11 - حين يلتقي الظل بالنور

كان كي يجلس تحت ظل جدار محطم، نظراته ثابتة في الفراغ، كأن جسده فقط هو الحاضر. لا أحد اقترب منه.

إلا واحد.

كايسن، الفتى الطيب الذي لا يعرف الكراهية، اقترب بخطى مترددة.

"هل... أنت بخير؟" صوته كان حذرًا، كأن الكلمة نفسها خائفة أن تُقال.

رفع كي نظره ببطء، ثم قال بصوت منخفض لا يخلو من الحدة: "لا تقترب."

كايسن جمد في مكانه، لم يعرف هل يُكمل خطوته أم ينسحب.

"قلت لك، ارحل." كان الصوت هذه المرة أكثر صرامة، مشبعًا بالبرود والرفض.

"كايسن."

صوت جديد، واثق، نظيف، أتى من الخلف.

شاب أطول، شعره بلون الليل، ونظرة كأنها ترى عيوب العالم دون أن تهتز.

كان كيزوكي.

اقترب ووضع يده على كتف كايسن:

"أخبرتك ألا تُسرف في لطفك. البعض لا يستحقه."

كايسن ابتسم رغم الإحراج:

"إنه قوي… فقط غامض قليلاً."

كي رفع رأسه أخيرًا، ونظر مباشرةإلى كيزوكي.

وجهه هادئ، عيناه نصف مغمضتين كأن العالم لا يهمه ..يمتلك شعر ازرقا فوضويا وعيون زرقاء ..، لكن ماناه... كي لم يرَ شيئًا كهذا من قبل. لم تكن مانا عادية. لم تكن مجرد طاقة. كانت تفيض من جسده كما يفيض الملك من عرشه.

توقف كيزوكي بجانب كايسن، ونظر إلى كي للحظة.

"هذا... أنت من سبب الفوضى؟" قالها كأنه يحدّق في حشرة، لا في إنسان.

كي وقف ببطء، عيناه تراقبان كيزوكي كما يراقب مفترس طريدة ثمينة. "ماناك... نادرة. لا تشبه شيئًا رأيته في الأكاديمية. قد تكون خصمًا مثيرًا للاهتمام."

لكن كيزوكي ضاق عينيه بقرف: "مثير للاهتمام؟ أنت؟"

اقترب أكثر، ثم قال: "لا أشعر بأي مانا تصدر منك. لا شيء. فراغ. أنت ظلام... دون روح."

سكت، ثم أكمل بنبرة تنزف اشمئزازًا:

"صندوق فارغ. هذا ما تبدو عليه."

اقترب كي خطوة، لكن كيزوكي رفع يده كمن يردع كلبًا: "لا تتحدث. رائحتك وحدها تكفي."

ثم أمسك بذراع كايسن وسحبه للخلف.

"لا تقترب من الكلاب يا كايسن."

وابتعد.

أما كي... فبقي واقفًا، ساكنًا... لكنه كان يبتسم بخفة. ابتسامة من لا يهتم بالإهانة، بل بالمعلومة.

"مانا ملكية... يبدو ان ذلك الملك جلبني الى مكان كنت احتقره حقا "

"مانا تشبه الملوك، لكن لا تنتمي لهم..."

همس كي مع نفسه، ووجهه ما زال يحمل بقايا الابتسامة الباهتة.

"قد يكون قطعة ممتازة… لا كنزًا، بل سلاحًا… نعم، يجب أن أراقبه أكثر."

**

ظهر شاب من خلف أحد الأعمدة المتهالكة في ساحة الاختبار، شعره رمادي يتطاير بخفة، عيناه صفراوان تلمعان بحدة ثعلب.

قال بثقة:

"كنت مذهلًا. لم اتوقع أن تكون من فريقي في الاختبار الثالث."

التفت كي ببطء، نظر إليه دون رد.

قال الشاب:

"اسمي تايغا لا تقلق، لا أحتاج قيادة، فقط لا تعترض طريقي."

**

في تلك اللحظة، ظهر زايكو من جانب الممر الحجري.

زايكو شد قبضته، أطلق تهديدًا باردًا:

"سأتأكد من أنك لن تخرج من هذه البيئة هذه المرة."

كايغو، دون أن يلتفت، قال:

"لا تُهدر أنفاسك. من الأفضل أن تراقبه فقط."

كي رفع نظره أخيرًا، ونظر للاثنين دون أي تعبير، كأنهما لا يستحقان حتى ردًا.

قال بهدوء:

"هل انتهيتم؟"

**

فجأة، فتحت بوابة زرقاء أمام الفريق، تضج بالطاقة المشعة.

دخل كي أولًا دون كلمة.

**

تبعوه داخل البوابة، لكن حين وصلوا… لم يكن له أثر.

تبادلوا النظرات، الأرض من حولهم كانت مغطاة بسحب رمادية، نفايات تلمع بخطورة، الهواء مشبع برائحة الحديد المسموم.

قال تايغا:

"أين اختفى؟ كأنه ذاب مع السم."

زايكو بصق أرضًا:

"أظن أنه قتل ..أنه صعلوك في نهاية الامر..يكاد لايمتلك مانا حتى."

لكن كايغو، كان يرفع رأسه، عينيه مغمضتان. يستمع. يستنشق. يترجم العالم حوله بحواسه الخارقة.

