– تبدو في حالٍ سيئة، أيها الطالب رايدن.
– هل هناك ما يزعجك؟
على الشاشة، كان يُعرض وجه رجلٍ لم أعد أستطيع رؤيته في الواقع.
مشهد حديثنا ذاك تمّ تسجيله تمامًا كما كان.
حدّقت في أثر ذلك الذي رحل... مشدوهًا.
– كل شيء سيكون على ما يرام. إنك تبلي حسنًا، وأكثر.
– أعلم أنك تعمل بجد أكثر من أي أحد آخر، أيها الطالب رايدن...
– ولماذا تظن أنني أقدم لك دروسًا خاصة، أنت دون غيرك؟
كانت طاقته الإيجابية المعتادة تتدفّق من خلال البلّورة الكريستالية.
كان البروفيسور لوكاس يبتسم ابتسامته المشرقة، لكن من يشاهده لم يستطيعوا أن يبتسموا معه.
كان بإمكاني سماع شهقات بكاء مكبوتة من بعض الطلاب حولي.
– نعم... كانت تلك الحرب جحيمًا. لكنها لم تكن كل شيء.
– وسط ساحة مليئة بالغضب والحزن، رأيت في نهايتها شيئًا آخر.
– أطفال... أطفال أبرياء لم يفقدوا ابتسامتهم رغم رؤيتهم لقراهم المحترقة.
ولم يكن حال الأساتذة مختلفًا.
كان وجه شارون قد غمرته الدموع، أما آرون وكيت فكانا يرتجفان، يُنصتان لكلمات الراحل الأخيرة.
– رؤيتهم منحتني الأمل في الحياة.
– شعرت حينها أنني مستعد لفعل أي شيء لحماية تلك الابتسامات النقيّة.
لم أكن أرى بوضوح، لوقوفي في الصف الأمامي.
لكن بدا أن كل من كانت له صلة بالبروفيسور لوكاس كان يذرف الدموع.
لم يكن في الأجواء سوى صدى حزين يتردّد في أرجاء الحديقة، المُغطّاة بالحزن.
اضطررت إلى بذل كل ما أملك من إرادة حتى لا تنهار قناعتي الباردة التي رسمتها على وجهي.
وكان الفيديو قد شارف على نهايته.
– حسنًا! بما أن الطالب رايدن حاضر هنا... لماذا لا أجعل هدفي لهذا الشهر أن أسمعك تناديني بـ "معلمي"؟
– فأنت الطالب الوحيد في الأكاديمية الذي ورث سحري الفريد، أليس من العدل أن تُناديَني بـ "أستاذي"؟
– فقط انتظر...! لقد قررت أن هذا هدفي لهذا الشهر!
شعرت بغصّة في حلقي.
وربما كان حلقي حقًا ينغلق.
شيءٌ بارد اخترق رئتيّ.
ذلك اليوم العادي، الذي مرّ دون أن أعيره اهتمامًا، عاد الآن ليضربني كالطُعم المرتدّ.
لقب "معلمي".
لو فكّرت، فأنا لم أناده بذلك قط.
كانت لديّ عدة فرص... لكنني تركتها تمضي، ظنًا أنها ستكون لحظة محرجة.
ولأكون دقيقًا، كنت أتجنّب ذلك لأني كنت خائفًا من التقرّب منه أكثر.
فموت البروفيسور لوكاس كان مذكورًا في الرواية الأصلية.
وفي القصة، كان من المفترض أن يموت بعد عامين، بسبب آثار جانبية من السحر الذي استخدمه في الحرب.
كنت خائفًا.
خائفًا من أنني إذا اقتربت منه... فلن أتحمل ألم فقدانه لاحقًا.
لذلك حاولت تجاهل لطفه، وتجاهلت نصائحه.
"...لكن."
في النهاية، حدث ما لم يكن في الحسبان.
مات لوكاس ميتة مختلفة تمامًا عن التي عرفتها من القصة الأصلية.
وشعور الفقد العميق هذا... كان يعذبني.
"..."
لوكاس... كان أول شخص بالغ اقترب مني في هذا العالم.
وكان من القلائل الذين عاملوني بلطف حقيقي.
