الاسم ايكا
عمر 16
الاسم يوكي
عمر 16
_____________________________
نظر كايغو إلى كي ببرود، لم تهتز ملامحه، ولم يتبدل صمته. كان يراقب، لا يرد.
أما كي، فبقي ثابت النظرات، لا تراجع في صوته، ولا ارتباك في نبرته.
قال كايغو بهدوء متقشّف:
"ماذا تقصد؟"
أجابه كي دون أن يغيّر نبرته:
"لا تكذب. أنا أكره الكذب."
مرّت لحظة صمت قصيرة، قال بعدها كايغو بنبرة أكثر هدوءًا، وقد خلت من التمثيل:
"أنا كذلك. أكره الكذب."
ثم تغيرت نظرته. لم تكن غاضبة، بل حادة كحد السكين، لكنها باردة، لا تطلب شيئًا ولا تعتذر.
أضاف بصوت ثابت:
"أكرهه كثيرًا، إلى درجة لا يمكنك تصوّرها."
ابتسم كي ابتسامة باهتة، وقال بثقة:
"حسنًا، إن كان الأمر كذلك... فلماذا تكذب؟"
توقف كايغو. لم يرد فورًا. ظهرت على ملامحه علامات تفكير عميق، ثم قال أخيرًا، دون تردد، لكن بصوت خافت وموزون:
"الكذب لا يُسبب الألم لأنه يخالف الحقيقة، بل لأنه يحرم من يستمع إليه من حقه في أن يقرر بناءً على الواقع. إنه يُخضع الآخرين لإرادة لا يملكون أن يراها. وهو ليس خطأ في الكلام، بل فعل يؤذي الآخرين مباشرة، يشوّه قراراتهم، ويقودهم إلى الألم دون أن يعرفوا السبب."
نظر كي إلى كايغو بدهشة خفيفة، لم تكن بسبب الكلمات فحسب، بل بسبب إحساس غامض اجتاحه دون سابق إنذار. ثم، على غير المتوقع، ضحك. لم تكن ضحكة ساخرة، بل ضحكة نابعة من ارتباك داخلي لم يفهمه هو نفسه.
رفع كايغو حاجبه، وقال بهدوء:
"ما سبب ضحكتك؟"
أجابه كي، وقد خفتت ضحكته تدريجيًا:
"بعض الإعجاب، لا أكثر. لم أتوقع أن يصدر منك هذا الكلام حقًا."
ثم توقف لثانية، كأنّ شيئًا في داخله يبحث عن تفسير لما شعر به، وأضاف:
"أشعر وكأنني أعرف هذا القول... أو ربما... سمعته من قبل. لا أدري... لكن وقع الكلمات لم يكن غريبًا عليّ."
في تلك اللحظة، لم يقل كايغو شيئًا. لم يُعلّق، لم يبتسم، لم يُظهر أدنى أثر للارتباك. فقط استدار، وأكمل طريقه بخطى هادئة، وكأن كل ما قيل لا يعنيه، أو كأنه أدّى دورًا كان عليه أن يُؤدّيه ثم انصرف.
كي بقي واقفًا للحظة، يتأمل الفراغ الذي خلفه كايغو، قبل أن يعود أدراجه نحو الغرفة، حيث ينتظره البقية.
لكنه، ورغم مظهره الهادئ، لم ينسَ وقع الكلمات. بل بقي يتردد داخله، كصوت يعرفه لكنه لا يعرف مصدره.
فتح كي باب الغرفة بهدوء، ودخل. لم يتحدّث، ولم يُبدِ أيّ ردة فعل، لكن عينيه رصَدَت كلّ ما يجري بدقّة. الجوّ داخل الغرفة كان مختلفًا عمّا تركه قبل دقائق. كان دافئًا، حيويًا، مفعمًا بالأحاديث المتشابكة والضحكات المتبادلة.
كايسن، هانزو، ورايجو كانوا في مركز ذلك النشاط، يتحدثون بحماس مع فتاتين جديدتين، بدت ملامحهما مألوفة، وخمن كي انهما ربما فتاتان ايكا ويوكي التي تحدثت عنهم هيرومي على الطرف الآخر، كان كيزوكي مندمجًا في الحوار، وإن بنبرة واضحة من التعجرف والغرور، كأنّه لا يناقشهم بل يستعرض نفسه. ومع ذلك، لم يُقابَل بالرفض. بل بدا أن الفريق قبله بحدوده التي وضعها بنفسه.
