"رايدن، هل أنت بخير؟ تبدو شاحبًا..."

أعادتني لوسي إلى الواقع بسؤالها. لا بد أن ملامحي كانت قاتمة بينما كنت غارقًا في التفكير. مسحت فمي بهدوء، وحاولت أن أرخي عضلات وجهي المتصلبة.

"أنا بخير يا صاحبة السمو. لم أنم جيدًا الليلة الماضية، لا أكثر."

أجبتها بابتسامة متكلفة.

ضيقت لوسي عينيها ونظرت إليّ بارتياب. ثم مدّت إصبعها النحيل وطعنتني به في كتفي.

"هل أنت متأكد أنك بخير؟ كنت تتصرف بغرابة طوال اليوم وكأنك غير قادر على التركيز في الدروس..."

"لا توجد مشكلة."

"همم..."

لم يبدو أن إجابتي أقنعتها.

زمّت شفتيها للحظة كما لو كانت غير راضية، ثم تنهدت وقالت:

"تتذكر ما قلته لك المرة الماضية؟ إن شعرت يومًا أنك تنهار، يمكنك دائمًا الاعتماد عليّ، أليس كذلك؟"

"نعم، يا صاحبة السمو. سأضع ذلك في اعتباري."

تراجعت لوسي أخيرًا بعد أن أومأت لها.

قد تبدو مشاعرها زائدة عن الحد، ولكن بالنظر إلى سلوكي مؤخرًا... لا يسعني إلا أن أشعر أنني أستحق ذلك.

تنهدت بمرارة، ثم التقطت قلمي وحاولت التركيز في المحاضرة.

> "السؤال السابع قد يبدو معقدًا، لكنه يُحل باستخدام مبدأ بسيط."

"إذا قمت بحجب دائرة المانا في وسط المعادلة، فإن المعادلات الخارجية ستُبسط تلقائيًا."

"وبعد التبسيط، يمكنك استبدال الكتلة والكثافة الخاصة بالمانا..."

خربشة، خربشة...

كان الطلاب يدوّنون الشرح بانتباه، يسرّعون في الكتابة بأقلامهم. على الأرجح أن التوتر كان يعمّ المكان بسبب اقتراب الامتحانات النهائية.

فكتابيًّا، الامتحانات لها نفس تأثير معارك الترتيب على النتائج.

قررت ألا أتخلف عن الركب، وبدأت بتحريك يدي.

> "بمجرد تراكب المعادلات، تبدأ فورًا بتزويد المانا."

"المهم هنا هو تزويد المانا بنسبة 1.5 أكثر من المستوى المناسب."

"وباتباع هذه العملية، يمكنك إطلاق تعويذة انفجار بسيطة عبر تحميل زائد في معادلة المانا."

لكن رغم كل جهدي في التركيز، لم تكفّ أفكاري عن الشرود.

القلق الذي راودني منذ الفجر ظلّ يطاردني.

"......"

ليلة أمس، ذكّرتني نافذة الحالة بحقيقة قاسية.

هذا العالم قد لا يحمل لي أي معنى حقيقي.

وقد أضطر لمغادرته يومًا ما.

وإن حدث ذلك... هل من الصواب أن أتعلّق به؟

هل سأكون بذلك أجرح نفسي... ومن حولي أيضًا؟

"هاه..."

تنهدت بهدوء.

رأسي أصبح ككتلة متشابكة من العقد.

عبثت بسيجارة الموت التي في جيبي، والشعور بالإحباط يتصاعد داخلي.

...هل سيطردونني إن دخّنتها في الصف؟

هززت رأسي لطرد هذه الفكرة الغبية، ثم نظرت بجانبي.

وهناك... رأيت سيدتي، جالسة بجانبي.

شعرها الأشقر البلاتيني يشعّ كأنه خيوط شمس، وعيناها الزرقاوان كأعماق المحيط.

سُلبت للحظة بجمالها المتلألئ.

إن اختفيت...

كيف ستكون ردة فعل لوسي؟

ومضت في ذهني صور ماضية، مشوبة بالدموع، متداخلة مع تعبيرها الحالي الممل.

> — كنت... خائفة جدًا...

— ظننت... أنك ستتركني للأبد...

— كنت خائفة جدًا... من أن تموت...

إن أنهيت كل شروط العقد واختفيت...

ماذا ستقول لوسي وهي تنظر إلى المساحة التي تركتها خلفي؟

من المحتمل أن تبكي بحرقة...

ذلك الفتى المدعو رايدن، كان الدعامة الوحيدة في حياة لوسي.

وذلك التفكير جعل صدري ينقبض بألم.

