بقي "كي" جالسًا على المقعد الحجري في زاوية الساحة، يحدق في الأرض دون أن يراها. كانت أفكاره تدور ببطء، كأن الزمن نفسه ثقيل فوق صدره. مرّت نصف ساعة دون أن يتحرك، إلا من تلك النظرة الحادة التي تخترق الفراغ أمامه، وكل ما يدور في ذهنه يدور حول "نيفيلار".

هل أخطأت حين وعدته؟ لا... بل حين صمتّ بعد ذلك.

الوعد التزام، حتى وإن كان من شخص لا يُؤمن بشيء.

نهض "كي" بهدوء، غبار خفيف انزاح عن ركبتيه، ثم بدأ يمشي بخطى ثابتة. وجهه خالٍ من التعبير، كما لو أنه لم يكن يجلس قبل لحظات يحمل ثقلًا على عقله.

دخل غرفة الفريق مجددًا.

لم تكن سوى الفتيان في الداخل: كيزوكي يجلس يراقب السقف بلا مبالاة، رايجو مستلقٍ على الأريكة بنصف وعي، أمير الظلال يقف في الزاوية يعيد ترتيب أسلحته، وكايسن كان يتحدث مع هانزو بصوت منخفض.

فتح "كي" الباب ودخل بخطوات رتيبة. لم يُحدث ضجيجًا، لكن حضوره كان كافيًا لتتوقف الهمسات. التفتوا جميعًا إليه.

نظر إليهم ببرود، وكأن كلماته تخرج محسوبة:

"لدينا مهمة."

لم يرفع صوته، لم يشرح شيئًا، لكن نبرته لم تترك مجالًا للنقاش.

سادت لحظة من الصمت، تبادل فيها الجميع النظرات باستغراب خفي، قبل أن يهمس كايسن دون أن يقوى على النظر في وجهه:

"مهمة؟ جديدة؟ لكن لم يُعلن شيء من الأكاديمية..."

نظر إليه "كي" دون أن يرد، ثم خرج من غرفة وهو يقول :

"سترون التفاصيل لاحقًا."

عيونه، برودها، طريقته... لم يكن يطلب منهم الانضمام، بل يخبرهم أن الأمر قد تقرر.

كان "كي" يسير بخطى هادئة، كأن الأرض تعرفه فلا تُصدر خطواته صوتًا. عيونه الزرقاء الباردة لا تتحرك يمينًا أو يسارًا، وإنما نحو هدفه الوحيد: مكتب المدير.

استوقف أحد العاملين وسأله دون مقدمات:

"أين المشرف؟"

أجابه الرجل وقد تفاجأ بنبرة كي الجافة:

"في مكتب المدير… لكن هل…"

تابع "كي" طريقه دون أن ينتظر نهاية الجملة. فتح باب المكتب دون أن يطرق، وكأن وجوده الطبيعي يعطيه الإذن.

كان المشرف واقفًا أمام المكتب، بينما جلس المدير يراجع بعض الأوراق.

رفع المشرف رأسه، وقد ارتسمت الدهشة على وجهه، وقال بصوت ضيّق:

"ماذا تريد؟"

اقترب "كي" ببطء، ثم وقف أمامهما وقال بهدوء كالصقيع:

"أريد إرسال فريقي إلى مهمة الآن."

صمت قصير قطعه المدير وهو يضحك بنبرة فيها شيء من الاستهزاء:

"مهلًا، مهلًا يا فتى… اليوم هو اليوم الأول فقط! لم يمضِ حتى 24 ساعة على دخولكم!"

رد "كي" مباشرة دون أن يغيّر ملامحه:

"حسب المادة 17، الفصل 3 من لوائح الأكاديمية… يجوز لأي فريق أن يُجري مهمة اختبار ميدانية في اليوم الأول، إذا وافق قائد الفريق شخصيًا وتحمّل كامل المسؤولية."

ارتفع حاجبا المدير قليلًا.