أمّا أمير الظلال، فقد ظلّ محتفظًا ببروده المعتاد، لكنّه لم يكن معزولًا. كان يُجيب باختصار عندما يُسأل، ويُعلّق بعبارات مقتضبة. لم يكن يسعى للاندماج، لكنه لم يرفضه.
وحين دلف كي إلى الغرفة، لاحظت الفتاتان حضوره. التفتت إليه يوكي وقالت، بنبرة خفيفة:
"أوه، عضو جديد؟"
لكن كايسن أجاب سريعًا بلطف وابتسامة صادقة:
"لا، هذا أخي الصغير كي."
عندها، اتّسعت ملامح إيكا ببعض الحماس وقالت:
"إذًا هو كي؟! كي الذي تحدّثَت عنه هيرومي منذ قليل؟"
توقف كي للحظة، وحدّق بهدوء، ثم قال في داخله، دون أن يُظهر دهشة واضحة:
(تحدّثَت عني؟ هل تقصدني فعلًا؟)
لم يرد، ولم يُعلّق. فقط نظر إليهما بنظرة حيادية .
تقدّمت "إيكا" بخطى واثقة، وابتسامة ترحيب لا تحمل خلفها إلا النيّة الحسنة. قالت بنبرة هادئة:
"مرحبًا بك، أخبرنا كايسن بـ—"
لكنها لم تُكمل.
صوت "كي" قاطعها بحدّة لا تقبل الالتباس، قال ببرود قاطع:
"اخرسي."
تجمّدت خطوات إيكا. ارتسمت الصدمة على وجه "يوكي" التي لم تتوقّع ردة الفعل تلك. أمّا "كي" فتابع بصوت خالٍ من الليونة، حادّ كأنّه يصدر حكمًا:
"لماذا كنتم تتحدّثون عني؟ إن كان هناك ما يزعجكم مني، فاقتربوا وقولوه في وجهي مباشرة."
كان الغضب في صوته، لا لأنه غاضب بالفعل، بل لأنه معتاد على توقّع الأسوأ. يكره أن يُذكر في غيابه، ليس لأنّه يهتم بما يُقال، بل لأنه فقد ثقته في أيّ نوايا.
كايسن، وقد أدرك أنّ شقيقه انزعج، حاول التدخّل سريعًا لتفسير ما حدث:
"أخي، لا تُسئ الفهم، أنا فقط—"
لكن "كي" قاطعه بجفاف أشدّ:
"اخرس. من أعطاك الحقّ لتتحدّث عني؟ أظنّك بدأت تخبرهم أنّني مزعج... ممل... وربما شاركتهم أشياء فظيعة عني أيضاً، أليس كذلك؟"
سكت كايسن. لم يكن يعرف كيف يُقنعه بشيء بسيط، دون أن يبدو وكأنّه يُبرّر جريمة لم تُرتكب. لكن إيكا تقدّمت خطوة، وقد تخلّت عن لطفها الطفولي، وتكلّمت بنبرة جدّية:
"في الحقيقة، أخوك لم يقل إلا أشياء جيدة. قال إن حياتك أهم من حياته... قال إنه قد يفعل أيّ شيء من أجلك."
صمتٌ ثقيل حلّ للحظة.
نظر "كي" إليهم جميعًا بنظرة خالية من الإيمان، حتى "إيكا" و"يوكي" ارتبكتا من تلك النظرة، شعرتا بشيء غير منطقي، كأنّهما ارتكبتا خطأ لم تعرفا سببه.
قال "كي" بنبرة باردة، لا تحمل استهزاءً بل قناعة صلبة:
"وكأنّني سأصدقكم... بشر كاذبون حقًا."
ثم أردف، دون أن يغيّر نبرته أو يشيح بوجهه:
"ولنفترض أنّك فعلاً تحدّثت عني بشكل جيد... من أعطاك الحقّ؟"
كان يعني ما قاله.
