"سيدي الشاب!!!"
صرخت الفتاة وهي تندفع نحوي.
فتحت ذراعيها عندما اقتربت واحتضنتني بشدة.
"أوف...!"
للأسف، نظرا لأن متوسط احصائياتي الجسدية أقل من D-، لم أستطع حتى تحمل اندفاع هذه الفتاة الضعيفة.
طاخ!
سقط جسدي على الأرض بصوت عالٍ.
لكن الفتاة تشبثت بي بقوة، وكأنها لا تنوي أن تتركني أبدًا.
"أه، أهه...؟"
تجمد ذهني للحظة، مندهشًا من هذا الحدث المفاجئ.
وبينما أطلقت صوتًا مذهولًا، شعرت أن صدري بدأ يبتل.
"تنشّه..."
"......؟"
نظرت إلى الأسفل، ورأيت الفتاة تدفن وجهها في صدري وتبكي.
سألتني بصوت مرتجف:
"س-سيدي الشاب... هل هذا حقًا أنت...؟ هل هذا حلم...؟"
بسيدي الشاب، لا بد أنها تعني رايدن...؟
وأنا الآن رايدن...
"أه، نعم... أعتقد ذلك...؟"
أجبتها بصوت غير واثق قليلًا، فاشتد بكاؤها.
"هُه... سيدي الشاب، كنت قلقة جدًا..."
"آه، أمم... نعم."
غير متأكد مما علي فعله، ربتُّ بلطف على ظهر الفتاة الباكية.
فارتجفت ونظرت إلي.
"تنشّه... هل هو حقًا أنت، سيدي الشاب؟"
"أمم، نعم..."
بدوت وكأنني أكرر "آه، أم، نعم" باستمرار، لكن لم يكن بيدي حيلة.
لم أكن أعرف هذه الفتاة إطلاقًا.
لم أكن متأكدًا حتى ما إذا كانت ظهرت في القصة الأصلية.
وحتى لو ظهرت، بالكاد كنت أتذكر أسماء الشخصيات الثانوية، ناهيك عن خادمة من عائلة ليشايت.
"ماذا... ماذا علي أن أفعل...؟"
وأنا في حالة من الذعر،
رنّ الصوت الميكانيكي الذي بدأت أعتاد عليه مرة أخرى في أذني.
وفي الوقت نفسه، ظهرت نافذة زرقاء أمامي.
دينغ!
[تبدأ مزامنة، إحدى ميزات التقمص!]
[المزامنة]
سيتم مزامنة ذكريات المستخدم مع ذكريات رايدن ليشايت.
سوف ترث جميع الذكريات التي مر بها رايدن ليشايت.
[※ تحذير ※]
قد تشعر بدوار نتيجة الكم الهائل من الذكريات وتدفّق المشاعر.
قد تمرّ بحالات مثل الإغماء، التقيؤ، أو عدم الاستقرار العقلي بسبب الصدمة.
يتم نقل الذكريات فقط من خلال ميزة التقمص. لا يتم التأثير على مشاعر المستخدم بأي شكل.
[تذكر ما قاله هذا النظام عندما التقينا أول مرة.]
[قد لا تفهمه الآن، لكنك ستفهمه لاحقًا.]
"ماذا...؟"
انتظر، فجأة؟
ما هذا كله؟
إغماء، تقيؤ، عدم استقرار عقلي...؟
وماذا يعني أنني سأفهم لاحقًا؟
اللعنة، إن كنت ستشرح، فاشرح جيدًا على الأقل...
[بدء المزامنة.]
"أأأغ...!؟"
مع ظهور إشعار بدء المزامنة، ضربني صداع حاد.
وفي نفس اللحظة، بدأت شظايا لا تحصى من الذكريات تتدفق إلى عقلي.
— رايدن، لقد استيقظت.
— أخي! دعنا نذهب معًا!
— سيدي الشاب! عليك أن تأخذ كتبك!!
— رغم أن الخطوبة كانت مرتبة، أعتقد أنني لا أمانع بها...
— إجابة صحيحة مجددًا! ممتاز، الطالب رايدن!
مرت الأصوات والمشاهد كفيلم سريع.
كانت مشاهد لم أعشها قط، وأصوات لم أسمعها من قبل.
كانت ذكريات رايدن ليشايت...
"أووغ...!!"
"س-سيدي الشاب...؟"
ازدادت الآلام بينما تواصل تدفّق الذكريات.
ارتعش جسدي بأكمله بإحساس غريب وكأن أعلى رأسي قد فُتح ويُقلب دماغي.
— ...أنا خائب الأمل، رايدن.
— أخي... لماذا تغيرت بهذا الشكل؟
— س-سيدي الشاب......
— انسَ أمر الخطوبة. لم أعد أحبك.