قال بصوت خافت:

"صوت دماء… شيء يُقتل، بطريقة وحشية."

"أين؟" سأل تايغا.

أشار كايغو:

"ذلك الاتجاه. جبل النفايات."

**

وصلوا إلى مكان أشبه بكابوس

.

نفايات مشعة، مسوخ بعين واحدة، كائنات متحورة، جميعها ممزقة، محترقة، مشطورة إلى نصفين.

كان هناك جبل كامل من الجثث النووية… كأنها ذُبحت بلا رحمة.

قفز كايغو بين النفايات حتى هبط في الساحة.

وقف وسط الدماء … ولم يكن هناك أحد.

**

"هذا… لم يكن قتالًا."

قال كايغو، وهو يحدق في أثر قدم شبه منسي على الأرض.

"هذا كان... ذبحًا."

رفع نظره إلى الأعلى، حيث الهواء يتشقق بالصمت.

"لكن من؟"

حدّق في ظلال الوحوش الميتة، في طريقة قتلها… التقط قطعة مكسورة من قناع أحدها.

**

قال في نفسه:

"هذا ليس فعل فريق. هذا شخص واحد… لكن من يقدر على فعل ذلك هنا؟"

**

عاد كايغو ببطء، لكنه كان قد زرع في داخله بذرة شك… صامتة، متجذّرة، لن تموت بسهولة.

وفي مكان ما بين تلك الجثث، في قمة جبل نفايات… كان كي يراقبهم من بعيد، جسده مغطى بوشاح رمادي، وابتسامة خافتة على طرف فمه.

"البيئة المقززة هذه… مفيدة جدًا في إخفاء خطواتي."

همس:

"ما أحتاجه ليس الثقة… بل أن يظلوا جميعًا عميان."

هبط كايغو بين التلال المكسوّة بالرماد، ووجهه شاحب أكثر من المعتاد. عاد إلى الفريق بخطوات ثقيلة، وحين وصل، لم يقل شيئًا لثوانٍ.

"ماذا هناك؟!" سأل كايغو بنبرة مرتابة.

كايغو رفع عينيه ببطء وقال:

"دمار ."

الجميع انتبه.

"وجدت عشرات الوحوش النووية… ممزقة، مسحوقة، مقلوعة الأعضاء. بعضها انشطر من الداخل… كأن أحدهم فهم تشريحها وقتلها بأدق شكل."

زايكو اتسعت عيناه: "لكن… لا يوجد أحد هنا غيرنا!"

تايغا تمتم: "أهذا زعيم المنطقة الذي ذكره المشرف؟..."

تبادلوا النظرات… وبدأ الخوف يتسلل.

"ومن الذي فعل هذا؟! لا صوت قتال، لا آثار مانا…" تمتم إحدى الفتيان من الخلف.

"ربما..." نظر أحدهم للبعيد. "هو الزعيم فعلاً. ربما أباد وحوشه لتُختبر قدراتنا مباشرة."

"أو أنه شخص يسبقنا في هذا المكان... وينهي كل شيء قبْلنا."

قال تايغا فجأة، وهو يلتفت يمينًا:

"انتظروا… أين كي؟!"

سكت الجميع.

زايكو ضحك بسخرية:

"من يهتم بذلك الحثالة؟ لا ترجوا منه فائدة، إن لم يكن مختبئًا تحت حجر، فهو ميت بالفعل."

كايغو لم يعلّق، لكن نظراته تذبذبت للحظة… وكأن عقله لا يرتاح لهذا الغياب.

**

في تلك اللحظة، دُفنت بذرة الخطة.

من بعيد، من فوق تلٍ، جلس كي في ظل شجرة رماد، يراقب من بعيد.

ابتسم.

**

كي لم يختف عبثًا. ترك عن قصد آثار أقدام زائفة في اتجاه معين، مع بعض الدماء الحيوانية التي سرقها من إحدى المسوخ، ثم بث مانا غريبة عبر البيئة باستخدام نواة سرية صغيرة خبأها بين الصخور.

هذه المانا كانت مشوشة ومشوهة وقوية جدا ... كي صنع هذا الإيحاء متعمدًا، ليجعل الفريق يظن أن هذه مانا من "الزعيم" وانه يتجه إلى الجهة الشرقية… بعيدة عن القصر في الغرب.

**

بينما كانوا يناقشون أمر كي، ظهرت موجة خافتة من مانا قاتمة قادمة من بعيد.

تايغا جثا قليلًا، مركزًا:

"مانا غريبة… قوية. هل شعرتم بها؟"

كايغو أغلق عينيه، ثم فتحها فجأة:

"نعم… آتية من الشرق."

زايكو صرخ بحماس :

"قد يكون هذا هو الزعيم! علينا أن نلاحقه قبل أن يهرب!"

زايكو تشجع:

"أفضل من الجلوس وانتظار الموت!"

**

وهكذا… انطلقت المجموعة بأكملها نحو الشرق، ظنًا منهم أنهم يطاردون "الزعيم".

لكنهم لم يعلموا…

أن على الجانب الآخر، كان كي يهبط بهدوء من جدار القصر الغربي، وعيناه تلمعان بلذة السيطرة.

"والآن…" همس،

"دعونا نبدأ العمل الحقيقي."

2025/05/03 · 13 مشاهدة · 1064 كلمة
Mouad Kei
نادي الروايات - 2025