في داخله، لم يكن يرى في نفسه شيئًا يُمتدَح. كان يظنّ أن محاولة رسم صورة جيدة عنه ليست إلا نوعًا آخر من الكذب، أشدّ فظاعة من ذمّه. لأنه لا يُخفي قبحه، ولا يدّعي غير ما هو عليه.
قال "كي" وهو ينظر إلى من في الغرفة بنظرة ساخرة، تخفي تحتها سخرية مريرة:
"إذاً... يبدو أنكم بدأتم تتأقلمون فعلاً... حسنًا، آسف لأنني عكّرت صفوكم."
نطقها بابتسامة مائلة، ثم استدار وخرج دون أن ينتظر ردًّا.
ساد صمت ثقيل. نظرات الجميع تلاحقت نحو "كايسن"، وكأنّهم يطلبون منه تفسيرًا لحالة لم يفهموها.
قالت "إيكا" مترددة:
"كايسن... لماذا أخوك هكذا؟ أقصد... لقد أخبرتنا أنه لطيف، شخص إيجابي، يتقبّل الجميع."
انضمّ "رايجو" إلى السؤال، وكذلك "هانزو"، إذ لم يجدوا تفسيرًا واضحًا لهذا التناقض.
نظر كايسن إلى الأرض لوهلة، كأنه يُعيد ترتيب مشاعره قبل أن يجيب. ثم رفع رأسه وقال بصوت حاول فيه إخفاء الحزن، دون أن ينجح تمامًا:
"لم أكذب عليكم. كلّ ما قلته كان حقيقيًّا."
"كيزوكي"، الذي لم يتخلّ عن نبرته المشكّكة، قال بنصف ابتسامة ساخرة:
"إذاً، ما الذي حدث لتلك الصفات التي تحدّثت عنها؟"
تنفّس كايسن ببطء، ثم قال جملة اختلط فيها الألم بالصدق، جملة لم تكن دفاعًا بقدر ما كانت اعترافًا:
"أنا لم أكن أتحدث عن أخي كي الذي ترونه الآن... كنت أتحدث عن كي الصغير، الذي... لم يَعُد موجودًا. ذلك الشخص هو من بقى منه "
تفاجأت إيكا من جملة كايسن، وساد الصمت للحظة قصيرة لكنها ثقيلة. حتى هيرومي ويوكي شعرتا بشيء ما غير مألوف في كلامه. لم يكن حديثه عادياً، بل بدا كأنه وداع ضمني، أو اعتراف بفقدان لا يُقال بصوتٍ عالٍ. رايجو، بطبيعته، لم يفهم المعنى كاملاً، فأخذ يرمق الجميع بنظرات فضول، دون أن ينبس بكلمة.
كان كايسن لا يزال واقفًا في مكانه، نظره متجمّد في نقطة لا يراها سواهم، وكأنّه يرى أخاه في صورة لم يعد يراها غيره. حينها، وضع هانزو يده على كتفه، بحركة هادئة لا تُشبه عفويته المعتادة، وقال بنبرة لطيفة حملت في طيّاتها أكثر مما أظهرت:
"لا تقلق... أخوك سيعود يوماً ما. الأشخاص الحقيقيون لا يضيعون للأبد، إنّهم فقط... يختبئون داخل الألم إلى أن يجدوا من يُنقذهم."
أومأ كايسن لهانزو شاكرًا، بصوتٍ خافت ونظرة ممتنّة، ثم جلس بجانب رايجو دون أن ينطق بشيء. أما كي، فقد واصل طريقه في ممرات الأكاديمية بهدوء ظاهر، بينما في داخله كانت الأفكار تتزاحم.
عند اقترابه من الساحة، توقف للحظة، كأنما اصطدم بذكرى عالقة. تراجع خطوة إلى الوراء وهمس لنفسه:
"نيفلار... نعم، وعدته أن أنقذ ابنته..."
خفض رأسه قليلًا، متأملاً الأرض، ثم تابع بنفس الهمس:
"كيف سأتجاوز بوابات الأكاديمية؟"
سكت برهة، يراجع الاحتمالات بصمت بارد، ثم ارتفعت إحدى زوايا فمه بابتسامة خفيفة تنمّ عن خبث واعٍ، وقال:
"أمل فقط أنني لم أفقدها... تلك القدرة."