— مضايقة طلاب العاديين مجددًا. هذه تحذير، الطالب رايدن.
الأصوات التي كانت دافئة قبل قليل بدأت تبرد تدريجيًا.
وفي نفس الوقت، بدأ قلبي ينبض بشدة، وصدري يؤلمني.
غمرني شعور مؤلم وحاد.
ذنب، خمول، يأس، كلها اختلطت لتشكل ألمًا مألوفًا.
هل هذا الشعور... هو ما يشعر به جسد رايدن...؟
انتظر لحظة. نافذة الحالة قالت شيئًا سابقًا...
لم أعد أتذكر.
كل ما سيطر على ذهني كان الصداع المزعج.
شعرت وكأن رأسي سينفجر.
"أوغ! آاااااااه!!"
"سيدي الشاب!"
صرخة انطلقت من فمي.
رغم أن نقل الذكريات قد انتهى، إلا أن الطنين في رأسي لم يتوقف.
وبفعل تضخيم مشاعر رايدن، أصابتني الذكريات، معيدةً الماضي إلي.
دينغ!
[أُصبت بالحالة السلبية (صدمة نفسية) نتيجة ارتداد نقل الذكريات!]
— "كيم نارو، ممثل المنتخب الوطني؟ أليس مجرد محتال؟"
— "بصراحة، وصل للنهائي بالحظ لول"
— "هل رأيت كيف تحطّم في النهائي دون أن يصيب خصمه حتى ضربة واحدة؟ حتى أنا قادر على تقديم أداء أحسن لول"
تحولت تعليقات فيديو النهائي، المليئة بالسخرية والخبث، إلى أصوات تخترق أذني.
كلمات أنكرت وسخرت وحقّرت حياتي، اخترقت قلبي.
بينما كنت ألهث من اجل التنفس، ومع ضيق الحلق.
أعاد كابوس ذلك اليوم نفسه مجددًا.
— "أنا لا أفهم."
صوت والدي.
صوت بارد، يخلو من أي دفء.
لم أعد أستطيع التنفس.
شعرت بأن حلقي مختنق، وكأن رئتيّ ترفضان الهواء.
"لهاث، سعال...!"
وحين بدأت رؤيتي تتشوّش،
اخترقني صوت ميكانيكي واضح.
دينغ!
[المهارة "الإرادة الحديدية" تقاوم الحالة السلبية (صدمة نفسية)!]
[تم إلغاء الحالة السلبية (صدمة نفسية)!]
"سعال...! ها... ها..."
مع زوال الطنين من رأسي، عاد تنفسي المتصلب.
شعرت بأن رؤيتي بدأت تصبح أوضح، لكن جسدي ما زال يرتجف وينتفض.
ذلك الإحساس البارد جعل ذهني يتوقف عن العمل.
وأنا أتنفس بصعوبة، محاولًا تهدئة قلبي النابض، اقتربت الخادمة التي كانت تتشبث بي.
"سيدي الشاب...! ما الذي حدث لك فجأة...!!"
بدت مذعورة، ربما لأنها رأتني ألهث.
كانت تبدو لطيفة جدًا، لا تدري ماذا تفعل، ودموعها تنهمر.
مددت يدي بصمت ومسحت دموعها عن وجنتيها.
"سيدي... الشاب؟"
لتهدئتها، ناديتها باسمها بلطف.
"اهدئي، راشيل."
راشيل.
الخادمة التي كانت بجانب رايدن منذ الطفولة.
الخادمة الوفية التي ظلت مخلصة له حتى بعد أن أصبح جانحًا.
وصديقتي العزيزة...
"سيدي الشاب...؟"
"نعم، راشيل. أنا هنا. لقد عدت..."
وعند تلك الكلمات، انفجرت الفتاة في البكاء مجددًا.
وبقلب معقّد، راقبت آثار الدموع على وجهها.
لكن نظرتي الحزينة لم تستمر طويلًا.
فجأة، ظهرت شاشة زرقاء، حاجبةً المسافة بيني وبينها.
دينغ!
[بسبب الإرهاق العقلي الشديد، تدخل في الحالة السلبية (إغماء).]
"انتظر، ماذا...؟"
هذا النظام اللعين...
انقطعت قدرتي على الإدراك دون فرصة للمقاومة.
رايدن ليشيت كان فتى محبوبًا من الجميع.
كان يحترم من هم أكبر منه.
وكان لطيفًا مع من هم دونه.
كما أنه كان يعرف كيف يقدّر من حوله.
رغم أنه وُلد بمواهب محدودة وملامح حادة، إلا أن الناس أحبوه.
كان ابنًا يفخر به والداه.
وأخًا محترم لأخته الصغرى.
وسيدًا محبوبًا لدى الخدم.
