مر شهر كامل منذ الهجوم الذي وقع خلال الرحلة الميدانية للأكاديمية.
انساب الوقت كالماء، وها قد حل شهر ديسمبر الجديد.
تحولت مناظر الطبيعة من خريفٍ نابضٍ بالألوان إلى شتاءٍ نقيٍّ مكسوٍّ بالبياض.
سقطت أوراق القيقب التي كانت تتباهى بألوانها الزاهية، لتكون آخر ما تبقى من الخريف.
وهبت رياحٌ قارسة بين الأغصان الخالية.
اختبأت الحيوانات في سباتٍ عميق، مديرةً ظهرها للبرد.
إنه موسم السكون، الذي يغمر كل شيء في نومٍ هادئ.
لقد حلّ الشتاء الأبيض.
---
"الجو بارد..."
كالعادة، كان الصباح، وكنت متجهًا إلى الأكاديمية لحضور الصف.
كنت أمشي بتراخٍ إلى المبنى برفقة أرييل.
ارتعش كتفايا من البرد المفاجئ، وبدأت أفرك يديّ وأنفخ فيهما لأدفئهما.
تبًا... لم أتوقع أن يكون الطقس بهذه البرودة.
رايتشل لم تكن تمزح حين قالت لي أن أرتدي ملابس الشتاء.
لعنت نفسي لأني تجاهلت نصيحتها وغادرت السكن بملابس موسمية خفيفة وكارديغان فقط.
"هل أنت بخير...؟"
سألتني أرييل بقلق وهي تنظر إليّ بينما أرتجف من البرد.
"هل تشعر بالبرد الشديد؟"
"ن-نعم، لا بأس... ف-فقط ق-قليلًا..."
ابتسمت ابتسامة باهتة، وفكي يرتجف.
لكن بصراحة، كنت على وشك أن أتجمد حتى الموت.
مع ذلك، قررت أن أتحمل، فهذا خطئي.
وأنا أقف هناك أرتعش كمن صُعق بالكهرباء، تنهدت أرييل بخفة وفكت الوشاح عن عنقها.
ثم مدّت يدها ولفّته حول وجهي بلطف.
"على الأقل ارتدِ هذا."
كان الوشاح دافئًا بحرارة جسدها، ودفّأ وجنتيّ الباردتين.
تفاجأت من تلك الدفء المفاجئ، فسألتها:
"وماذا عنكِ؟ ألا ستشعرين بالبرد؟"
"أنا لا أشعر بالبرد. ألم تنسَ ما هو تخصصي؟"
ثم رفعت إصبعها، وصنعت لورة جليدية في الهواء.
"عندما تصل لمستوى معين في سحر الجليد، تصبح محصنًا من البرد."
"هذا... مذهل. لم أسمع بشيء كهذا من قبل."
"أرأيت؟ أليس هذا رائعًا؟"
أومأت برأسي موافقًا بفخرها.
السحرة الجليديون لا يشعرون بالبرد.
يبدو أنه أمر مشابه لعدم احتراق السحرة الناريين بالجمر.
بينما كنت منشغلًا بتأمل الوشاح، دفعتني أرييل بكوعها وخدّاها منتفخان.
"حقًا، لماذا أصريت على ارتداء ملابس الخريف؟ رايتشل حتى وضعت زيّك الشتوي في الحقيبة هذا الصباح."
"ظننت أن الجو سيبقى معتدلًا حتى نهاية الشهر..."
"بصراحة! فقط استمع لرايتشل في المرة القادمة."
"نعم، نعم..."
أطرقت رأسي بخجلٍ من توبيخها الحاد.
لا أعلم لماذا، لكن الجميع بات يوبخني مؤخرًا.
بدأ الأمر برايتشل... ثم أرييل، ثم نافذة الحالة، ومؤخرًا حتى لوسي!
ربما أنا حقًا لا أعطي انطباعًا بالاعتماد عليّ.
ابتسمت ابتسامة مريرة وحككت رأسي.
وأثناء سيرنا وسط الضجيج المعتاد نحو مبنى الأكاديمية، سمعت صوتًا مألوفًا يصرخ من الخلف.
"أوووه~! وجدت المعتوه!"
نبرة مرحة وصوت لعوب.
ووقاحة كافية لتسميتي بـ"المعتوه" بتلك البساطة.
ولأكون صريحًا، لا يوجد في الأكاديمية – بل في القارة كلها – من يجرؤ على هذا سواه.
غولدن بوي.
حين التفت للخلف، رأيت ذاك الأحمق الأشقر، ذو البشرة السمراء، يتقدم نحوي.
كان يلوح بذراعيه بلا وقارٍ على الإطلاق.
"صباح آخر! مليء بالحيوية!! والقوة!!!"