أما المشرف، فقد عقد حاجبيه وقال بنبرة شكّ:

"ومن أين عرفت ذلك؟"

لكن "كي" لم يُجِب. تجاهله تمامًا كما لو كان سؤالًا في فراغ، ونقل عينيه إلى المدير.

قال المدير وهو ينقر أصابعه فوق الطاولة:

"هممم… قانون قديم، لكن صحيح. لم يُستخدم منذ سنوات طويلة."

ثم ابتسم بحذر وأردف:

"حسنًا… سنختار نحن المكان الذي ستُجرى فيه المهمة."

قالها بنبرة تنطوي على تحكّم، وكأنه يحاول استعادة زمام السلطة من هذا الفتى الغريب.

لكن "كي" لم يبدُ متأثرًا، ولم يُبدِ حتى اعتراضًا… لأنه كان يعلم أن خطوته التالية لن تُبقي للأكاديمية حقّ الاختيار.

وقف "كي" بثبات أمام المكتب، بينما كان الجو داخل الغرفة يزداد توترًا كأنما الهواء ثقيل لا يتحرك.

نظر إليه المشرف بشكّ وقال:

"مهلًا… وهل أنت قائد الفريق من الأساس؟"

لم يرد "كي" على الفور. رفع رأسه قليلًا، ثم قال ببرود ثقيل:

"إن كنت لا تصدقني، اذهب واسأل الفريق."

زمّ المشرف شفتيه، ثم قال بنبرة حادة:

"أنا أسألك الآن، فلتُجبني مباشرة."

لم يتغير شيء في ملامح "كي"، كأن الردّ لم يُحدث فيه أثرًا، ثم قال بهدوءٍ كصوت السكين:

"نعم. أنا قائد الفريق."

نظر المشرف إلى المدير، وقد بات منزعجًا من غرور الفتى الظاهر في وقوفه وكلامه، وقال:

"الخيار لك الآن، يا مدير."

أدار المدير رأسه نحو "كي"، تأمله للحظات، ثم قال بنبرة أكثر رسمية:

"حسنًا، أيها الفتى. أخبرني باسمك الكامل، من فضلك."

قالها وكأنه يختبر أمرًا داخله، لكن "كي" لم يتأخر في الرد.

نطق بصوت هادئ كالسكون، لكنه اخترق جدار الغرفة كالرعد:

"اسمي كي."

في اللحظة التالية… تجمّد المشرف في مكانه.

توسعت حدقتا عينيه، وسقط القلم من يده دون أن يشعر.

استدار ببطء، كأن الدم هرب من وجهه، وقال بصوت متردد مرتجف:

"مـ… مهلًا… أعد ما قلت."

التفت إليه "كي" بعينين خاليتين من الودّ أو التبرير، وقال بجفاف حادّ:

"قلت لك… كي."

وقف المدير فجأة، وقد أثقل صدره زفيرٌ بدا كأنه محاولة فاشلة لالتقاط رباطة جأشه، ثم قال بصوت متوتر:

– من أين لك هذا الاسم؟

كان "كي" ساكناً في ملامحه، قاطعًا الرد ببرود قاطع:

– لقد سمّتني أمي.

صرخ المدير بغضب مشوب بالذهول:

– أمك؟ من تكون أمك؟ هل كانت غبية لتمنحك هذا الاسم؟!

لكن كلماته لم تكتمل.

في لحظة خاطفة، امتدت يد "كي" لتقبض على فم المدير بقوة، ثم رفعه عن الأرض بيد واحدة، كأن جسده الهزيل لا يعني شيئًا أمام عضلات كي التي لم تكن تفصح عن شيء من الخارج، ولكنها في الداخل، كغضب نائم لا يُستفز إلا حين يُذكر ما لا يجب ذكره.

تكلّم "كي" ببرود متجمد، حاد كالسيف:

– اسمع، أيها الوغد الحقير... إذا تفوّهت بكلمة واحدة مهينة عن أمي مجددًا، سأقتلك. في المرة القادمة، لن أكتفي بإخافتك.

المدير حاول أن يصرخ، أن يتملص، لكن اليد الضاغطة على فمه كانت كافية لإسكاته وسحق ما تبقّى من غروره الإداري.