حاولت كتم هذه المشاعر المؤلمة، وحدّقت في وجه لوسي.

تلاقت نظراتنا بينما كانت تتثاءب بخفة، جفونها تثقلها النعاس.

وتوردت خديها الشاحبين بحمرة خفيفة.

"را-رايدن...؟ لماذا تنظر إليّ بهذه الطريقة...؟"

تمتمت بخجل، على الأرجح لأنها شعرت بالحرج بعد أن ضبطتها تتثاءب.

اكتفيت بابتسامة هادئة، وهززت رأسي.

"لا شيء. كنت فقط..."

فقط...

أفكر...

---

كلما مرّ الوقت، ازدادت أفكاري تشابكًا.

قضيت اليوم كلّه غارقًا في تأملات ليلة الأمس، دون أن أتوصل إلى حل.

وبحلول الوقت الذي عدت فيه إلى مهجعي، كنت قد استُنفدت تمامًا.

ما إن فتحت باب الغرفة حتى نزعت سترة الزي المدرسي وألقيت بها جانبًا، ثم ارتميت على السرير.

استخرجت من جيبي سيجارة موت، ووضعتها في فمي.

نقرة، فشش...

"هاه..."

خرج دخان رمادي مع تنهيدة مرهقة من شفتي، وملأ الهواء بضباب كثيف.

أسندت ظهري إلى الحائط، أتنشّق عطر الأعشاب المألوف الذي دغدغ أنفي.

وبينما كنت جالسًا هناك في صمت، آخذ أنفاسًا عميقة ببطء، دخلت رايتشل إلى غرفتي بهدوء.

"سيدي الشاب... هل هناك ما يزعجك؟ تبدو منهكًا..."

عينها، الممتلئة بالقلق الصادق، التقت بعينيّ وهي واقفة ويداها متشابكتان أمام صدرها.

نظرتها زادت من اضطرابي العاطفي.

حاولت تبرير الأمر كما فعلت مع لوسي.

"أنا بخير... لا شيء. فقط الكثير يدور في ذهني..."

"......"

أومأت رايتشل بصمت، وظلت واقفة عند الباب وكأنها تحرسني.

لا بد أنها رأت من خلال قناعي.

...كما هو متوقع، لا يمكنني إخفاء شيء عن رايتشل.

ابتسمت ابتسامة باهتة، وأخذت نفسًا آخر من السيجارة.

ظلّ الدخان الرمادي يحوم بيننا لفترة، يملأ الصمت.

لكن رغم الهدوء، لم يكن عقلي كذلك.

نظرت إلى النافذة.

وراء الزجاج الرقيق، كان العالم مغطّى بدرجات القرمزي والبرتقالي من شمس الغروب.

الأكاديمية، وقد غمرها ضوء الشمس الأخير، بدت جميلة بشكل ساحر.

فشش...

أطفأت السيجارة في المنفضة، ثم سحبت واحدة جديدة من العلبة.

وحين كنت على وشك أن أشعلها، التفت إلى رايتشل، التي كانت لا تزال واقفة بصمت بجانبي.

"رايتشل."

"نعم، سيدي الشاب؟"

"ماذا لو... فقط ماذا لو..."

شعرت بأن حلقي قد ضاق، ولبرهة لم أستطع الكلام.

لكنني تجاوزت التردد.

وبصوت خافت يرتجف، قطعت السكون:

"ماذا لو اختفيت مجددًا... ماذا كنتِ لتفعلي؟"

"ماذا لو اختفيتُ مجددًا... ماذا كنتِ لتفعلين؟"

رايتشل، التي كانت تقف ساكنة كتمثال، شعرت بأنفاسها تتقطع عند سماع سؤال رايدن.

أصابعها النحيلة تشبثت تلقائيًا بطيات تنورتها.

"تختفي... ماذا تعني بذلك...؟"

"فقط... مجرد افتراض نظري."

ضحك رايدن بخفة، وهو ينفض رماد سيجارته.

تطايرت الجزيئات الرمادية إلى المنفضة.

لكن ابتسامته المتكلفة جعلت من الصعب فهم ما يدور في داخله.

حدقت رايتشل فيه للحظة، ثم عضّت شفتها وتمتمت:

"افتراض نظريا...؟"

"نعم، نظري فقط."

"......"

افتراضي؟

لا يمكن أن يطرح السيد الشاب مثل هذا السؤال فجأة هكذا.

ما المعنى الحقيقي خلف كلماته؟

اجتاحت موجة من القلق والخوف قلب رايتشل، تضغط عليه بقسوة.

...لا تقل لي…

هل يمكن أنه يخطط للرحيل مجددًا؟

تمامًا كما فعل قبل عام، دون أي تحذير أو وداع.

