الاختبار كان في ذروته. كانت الغرف تحت الأرض مليئة بالضغط، وكل فريق يعمل بأقصى طاقته للحفاظ على تماسكه وتحقيق النصر. فريق ريوسكي، بقيادة ريوسكي نفسه، كان يحقق تقدماً في الخفاء، يوجه كل شيء بمهارة وحذر. لكن فجأة، وفي وسط هذا الفوضى، حدث ما لم يكن أحد يتوقعه.

ميدشوشوجي، ذلك الشخص الذي كان كي يتمنى أن يراه في يوم ما، ظهر أمامه فجأة. رغم أن كي لم يكن مستعداً لهذا اللقاء، ومع ذلك، لم يكن يدرك تماماً ما الذي كان يحدث داخله. قلبه كان ينبض بسرعة، عقله يعجز عن تحديد ما يشعر به، هل هو الخوف؟ الغضب؟ أم شيء آخر أكبر من ذلك؟

ميدشوشوجي، بابتسامته المعتادة، كانت تبدو كما لو كانت الساعة التي تؤرخ لمرور لحظة فاصلة في حياة كي. لكنه، بدلاً من أن يشعر بشعور الانتصار أو التحدي، شعر بشيء آخر: تلك الرغبة في قتل ميدشوشوجي بوحشية. شعور غريب جداً، كأن هذه الرغبة لا تنتمي إليه، كأنها قادمة من مكانٍ عميق داخل روحه، مكان لم يكن يعلم بوجوده.

وفي تلك اللحظة، داخل كي. كان يشعر بألم داخلي غريب، كتلك الشرارة التي تندلع فجأة، ورغبة في الانتقام من الشخص الذي أفسد حياته. لكن كي، في تلك اللحظة، لم يعرف بالضبط ماذا يفعل أمام ميدشوشوجي. كان هناك شيء بداخله يتضخم، شيء مظلم يعيد فتح الجروح القديمة، لكن كي لم يعرف مصدره.

كايغو، الذي كان يتابع الموقف بعيون يقظة، لم يظهر أي اهتمام بميدشوشوجي. كل اهتمامه كان موجهًا نحو كي. هو يعلم أن اللحظة الحاسمة قد حانت، وأن كي قد دخل في صراع داخلي لن يكون من السهل تجاوزه.

وفي نفس اللحظة، اختفى كيوجو. سحبه المصير المظلم إلى مكان آخر، حيث لم يعد له وجود في هذه المعركة. الحراس والمشرفين سقطوا جميعًا فاقدي الوعي، بلا حراك، كما لو كانوا في حالة من الصدمة التامة. كان المشهد غير قابل للتصديق.

كي كان يقف أمام ميدشوشوجي، ملامح وجهه مشدودة، عينيه تتنقلان بينه وبين الوجوه المحيطة. الهواء كان خانقًا، وكل شيء حوله كان يغلي. لكنه لم يكن قادرًا على التركيز تمامًا على ما كان يحدث في الخارج. كان شيء آخر يشغل ذهنه، شيء كان يزعج قلبه ويجعل أفكاره تتشابك مع بعضها البعض.

في داخل رأسه، كان هناك صوتٌ يتحدث معه، عندما يتكلم كي مع نفسه يجد صوته تغير ...لكن هذا الصوت كان غريبًا، بعيدًا عن نفسه كما لو كان يأتي من مكان آخر، من داخل عمق روحه:

"إنه هو، أليس كذلك؟ الشخص الذي سلب منك كل شيء... جعل كل شيء ملكًا له، وأنت... أنت كنت مجرد ظل. كيف يمكن لك أن تبقى هادئًا في وجه من فعل بك هذا؟ هو من دمر كل شيء، وهو الآن أمامك. أليس هذا الوقت المثالي؟"

كي شعر بشيء ثقيل يضغط على صدره. كان هذا الصوت يتسلل في ذهنه وكأن كل كلمة تقال له تحرق قلبه. ماذا يريد هذا الصوت منه؟ لم يكن هو من يتحدث، ولكن... كان يتحدث وكأن هذه الكلمات هي جزء من شعوره.

وفي نفس اللحظة، كان كي نفسه يجيب، كما لو كان يتحاور مع الصوت الغريب:

"أعرف من هو. أعرف تمامًا. هو السبب في كل هذا. هو السبب في أنني أصبحت هكذا. هو من سلب مني كل شيء كنت أظن أنه لي."