أنزله "كي" بعد لحظة ثقيلة، نزع يده من على وجهه، ثم تقدّم ببطء خطوة إلى الأمام، ونظر إلى عيني المدير نظرة مباشرة لا تحتمل تأويلاً، وقال بنبرة صارمة:

– أريد منك رفع مهمة، حالًا. لا تسألني عن السبب، ولا تراجعني في القرار.

صرخ المدير بانفعال:

– حسناً، حسناً... كما تريد! فقط... لا تقتلني!

اقترب "كي" أكثر حتى لم يبقَ بينه وبين وجه المدير سوى الأنفاس، وقال بصوت منخفض حاد كالخنجر:

– اخفض صوتك... أو سأقتل فيك ما بقي من شجاعة.

في الغرفة الضيقة التي خلت من النظام، جلس المدير يلهث بثقل، ويداه ترتجفان كمن فرّ من موت وشيك. فتح الباب فجأة، ودخل مساعداه بخطى مسرعة.

قال الرجل وهو يتفحّص المدير بقلق:

ـ "أيها المدير، ماذا جرى؟ سمعنا صراخك، هل أنت بخير؟"

تبعتْه المرأة بذات اللهفة:

ـ "هل تعرضتَ لاعتداء؟"

رفع المدير عينيه إليهما، لكن لم ينبس ببنت شفة فورًا. حدّق في الفراغ أمامه كمن رأى شيئًا لا يمكن تفسيره. ثم تمتم، وصوته واهن مشوب بالخوف:

ـ "تلك العيون…"

اقترب المساعدان أكثر، بينما تابع المدير ببطء:

ـ "لم يكن فيها خوف… لا ارتباك… لا تردد… لم أرَ مثلها من قبل…"

سكت لحظة، وكأن الكلمات خانته، ثم قال بصوت أكثر وضوحًا:

ـ "البشر، حين يرتكبون خطأً قد يكلّفهم شيئًا ثمينًا، يرتبكون، يتراجعون، يبدأ عقلهم بحساب طرق النجاة... لكن ذلك الفتى… لم يفعل شيئًا من هذا. لم يتوتر. لم يفكر. عيونه كانت ثابتة، باردة، كأن الحياة لا تساوي عنده شيئًا…"

ارتبك المساعدان وتبادلا نظرات حائرة. لم يفهما ما الذي يمكن أن يجعل المدير، المعروف بصلابته، يتحدث بهذا الاضطراب. حاول الرجل أن يسأل شيئًا، لكن المدير رفع يده بصمت قاطع، ثم قال بنبرة خافتة:

ـ "لا… هو لم يشعر بأي من تلك المشاعر لأن بقاؤه هنا لا يعني له شيئًا من الأصل…"

نظر المدير إليهما بجدية وقد استعاد بعض توازنه، ثم قال بنبرة حاسمة:

ـ "ارفعا مهمة إلى فريقه فورًا… في منطقة غيلفار السوداء."

شهق الرجل، واتسعت عيناه بذهول:

ـ "غيلفار؟! أليست تلك منطقة خطيرة للغاية؟ تقاريرها غير مستقرة، والوحوش فيها خارجة عن التصنيف... لا يُرسل إليها طلاب في يومهم الأول!"

قاطعه المدير بصوتٍ حاد وهو يشير بيده:

ـ "قلت لك أرسل… لا تناقشني."

صمتَ المساعد، ثم انحنى بخفة، وأجاب باستسلام:

ـ "حاضر، سيتم التنفيذ فورًا."

كان المساعد قد غادر في عجالة، يظنه أمرًا إداريًا عاديًا. لكن ما إن وصل إلى قسم المهمات حتى توقف، أدرك أنه لا يعرف اسم الفريق. كيف سيرفع مهمة لفريق لا اسم له؟

عاد أدراجه بخطوات سريعة. وحين اقترب من غرفة المدير، وجد فتى يقف أمام الباب، ظهره مستند إلى الجدار، وذراعاه متقاطعتان. رفع رأسه ونظر إلى الرجل.