الفكرة وحدها جعلت تعابير وجهها تتجمد.

"......"

"......"

ظل رايدن صامتًا، ينظر إلى الدخان المتصاعد من سيجارته.

ضوء الشمس الدافئ المسائي أضاء وجهه، كاشفًا عن حدة ملامحه.

عيناه الداكنتان، المحاطتان بشعره الأسود، كانتا تحملان حزنًا عميقًا لا يمكن سبر غوره.

وبينما كانت تحدق في تلك العيون الخالية، أدركت رايتشل ما الذي يعذبه.

ربما...

"...أنت تفكر في الرحيل مجددًا، أليس كذلك؟"

"......"

لم يُجب رايدن على سؤالها.

لكن صمته كان أبلغ من أي كلام.

كان تأكيدًا واضحًا لشكوكها.

نبضة مؤلمة...

شعرت رايتشل بوخز حاد في صدرها.

لماذا؟

ظنّت أنه بدأ يتعافى أخيرًا.

هل كان يتألم طوال هذا الوقت في صمت، يخفي عنها ألمه؟

هل أصبحت الحياة لا تُطاق، مثقلة بالآلام والمحن لدرجة أنه يشعر بالحاجة للهروب مجددًا؟

مجرد فكرة رحيل من تحب... كانت كافية لتمزق قلبها.

ولأول مرة، تذبذبت نظراتها البنية الحازمة.

قاتلت رايتشل لاستعادة رباطة جأشها.

وفي الوقت نفسه، فكرت كيف يمكنها الرد عليه.

ما الذي يمكنها قوله لتريحه؟

أي موقف يجب أن تتخذه لتخفف عنه ألمه؟

كان عقلها يغلي بالأفكار والمشاعر، لكن عزيمتها بقيت صلبة.

"...سأنتظر... حتى تعود، سيدي الشاب."

أجابت بهدوء، مرسومة على شفتيها ابتسامة مجهدة.

ارتعش صوتها قليلًا، كاشفًا عن العاصفة التي تعصف بداخلها.

وكان عليها أن تعض شفتيها كي لا تنهار بالبكاء.

أدار رايدن رأسه نحوها قليلًا، ونظراته تتساءل:

"تنتظرينني...؟"

أومأت رايتشل، بنبرة هادئة وثابتة وهي تصب قلبها في كلماتها:

"لقد أخبرتك من قبل... سأبقى دائمًا إلى جانبك. حتى لو قررت الرحيل عن هذا المكان مرة أخرى، مشاعري تجاهك لن تتغير أبدًا."

«سأبقى دائمًا إلى جانبك.»

من يوم رحيلك... إلى يوم عودتك، سأنتظرك بصبر.

"لا بأس حتى لو لم تعد."

إذا كان هذا ما ترغب فيه حقًا.

إذا كان هذا هو الطريق الذي سيقودك إلى السعادة.

"سأظل أدعمك دائمًا."

كانت رايتشل تحافظ على مظهرها المرح، لكنه لم يكن سوى قناع صُنع بعناية.

الدموع كانت تهدد بالانهمار من عينيها.

عضّت شفتها، تكتم مشاعرها الجياشة.

"فقط في حال... في حال شعرت بالحنين لهذا المكان وقررت العودة يومًا..."

سأُبقي مكانك دافئًا.

سأحرص على أن يكون كل شيء جاهزًا، حتى تعود بسهولة إلى حياتك القديمة.

لكي يجد قلبك... لحظة سلام.

"سأبقى هنا... في انتظارك."

كل كلمة نطقتها كانت كقطعة زجاج تخترق قلبها.

لكنها لم تُظهر ذلك.

لم تسمح لابتسامتها القسرية بأن تنهار.

أن تتمنى السعادة لمن تحب، حتى لو كان ذلك يعني التضحية بسعادتك...

ذلك هو نوع الحب الذي اختارته.

ستفعل أي شي

ء من أجل السيد الشاب.

حتى لو عنى ذلك كبت مشاعرها الخاصة.

حتى لو عنى تقديم وعدٍ قد يمتد إلى الأبد.

"كل ما لدي..."

كل وقتي.

كل مشاعري.

كل خطوة أخطوها في حياتي.

"كل ذلك... لأجلك، سيدي الشاب."

نعم... هذا يكفيني.

إذا كان لوجودي التافه هذا أن يمنحك حتى ذرة من الراحة...

فهذا وحده يجعلني أشعر أنني أملك العالم بأسره.

كل ما أتمناه... هو سعادتك.

2025/07/03 · 23 مشاهدة · 1323 كلمة
Ji Ning
نادي الروايات - 2025