كان الليل قد حل، وعدت إلى السكن بعد يوم طويل وممل من الدروس.

دقات الساعة أشارت إلى الواحدة صباحًا.

كانت الشمس قد غابت منذ زمن، ولم يتبقَ سوى ضوء القمر الخافت والنجوم، ينساب بلطف وسط الظلام إلى غرفتي.

امتلأ المكان الهادئ بصوت خافت.

خربشة... خربشة...

كان صوت ريشة الحبر التي في يدي وهي تنساب فوق الورقة.

القلم المسحور، الذي لا ينضب حبره، كان يخط بحروف سوداء على دفتر الملاحظات باجتهاد.

وبينما كنت أواصل الكتابة بتركيز، تنهدت تنهيدة طويلة.

"هاه..."

زفرة ثقيلة محمّلة بالإرهاق.

ربما كان ذلك بسبب إمساكي بالقلم لفترة طويلة.

شعرت بألم في معصمي.

فركت عيني النعسانتين، ووضعت القلم جانبًا للحظة.

وبمجرد أن توقف صوت الكتابة، خيّم الصمت التام على الغرفة مجددًا.

"...هذا مرهق."

تمتمت بلا قصد، قاطعًا السكون بصوتي المتعب.

فتحت أحد أدراج المكتب، وأخرجت علبة سجائر "عشبة الموت" التي خبأتها هناك.

أخرجت واحدة ووضعتها في فمي.

نقرة... فشش...

أشعلت السيجارة، واستنشقت بعمق.

ملأت رائحة الأعشاب المعطرة أنفي.

وبينما كنت أراقب الدخان يتصاعد ببطء، غمرني شعور غريب بالتأمل.

لم أتخيل أبدًا أنني سأُجبر على الدراسة بهذا الشكل.

أنا، الذي لم أدرس يومًا في حياتي السابقة، صرت الآن أدرس بجد في عالمٍ خيالي.

يا لها من حقيقة مؤسفة فعلًا.

"اللعنة على هذه الامتحانات النهائية..."

مسحت الحبر الملطخ من أصابعي، وفركت عيني الجافتين.

وبينما كنت على وشك الانهيار على الكرسي من التعب، جاء صوت طرق على الباب.

دق... دق...

"سيدي، أنا... سأدخل."

جاء صوت أنثوي مبهج، ثم فُتح الباب بهدوء.

وقفت فتاة بذيلين بنّيين عند المدخل.

تلاقت عيناها بعيني، وارتسمت على شفتيها ابتسامة ناعمة.

"لابد أنك متعب. أحضرت لك بعض الفاكهة لتأكلها أثناء المذاكرة."

قالت رايتشل ذلك، ثم وضعت الصحن الذي كانت تحمله أمامي.

كان الصحن مرتبًا بعناية ويحتوي على فواكه متنوعة معروفة بخصائصها المنشطة، كالفراولة والليمون.

"راي..."

حدقتُ فيها ممتنًا، وقد تأثرت بمبادرتها.

كما هو متوقع، رايتشل هي أكثر من يهتم لأمري.

"هيهيهي يبدو أنك تقدر ذلك حقًا!"

"شكرًا... سأستمتع بها."

بعد أن عبّرت عن امتناني بصدق، التقطتُ شريحة ليمون من الصحن ووضعتها في فمي.

وفي اللحظة التي انغرست فيها أسناني فيها، انفجر اللب الناضج بطعمٍ لاذع وقوي.

وفي ذات اللحظة، هاجمني العصير الحامض بطعمه المثير.

"أوغخ... هذا أيقظني حقًا."

"أرأيت؟ ألم أقل إن الحموضة أفضل علاج للنعاس!"

أطلقت رايتشل ابتسامة منعشة، مشرقة كليمونة.

لبرهة، كنت مسحورًا بابتسامتها المتوهجة، ثم استدرت بسرعة وأدرت وجهي بعيدًا.

لسبب ما، شعرت أن وجهي قد احمرّ.

ربما بسبب حرارة المدفأة المرتفعة.

"شكرًا على هذا، لكن... لماذا ما زلتِ مستيقظة؟ لقد تجاوزنا الواحدة صباحًا."

"حسنًا، أنا أشعر بالنعاس، لكن... لا أستطيع النوم وأنا أعلم أنك تسهر للدراسة..."

هل كانت قلقة من أجلي؟

"أنا بخير. اذهبي ونامي أنتِ."

"......متأكّد؟"

"بكل تأكيد. ثم إن عليكِ الاستيقاظ مبكرًا غدًا. ستشعرين بالإرهاق إن لم ترتاحي."

لوّحت لها بيدي وكأنني أطردها بلطف، فبدت رايتشل غارقة في التفكير.

"إذًا، متى تخطط للنوم، سيدي؟"

"أنا؟ حسنًا، لا يبدو أنني سأنام قريبًا، لذا فكرت أن أذاكر قليلًا..."

"......ما زلت تعاني من الأرق ليلًا؟"

تغير تعبير رايتشل عند سماع كلامي.

حاولت رسم ابتسامة متكلفة وأنا أعبث بطرف كمّي.