أصابته تلك الكلمات بألم شديد في قلبه، وتردد في داخله. لكنه كان يواصل الحديث إلى نفسه، يحاول أن يقاوم هذا الشعور الذي بدأ ينهش فيه، حتى وإن لم يكن متأكدًا من كونه يشعر بذلك بنفسه أم أن شيئًا آخر يحركه:

"ولكن... هل هذا هو كل ما أريده؟ هل أحتاج أن أقتله لأشعر أنني استعدت كل شيء؟ هل أنا فقط أريد أن أتخلص منه؟ أم أنني... أحتاج إلى شيء آخر؟"

بينما كانت هذه الأفكار تتصارع داخله، كان الصوت الآخر، الذي بدا وكأنه يتسلل من عمق كي، يستمر في تحفيزه:

"هل تتردد؟ ترددك هو ضعفك. هو السبب في كل معاناتك. كل لحظة مررت بها من دون أن تحصل على انتقامك، كانت لحظة من العذاب. إقتله الآن. فقط اقتله."

شيء غريب، شعور مظلم، كان يسيطر على كي أكثر فأكثر. قلبه ينبض بشدة. لا يعرف إن كان ما يشعر به هو شعوره الخاص أم شعور آخر يتحكم فيه. هل هذا صوت عقله؟ أم أن هناك شيئًا آخر؟

وفي هذا الوقت، كان كايغو يراقب كي عن كثب. عيونه كانت باردة، لكن هناك لمحة من الاهتمام الظاهر في نظرته. كان يتساءل في نفسه:

"ماذا يحدث له؟ هل هو حقًا يتأثر بميدشوشوجي إلى هذا الحد؟ أم أن هناك شيء أعمق يعمل في كي؟"

كان كايغو يراقب تحركات كي بكل دقة، لا يمكنه أن يتركه يفلت من بين يديه. شيء ما كان يحدث داخل كي، شيء غير مرئي لكنه قوي بما يكفي ليغير مجرى الأحداث.

كان المكان يغرق في صمت مطبق. الأجواء المشحونة بالتوتر جعلت الجميع يراقبون بعناية، تائهين بين الخوف والفضول. المشرفون كانوا في مكانهم، عيونهم تراقب كل تحرك، في حين أن العرش المخصص لكيوجو كان محاطًا بهالة من الغموض، لم يكن أحد يعلم ماذا سيحدث بعد.

ميدشوشوجي كان هناك، يراقب الفرق بأعينه الثاقبة، كأنما هو الطائر الجارح الذي يترصد فريسته. كان يبدو هادئًا للغاية، ولكن بعيونه الحادة كانت تراقب كل حركة، كل همسة. أخيرًا، وفي هدوء تام، قال بصوت منخفض، ولكنه سمع بوضوح في المكان: "عمل جيد."

ثم، فجأة، ظهر شخص ضخم ذو شعر طويل ومشوك، يبدون وكأنهم ينتمون إلى مكان آخر، وجهه بارد كالصخر. خلفه، كان هناك شخص آخر ذو بنية متوسطة ويحمل سيفًا طويلًا بشكل مهيب، وكأن السيف هو امتداد لحياته.

كيزوكي لم يستطيع أن يتحمل الصمت أكثر، فانفجر بكلمات ساخرة وهو يوجهها إلى الرجال الجدد: "هل أنتم جئتم فقط للظهور؟ أم أنكم هنا من أجل شيء آخر؟" كانت كلماته ساخرة، يملؤها الاستهزاء، وكأن هذه الظهور المفاجئ لا يثير فيه أي اهتمام.

أما كايسن، فقد كانت عيناه تراقبان الموقف عن كثب، ولكن دون أن يظهر أي رد فعل حقيقي، مشيرًا إلى أنه مستعد لأي تطور مفاجئ.

ريوسكي كان يتصرف بشكل مدروس، ممثلاً ومتظاهرًا باللامبالاة. كان يريد أن يلفت الأنظار بعيدًا عن نفسه، وكأن كل شيء حوله كان تحت سيطرته. كانت الأضواء كلها تتجه نحو ميدشوشوجي، وكان هو الوحيد الذي ظل يراقب الفريق دون أن يرمش بعينيه.

ومع مرور الوقت، بدأ ميدشوشوجي يوجه نظره نحو مدرجات، مكان تجمع الحضور، حيث لامست عيونه فجأة عيون كي. كان هناك شيء غريب في ذلك اللقاء، نظراته كانت مليئة بالكثير من الأسئلة والدهشة. ميدشوشوجي شهق بخفة، وانصدم لوهلة. لم يكن يصدق ما كان يراه. "كيف؟" همس لنفسه، وذهبت ذكرياته إلى الوراء، حين ظن أن كي قد مات. لكن ها هو يقف أمامه، يتحدى الماضي.