قال كي بنبرة هادئة لكنها قاطعة:

ـ "إلى أين أنت ذاهب؟"

توقف الرجل، وقد فوجئ بالسؤال:

ـ "إلى غرفة المدير. هناك تفاصيل ناقصة بخصوص المهمة…"

رفع كي حاجبه وسأله بنبرة أقرب إلى الأمر:

ـ "هل كنت معه قبل قليل؟"

أجاب الرجل بتردد:

ـ "نعم…"

اقترب كي خطوة للأمام، ولم يبعد عينيه عن وجه الرجل:

ـ "أخبرني… كيف كان؟"

ارتبك الرجل تحت نظراته، وقال ببطء:

ـ "كان… متوترًا قليلًا، لا أكثر."

لم يرد كي، بل مرّ بجانبه بهدوء، وفتح الباب. شهق المدير فور رؤيته، ولم يستطع إخفاء رجفة خفيفة اجتاحت كتفيه. وقف كي داخل الغرفة بثبات، ثم قال ببرود وهو يتأمله:

ـ "إذن، هل أذهب الآن… أم تفضل أن أُنهي ما بدأتُه؟"

تصلب المدير في مكانه، ثم قال بصوت مرتجف وهو يحاول السيطرة على رعشته:

ـ "نعم... نعم، ليس عليك الرحيل. أبقَ حيث أنت."

لم يُظهر كي أي رد فعل، بل قال بهدوء:

ـ "الفريق من السنة الأولى. من أفراده: كي، كايسن... وغيرهم."

ثم استدار وغادر الغرفة دون أن يغلق الباب.

بعد لحظات، دخل المساعد إلى الغرفة بخطى مترددة، وعيناه تتفحصان وجه المدير المرتبك.

ـ "أيها المدير... ما الذي يحدث؟"

صرخ المدير، وقد انفجر به التوتر:

ـ "لا شيء! فقط اذهب وارفع المهمة لذلك الفريق!"

تراجع المساعد قليلًا من المفاجأة، ثم قال:

ـ "الفريق الذي فيه كي وكايسن؟ لكن... ما اسم الفريق؟"

لوّح المدير بيده بانفعال:

ـ "لم نضع أسماء أو درجات بعد! فقط ارفع المهمة، ولا تطرح أسئلة الآن!"

تراجع المساعد، وأغلق الباب خلفه بصمت. أما المدير، فقد جلس على مقعده ببطء، يضغط على صدغيه بكفيه،

كان الممر خالياً إلا من أصداء الخطى. كي يسير بصمت، خطواته ثابتة ونظره ساكن، إلى أن لمح جسدًا مألوفًا عند مفترق الطريق. إنه تايغا. لم يبدُ أن الأخير قد لاحظه، لكن كي لم يمرّ مروراً عادياً.

قال ببرود قاطع:

ـ "أنت."

التفت تايغا فورًا، وابتسم بخفة:

ـ "آه، إذًا أنت هنا... جيد أنني رأيتك."

لكن كي لم يمنحه الفرصة لإكمال الجملة، قال بصوت خالٍ من أي دفء:

ـ "هل لديك هاتف؟"

أجاب تايغا، وقد ظهرت على وجهه لمحة استغراب:

ـ "نعم، لكن هل..."

قاطعه كي مجددًا، دون أن يغيّر نبرة صوته أو ينظر لعينيه:

ـ "أعطني هاتفك الآن. وإن كنت تنوي فتح حديث، دعني أذهب."

ساد لحظة صمت، قبل أن يهزّ تايغا كتفيه قائلًا:

ـ "لا مشكلة، خذه."

أخرج هاتفه، وناوله إياه. أخرج كي من جيبه ورقة صغيرة، مطويّة بعناية. سأل تايغا وهو يراقبه:

ـ "هل لديك رصيد؟"

أجابه تايغا بثقة:

ـ "نعم، ما يكفي لاتصال طويل."

