غرفة مظلمة خالية من أي نور.

في وسطها، كان رجلٌ مسنٌّ جالسًا أمام طاولة دائرية ضخمة.

"..."

شعر العجوز كان أبيض كالثّلج، وانحناءة جسده واضحة تدل على تقدم سنّه.

كان يرتدي نظارات سميكة العدسات، وكأنّ بصره قد خَفَ.

للوهلة الأولى، بدا كهلاً عاجزًا، لكن الهالة التي أحاطت به كانت شيئًا مختلفًا تمامًا.

فمجرد وجوده وحده كان كفيلًا بتشويه الهواء من حوله بضبابٍ كثيف وضاغط.

الطاقة التي أطلقها ذكّرت الجميع بمَلِك الشياطين الذي هلك قبل ألف عام.

مخادع الموت. أحد الملوك السماويين الأربعة. بايرن.

ذلك هو الاسم الحقيقي لذلك العجوز.

"همم...؟"

فجأة، أطلق بايرن همهمة مستغربة، بعدما كان جالسًا ساكنًا بعينين مغمضتين.

ثم تمتم وكأنه اكتشف أمرًا:

"أوه؟ لقد انقطعت إشارات الموتى الأحياء بالفعل."

عندها عبس الرجل الواقف بجانبه.

"ما بك، أيها العجوز؟ تتحدث مع نفسك فجأة... هل خرفت أخيرًا؟"

"كراكشيوس."

الشمس السوداء. أحد الملوك السماويين الأربعة. كراكشيوس.

ضحك بايرن على جرأته، ثم نقر جبهته بخفة.

"هيهي... خرفتُ، تقول؟ يا لك من وقح يا شاب."

طحخ!

وحينما اصطدمت قبضة العجوز المتغضنة بجبهته، انفجر رأس كراكشيوس.

تناثرت الدماء ومادة الدماغ على ثياب بايرن مصدرة صوتًا مقززًا.

"أوه، يبدو أنني بالغت في قوتي. أعتذر."

قال بايرن وهو يمسح الدم عن يده، مبتسمًا ببرود، وكأن شيئًا لم يكن، رغم وجود جثة بلا رأس أمامه.

ثم لوّح بيده مرة أخرى.

عندها بدأت الأشلاء المتناثرة تتحرك.

تجمّعت باتجاه جسد كراكشيوس وبدأت تلتحم معًا.

- طخ، طخخ، تشقق!

وبصوت مرعب، بدأت ملامح وجهٍ تتكوّن من اللحم والدم.

لم يمض وقت طويل، حتى وقف كراكشيوس مجددًا على قدميه، بعد أن استعاد شكله الكامل، وهو ينفض الدم عن كمّه.

"بالغت بقوتك، هاه؟ لقد فعلتها عن قصد."

"كان بإمكانك طرح سؤالك بأدب أكثر."

"تبًّا لك."

رمقه كراكشيوس بنظرة حادّة، لكنه تنهد أخيرًا.

"على أي حال... ماذا كنت تقول عن انقطاع اتصال الموتى؟"

"آه، نعم. يبدو أن شخصًا استثنائيًا قد قضى على مخلوقاتي."

"هم؟"

لمعت عينا كراكشيوس باهتمام.

عقد ذراعيه وأمال رأسه.

"من كان هذا؟ لا بد أنه موهوب جدًا. ألم تقم بتقويتهم أكثر من المعتاد هذه المرة؟"

"كانوا جيدين إلى حد ما..."

"لابد أن الأساتذة تدخّلوا بسرعة. الطلاب وحدهم ما كانوا ليتصرفوا بذلك الشكل."

"من يدري؟ لم أتابع الموقف بأكمله..."

بدأ بايرن ينقر على الطاولة، غارقًا في التفكير.

"ربما... الأكاديمية أقوى مما كنا نعتقد."

"فليكن... ما المشكلة؟"

"كراكش، الغرور يقود إلى الهزيمة... لقد رأيت ذلك بنفسي هذه المرة. قابلتُ أحد الأساتذة، وأجبرني على استخدام ذراعي."

"أوه؟ لا بد أنه كان خصمًا شرسًا."

نقر كراكشيوس بلسانه، مندهشًا.

رغم القيود المفروضة عليه، يظل بايرن أحد الملوك السماويين الأربعة.

مجرد فكرة أن أحد أساتذة الأكاديمية أجبره على القتال بذراعه كانت كافية لإثارة القلق.

"لا تنسَ، كراك. البطل ليس الوحيد الذي يجب أن نحذره."

"همف، سنرى حين نواجههم... الأهم، هل ذلك البطل موجود فعلًا في الأكاديمية؟"

"النجوم لا تكذب. الأمر شبه مؤكد."

خلع بايرن نظارته، كاشفًا عن عينيه المتوهجتين الشاحبتين.