"حسنًا... الأرق لا يختفي فجأة في ليلة وضحاها..."

"وماذا عن الحبوب المنومة التي أعطيتك إياها سابقًا؟..."

"لا تبدو فعّالة."

بالطبع، السبب الحقيقي هو أن سمة "الإرادة الحديدية" لدي تمنع تأثير أي مهدئات.

عضّت رايتشل شفتها، وقد بدا القلق والانزعاج واضحين في ملامحها.

كانت قلقة عليّ بصدق.

"هذا غريب... أنا متأكدة أنك نِمتَ جيدًا في ذلك اليوم."

"ذلك اليوم...؟"

"أتعرف، يوم خروجك من المستوصف."

"آه..."

تقصد ذلك اليوم...

اليوم التالي لهجوم قاعة الولائم...

اليوم الذي بكيت فيه حتى نمت بين ذراعيها.

"لماذا تذكرين هذا فجأة...؟"

أشحت بوجهي بخجل، بعدما تذكرت ذلك الموقف المُحرج.

لكن رايتشل بدت غير مكترثة بردة فعلي، وكانت لا تزال مستغرقة في التفكير، تستند بذقنها إلى يدها.

ساد الصمت بيننا، ولم يقطعه سوى تمتمات رايتشل الهادئة وهي تفكر.

ثم، فجأة، رفعت رأسها وقالت:

"ما رأيك، سيدي... أن أنام الليلة في غرفتك؟"

"......؟"

ماذا قالت للتو...؟

تنام في غرفتي؟ معي؟

قطبت حاجبيّ غير متأكد إن كنت سمعتُها بشكل صحيح.

لكن رايتشل نظرت إليّ بعينين جادتين وقالت:

"كنت أفكر... ربما يمكنني مساعدتك على النوم، مثلما فعلتُ في ذلك اليوم."

"......؟؟؟"

"يمكنني أن أحضر سريري من غرفتي إلى هنا..."

واصلت رايتشل شرح خطتها الجريئة، بينما كان عقلي قد توقف عن الاستيعاب تمامًا.

في النهاية، تمكنت من إقناع رايتشل بالتخلي عن فكرة النوم في غرفتي، بعدما وعدتها أنني أشعر بتحسّن وسأتناول الحبوب المنوّمة بالتأكيد.

"هاه..."

تنهدت بتعب وأنا أفرك وجهي، مرهقًا من الموقف.

رايتشل حقًا...

في بعض الأحيان، تكون... جريئة أكثر من اللازم.

لا أظن أنها تدرك ذلك حتى، وهذا ما يجعل الأمر أكثر...

"...من الأفضل أن أركّز على الدراسة فقط."

هززت رأسي لطرد أفكاري المشتتة، وعدت لتعديل جلستي.

ولكن بينما كنت أمد يدي لالتقاط القلم من جديد، لامس ذراعي برجًا من أوراق التمارين التي كنت قد كوّمتها على الطاولة.

تأرجح البرج للحظة، ثم انهار بالكامل، وتناثرت الأوراق على الأرض.

حدّقت في الفوضى بوجه متجهم.

"اللعنة، لماذا أنا دائمًا؟"

وكأن الدراسة لم تكن مرهقة بما فيه الكفاية، والآن عليّ أيضًا التعامل مع هذا.

كان من المفترض أن أكون قد نظّمتها من قبل... خطئي، أعترف.

ومع ذلك، لم أستطع كبت شعوري بالإحباط.

تنهدت بعمق، وأنا أكتم الغضب الذي بدأ يتصاعد في داخلي.

خشخشة... خشخشة...

وبينما كنت أجمع الأوراق المتناثرة، لفتت ورقة معيّنة انتباهي.

تجمّدت يدي في مكانها عندما تعرفت على الخط اليدوي المألوف.

"هذه..."

كانت الصفحة مليئة بصيغ نظرية حول التحكم في المانا.

ورقة عمل من صف "القتال العملي" الذي كان يُدرّسه معلمي الراحل.

انحنيت والتقطت الورقة.

صف القتال العملي لم يُدرج في اختبارات هذا الفصل.

فقد أُلغيت الامتحانات بعد وفاة معلمي المفاجئة.

لهذا السبب، كنت قد فصلت كل أوراقه الدراسية ووضعتها في درج خاص...

يبدو أنني خلطت بينها وبين باقي الأوراق أثناء الترتيب.

"......"

وقفت في مكاني للحظة، ممسكًا بالورقة في يدي بصمت.

الأجواء المليئة بالحيوية التي ملأت الغرفة قبل لحظات تبددت، وحلّ محلها صمت ثقيل.

شعرت أن ساقي لا تقويان على حملي، فتراجعت إلى الوراء وسقطت على الكرسي.

اجتاحتني موجة من المشاعر، وبدّدت الهدوء الذي كنت أتمسّك به بشدة.

وضعت ورقة معلمي بلطف على المكتب.

...كنت أحاول جاهداً ألا أفكر به.

في الآونة الأخيرة، بدأت أرى هلوسات وأسمع أصواتًا وهمية كثيرًا.