لأنه كان يعرف كيف يعطي الحب للآخرين، وكيف يتلقاه منهم.
السعادة والفرح كانا يحيطان بذلك الفتى دائمًا.
لكن، عاصفة ما اجتاحت عالمه الهادئ.
- أمي... لا، أمي...
حين بلغ رايدن السادسة عشرة...
توفيت والدته.
وكان سبب الوفاة: اغتيال.
حدث ذلك في ليلة شتاء هادئة.
بعد أن أنهى يومه المعتاد، كان رايدن مستلقيًا في فراشه.
سمع أصوات صرير خفيفة من خلف النافذة، لكنه، منهكًا، ظنّها مجرد أوهام.
لكن كان عليه ألا يفعل.
- تحطم!!
تحطمت النافذة بصوت حاد.
وبينما كان رايدن ينهض بفزع، اندفع مهاجمون مجهولون إلى غرفته.
اقتربت ظلال قاتمة تحمل سيوفها، تبعث في الأجواء رهبة قاتمة.
تجمّد الفتى في مكانه، من هول الصدمة.
- إن أتيت معنا بهدوء، فلن نقتلك.
حينها فقط، ظهرت امرأة بشعر أحمر أمامه، تقف حائلًا بينهم وبينه.
- اهرب، رايدن!!
ومضت أطياف من السحر الأزرق من أطراف أصابعها الرقيقة.
وفي اللحظة التالية، دفع تيار سحري رايدن خارج الغرفة.
وفي أقل من ثانية...
رأى الفتى المشهد.
أمه، وهي تبتسم له بابتسامة مرتعشة، شفاهها ترتجف.
وسيوفٌ عدّة تخترق بطنها.
- أنا... آسفة... يا بني...
- أ... أمي؟
ما تلا ذلك كان ضبابيًا...
لم يتحرك الفتى.
وصل والده بعد فوات الأوان، وقام بقتل أولئك القتلة الذين ضحكوا بوقاحة.
حتى حين هزّه كبير الخدم المرتجف ليسأله إن كان بخير...
لم يفعل شيئًا سوى التحديق في جسد والدته الذي بدأ يبرد.
كانت تلك أول وفاة يراها في حياته.
وأول وداع يعيشه دون استعداد.
كانت وفاة أعزّ من أحب، من اعتمد عليها منذ طفولته، صدمة هائلة له.
وهذه الصدمة شوّهت عقله بشدة.
- أمي... أمي ماتت بسببي...
كان الفتى يجلد نفسه لأن أمه ماتت لتنقذه.
ضحّت بنفسها حبًا له، وذاك الحب حطّمه.
ولتجنّب ذكريات ذلك اليوم التي التصقت بعقله، بدأ يغرق نفسه في الخمر يومًا بعد يوم.
أصبح حكمه مشوشًا تمامًا، يتخبط طوال الوقت تحت تأثير الكحول.
- كل هذا... بسببي...
- لو أن أمي لم تحبني، لما حدث هذا...
- ...كان ينبغي أن أموت أنا بدلًا منها.
فتى أحمق.
كان لا يزال صغيرًا، ولا يعرف كيف يتجاوز جراحه.
قلبه لم يعد قادرًا على التفكير بعقلانية.
كان تفاني والدته الصادق وتضحيتها أكبر مما يتحمله قلبه.
وهكذا وُلد أول سبب جعل رايدن يخشى أن يُحَب من الآخرين.
وبسرعة، تجذّر ذلك في قلبه كـ هوس.
منذ ذلك الحين، بدأ الفتى يرفض حب الآخرين.
توقّف عن منح الحب، وتوقّف عن قبوله.
وبدلًا من ذلك، بدأ يرتكب شتى أنواع الأفعال الحقيرة حتى يكرهه الناس ويحتقروه.
- ألا يمكنك حتى أن تطبخ جيدًا؟!
- هذا الطعام مقزز!!
كان يصرخ في وجه خدم القصر.
- توقفوا عن منعي من الشرب... ما شأنكم بي أيها الأغبياء!!
كان يسكر يوميًا، ويدمّر سلوكه.
- مرحبًا آنسة جميلة؟ ما رأيك أن تقضي الليلة معي؟
كان يضايق الطالبات في الأكاديمية بلا هوادة.
- هذا الدرس ممل جدًا.
- كيف لمدرّس تافه أن يكلمني؟ هل ترغب في الموت؟!
كان يثير المشاكل في الحصص باستمرار.
مع مرور الوقت، التهم الهوس والصدمة رايدن بالكامل، وأصبح فاسدًا بالكامل.
بالطبع، ربما لأنه كان طيب القلب في جوهره، لم يرتكب جرائم حقيقية مثل القتل أو الضرب.
لكن كان ذلك كافيًا ليجعل العالم يكرهه.