في تلك اللحظة، لمحت عين كي رجلًا يمشي أمامه بخطى هادئة وثابتة، كان مشرف الأكاديمية، سيلفا. لم يُعر كي الرجل أدنى اهتمام، مكملًا طريقه بلا مبالاة.
لكن سيلفا لم يتركه يمرّ دون أن يلفت انتباهه بصوت هادئ لكنه يحمل في نبرته ما يوحي بالأمر الجاد:
«إذا أنت هنا... ظننتُك ما زلت في عرفتك.»
تجاهل كي الكلام، لم يُبدِ أي رد فعل، كأن الرجل غير موجود.
عاد سيلفا وقال بصوت أكثر جدية:
«عليك أن تعود إلى غرفتك. هناك أمر مهم.»
توقف كي، دار برأسه نحو الرجل، وسأل ببرود:
«وما هو هذا الأمر المهم؟»
اأجاب سيلفا مختصرًا:
«اتبعني فقط.»
فكّر كي للحظة، ثم تمتم بصوت خافت، لا يحمل جدية ولا سخرية:
«حسنًا... لن أخسر شيئًا.»
بدأ في السير خلف سيلفا، متماشيًا معه بهدوء لا يدل على ثقة ولا ريبة. لم يتحدثا. فقط خطوات متتابعة، تلامس أرض الممر الطويل داخل الأكاديمية.
حين دخلا إلى الغرفة، التفتت الأنظار للحظة خاطفة. كايسن رفع رأسه، وأدرك على الفور أن هناك أمرًا لا يبدو اعتياديًا. رايجو نظر نحو الباب باهتمام قصير، قبل أن يعود إلى حديثه مع هانزو. هيرومي تبادلت نظرة سريعة مع يوكي، بينما بقي أمير الظلال وكيزوكي على حالهما، كأن شيئًا لم يحدث.
لم يُعلّق أحد، لكن حضور كي مع سيلفا أثار في الجو شعورًا غير واضح... كأن هناك ما يتحرك في الخفاء.
قالت إيكا وقد اتسعت عيناها قليلًا:
«كي؟»
ثم نظرت إلى سيلفا بدهشة خفيفة وأضافت:
«أوه، المشرف هنا أيضًا؟»
هيرومي تمتمت بصوت منخفض وهي تراقب المشهد:
«ما الذي يفعله كي مع المشرف؟»
وقف سيلفا بثبات في منتصف الغرفة، ونظراته الجادة تجولت بين الموجودين. رفع صوته قليلًا وقال:
«سأخبركم الآن بقوانين الأكاديمية الأساسية، ركّزوا.»
ساد الصمت، وانتباهٌ شبه كامل. حتى كي، رغم بروده المعتاد، رفع رأسه وبدأ بالإصغاء.
قال سيلفا بصوته الحازم:
«نظام الدراسة هنا مقسّم على النحو التالي: 20٪ دراسة أكاديمية عادية، 30٪ لاكتساب المعرفة النظرية والعملية حول المانا، و50٪ لمهام خارجية تُكلّفون بها، بعضُها ميداني وبعضُها سري.»
انفرجت ملامح رايجو بحماس واضح، كأنه وجد ما يناسبه تمامًا، لكنه لم يلبث أن جُمد على تعبيره عندما قاطع كي المشهد ببرود صريح:
«هل يمكن لأحد الطلاب أن يطلب تنفيذ مهمة يختارها هو بنفسه؟»
الجميع التفتوا إلى كي، بعضهم بدهشة، وبعضهم بفضول، لكن سيلفا لم يتأخر في الرد، وأجاب بنبرة قاطعة:
«لا.»
ساد الصمت للحظة بعد إجابة سيلفا القاطعة، لكن وجوه أعضاء الفريق ما لبثت أن امتلأت بالحيرة. نظراتهم تجولت بين كي والمشرف، غير قادرين على فهم السبب خلف هذا السؤال المفاجئ.
همس رايجو لهيرومي:
«ما الذي يدور في ذهنه الآن؟»
بينما تمتمت إيكا لنفسها:
«كي… يبدو مختلفًا تمامًا عما تصوره كايسن...»
أما كي، فقد رفع حاجبيه قليلاً وقال بنبرة تمهّد لما هو قادم:
«حسنًا، حسنًا... يبدو أنك تصعّب الأمر علي.»