ثم ابتسم وسأل بنبرة خفيفة:

ـ "ستتصل بأسرتك؟ أو والدتك ربما؟"

في اللحظة التالية، توقف كي عن كتابة الرقم، ورفع رأسه نحو تايغا. عينيه كانتا قاسيتين، صلبتين حد الاختناق.

ـ "لا شأن لك. ليست لدي أسرة. ولا والدة."

انطفأت ابتسامة تايغا، وتبدّل فضوله إلى حذر غير مبرر. لم يفهم إن كان قد تجاوز حدًا لا يجب تجاوزه. لكن كي لم يهتم برد فعله، وأكمل كتابة الأرقام على الشاشة من الورقة الصغيرة.

وحين انتهى، ضغط زر الاتصال، رفع الهاتف إلى أذنه، وقال بصوت واضح:

ـ "أين أنت الآن؟"

رنّ الصوت من الطرف الآخر بعد لحظات من الانتظار. كان خافتًا، مضطربًا:

ـ "نعم؟"

قال كي بهدوء حاسم:

ـ "سوف آتي الآن. ولست وحدي... بل معي الفريق."

ساد صمت قصير، تلاه صوت الآخر وقد تبدّلت نبرته إلى امتنان مضطرب:

ـ "حقًا؟... شكرًا لك، لم أكن أتوقّع—"

قاطعه كي بحدّة:

ـ "اخرس."

ثم أكمل بنفس الجفاف:

ـ "سوف أجعلك تذهب إلى المبنى ذاته... المبنى الذي خُطفت فيه ابنتك. وعندها، ستطلق الانفجار."

ارتبك الصوت فجأة:

ـ "ماذا؟! لماذا؟! ما الذي—"

لكن كي أغلق المكالمة دون تردد.

بقي تايغا يحدق فيه، لم يفهم شيئًا من المحادثة، لكن القشعريرة تسللت إلى جسده بلا إذن. ملامح كي لم تتغير. أعاد الهاتف إلى صاحبه، ثم رفع يده الأخرى ووضعها بقوة على كتف تايغا.

كان الضغط مؤلمًا. ونبرة كي هذه المرة حادة كالسيف:

ـ "إن أخبرت أحدًا بما سمعته... فسأقتلك."

تحجّر وجه تايغا، واختنقت الكلمات في حلقه. لم يتجرأ على الرد بسرعة، إلى أن بدأ كي بالابتعاد.

قال تايغا بحذر، وقد خفف صوته:

ـ "مهلًا... لماذا تقول هذا؟ أنا لم أُفكر حتى بإخبار أحد... صحيح أن مكالمتك كانت غريبة، لكن—"

لم يلتفت كي، ولم يرد. فقط واصل طريقه، كما لو أن الكلمات لم تكن موجّهة له أصلًا.

كان تايغا ما يزال واقفًا مكانه، يراقب ظهر كي وهو يبتعد بخطى واثقة، مائلة للجفاف. تمتم في داخله:

ـ "لماذا هو غريب هكذا؟ ما تلك النظرات؟ وما تلك النبرة؟ هل يحقد عليّ؟... لم أفعل له شيئًا أصلاً."

لكنه لم يجرؤ على الاقتراب أكثر. كي لم يكن كأي طالب آخر. لا أحد يتحدث بتلك الطريقة، ولا أحد يهدد بذلك البرود ثم يمضي كأن شيئًا لم يحدث.

في تلك الأثناء، وصل كي إلى غرفة المدير. فتح الباب دون أن يطرق. لم يكلف نفسه عناء المجاملة أو الانتظار.

قال ببرود مباشر:

ـ "إلى أين المهمة؟"

رفع المدير رأسه وكتم رد فعل فوري، قبل أن يجيب بصوت خافت:

ـ "إلى غليفار السوداء."

لم يعلّق كي، بل استدار وغادر كما جاء. لم تكن ملامحه تشير إلى القلق أو التحفّظ. كأن الاسم لا يعني له شيئًا. كأن الموت نفسه لا يعني له شيئًا.

لحظات بعد خروجه، اقترب مساعد المدير بسرعة ودخل الغرفة بوجه مشوّش.