ثم مرر يده على لحيته بابتسامته الهادئة المعتادة.

"لا تقلق كثيرًا."

طالما أن إحياء ملك الشياطين تم بنجاح...

فالبطل لن يكون سوى كومة رماد.

---

*****

انتهت الرحلة الميدانية الكارثية، وعاد الطلاب إلى الأكاديمية.

وربما بسبب الصدمة الناتجة عن وفاة الأستاذ، خيّم جو كئيب على المكان.

ولم أكن أنا استثناءً.

الشيء الوحيد الذي أنقذني هو أن ما حدث بعدها أبقاني مشغولًا لدرجة أنني لم أجد وقتًا للتفكير.

لمدة نصف شهر تقريبًا.

اضطررت للتعامل مع الكثير.

بصفتي أحد الضحايا الرئيسيين، وكذلك من أنهى التهديد أثناء الرحلة، خضعت للعديد من التحقيقات.

كما كان عليّ تهدئة رايتشل وآرييل، اللتين أصيبتا بالصدمة حين سمعن عن إصابتي، بينما كنت أتصبب عرقًا باردًا.

وأخيرًا، استُدعيت إلى مكتب المديرة، حيث شكرتني كورن بنفسها.

"بفضلك، تم تقليل حجم الأضرار."

"لم أظن أنني سأضطر للاعتماد على طالب مرتين... كمديرة، أشعر بالخزي."

انحنت كورن لي احترامًا، لكن ما فعلته لم يُشعرني بالراحة... بل زاد من تعقيد مشاعري.

فرؤيتها لم تجلب إلى ذهني سوى وجه شخصٍ آخر...

عاجزًا عن تحمل ذلك، استأذنت وغادرت المكتب كمن يفرّ.

"ليست مكافأة كبرى، لكن..."

"إذا احتجت إلى أي شيء، أو إن كان بمقدوري مساعدتك، فلا تتردد. سأبذل كل ما بوسعي."

قالت كورن، وهي توقفني قبل أن أغادر.

حاولت الرفض، لكن حين رأيت نظرتها المليئة بالرجاء، لم أستطع إلا أن أومئ بالموافقة.

كورن رونيزيا هي واحدة من أقوى الشخصيات في هذا العالم.

أصبح لدي الآن فرصة للجوء إلى قوتها إذا لزم الأمر.

لكن ذلك لم يجلب لي أي سعادة.

كل ما أردته هو الابتعاد عن وجهها، وعن عينيها الذابلتين، وابتسامتها القسرية.

"أرجوك... زرني متى شئت."

كانت الأسبوعان فوضويان بكل معنى الكلمة.

وحين بدأت الأمور تهدأ أخيرًا...

ظهرت مذكرة جديدة على لوحة الإعلانات في مبنى الأكاديمية الرئيسي:

> [إشعار جنازة]

سيتم إقامة جنازة تكريمًا للبروفيسور لوكاس، الأستاذ الرئيسي،

الذي غادر هذا العالم في الهجوم الأخير.

يُطلب من جميع الطلاب الحضور.

- تبق... تبق...

بدأت قطرات المطر تتساقط من السماء.

مطرٌ خريفي مفاجئ، لا يبدو أنه سيتوقف قريبًا.

الطقس عكس المزاج الكئيب بدقّة مؤلمة.

امتدت مسيرة من الناس عبر الساحة، بينما كانت خيوط المطر ترسم خطوطًا باهتة في المشهد.

كنا في ساحة الفصول، حديقة تقع بالقرب من المبنى الرئيسي لأكاديمية راينولدز.

في الأصل، كانت مكانًا يتباهى بجماله المتغيّر مع تعاقب الفصول.

لكن اليوم، لم يكن هناك أي أثرٍ للحيوية.

هل السبب هو الغيوم الداكنة التي حجبت الشمس؟

أم ظلّ الحزن الثقيل الذي ألقاه الحاضرون على المكان؟

تساءلت للحظة، لكنني لم أصل إلى إجابة، فخفضت رأسي بصمت.

"..."

شعرت بقطرات المطر وهي ترتطم بملابس الحداد السوداء التي لم تكن تناسبني.

تلك القطرات الباردة بدت وكأنها تلتهم ما تبقى من دفءٍ في قلبي.

اشتد تساقط المطر، وكأنّه يحاول ابتلاع كلّ من كان حاضرًا.

وصل الخريف كعاصفة مفاجئة.

بينما كنت أحدّق بشرود في البعيد، وصلت إلى أذني همساتٌ خافتة.

"شكرًا للجميع على حضورهم اليوم..."

"إحياءً لذكرى البروفيسور لوكاس، الأستاذ الرئيسي، الذي رحل إلى السماء بعد المأساة قبل أسبوعين..."