سيلفا نظر إليه بثبات وسأله:
«وماذا تعني بـ"تصعّب الأمر"؟»
رد كي بنصف ابتسامة ساخرة، ونبرة متعمدة فيها استهزاء:
«في الحقيقة... هناك صديق. مهلاً، هل قلت "صديق"؟ لا، لا... ليس كذلك. مجرد شخص يائس... مثير للشفقة... طلب مني خدمة ما.»
سيلفا لم يغير تعبيره، واكتفى بالرد بصوت هادئ:
«وما هذه الخدمة؟»
ضحك كي بخفة، ثم التفت ببطء نحو الباب وكأنه يفكر في المغادرة، وقال بنبرة متعمّدة الإغاظة:
«هاه؟ ولماذا أخبرك؟»
ثم تابع بخفّة ممزوجة بالبرود:
«لا أرى سببًا يجعلني أشرح لك شيئًا لا يعنيك، أليس كذلك؟»
سادت القاعة لحظة من التوتر الثقيل بعد أن خرج سيلفا بهدوء قاتل، دون أن يعلّق بكلمة. وجوه الجميع كانت مشدوهة، غير مصدّقة لما فعله كي، لكن أكثرهم اندهاشًا كانت إيكا.
قالت بصوت خافت متردد، تحمل في نبرتها محاولة إصلاح ما حدث:
«كي... حقيقةً، لا يجب أن تتحدث مع مشرف بهذه الطريقة...»
رفع كي حاجبًا ببرود وهو يحدّق فيها مباشرة، ثم قال:
«لماذا؟ لأنه مشرف؟»
تلعثمت إيكا قليلًا وقالت:
«ربما... أعني، هو أكبر منك في العمر، ومن المفترض احترامه...»
لكن كي قاطعها بانزعاج واضح، وقد علا صوته فجأة:
«اخرسي. لا تملي عليّ أفكارك الرخيصة وتربيتك الساذجة.»
صمتت إيكا فورًا، وانخفضت عيناها نحو الأرض.
هيرومي تقدّمت خطوة للأمام بعصبية وقالت بحدّة: «ما مشكلتك بالضبط؟ لماذا تهاجم كل من يحاول التحدث معك؟! إيكا لم تقل شيئًا خاطئًا، لكنك تعاملت معها كأنها عدو!»
كي التفت إليها ببطء، وحدّق في عينيها بنظرة باردة خالية من أي احترام، ثم قال بجفاف: «أولئك الذين يظنون أنهم يفهمون ما لا يعرفونه... هم أخطر من الأعداء يا هيرومي. لا أحد طلب رأيك، ولا أحد منحك الحق لتقيّمي تصرفاتي.»
ثم أكمل بنبرة منخفضة لكنها واضحة: «ابقَي في حدودك، أو ستندمين على تجاوزها.»
أجواء الغرفة خيّم عليها التوتر، حتى رايجو وهانزو صمتا. كايسن كان يراقب بصمت، وكأن شيئًا في قلبه يتشقق. هل تريد أن ترد هيرومي مجددًا، أم تصمت بقهر؟ بالطبع، إليك المشهد مكتملاً ومتسقًا مع السياق السابق:
ساد الصمت، وكادت الأجواء تنفجر بتوتر لا يُطاق، إلى أن تقدم هانزو بخطوات هادئة محاولًا كسر هذا التوتر، ومدّ يده قليلاً وقال بصوته اللطيف المعتاد: «كي... أرجوك، لسنا هنا لنحكم على بعض، كلّنا نحاول أن نتأقلم فقط، فلنعطِ أنفسنا فرصة لنفهم بعضنا البعض، لا داعي للصراخ أو الجراح.»
لكن كي لم يُعر كلماته أي اهتمام، نظر إليه بنظرة حادة وقال بجفاف قاطع: «اصمت... لا أحتاج إلى مواعظ من شخص لا يعرف شيئًا عني.»
سكت هانزو على مضض، لكن خيبة الأمل كانت واضحة في عينيه.
