ساد الصمت لثوانٍ، ثم بدأت العيون تتسع، وتتهامس الألسن، وارتجف البعض خفية.
"كي"... خرج من بين الغبار حيًّا.
مبتور الذراع... نصف وجهه ممزق... لكنه واقف.
واقف كأن الجراح لا تعنيه.
واقف كأن جسده لا يخصه.
ثم ابتسم.
لا... لم تكن ابتسامة.
كانت سخرية مدروسة.
رفع عينه إلى سيلفا أولًا، ثم مرّ بها على كل من في الساحة. لم يكن ينظر إليهم كندّ... بل كأنهم بيادق على رقعة شطرنج لا يعرفون من يحرّكهم.
ابتسم مرة أخرى.
صوتُه خرج هادئًا، لكنه يقطر لؤمًا مدهشًا:
«حقًا؟ هذه هي "أكاديمية الملوك"؟ هؤلاء هم نخبة هذا الجيل؟»
ثم ضحك... ضحكة قصيرة، لا تحمل فرحًا.
«هجوم من المشرف، كسر للبروتوكول من الملك، فوضى على المنصة، غباء جماعي في الساحة... ودماء بلا داعٍ.»
تقدم خطوة.
«إنها ليست أكاديمية. إنها مهزلة. ولا أحد هنا... يلعب دوره كما يجب.»
ثم حدّق في سيلفا، وتابع ببرود:
«هل انتهيت من نوبة غضبك؟ أم لازلت تُخرج ماضيك علينا؟»
وجه "سيلفا" تجمد، وعيناه لا تبرحان "كي". لكن لم يرد.
بل... رفع يده فجأة.
وبإشارة واحدة، عاد الجميع إلى أماكنهم.
الساحة أعيد ترتيبها وكأن شيئًا لم يحدث.
التنظيم استعاد نفسه... لكنه لم يستطع استعادة الهيبة.
ثم، وبينما كانت العيون لا تزال مترقبة، اقترب كيوجو من "كي" وسأله بصوت منخفض، وكأنّه يريد أن يعرف شيئًا شخصيًا:
«هل... اكتشفت الأمر إذن؟»
"كي" لم يجب على الفور.
رفع نظره إليه للحظة، شاردة، ثم قال:
«كنت أظنه احتمالًا بعيدًا... لكنه الآن أقرب للواقع.»
"كيوجو" لم يسأله عن معنى كلامه. لكن "كي" استدار فجأة وقال:
«سأغادر.»
بدأ في المشي.
لكن "كيوجو" أوقفه بنبرة صارمة، خالية من المجاملة:
«إلى أين تظن أنك ذاهب؟»
"كي" التفت نصف التفاتة، ورفع حاجبه كمن يستهزئ بالسؤال:
«ولماذا يهمك؟»
ردّ "كيوجو" بحزم:
«ما هو هدفك؟»
هنا... توقف "كي".
لحظة صمت غريبة حلّت.
ثم أجاب بصوت لا يحمل ترددًا... بل شيء أكثر ت
عقيدًا:
«هدفي؟»
ضحك ضحكة صغيرة، كأنّ السؤال نفسه عبثي.
ثم قال بهدوء متعجرف:
"أحيانا امتلك اهدافا ...واحيانا لا "
نظر إلى كيوجو مباشرة.
«لا تبحث عن منطق ثابت في دوافع شخص... كسر منطق العالم منذ زمن.»
"كيوجو" نظر إليه بثبات، ثم قال ببطء:
«لا يهمني ما هو هدفك... حتى لو لم يكن واضحًا حتى لك. لكن لتحقيق أي شيء، مهما كان... تحتاج إلى تطوّر حقيقي.»
أشار إلى جسده.
«انظر إلى وجهك... مليء بالجروح. إلى ذراعك... مبتورة. إن غادرت الآن، هل ستتطور في غابة؟ وسط صمت؟»
تقدم خطوة.