لم يكن ذلك غريبًا عليّ.

حتى في حياتي السابقة، كانت أعراض الصدمة تظهر عليّ أحيانًا.

ومع تراكم الأحداث الأخيرة وتأثيرها الكبير على حالتي النفسية، يبدو أن عقلي بدأ يخدعني من جديد.

كنت معتادًا على ذلك... ولكن...

لم يكن من الجيد أن تحدث نوبة مفاجئة، لذا كنت أتجنّب أي شيء قد يثير تلك الذكريات.

وكانت ذكريات معلمي من بين أكثر المحفزات خطورة.

لكن ماذا أفعل حين تداهمني فجأة؟

ابتسمت بمرارة.

لقد مرّ شهر كامل منذ إقامة مراسم تأبين معلمي.

لكنه لا يزال حيًا في ذاكرتي، كأنني كنت أقاتل إلى جانبه بالأمس فقط، في مواجهة تلك المخلوقات الميتة أثناء الرحلة.

تنهدت تنهيدة ثقيلة.

"...الوقت يمر بسرعة فعلًا."

طن!

[أليس ذلك أمرًا جيدًا؟]

"هل هو كذلك...؟"

رددت على نافذة الحالة التي ظهرت أمامي بنبرة لامبالية.

لكنها بدت وكأنها لم تفهم ردي، فسألت:

طن!

[هل تذكر العقد الذي أبرمته مع هذا النظام؟]

"بالطبع أذكر. لقد وعدتني بأنك ستحقق لي أمنيتي إذا نجوت لثلاث سنوات في هذا العالم."

طن!

[لأكون دقيقًا، وعدتك بأن أريك "النهاية الحقيقية" لهذا العالم.]

[وفي المقابل، وعدتك بحياة سعيدة.]

[لذا، أليس من الجيد أن تشعر أن الوقت يمر بسرعة؟ هذا يعني أنك تقترب تدريجيًا من هدفك.]

"نعم... معك حق."

وافقت على كلام نافذة الحالة دون تردد.

ومع ذلك، ظل شعور غريب بعدم الارتياح يسكن قلبي.

النهاية الحقيقية... وحياة سعيدة.

ربما كنت أتغافل عن حقيقة مهمة طوال الوقت.

أن هذا العالم... لم يكن سوى محطة مؤقتة.

مكان سأغادره بمجرد أن تتحقق شروط العقد.

هل بدأت... أتعلّق بهذا العالم أكثر من اللازم؟

غمرني ذلك التفكير بشعور كئيب وغريب.

مشاعري المتخبطة بدأت تغلي من جديد، تعصف بي دون رحمة.

وبينما كنت أحاول كبت تلك المشاعر المتناقضة، سألت نافذة الحالة بهدوء:

"ماذا سيحدث لي... بعد نهاية العقد؟"

طن!

[غير قادر على استيعاب السؤال.]

"هل سأغادر هذا العالم... عندما ينتهي كل شيء؟"

طن!

[من الصعب تقديم إجابة قاطعة.]

[رغم أنني وعدتك بحياة سعيدة، فإنني بنفسي لا أعلم ما هو شكل تلك الحياة.]

[ربما ستبقى في هذا العالم، أو ربما تُنقل إلى عالم آخر.]

"يعني... حتى أنت لا تعلم؟"

طن!

[صحيح.]

"هذا يبدو مريبًا... هل خدعتني؟"

طن!

[يمكنك إنهاء العقد في هذه اللحظة إذا كنت لا تثق بي.]

[أنا لم أُجبرك أبدًا على هذا الاتفاق.]

"وكأني أستطيع التراجع الآن."

ضحكت بمرارة واتكأت على الكرسي.

بينما كنت أدلّك جبيني، محاولًا ترتيب أفكاري، أضافت نافذة الحالة بعض الكلمات الأخرى:

طن!

[أنا جاد في كلامي.]

[إذا أصبحت شروط العقد عبئًا ثقيلًا جدًا، يمكنك إنهاؤه في أي وقت.]

[روحك ستعود إلى الفصول الأربعة، ولن يكون هناك ألم.]

[سأحرص على أن تُغمض عينيك بسلام.]

"هاها... إذًا يمكنك الهروب في أي وقت إذا ساءت الأمور؟"

طن!

[صحيح.]

"حسنًا... سأحتفظ بهذا الخيار في ذهني إذا أصبح كل شيء لا يُحتمل."

أومأت برأسي لكلمات نافذة الحالة.

إمكانية إنهاء العقد من طرف واحد والهروب، لم تكن صفقة سيئة.

لكنني... آمل ألا أضطر لذلك أبدًا.

"...الأمر معقد فعلًا."

كانت ليلة مليئة بالتفكير.

حول المصير الذي ينتظرني بعد نهاية هذا العالم...

وحول طريق الهروب الذي عرضته علي نافذة الحالة...

وفي النهاية، قضيت الليل بأكمله مستيقظًا، أفكر بلا توقف، حتى اخترق أول ضوء للفجر ظلام الغرفة.

2025/07/03 · 24 مشاهدة · 1452 كلمة
Ji Ning
نادي الروايات - 2025