قفز كي فجأة، وكأن جسده يرفض الاستمرار في التزام الهدوء. فتح يده، وفي لحظة خاطفة، انفجر شعاع ناري طفيف من يده، وأطلقه بسرعة البرق تجاه ميدشوشوجي.

ومع الانفجار الناري الذي اجتاح المكان، قذفت قوة الهجوم ميدشوشوجي بعيدًا، محطمة جدار الهدوء الذي كان يحيط بالمكان. كانت المفاجأة أكبر من أي شيء تخيله الجميع، خصوصًا ميدشوشوجي نفسه الذي حاول بجهد أن يستعيد توازنه. كان من الواضح أنه لم يكن مستعدًا لهذا الهجوم المفاجئ، وكان في حالة حيرة.

لكن قبل أن يستفيق ميدشوشوجي من دهشته، ظهر رجل ضخم آخر في الساحة، يحمل خنجرًا ضخمًا يتجه بسرعة نحو كي. كانت عيون كي باردة مرعبة، وعندما نظر إلى الرجل، شعر الأخير بشيء غير مألوف، توقفت يد الخنجر عن الحركة.

الرجل نظر إليه في رعب وقال بصوت متقطع، "كي؟"

كان الجو مشحونًا بالتوتر، لا أحد يستطيع أن يصدق ما حدث للتو. هجوم مفاجئ هز ساحة المعركة بأكملها، وكأن الأرض ارتجت تحت أقدامهم. كانت الأنظار مركزة على كي، الذي وقف وسط الحطام وكأنه صخرة لا تهاب العواصف.

الرجل الضخم الذي كان يخطو بخطى ثابتة نحو كي، فجأة توقف عن حركته. كانت عيونه تراقب كي في صمت، ثم حدث شيء غير متوقع. كي أمسكه من عنقه بقوة لا تصدق، ورفع جسده الضخم في الهواء وكأنه لا يزن شيئًا، ثم ألقاه بعيدًا، إلى أقصى طرف الساحة، ليهبط الرجل الضخم بعنف على الأرض.

بينما كانت أعين الجميع تتجه نحو الرجل الذي سقط، انطلقت سياف ذو البنية المتوسطة إلى الأمام، محاولًا استعادة توازنه، إلا أن كي كان أسرع. بكمة واحدة، ألقى كي بلكمة قاسية على بطنه، مما أدى إلى قذفه بعيدًا عن المكان، قبل أن يسقط على الأرض بضجة عالية. كأنما كل شيء حوله انهار دفعة واحدة.

ميدشوشوجي نهض من بين الحطام المتناثر، وجهه مغطى بالتراب والغبار، لكن عيناه لم تفقدا بريقهما. نظر إلى الشخص الذي ضربه، وكان تركيزه يتسارع. كان ذلك الرجل الذي أمامه يشبه شيئًا قديمًا من الماضي. كانت شعره رماديًا، وعيناه زرقاء، وملامح وجهه حادة جدًا كما لو كان قد نحت من صخر. فكرة مشبوهة بدأت تتسلل إلى عقله، شكوك لم يستطع التخلص منها، ولكن كان يحاول إبعادها عنه.

"هل هو...؟" فكر في نفسه. لكن قبل أن يستطيع إنهاء الفكرة، كان كي قد قطع المسافة بينهما فجأة، وظهر أمامه في لحظة خاطفة، غير مبالي بالمسافة أو الزمن.

ميدشوشوجي جمد في مكانه، عيناه تحدقان في كي الذي كان يقف أمامه دون أن يرف له جفن. ميدشوشوجي نظر إليه بنظرات مشبعة بالدهشة وعدم التصديق، كما لو كان يرى شبحًا قد عاد إلى الحياة. كان عاجزًا عن إيجاد الكلمات في تلك اللحظة، فلم يكن مستعدًا لمواجهة هذا الشخص الذي كان يظنه ميتًا.

أما كي، فكان يقف أمامه ببرود قاتل، نظرته خالية من المشاعر، غير عابئ بما يحدث حوله. همس بصوت هادئ، ولكن كلماته كانت مليئة بالقوة والتهديد.

"كنت تظنني ميتا ... لكن يبدو أنك كنت مخطئًا."

في تلك اللحظة، حاول ميدشوشوجي التظاهر بالهدوء، رغم الاضطراب الذي اجتاح صدره عند رؤية كي أمامه، فقال بصوت منخفض ساخر، وهو يمسح الدم عن زاوية فمه:

"ظننتك من نوع الأشباح الذي لا يخرج إلا في الليل... لم أتوقع رؤيتك في وضح النهار."