«هنا فقط... يمكنك أن تتطور حقًا. هنا، يوجد من يستطيع قتلك بالفعل.»
توقّف الكلام.
لكن عقل "كي" لم يتوقف.
بدأ التفكير.
"متى آخر مرة قاتلت خصمًا قطع ذراعي؟"
"متى آخر مرة خضت قتالًا حقيقيًا؟ من ذلك النوع الذي يجعل قبضتي تنزف لا من الألم، بل من الحنين؟"
"متى آخر مرة شعرت أني قد... أخسر؟"
تذكر وجه زايكو.
الاندفاع.
النظرات.
قوة سيلفا... التهديد الحقيقي.
تذكر طلابًا كادوا يطعنونه، لا لكرههم، بل لأنهم ظنوه خصمًا يستحق القتال.
"لم أعد أذكر متى شعرت بشيء كهذا... لكني شعرت به الآن."
شعور نادر... موجع... عميق.
شعور اسمه: "أن تعيش القتال لا أن تراقبه."
تنهّد.
ثم التفت ببطء نحو "كيوجو"، وقال بجفاف:
«...سأبقى.»
"كيوجو" لم يبتسم. لم يُظهر ارتياحًا.
لكنه أومأ برأسه، كأنه يعرف أن قرارًا عظيمًا قد اتُّخذ، دون إعلان.
أما "كي"...
فقد عاد إلى مكانه في الساحة.
لكن شيء ما تغير في داخله.
نظرات ما بعد العاصفة
عاد الجميع إلى صفوفهم بصمت ثقيل، كأنهم خارجون من زلزال نفسي لم ينتهِ صداه بعد.
لم ينطق أحد بكلمة أولًا.
زايكو كان يرمق "كي" بنظرة حادة، وعيناه تحترقان بالغضب. ثم فجر ما كان في نفسه بصوت عالٍ، مخاطبًا "رايجو" وهو يحاول تهدئة نفسه:
«تبًا... عدت فقط احترامًا لكيوجو. وإلا لكنت مزّقته إربًا.»
رايجو، بجواره، ابتسم كعادته، بنصف تهور ونصف شغف، وقال:
«وأنا عدت أيضًا لأني لا أريد مشاكل مع الإدارة... لكني وجدت أخيرًا ما كنت أبحث عنه!»
أشار بذقنه نحو "كي"، الذي كان قد جلس بصمت في زاويته، كأن شيئًا لم يحدث.
«ذلك الفتى... كي. إنه مثير.»
زايكو زم شفتيه وقال بنبرة غاضبة:
«"مثير"؟! لقد تطاول علي. سأجعله يدفع الثمن. سيعرف قريبًا من هو زايكو.»
ثم، بصوت هادئ كنسيم خبيث، دخل "كايغو" المحادثة من خلفهم، واضعًا يده على كتف زايكو بهدوء:
«تتحدثون بثقة زائدة... لكن، ألم تلحظوا شيئًا مريبًا؟»
نظر كلاهما إليه.
تابع كايغو بصوت منخفض، وكأنه لا يريد أن يسمعه الآخرون:
«ذلك الفتى... لا أستطيع أن "أشعر" به.»
رايجو عبس، بينما قال زايكو بحدة:
«ما الذي تعنيه؟»
كايغو أشار بخفة إلى صدره.
«ماناه. وجوده... كأنه ظِلّ بلا روح. لم أشعر بأي مانا حقيقي منه، لا قبل ولا بعد المعركة.»
ثم صمت للحظة، قبل أن يقول ببطء:
«تذكرون اختبار الوحوش؟»
الاثنان تبادلا النظرات.
أكمل كايغو:
«وحوش ذلك الاختبار كانت تُضبط قوتها حسب مستوى المانا الذي تحمله. كلما كانت المانا أعلى، كانت الوحوش أقوى. أليس كذلك؟»
زايكو أومأ ببطء.
كايغو قال بجدية:
«وحشه... كان ضعيفًا للغاية.»