في البداية، عندما كنت قد امتلكت هذا الجسد للتو، وكان الأساتذة الآخرون متحفظين تجاهي، هو وحده رأى إمكانياتي، وورّثني سحره الفريد.
كان... نعم، كان محسني.
تابعت بعينين مرتجفتين لحظاته الأخيرة على الشاشة.
– تنهد... يبدو أننا سنضطر للعودة إلى التدريب.
– هل نُنهي التسجيل هنا لليوم؟
– لا بأس، يمكننا إعادة الأمر في الشهر المقبل...
وانتهى الفيديو.
حدّقت في الشاشة، وشعورٌ بالفراغ يعتصر صدري.
ذلك الشاب ذو الشعر الأخضر... لم يعد موجودًا.
لم يبقَ سوى شاشة مظلمة.
كان الصمت كثيفًا يخيّم على المكان.
الأساتذة كانوا يُغطّون وجوههم برؤوس منحنية.
وغولدن بوي، الذي كان يقف بجانبي، التزم الصمت كذلك، وكأنّه يسترجع ذكريات قديمة.
لم يكن يُسمع سوى صوت المطر الكئيب حولنا.
"سأفتقده... كان إنسانًا طيّبًا."
"..."
لم أستطع الردّ على همس غولدن بوي.
لم أشعر أن لي الحقّ.
وكنت أحاول جاهدًا ألا تفيض الدموع من عينيّ.
اعتدلت في وقوفي.
"وأخيرًا... فلنقدّم الزهور لمن غادرنا."
"عسى أن يجد السلام بين النجوم."
نزلت شارون من على المنصّة بعد أن أنهت كلمات التأبين الأخيرة.
ثم وضعت زهرة أقحوان واحدة أمام شاهد القبر الوحيد.
واحدًا تلو الآخر، تبعها باقي الأساتذة، يضعون أزهارهم.
استمرّ ذلك الموكب المملوء بعبق ثقيل لوقتٍ طويل... حتى شعرت بدوار.
وبينما كنت أتمسّك ببقية وعيي، حان دوري.
وضعت باقة من القرنفل الأبيض في يدي.
ثم خطوت بخطى مثقلة نحو شاهد القبر.
– مرحبًا، أيها الطالب رايدن.
– قد يكون الأمر صعبًا بعض الشيء... لكن هل تودّ أن تتعلّم؟
– حسنًا، فلنعمل معًا. ستواصل القدوم لتتعلّم على يديّ، صحيح؟
لو أنني رفضت عرضك ذاك في ساحة التدريب...
لما شعرت بهذا الندم الآن.
تماسكت، ووضعت الباقة ببطء.
راودتني فكرة:
ماذا أقول لك... وأنت تغادر؟
وقفت هناك لحظة، عاجزًا، ثم تمتمت أخيرًا:
"شكرًا... على كل شيء."
جملة مرتجفة خرجت من حلقي.
"...معلمي."
فقط... في اللحظة الأخيرة استطعت أخيرًا أن أناديه بـ "معلمي".
كانت المراسم توشك على نهايتها.
جلست وحدي في زاوية معزولة من الساحة، أحدّق في الفراغ دون تركيز.
تساءلت عمّا إذا كانت لوسي، التي جاءت معي، تبحث عني الآن.
لكن الإرهاق الثقيل كان يشلّني، ولم أعد أملك الطاقة للنهوض.
"..."
توقّف المطر الغزير في لحظة ما.
لكن قلبي ظلّ مضطربًا.
مددت يدي إلى جيبي في محاولة لتهدئة خفقانه، وأخرجت سيجارة مصنوعة من عشب الموت، ووضعتها في فمي.
-طقطق... طقطق...
دوّى صوت الولاعة في وحدتي، قبل أن يظهر شرر خافت.
وبينما كنت أعبث بالسيجارة ذات اللون الأخضر الفاتح التي بدأت تتوهّج بالأحمر، ظهرت نافذة زرقاء فجأة أمامي.
-دينغ!
> [هل أنت بخير؟]
رسمت ابتسامة باهتة على وجهي عند قراءة هذا السؤال غير المتوقع من نافذة الحالة.
"ما الأمر؟ لم أرك منذ فترة."
