيه من مياه النهر التي ملأتهما.
حينها فقط، استعاد وعيه.
"هاه... هاااه..."
نظر رايدن حوله، وهو يلهث.
كان مستلقياً على ضفة نهر موتان.
لا بد أنه جرفه التيار إلى هنا.
شعر بالراحة لأنه لم يُسحب حتى البحر، فانهار مجدداً على الأرض.
"كح! كح! أنا... لا أزال حياً..."
تمتم بصوت متقطع، وهو يلتقط أنفاسه.
الألم كان ينهش جسده كله.
بفضل تبطيئه للسقوط، نجا من أن يُسحق كحبة طماطم، لكنه لم يكن سليماً بأي حال.
"ها... ها... هذا... ليس وقت الاستلقاء..."
عض على شفته ورفع جسده العلوي المتألم.
التعب وألم العضلات كانا لا يُطاقان.
رغبته في الاستلقاء من جديد كانت طاغية، لكنه قاومها.
"البقية... آمل أنهم هربوا بسلام..."
تمتم رايدن بقلق.
لم يكن قلقاً كثيراً على غولدن بوي وفايوليت لأنهما كانا معاً، لكنه لم يستطع طرد قلقه على مارغريت.
"أتُراها بخير؟ لا بد أنها تعتقد أنني ميت."
مارغريت، مثل أغلب أصحاب القلوب الطيبة، كانت حساسة.
رغم مظهرها القوي، إلا أن قلبها هش أكثر من أي شخص عرفه.
أن ترى موته بأم عينيها...
لا بد أن الصدمة كانت قاسية جداً.
"......عليّ أن أعود إليها."
التقط رايدن سيف "الحزن" من الأرض، واستخدمه كعصا للمشي.
كان عليه أن يُسرع.
رغم فقدانه للوعي، لم يبدُ أن وقتاً طويلاً قد مضى.
ربما ساعة على الأكثر؟
إن لم يكن الفرسان قد وجدوا طريقة لعبور الوادي بعد، فقد يكونون لا يزالون في الغا
بة.
كان عليه الخروج من هنا، والعودة إلى المعسكر بأسرع وقت ممكن...
-قعقعة، قعقعة، قعقعة...
بينما كان رايدن يعرج بين الأشجار، وصل إلى سمعه صوت مألوف.
صوت صليل المعدن.
"......لا تقل لي."
تجمد، واستدار نحو مصدر الصوت.
"آه... هذا غير عادل تماماً..."
كانوا هناك، بعيونهم الحمراء المتوهجة، المزيد من الفرسان الأموات.