ثم استدار كي ببطء، واتجه نحو باب الغرفة. وعندما وصل، التفت بنظرة واحدة شملت الجميع، وقال بصوت بارد كالصقيع، تخلله القليل من السخرية: «في هذا العالم.... لا قيمة لأخلاقك، ولا معنى لاحترامك، ولا أحد يهتم إن كنت نقيًا أو دنيئًا ... لا أحد يهتم إن كنت جيدًا أم سيئًا .. الشيء الوحيد الذي يجعل لك قيمة هو: مدى قوتك، دهائك .. قدرتك على البقاء واقفًا حين يسقط الجميع."
ثم فتح الباب وغادر، تاركًا خلفه صمتًا مطبقًا ووجوهًا متجمدة، لا تدري هل ما قاله كان قسوة أم صدقًا مريرًا يصعب ابتلاعه.
سادت الغرفة لحظة صمتٍ ثقيلة بعد خروج "كي"، كانت أشبه بما بعد العاصفة.
ارتبك الجميع، وتباينت ردود الأفعال، حتى أولئك الذين اعتادوا البرود.
"يوكي" نظرت إلى "كايسن" وقد بدا عليها الحيرة والقلق:
«كايسن... لم أتوقّع أن يكون "كي" هكذا... هذا كلام لا يصدر من شخص عادي.»
لكن "أمير الظلال" ردّ بهدوء وعبوس:
«هذا الكلام نابع من حياته... من طريقة نجاته...كلامه ذاك قناعة رسخت في عقله ...لا شيء غامض هنا.»
"كيزوكي" لم يتمالك أعصابه، فتحدث بحدّة خفيفة وهو يطوي ذراعيه:
«يتحدث وكأنه الوحيد الذي يعرف الألم... وكأن تجربته أعمق من تجارب الجميع. إنه متعجرف فقط.»
في تلك اللحظة، تنفّس "كايسن" بعمق، ثم انحنى قليلًا برأسه وقال بصوت خافت:
«أنا آسف... حقًا آسف على ما حدث. أعتذر عنه.»
اقتربت منه "إيكا" وضعت يدها على كتفه وقالت بلطف:
«لا تعتذر يا كايسن... نحن نعلم أنك مختلف عنه.»
"رايجو" أضاف:
«هو أخوك، ونحن فريقك... لا تحمل عبء تصرفاته وحدك.»
أما "هيرومي" فأخفضت صوتها وقالت وهي تنظر إلى الباب الذي خرج منه كي:
«ربما يحتاج فقط وقتًا... أو أحدًا يصرّ على كسر هذا الجدار حوله.»
حتى "هانزو" ابتسم له وأومأ:
«نحن هنا معك... لا تقلق.»
في الخارج، كانت خطوات "كي" تمضي ببطء وسط ساحة الأكاديمية، لكنه لم يكن يسير بلا هدف.
كانت قدماه تمضيان ببطء فوق حجارة الساحة الواسعة، وخطواته تحمل برودًا يُشبه الجليد، لكن عقله كان يغلي بصمت.
قال في نفسه وهو يشيح بعينيه عن الممرات المزدحمة:
«هل أظهرت من كلامي أنني كنت أعاني؟... يا لي من أحمق... أكره هذا. أكره أن يظن أحدهم أنني أتألم.»
توقف فجأة. لم يكن هناك أحد قريب منه، فجلس على مقعد حجري قرب النافورة، وأسند ظهره، ثم أغمض عينيه للحظة.
«لا أحبّ أن يراني الناس ضعيفًا، ولا أحبّ أن يتحدثوا عني وكأنني ضحية... هذا النوع من الشفقة يُثير اشمئزازي.»
فتح عينيه ببطء، وهمس وكأنّه يحاول أن يقنع نفسه بشيء:
«عليّ إنقاذ ابنة "نيفيلار"... ليس بدافع نُبلٍ أو عاطفة فارغة، بل لأن خلف تلك الحادثة خيطًا يقود إلى شيء أكبر... تلك المنظمة.»
نظر إلى السماء الصافية، وتابع ببرود أشبه بالحذر:
«أحتاج أن أعرف الحقيقة... من تكون تلك الجماعة التي تحرّك الخيوط في الظل.»
لم يكن "كي" يخطو نحو فعل بطولي، بل نحو لعبة أعمق... لعبة كشف الأوراق، وكسر الأقنعة.