أدرت رأسي بصعوبة نحو مصدر الصوت، لأرى البروفيسورة شارون واقفةً على منصّة صغيرة.

كانت تلقي كلمات التأبين، وصوتها يرتجف من الألم.

حفرت صورة عينيها الزرقاوين المرتجفتين في ذاكرتي.

أمام قدميّ، كان هناك شاهد قبر رمادي مصقول بعناية.

> [بطل أنقذ الإمبراطورية من الخطر، ومعلم بذل حياته من أجل طلابه.]

[هنا يرقد لوكاس كرايدن.]

كانت هذه هي الكلمات المحفورة على شاهد القبر.

شعرت بمعدتي تنقبض وأنا أقرأ النقش الخالي من الحياة والدفء.

"كان البروفيسور لوكاس قدوةً لجميع المعلّمين..."

"وزميلًا يمكن الاعتماد عليه لأساتذة الأكاديمية، ومعلّمًا موقّرًا لطلابه..."

امتزج صوت شارون مع صوت المطر، فخلق مزيجًا صاخبًا من الحزن والهدوء.

كافحت لأبقى واقفًا على قدميّ.

بينما كنت أتظاهر بالتماسك خلف قناعٍ من اللامبالاة، خاطبني صوت من الجهة اليمنى.

"...مرحبًا، أيها المعتوه، هل أنت بخير؟"

كان صوتًا مألوفًا... لكنه كان مختلفًا بطريقة ما.

ربما لغياب نبرته الساخرة المعتادة.

نظرت إلى "غولدن بوي"، الذي كان يرمقني بحذر، وأجبت ببرود:

"أنا بخير."

"أفهم..."

أشاح غولدن بوي بنظره دون أن يضيف كلمة.

بدا وكأنه فقد الاهتمام للحظة، قبل أن يعود للكلام مجددًا.

"لدي سؤال."

"ما هو؟"

"لماذا نحن واقفان هنا؟ لقد جئت فقط لأنك قلت لي أن أقف في الصف الأمامي..."

"لم يكن هناك خيار آخر."

المكان الذي كنا نقف فيه، أمام شاهد القبر مباشرة، كان مخصّصًا في الأصل للمديرة كورن.

لكن بسبب ظروفٍ قاهرة، لم تستطع حضور الجنازة، فكُلّفنا بالوقوف مكانها.

وإن كنت تتساءل: لماذا نحن تحديدًا؟

> "أرغب أن يقف كلٌّ من الطالب رايدن والطالب غولدن بوي مكاني."

"بصفتهما الشخصين اللذين حلاّ الهجوم أثناء الرحلة، أعتقد أن الآخرين سيتفهّمون."

"أعتذر لإلقاء هذا العبء عليكما."

لم أستطع رفض طلبها.

فكورن كانت الشخص الأكثر ألمًا الآن.

كانت في موضعٍ لا يسمح لها حتى بالتعبير عن حزنها على من تحب.

أردت أن أقدّم لها هذه الفرصة، على الأقل.

مرّرت يدي بين شعري المبلّل.

تدفقت دموع السماء على جبيني، في انسجامٍ مع الحزن الذي غمرني.

وبينما كنت غارقًا في أفكاري، لاحظت شارون وهي تستعد للجزء الأخير من المراسم.

"كان البروفيسور لوكاس يحب دائمًا تسجيل كل شيء..."

"كان يترك دومًا أفكاره وقصصه في كرة البلّور خاصته."

"وعندما سُئل عن السبب، كان يجيب بأنه اعتاد ذلك أثناء الحرب، ليسجّل وصيّته في حال لقي حتفه."

كانت قصة أعرفها مسبقًا.

فقد حكاها لي بنفسه.

عندها أخرجت شارون شيئًا مألوفًا من تحت المنصّة.

وما إن رأيته، حتى ارتجف جسدي لا إراديًا.

"هذه... هي كرة البلّور الأخيرة التي سجّل فيها البروفيسور لوكاس."

"سُجِّلت في اليوم الأول من هذا الشهر."

"وقبل أن نُرسل البروفيسور لوكاس إلى السماء، أردت أن تدَعوه يتحدث إلي

كم مرةً أخيرة."

كانت الكرة نفسها... تلك التي أراني إياها عندما سألته عنها أثناء استراحتنا في ساحة التدريب.

تمتمت شارون ببضع كلمات، وبدأت تسكب سحرها في كرة البلّور.

انبثقت صورة من داخلها، وتضخّمت في الهواء ليشاهدها الجميع.

-"تبدو شاحبًا، أيها الطالب رايدن."

بدأ التسجيل بنفس الكلمات التي سمعْتها منه في ذلك اليوم...

2025/06/21 · 41 مشاهدة · 1352 كلمة
Ji Ning
نادي الروايات - 2025