17 - إعلان النهاية... أم بدايتها؟

كانت الساحة الدائرية في مركز الأكاديمية تختنق بالجماهير. المدرجات التي تحيط بها امتلأت بالطلاب والمشرفين، عيونهم تراقب بترقب شديد. تحت الأضواء الساطعة، كانت الساحة تبدو كحلقة معركة كونية، حيث سيُختبر الجميع في قدراتهم العقلية والجسدية. في الزمان الذي بات قريبًا من النهاية، كان الاختبار الأخير في أقصى مراحل التوتر والتحول.

تحدث المشرف سيلفا، صوته العميق يهز الأجواء، بينما يقف في مركز الساحة المضيئة.

سيلفا:

"أيها الطلاب الأعزاء، مرحبًا بكم في الاختبار الأخير. اختبار صدى النقاء. هذه اللحظة التي تحدد مستقبلكم في الأكاديمية، وموضعكم بين العباقرة. كما هو الحال في كل اختبار، هذا اختبار ليس فقط لمهاراتكم القتالية، بل لاختبار الولاء، السيطرة على المشاعر، والتكتيك الجماعي."

كانت أصوات همسات الطلاب تملأ الجو، البعض ينظر نحو بعضهم بحذر، والبعض الآخر يراقب المشرف بترقب.

سيلفا:

"الاختبار سيكون فرديًا وجماعيًا معًا. ستتنافسون في فرق مكونة من ثلاثة أفراد. ولكن تذكروا، ليس الكفاءة القتالية وحدها هي التي ستحدد مصيركم. هناك مقياس داخلي سيختبر توتركم الشخصي والجماعي. إذا شعرنا بأن التوتر بلغ حدًا خطيرًا، سيتوقف الفريق عن اللعب وسيتم إقصاؤه على الفور."

توقف سيلفا للحظة، وهو يراقب ردة فعل الطلاب. بعد أن نزلت الكلمة على القلوب الثقيلة، استمر في حديثه.

سيلفا:

"كل فريق يحمل نواة بلورية شفافة، تتصل بمؤشرات حية على شكل أجهزة صغيرة. هذه النواة تقيس درجة التوتر، النوايا، والتعاون بين الأعضاء. فريقكم يجب أن يعمل معًا، ولكن إذا بلغ التوتر حدًا خطيرًا، أو إذا حدث تعارض في النوايا، ستُغلق النواة وسيتم استبعاد الفريق من الاختبار. لا تقتصر المسألة على الفوز فحسب؛ بل على قدرتكم في العمل معًا تحت الضغط."

نظر سيلفا إلى الطلاب بعيون حادة، ثم أضاف:

"والآن، ستتلقون تحديات عشوائية. أعداء من فرق أخرى، آليات قتالية مبرمجة ستخرج من تحت الأرض لزيادة الضغط. وكلما تقدمتم، ستزداد الصعوبات. في بعض اللحظات، قد يتم فرض تحديات أخطر، مثل... اختيار أحد الأعضاء للتضحية الطوعية. سيكون عليكم الاختيار من بينكم، وفي هذه اللحظات، ستكشف نواياكم الحقيقية."

سيلفا:

"ريوسكي، كايسن، كيزوكي،أنتم معًا في فريق واحد. أنتم من بين الفرق التي أتوقع منها الكثير. عليكم أن تكونوا في قمة تركيزكم في هذه اللحظة. وإلا، فإن مصيركم سيكون كمن ذهب قبل الأوان."

توجه الجميع نحو الساحة. فرق الطلاب تتوزع في أماكنها المحددة، وكل فريق يتجمع حول نواته البلورية. الأجواء كانت مشحونة بالكهرباء، والحركات الدقيقة كانت تلعب دورًا كبيرًا في تكوين الفرق. ميدشوشوجي كان يراقب عن كثب في الزاوية المظلمة، يخفي خططه بدقة.

سيلفا:

"ابدأوا الآن. لن نتساهل مع أي تجاوز. أول من يكسر نواة فريق آخر، أو يبطل نواته، يفوز بالاختبار."

ساحة الاختبار كانت فسيحة، تضاريسها متغيرة، أشبه بجزيرة صناعية تتقلب تربتها كل خمس دقائق. من بين الصخور السوداء المتناثرة والنباتات المعدنية الحادة، كانت ثلاثة ظلال تتحرك بثقة تحت أشعة الشمس المصطنعة.

ريوسكي يتقدم فريقه كعادته، عيناه تراقبان الساحة وكأنها لوحة مفتوحة، لكن ابتسامته الهادئة كانت تحمل شيئًا لا تلتقطه الكاميرات.