سكت.
«أضعف من أن يكون متناسبًا حتى مع طفل عادي.»
العبارة نزلت على زايكو كشرارة، فصرخ بعصبية:
«هل تقول إنه لا يمتلك مانا أصلًا؟ مستحيل! لقد صمد أمام شعاع سيلفا!»
لكن كايغو هز رأسه:
«قلت إنه لا يشعر به... لم أقل إنه بلا قوة. قوته الجسدية واضحة، بل خطيرة جدًا، لكن... هو ليس طبيعيًا. كأنه يحمل شيئًا لا يمكن قياسه بالطرق المعتادة.»
رايجو، بدلًا من أن يرتبك، زاد حماسه، وضرب قبضته براحته:
«هاها! ممتاز! هذا يعني أنه ليس خصمًا عاديًا! ربما يكون هذا... هو من كنت أبحث عنه.»
زايكو نظر إليه بازدراء:
«لا تتغزّل به كثيرًا، رايجو.»
لكن رايجو لم يرد.
كان ينظر إلى "كي" وكأنه يرى قطعة ناقصة في لوح قتاله الطويل... قطعة كان ينتظرها لوقتٍ طويل.
وفي أعماق كايغو، لم تكن الشكوك قد انتهت... بل كانت في بدايتها فقط.
وسط الضجيج الذي بدأ يخفت تدريجيًا، وبين همسات الطلاب التي تتناقل ما حدث، وقف "كي" بصمت. نظر إلى وجوه من حوله، إلى العيون التي تتسلل بنظرات فضول أو ريبة أو حتى احترام خافت... لم يكن ذلك غريبًا عليه.
"الآن... تذكرني الجميع."
هكذا فكّر مع نفسه وهو يمرر نظراته عبر الصفوف، ثم يلمس ببطء آثار الدم الجاف على وجهه، والفراغ الذي تركته يده المبتورة.
"لقد أصبحتُ محور هذه الفوضى... كل الأنظار عليّ... ليس فقط بسبب قوتي، بل لأني أظهرتها رغم ضعف ماناي... وهذا وحده كافٍ ليجعلهم يتذكرون اسمي."
تنهد بخفة، نصف ابتسامة ساخرة ترتسم على وجهه المتعب:
"لا بأس... لقد مررتُ بأكثر من هذا. هذه مجرد بداية أخرى."
وفجأة، تقدّم "سيلفا" من أمام الجميع، بصوته الثابت ونبرته الجادة التي تخترق الصمت:
"الاختبار الثالث سيبدأ قريبًا."
ساد هدوء مشوب بالترقب، وعيون الطلاب تتعلق بكلماته التالية.
"هذه المرحلة مختلفة تمامًا... لن يكون اختبار قوة فردية هذه المرة. سيتم تشكيل فرق منكم. كل فريق سيتم إرساله إلى بيئة مختلفة كليًا، متنوعة من حيث الطبيعة والخطر... قد تكون صحراء، مستنقع، أطلال قديمة أو حتى غابة مسمومة."
صمت للحظة، ثم أكمل:
"هدفكم بسيط... اقتلوا الزعيم الموجود في تلك البيئة، واخرجوا منها أحياء."
تبادل الحضور نظرات حذرة ومترقبة، وفكر "كي" بعمق:
"تشكيل فرق؟... هذا يعني ضرورة التعاون... وهذا... ليس ما أجيده. أو... ربما أجيده أكثر مما أعتقد، إن قررت أن أتلاعب جيدًا."
عبث بأفكاره للحظات، ثم تمتم بسخرية داخلية:
"زعيم البيئة... وقتل؟ إن كان قويًا بما يكفي، فقد تكون هذه فرصتي لاختبار قبضتي من جديد."
ابتسم بخفة وهو يتقدم للعودة إلى مكانه، عقله يغزل الاحتمالات كأنها خيوط شِرك، ينتظر من يقع فيها أولًا.