حيّاني غولدن بوي بحيوية مزعجة رغم أن الوقت لا يزال صباحًا باكرًا.
نظرت إليه بتعب، وملامح يائسة.
"... ألا يمكنك أن تحيّيني كشخص طبيعي؟"
"لا! لا يعجبك؟ سدّ أذنيك!"
"..."
أجل، إلى الجحيم.
لماذا أحاول حتى التحدث معك؟
ضغطت على صدغيّ من الصداع وتنهدت بعمق.
ربما فضوله أيقظه بردّة فعلي المستسلمة، فالتفتت أرييل إليه وسألته:
"أم... من تكون؟"
"أوه؟ ومن قد تكون هذه الشابة...؟"
أمال غولدن بوي رأسه، ويبدو أنه لم يتعرف على أرييل من مظهرها.
لكن، فجأة، كأنه تذكّر شيئًا، فصفّق بأصابعه.
"آه، آنسة ليشايت! سمعت الكثير عنكِ من المعتوه نفسه."
"أنت تعرفني...؟"
"سمعت الكثير... حسنًا، في الواقع، كل ما كان يقوله أنكِ لطيفة ولم يخبرني بأي شيء آخر."
"هاه...؟"
رمشت أرييل بدهشة من كلماته، ثم احمرّ وجهها فجأة وقرصتني من ظهري.
"لماذا تقول أشياء كهذه عني للآخرين؟!"
"كان يتحدث عنكِ يوميًا، وكأنها مديحٌ دائم لأخته الصغيرة."
"أ-آه...!!"
صار وجه أرييل الآن أحمر كطماطم ناضجة.
لا بد أنها تشعر بالإحراج الشديد.
ولم يكن هناك سوى شيء واحد يمكنني قوله:
"كنت فقط أقول الحقيقة."
"آه! أنت لا تُحتمل!!"
يبدو أن إجابتي راقتها... لأن إحراجها زاد، وحاولت أن تعض ذراعي.
طبعًا، لم يؤلمني ذلك.
ساحرة بنقطة قوة جسدية تساوي الصفر لا يمكنها أن تؤذيني.
لقد خسرتِ، أرييل.
بعد فترة، غادرت أرييل أخيرًا إلى صفها، وهي لا تزال تتمتم غاضبة.
وبقينا أنا و"غولدن بوي" وحدنا، متجهين نحو الجناح الثاني.
بينما كنا نسير على الطريق، والهواء البارد يلفنا، كنت أعبث بالوشاح الذي أعطتني إياه أرييل.
يبدو أن أرييل كانت غاضبة حقًا.
أتساءل كم من الوقت ستبقى غاضبة هذه المرة...
آمل أن تهدأ قبل وقت العشاء.
بينما كنت شارداً في التفكير بها، لم ألاحظ أن "غولدن بوي" كان يناديني.
"أوه، صحيح! هل رأيت هذا؟"
أخرج شيئًا ولوّح به أمامي.
كانت رزمة من الأوراق الرمادية الداكنة.
"ما هذا؟"
"مقالات الصحف حول حادثة الهجوم في الرحلة الميدانية للأكاديمية."
"همم...؟ أليست أخبارًا قديمة؟ أعتقد أنني قرأتها قبل أسبوعين."
هزّ رأسه نافيًا.
"في ذلك الوقت، اكتفوا بقول إن 'مأساة وقعت' دون أي تفاصيل."
"والآن يُفصِّلون الوقائع؟"
"بالضبط."
حسنًا، لقد مرّ وقت كافٍ.
أعتقد أن الوقت قد حان لنشر المعلومات التي لم يكن بالإمكان الكشف عنها سابقًا.
"دعني أرى."
"تفضل. ابدأ من الصفحة الخامسة."
أخذت الصحيفة منه، وبدأت أقرأ ببطء.
وعلى عكس المقالات الغامضة منذ أسبوعين، كانت هذه مليئة بالتفاصيل الدقيقة.
لم يكن هناك أثر للدعاية أو التزوير، والمعلومات بدت دقيقة.
لكن كان هناك شيء غريب.
> [رايدن ليشايت، الابن الأكبر لأسرة ليشايت، ينقذ الأكاديمية من الهجوم!]
[عمل بطولي جديد بعد محاولة اغتيال الأميرات الإمبراطوريات!]
[هل وُلد بطل جديد في هذه الأوقات العصيبة؟!]
ما هذا...؟
أعني، كل هذا صحيح، لكن...
إنه فقط... بشكل مريب...
"تبدو هذه المقالات متحيزة بشكل فاضح، ألا توافقني؟"
"...أكثر من متحيزة. بل متحيزة بشكلٍ سافر."
قطّبت حاجبي.
وكأن موظفي الجريدة قد فقدوا عقولهم.
الناس الذين اعتادوا على انتقاد تصرفات رايدن الطائشة أصبحوا فجأة يمدحونه.