خلفه:

كايسِن.

كيزوكي يمضغ علكة بطعم البرتقال وهو يتمتم: "أشعر بأن شيئًا قذرًا سيحدث اليوم... ورائحته تشبهك، ريوسكي."

ابتسم ريوسكي دون أن يرد.

لقد بدأ كل شيء بالفعل.

فجأة، انفتح باطن الأرض من الجهة الغربية، لتخرج آلية هجومية معدنية ضخمة على شكل عنكبوت، تطلق موجات صوتية تصيب التوازن الذهني.

فريق الخصم يظهر من الجهة المقابلة:

ليدرو، قائد الفريق، يمتلك قدرة على تحريك المعادن.

هانا، سريعة، تعتمد على الضربات الموجّهة من قرب.

نير، متحكم بالضوء، يستخدمه للتمويه.

"انتبهوا!" صرخ كيزوكي، "لدينا هجوم من الآلة ومن الحثالة في آن واحد!"

قفز إلى الجانب، استخدم قبضته ووجهها إلى مفصل الآلية.

المعركة تبدأ.

الفرق تتبادل الهجمات، التوتر يتصاعد، ونوى الفرق تومض بإشعاعات حمراء تنذر بالخطر.

لكن داخل هذا الجنون، كان ريوسكي قد انفصل للحظات.

انزلق خلف صخرة كبيرة، أخرج من سترته أداة صغيرة بحجم ظفر، مستديرة وشفافة، أشبه ببعوضة نانوية.

تمتم بصوت منخفض:

"FTI-01، ابدئي التشغيل."

الذبابة النانوية طارت بهدوء، لا تُرى بالعين المجردة، واخترقت خطوط الاشتباك المتشابكة، متجهة مباشرة إلى جيب ليدرو، حيث توضع عادة "النواة البلورية" للفريق.

ريوسكي عاد بهدوء إلى المعركة.

"كايسِن، اصرف انتباههم 15 ثانية فقط."

رد كايسِن بإيماءة، وانطلق نحو هانا، ممطرًا إياها بوابل من الشفرات ظلامية من سيفه.

في تلك الأثناء، الذبابة اخترقت النواة البلورية لفريق ليدرو، وزرعت ترددًا تشويشيًا خفيفًا.

لم يُحدث أي إنذار.

لكن مؤشر التوتر الداخلي بدأ بالارتفاع البطيء في نواة فريق ليدرو، بشكل غير مفهوم.

"ما الذي يحدث؟" صاحت هانا، "مؤشر التوتر يرتفع رغم أننا متناسقون!"

"أحدكم بدأ يشك بالآخر"، قال ريوسكي بابتسامة صغيرة، قبل أن يطلق موجة صوتية تخترق الغبار وتشتت تمويه نير.

المعركة الآن غير متوازنة.

فريق ليدرو يعاني من اضطراب داخلي خفي، ونواتهم تقترب من مستوى الإقصاء...

لكنهم لا يعرفون لماذا.

ريوسكي يعرف.ويبتسم.

كان "كيوجو" يجلس فوق منصة مراقبة مخصصة للمشاركين غير النشطين حاليًا، يراقب المعركة بعينيه نصف المغلقتين، كأنما لا يهتم بشيء.

لكنه كان يشعر بشيء غريب…

وخزة خفيفة في الرقبة.

رفع يده بخفة، ظنًّا أنها بعوضة، لكنه لم يجد شيئًا.

عبس، همس بصوت لا يسمعه أحد:

"غريب… الهواء هنا ثقيل."

لم يكن يعلم أن اللحظة ذاتها…

ريوسكي، الذي بدا مشغولًا في مطاردة "نير"، تراجع خطوة إلى الخلف فجأة كما لو كان يتفادى هجومًا، ورفع يده للحظة قصيرة نحو جيبه الداخلي.

من بين أصابعه، انطلقت ومضة صغيرة… لم تُرَ إلا كالسراب.

ذبابة نانوية ثانية.

أغمض عينيه للحظة، تمتم:

"الهادر الصامت... الجزء الثاني."

حلّقت الذبابة الثانية ببطء، متخذة شكل جزيء غبار ضائع، وتسللت بين الموجات الحرارية في الهواء.

وجهتها: منصة "كيوجو".

في زاويةٍ معزولة من المدرّجات العليا، جلس "كي" بهدوء قاتل، ذراعاه متشابكتان، عيناه تراقبان ساحة الاختبار ببرودٍ لا يدلّ على أي اهتمام.