بدأت الشائعات تنتشر عنه في الأكاديمية، وسرعان ما تفاقمت.
وتشابكت معها أكاذيب ومبالغات.
لم يمسّ امرأة يومًا، لكن الشائعات ادّعت أنه يعيش حياة فاسقة.
ولم يضرب أحدًا قط، لكن قيل إنه يعتدي على الخدم باستمرار.
فكون الابن الأكبر لدوق معروف قد أصبح فاسدًا كان قصة مشوّقة تلهب ألسنة الجميع.
وانتشرت الشائعات عن رايدن كالنار في الهشيم.
ورضا رايدن عنها كان واضحًا.
بل، لم يكتفِ بذلك، بل استغل أمواله ليزيد الشائعات انتشارًا. (كفيا ياابني ليش تزود أمها..)
وكان كلما هدأت، أشعلها مجددًا بأفعال وقحة صاخبة.
- لا يجب أن يُحبّني أحد... لا أستحق الحب...
- ...أنا وحش عاش على دم أمه.
- لا أريد أن أجعل أي شخص يحبني يتأذى مجددًا...
كل ليلة، يهمس بهذه الكلمات كمجنون.
سيطر كره الذات على كل كيانه.
وكل تصرفٍ قام به، كان مشبعًا بالهوس.
- ...أفتقدك، أمي.
كان فتى أحمق يبلغ السابعة عشرة من عمره.
ظلّ رايدن يرتكب الأفعال الطائشة، يومًا بعد يوم.
ومع مرور الوقت، أصبح في الثامنة عشرة.
وهناك، التقى بطالب في الأكاديمية.
ألين راينهارت.
الطالب الذي يُعدّ الأبرز بين طلاب السنة الأولى.
والبطل الرئيسي في رواية "أبطال يمحون الحزن".
تحدّاه ألين عندما رآه يضايق الطالبات كعادته، وقال:
- أتحداك في مبارزة، أيها الطالب الأكبر. توقف عن مضايقة أصدقائي وقاتلني بدلاً من ذلك.
قبل رايدن التحدي بابتسامة خفية.
فكانت فرصة جديدة ليُكْرَه أكثر، ولم يكن ليفوّتها.
بل، شعر بالامتنان لألين وهو يدخل ساحة النزال.
وفي ذلك اليوم، هُزِم رايدن شرّ هزيمة أمام حشدٍ ضخم من الطلاب.
ضحك الطلاب الذكور بسخرية واستمتاع.
أما الطالبات، فحدّقن في ألين بإعجاب.
قال ألين بعد المعركة:
- كنت سأطلب طردك من الأكاديمية كتعويض... لكنني سأتجاوز عنك.
- لكن تذكر هذا جيدًا.
- لا تظهر أبدًا أمامي أو أمام أصدقائي مجددًا.
عاد رايدن إلى غرفته بعد النزال.
استقبلته الوحشة والظلمة المألوفة.
ترنّح ببطء حتى سقط على أرض غرفته الفارغة.
الجرح كان مؤلمًا.
لكنه ظن أنه بخير.
لم يهتم أحد به.
لكنه ظن أنه بخير.
الجميع ينظرون إليه باحتقار.
لكنه ظن أنه بخير..........
لا...
هل... كان بخير فعلًا؟
شعر بحزن يتخلله يأس.
شعر بألم يخترق صدره.
شعر بوحدة قاتلة لا تُحتمل.
لكنه واصل خداع نفسه.
- بخير، أنا بخير...
- بخير... سيزول كل شيء...
همس بذلك، محاولًا النوم بابتسامة زائفة.
كان عقله المحطم كأنّه شاحنة فقدت مقودها.
يعلم أنه على الطريق الخطأ... لكنه لا يستطيع تغيير الاتجاه.
سباق جنوني.
وكان السقوط الحتمي بانتظاره.
بعد أيام قليلة من المبارزة...
زارت أخته الصغيرة -التي التحقت حديثًا بالأكاديمية- غرفته.
كانت غاضبة بشدة، بعدما سمعت بما جرى في النزال مع ألين.
صرخت في وجهه قائلة:
- لماذا! لماذا تفعل كل هذا؟ طلبت منك فقط أن تبقى هادئًا!!
أخته اللطيفة والودودة أصبحت فتاة حادة باردة.
شعر رايدن ببعض المرارة في قلبه.
لكنه لم يُظهر شيئًا، وردّ كعادته بلا مبالاة.
كانت الفتاة قد تعبت من حالته.
لم تعد تستطيع انتظار عودة شقيقها اللطيف والحنون.
وربما لهذا السبب؟
قالت كلمات لم تكن لتفكر بها يومًا:
- أتمنّى... لو أنك متَّ يومها بدل أمي...
تجمّد رايدن عند تلك الكلمات.