حتى أن بعض الأجزاء بدت وكأنها مُبالغ فيها عمدًا.
بينما كنت أتأمل في ذلك بقلق متزايد، ابتسم "غولدن بوي" وقال:
"يبدو أن الأكاديمية مارست بعض الضغط على الصحف."
"الأكاديمية...؟"
لماذا قد تتدخل الأكاديمية فجأة؟
نظرت إليه بعينين مستفهمتين.
فاكتفى بهز كتفيه:
"أتعلم... حادثتان كبيرتان خلال ثلاثة أشهر فقط؟"
"حادثة قاعة الولائم، وهجوم الرحلة الميدانية..."
"بالضبط. والاثنتان كانتا على نطاق واسع."
في الواقع، "واسع" هو تعبير مخفف.
الحادثة الأولى كانت محاولة لاغتيال الأميرات الإمبراطوريات وخليفة القديسة المقبلة لمملكة النور.
وفي الثانية، قُتل أستاذ من الأكاديمية.
ولم ننسَ أن الكثير من الطلاب كانوا في خطر.
وكل هذا حدث في "أكاديمية رينولدز"، أعرق مؤسسة تعليمية في القارة، وفي ظرف ثلاثة أشهر فقط.
"مع هذه الأحداث، بدأ الناس يتكلمون."
"بمعنى أنهم بدؤوا يشككون في قدرة الأكاديمية على التعامل مع الأوضاع؟"
"بالضبط! فكر الآن، ما الذي تظن أن الأكاديمية قررت فعله لحل هذه الفوضى؟"
"هممم..."
وضعت يدي على ذقني مفكرًا.
ما هي الخطة التي خرجت بها الأكاديمية؟
إخفاء الوقائع لم يكن خيارًا.
فعدد الشهود كبير، ونطاق الحوادث كان واسعًا جدًا بحيث لا يمكن التستر عليه.
والاعتراف بالخطأ لم يكن حلًا أيضًا.
فذلك سيُسبب ضربة قاصمة لسمعة الأكاديمية، وهناك الكثير لتخسره.
لذا، الحل الأكثر احتمالًا هو...
"تشتيت الانتباه... بعيدًا عن الحوادث."
لقد وضعوني في موقع "البطل".
ليوجهوا أنظار الناس إلى "ولادة بطل" بدلاً من "الكوارث التي حصلت".
"إذاً فهم يحاولون إسكات الانتقادات بجعلي محور الانتباه."
إنها حيلة تقليدية، لكنها فعالة.
بإضافة عنصر مثير مثل هذا، يصبح من السهل تحويل أنظار العامة. (مم: هكذا تعمل البروباغندا)
وبما أن الأضرار الفعلية كانت طفيفة نسبيًا رغم ضخامة الحدثين، فالأمر قابل للتنفيذ.
"أحسنت التخمين. ذكي حينما تريد أن تكون كذلك."
قال "غولدن بوي" مشيرًا إليّ بإبهامه ثم نشر الجريدة أمامي:
> [الشاب الأرستقراطي المجنون... هل تغير؟]
[تعرف على رايدن ليشايت.]
[عائلة ليشايت: الحامي الأول للإمبراطورية بلا منازع.]
وأشار إلى كل مقالة وقال:
"أرأيت؟ أنت الأفضل في جذب الانتباه."
"أنت أحد أشهر النبلاء في الإمبراطورية... حتى لو كان ذلك لأسباب خاطئة. على أية حال، أنت مثالي لشد أنظار العامة."
"وأنت لا ترد على الانتقادات أو مقالات الصحف، أليس كذلك؟"
"ذلك جعل من السهل على الأكاديمية استغلالك."
"هاه."
ضحكت ضحكة خفيفة.
"إنهم ماكرون... لكن هذا ما جعلهم في القمة قرنًا من الزمان على ما يبدو."
"ألست غاضبًا؟ فهم يستخدمونك."
"لكنني أستفيد من الأمر."
إنهم يُحوّلون صورتي السلبية في نظر العامة.
وليس ذلك بخسارة كاملة.
إن ساعدني ذلك في التخلص من لقب "المجنون"، فقد يك
ون هذا مفيدًا لي في النهاية.
"إذاً، ستقف مكتوف الأيدي وتنتفع فقط؟"
"عندما تضعها بهذا الشكل... أجل~"
أومأ "غولدن بوي" بتفهم.
أعدت له الصحيفة وقلت:
"لقد طال هذا الحديث. الدرس على وشك أن يبدأ."
"آآخ... لا أريد الذهاب..."
"تماسك. الامتحانات النهائية تبدأ الأسبوع القادم."
"تبًا، هذا صحيح."
وهو يئن، توجه "غولدن بوي" بتكاسل نحو مبنى الأكاديمية.