ريوسكي يتحرك، النوى تتوهج، الصراع يشتعل…

لكن "كي" لم يتحرك قيد أنملة.

صوت مألوف يخترق الصمت:

– "تشعر بالملل كالمعتاد، يا كي؟"

ظهر "كايغو" بهدوءٍ خلفه، متكئًا على حافة الجدار المعدني، يراقبه ببرود .

لم يرد "كي".

لكن كايغو واصل، نبرته خفيفة… لكنها تحمل شيئًا خفيًا:

– "الاختبار الثالث… هل تساءلت يومًا لمَ لم يسأل أحد عن بقية أعضاء فرقنا؟"

رمش كي ببطء، دون أن يدير وجهه.

– "لقد ماتوا. هذا كل شيء."

رد كايغو ببرود :

– "أجل… ماتوا. لكن تلك الكاميرات المدفونة في أرض الاختبار… تعلم أيها، صح؟

كاميرات مانا متقدمة تدرس طاقة الخصم وتطلق هجومًا قاتلًا متكاملًا…

من المفترض ألا ينجو أحد إذا لم يتم توجيه ماناه بدقة مضادة."

كي يتشنج.

لأول مرة، تظهر على وجهه علامات غضب ودهشة حادة.

كايغو يستمر بنبرة أكثر جديّة:

– "لكن… أنت لم تُصب.

وتلك الكاميرات لم ترد عليك.

ولماذا غضبت في ذلك اليوم فجأة؟"

كي يدير وجهه نحوه، عينيه مشتعلة بشك خطير.

كايغو، وكأنما يستفزّه عمدًا:

– "رغم أن بإمكانك تجاوزها، لمَ انفعلت؟

وكيف… دخلت أنت تلك الكاميرات؟"

كي ينهض بغتة، يمسك "كايغو" من قميصه بعنف، يقربه من وجهه، وصوته ينفجر:

– "توقف... عن التظاهر بأنك لا تعرف!

أنت... أين كنت وقتها؟!"

في قلب الساحة، بدا فريق "تاتسوما، إينوا، وشينكو" متماسكًا كليًا.

تحركاتهم كانت منسقة، هجماتهم متبادلة بإتقان، والنواة البلورية بين أيديهم تشعّ بثبات هادئ… لكن فجأة، شيء ما تغيّر.

النواة اهتزّت.

ضوء أحمر باهت بدأ يلوح من داخلها…

إشارات توتر متصاعدة بلا سبب.

– "مستحيل…" همست إينوا، وهي تنظر إلى النواة التي بدأت تتشقق بلطف، وكأنها تتنفس.

– "ما الذي يحدث؟ نحن بخير! نحن نعمل كفريق!" صرخ شينكو، وقد بدأ العرق يتصبب من جبينه.

المشرف على الاختبار، الأستاذ لامين، ينظر إلى الشاشة أمامه مذهولًا.

الأرقام غير منطقية.

نسبة التوتر في الفريق تجاوزت 92%، وهذا لم يحدث منذ سنوات.

– "لا يوجد تفسير تقني…" تمتم، وهو يحاول ضبط الشاشة، لكن البرمجيات الداخلية للنواة لا تستجيب.

، ريوسكي كان يراقب المشهد بهدوء خبيث.

شفتيه انفرجتا بابتسامة صغيرة… ابتسامة متعجرفة، واثقة.

في أعماق النواة المخبأة داخل نواة ذلك الفريق، بدأت الذبابة اولى تطلق موجاتها الكهرومغناطيسية الدقيقة، تعمل على زرع إشارات وهمية داخل النظام العصبي للنواة.

تخدع الحساسات.

تخلق وهمًا بأن الفريق على وشك الانفجار عاطفيًا.

وفي اللحظة التالية… بدأت الأمور تنهار حقًا.

– "إنذار أمني!"

– "النواة رقم 7 تُظهر خللًا في البروتوكول!"

– "فرق الطوارئ استعدوا!"

لكن هذا لم يكن كل شيء.

في نقطةٍ أخرى من الساحة، نواة فريق آخر توقفت فجأة عن العمل، تجمدت الأضواء، وتحوّلت إلى جماد صامت.

وفي مقعد المراقبة الأعلى، وقف "سيلفا" فجأة وهو يصرخ:

– "هذا عبث! شخص ما… يعبث بالنوى!"

لكن قبل أن يكمل كلمته، اهتزت الشاشة أمامه، ومضت منها شرارة صغيرة، ثم...

سقط سيلفا فاقدًا للوعي، جسده يرتجف كما لو صُدم بتردد مانا مضاد.