-دينغ!
> [ظننت أنك قد تحتاج لبعض الوقت بمفردك.]
"وقت بمفردي، ها... أنا بخير تمامًا."
-دينغ!
> [كن صادقًا مع مشاعرك.]
[الهروب لا يزيد القلب إلا مرضًا.]
"أتعلم... أحيانًا أشعر أنك تلقي محاضرات أكثر من رايتشل..."
تمتمت بهذه الكلمات بينما كنت أنفث الدخان، مستأنفًا حديثًا نادرًا مع نافذة الحالة.
وبينما كنت أستمع بنصف اهتمام لنصائحها المتدفقة...
سمعت فجأة جلبة قادمة من بعيد.
"ما الذي يحدث...؟"
مال رأسي بتساؤل، وفي تلك اللحظة...
رأيت مجموعة من الأشخاص يرتدون أردية قرمزية يقتربون.
وجوه غريبة بملامح صارمة، كلٌّ منهم يحمل سيفًا على خصره، وأرديتهم تتطاير كالعباءات وهم يمشون.
كان عددهم حوالي عشرة.
كانوا يتقدّمون عبر موقع الجنازة بخطى منضبطة.
وتلك الخطوات الثابتة كانت تتجه مباشرةً نحوي.
"ما...؟ هل هم قادمون نحوي؟"
كانت أنظارهم مثبتة عليّ.
كانت وجوههم جادّة إلى حدٍّ مرعب، ما جعل القشعريرة تسري في جسدي.
ارتجفت أطراف أصابعي بلا إرادة.
وكان الأشخاص ذوو الأردية قد اقتربوا بالفعل.
وبينما كنت أبلع ريقي بتوتر، تحدث الرجل الذي كان في المقدّمة:
"هل أنت الشاب ليشيت؟"
كان صوته حادًّا لدرجة شعرت وكأن أذني ستنقطعان.
وعيناه كانتا مملوءتين بهالة كاريزمية طاغية.
شعرت بغصّة في حلقي بينما أجبته:
"...هذا صحيح، لكن من تكون؟"
بدأت أراقبهم بسرعة، محاولًا الحفاظ على هدوئي.
أحسست بإحساس مألوف يتسلّل إلى ذهني.
تلك الأردية القرمزية الطويلة، والشعار الأزرق المطرّز على ظهورهم...
لا شك أنني رأيتهم في رسوم الرواية الأصلية...
"اسمي جيليوس كرايدن."
اتّسعت عيناي عند سماع هذا الاسم.
جيليوس...
إن كان هو من أظنّه...
"أنا قائد فرقة الفرسان [سيوف النجوم]."
"..."
كافحت لأستعيد توازني.
سيوف النجوم، الفرقة التي تُعرف بأنها الأقوى إلى جانب الفرسان الإمبراطوريين.
عباقرة السيف الذين ظهروا أحيانًا في القصة الأصلية كلحظة إنقاذ مفاجئة.
وهؤلاء الأشخاص، الذين يُقال إنهم أقوى ما أنجبته البشرية... كانوا يقفون أمامي.
وكأن هذا وحده لا يكفي للدهشة...
كان هناك أمر آخر جعلني في حالة صدمة.
جيليوس كرايدن.
هذا الرجل يحمل نفس اسم العائلة الذي يحمله معلمي.
لكن معلمي أخبرني أنه فقد جميع أقاربه في الحرب قبل عشر سنوات...
وبينما كنت غارقًا في دوامة حيرتي...
تابع الرجل حديثه:
"سمعت أنك بفضلك، تم استرداد جثة لوكاس دون أن تمس."
"...؟"
"لا أعلم كيف يمكنني ردّ هذا الدين."
وبينما قال ذلك، نزع الرجل قلنسوته.
ثم انحنى برأسه أمامي بانحناءة احترام عميقة.
"بصفتي زميلًا قديمًا قاتل بجانب لوكاس في ساحة المعركة، أقدّم لك أسمى عبارات الامتنان على إخلاصك."
"...عذرًا؟"
بقيت عاجزًا عن الكلام وأنا أشاهد أحد أقوى البشر ينحني لي.
ولي أنا... من بين الجميع.