لكن كي لم يرد، بل تقدم خطوة واحدة فقط، ثم أطلق لكمة مفاجئة وسريعة كالصاعقة، أصابت ميدشوشوجي في صدره مباشرة، لتقذفه خارج حدود ساحة الأكاديمية، محطمًا جزءًا من الحائط الخارجي، وسط صدمة الجميع.

كايسن اندفع نحو كي صارخًا:

"توقف! هذا جنون!"

لكن كي التفت إليه ببطء، وعيناه تضطرمان بجمرة غريبة من الغضب والبرود في آن واحد، وقال بصوت منخفض يخفي تحته عاصفة:

"إذا كنت لا تفهم ما يحدث، فلا تتدخل."

في تلك اللحظة، ظهر الرجل الضخم والسياف من بين الغبار والركام، وابتسامة ساخرة على وجهيهما.

الرجل الضخم قال بهدوء مريب:

"أوه، كايسن... لم نتوقع رؤيتك أنت بالذات هنا."

كايسن التفت إليهما بعنف، الغضب يعصف بصوته:

"من أنتما بحق الجحيم؟! كيف تعرفان اسمي؟!"

السياف ابتسم قائلاً:

"هل نسيتنا؟... كنّا زملاء اختبار، إن صح التعبير."

وقبل أن ينطق أحد، هبط كل من زايكو، تايغا، كايغو، وبقية طلاب الأكاديمية بجانب كايسن، استعدادًا للمواجهة.

زايكو وقف أمام الرجل الضخم وقال:

"هذه المرة لسنا وحدنا."

الرجل الضخم ابتسم ببرود وقال:

"أنتم أكثر عددًا... لكننا جئنا مستعدين."

وفجأة، ظهرت خلفه بوابات سوداء انبثقت من الأرض، خرجت منها وحوش نووية وجليدية مرعبة، متشابهة تمامًا مع تلك التي ظهرت في الاختبار الثالث.

تايغا شهق بدهشة:

"تلك... تلك نفس الوحوش التي قاتلناها سابقًا في اختبار ثالث !"

زايكو صرخ:

"مستحيل! كيف أعادوها؟!"

كايسن حدق في إحداها بجمود وقال:

"لا... تلك وحوش جليدية متطورة..."

كيزوكي قال من بعيد وهو يتراجع خطوة للخلف:

"من الذي جلب هذه الكائنات إلى هنا؟! هذه ليست مجرد معركة عادية بعد الآن!"

الساحة تحوّلت فجأة إلى ميدان حرب.

الغموض يزداد... والنية الحقيقية خلف ظهورهم بدأت تتضح.

لكن ما لم يعرفه أحد حتى الآن...

هو أن ما يحدث ليس سوى البداية.

خـرج كي من فتحة الحائط المدمّر بخطوات ثابتة، كل حركة منه تنبض بغضب مكتوم. ملامحه حادة، باردة، تكاد تنطق بالاحتقار. الغبار لا يزال يتصاعد من حوله.

وقف ميدشوشوجي أمامه، شعره يتطاير قليلاً مع الرياح، نظراته مركّزة على الشاب القادم نحوه. صوته خرج منخفضًا متوترًا، كأنّه يحاول التأكد من شيء يخشاه:

"من أنت؟..."

توقّف كي على بُعد خطوات منه، ثم مال برأسه قليلاً بابتسامة باهتة، وضحكة خافتة ساخرة خرجت من بين شفتيه:

"حقًا؟... نسيتني؟... كم هذا مؤلم."

بدأت نيران خفيفة تتراقص حول جسده، كأنها تتغذى على انفعاله... لهبٌ بلا صوت، لكنه يُهدد بالانفجار.

اتّسعت عينا ميدشوشوجي ببطء، وشهق بدهشة لم يستطع إخفاءها، ذكريات قديمة بدأت تتزاحم في عقله، تلامح وجه مألوف وسط النار، وسط الألم، وسط الخسارات القديمة...

كي تقدم خطوة أخرى، ثم قال بصوتٍ خافت يحمل في نبرته سخرية مؤلمة:

"أوه... يبدو أنك تذكرتني أخيرًا."

الصمت الذي تبع كلماته كان أثقل من أي صرخة.

الهواء نفسه بدا وكأنه يحبس أنفاسه.

2025/05/12 · 5 مشاهدة · 1911 كلمة
Mouad Kei
نادي الروايات - 2025