الحراس خلفه، واحدًا تلو الآخر، تساقطوا بصمت

في لحظة خاطفة، بعد أن ألقى كايغو سؤاله، ابتعد بهدوء كعادته، بينما بقي "كي" واقفًا، نظراته مشتعلة بالشك والغضب.

أما كيوجو، الذي كان يراقب عن بعد منذ دقائق، فقد بدأ يتحرك ببطء نحو أحد المسارات الجانبية، متجهًا إلى موقع مراقبة جانبي ليراقب ساحة الاختبار… لكن شيئًا ما لم يكن طبيعيًا.

ذبابة صغيرة، بالكاد ترى بالعين المجردة، حلّقت بخفة نحو عنقه.

لم يشعر بها.

لم يشك في شيء.

لكن فجأة…

– "همم…؟"

إبرة مجهرية غرزت نفسها بدقة في النقطة العصبية خلف أذنه.

شعور خفيف يشبه لدغة بعوضة... لكن التأثير كان أبعد من المتوقع.

عقله ارتجّ.

قدمه لم تعد تستجيب.

ماناه… لا يتحرك.

كيوجو شعر بأنه معلّق في الفراغ.

– "ما… هذا؟!"

لكن لم يكن هناك وقت للرد.

فوق جسده مباشرة، فتحت الذبابة الصغيرة بوابة خافتة من الضوء الأرجواني، غامضة، بلا صوت.

جاذبية خفية سحبته لأعلى فجأة.

في أقل من ثانية، اختفى جسده.

لم تترك البوابة خلفها سوى ومضة باهتة من الهواء المضغوط… ثم لا شيء.

---

في الظلال البعيدة، ريوسكي يهمس لنفسه:

– "القطعة الثالثة خرجت من اللوحة.".

الخراب ينتشر.

صرخات من فرق متفرقة، بلورات تومض بأضواء حمراء، وتوتر داخلي وصل حد الانفجار.

المشرفون ملقون أرضًا بلا وعي.

الحراس الآليون معطّلون.

الآليات الهجومية ترتجف قبل أن تتوقف عن العمل تمامًا.

الفوضى تبتلع كل شيء.

لا أحد يعرف من المسؤول.

حتى الخصوم يصرخون:

– "من فعل هذا؟!"

– "كيوجو اختفى!"

– "نحن نموت هنا!"

أما فريق ريوسكي، فقد دخل في تمثيل عالِ الجودة.

كايسن يحاول ان يهدا جميع .

وريــوسكي، بابتسامة داخليّة، يسقط على ركبتيه كمن فقد السيطرة.

– "لااااا!! ماذا يحدث؟! نحن سنموت!!"

لكن...

شيء ما تغير في الجو.

الهواء تجمد.

السماء تحولت إلى لون رمادي ثقيل.

صوت واحد... خطوات ثقيلة، منتظمة، بطيئة... ثم توقفت.

بوابة مظلمة من الضوء والرماد انفتحت في مركز الساحة، ليس بفوضى بل بهيبة مطلقة.

ومنها… خرج "هو".

لا يركض. لا ينظر لأحد. فقط يمشي.

سرواله الأسود الطويل، مع معطف يتطاير مع الرياح.

عيناه كأنهما مرآتان من الجليد الداكن.

يداه خلف ظهره، وكأن العالم أمامه مجرد مسرح.

كل خطوة يهتز لها قلب المكان.

فرق أخرى تجمدت.

طلاب أقوياء سقطوا جثيًا دون أمر.

أجهزة الرصد تحاول تحليل طاقته، لكن الأنظمة تنهار دون تفسير.

الكاميرات تحترق.

ثم، بصوت خافت وثقيل، قال:

– "جميل. وصلنا للحظة الحقيقية، أخيرًا."

---

كايغو كان لا يزال واقفًا جوار كي، لكنه لم ينظر إلى ميدشوشوجي.

كان يحدق فقط في كي.

تعبير لامبالاة شق وجهه.

– "أخيرًا… أرني… من تكون حقًا."

---

كي لم يتكلم.

لكنه شعر بها.

لهيب داخله استيقظ.

شيء كان نائمًا منذ زمن بعيد، شيء ليس مانا، بل أكثر عمقًا.

عيناه لمعتا بوميض ازرق كأن الماضي قد ارتطم بالحاضر.

همس في نفسه بصوت لم يسمعه إلا هو:

–" اقتله "

2025/05/10 · 8 مشاهدة · 1728 كلمة
Mouad Kei
نادي الروايات - 2025