قال الرجل باستعجال:

ـ "أيها المدير، أنت حقًا سترسلهم إلى غليفار السوداء؟ تلك منطقة خطيرة... خطيرة للغاية على طلاب بعمر السادسة عشرة!"

ابتسم المدير أخيرًا، ابتسامة ماكرة كشفت عن نوايا دفينة.

قال بنبرة هادئة:

ـ "فريقه سينجو... لكن ذلك الوغد... سيموت."

دخل "كي" الغرفة بخطوات ثابتة، ثم وقف عند المنتصف دون أن ينظر لأحد. قال بصوت واضح:

ــ "انهضوا الآن... لدينا مهمة."

رفع "هانزو" رأسه ببطء، وكأنه لم يفهم تمامًا ما سمعه، ثم سأل:

ــ "إلى أين؟"

أجابه "كي" بلهجة باردة كعادته:

ــ "إلى غابة مجاورة."

بدأ الفريق بالتحرك، يرتدون تجهيزاتهم بخفّة، بينما بدا الصمت مشوبًا بنوع من التوتر غير المبرّر.

لم تمض لحظات حتى هبطت الفتيات من الأعلى، وقد ارتدين بزاتهن القتالية، واستقرت "هيرومي" في مقدمتهم. تقدمت بخطى واثقة، ثم قالت بنبرة متحدية:

ــ "إلى أين المهمة؟"

دون أن يلتفت إليها، قال "كي":

ــ "من سمح لك بالذهاب؟"

ردت "هيرومي" بانزعاج ظاهر:

ــ "ومن سمح لك بأن أُستبعد؟"

نظر إليها "كي" أخيرًا، نظرته لم تحمل لا استنكارًا ولا تساؤلًا، بل فراغًا تامًا.

لكن "كيزوكي" تدخل سريعًا، صوته قاطع ومباشر:

ــ "كفى. نحتاج الجميع في هذه المهمة."

رد "كي" بهدوء محكم:

ــ "لا يهمني إن تم قتلكم."

ساد صمت لوهلة، قبل أن ينطق "أمير الظلال"، وقد بدا مستهزئًا:

ــ "ولكنها... مجرد غابة، أليس كذلك؟"

وقف الفريق بكامله في الغرفة، بينما كانت نظرات الأعضاء موزعة بين بعضهم البعض، قبل أن تقطع "هيرومي" الصمت بصوت مفعم بالثقة:

ــ "لا تقلقوا بشأني، أنا معتادة على القتال في الغابات، ترعرعت على المطاردة بين الأشجار والتسلل عبر الممرات الضيقة، لن أكون عبئًا."

أدار "كي" رأسه ببطء نحوها، وقال ببرود صلب:

ــ "غريب... لم أجدك هناك مطلقًا."

سقط الصمت كصخرة. ارتبكت "هيرومي"، واتسعت عيناها بلا قدرة على الرد. باقي الفريق تبادل النظرات دون تعليق، كلٌّ منهم شعر بحدّة العبارة دون أن يحتاجوا إلى تفسير.

أدار "كي" ظهره، وتوجّه نحو الباب دون أن يمنحهم وقتًا للتفكير:

ــ "لنذهب. لا يوجد وقت نضيّعه."

خرجوا تباعًا من الغرفة، بينما تخلّفت "إيكا" و"يوكي" للحظات بجانب "هيرومي". اقتربت "يوكي" وهمست بصوت منخفض:

ــ "ما به هذا الفتى؟ بارد جدًا."

أجابت "إيكا" وهي تراقب "كي" وهو يبتعد:

ــ "إنه يعرف ما يقول دائمًا... أعتقد أنه لا يثق بأحد."

وقفت "هيرومي" ساكنة، ولم تقل شيئًا. كانت لا تزال تحت تأثير ردّ كي.

في تلك اللحظة، ظهر "سيلفا"، المشرف، يقترب من نهاية الممر. وجدهم مجتمعين أمام باب الغرفة، ورفع صوته قائلاً:

ــ "ساخبركم بمكان المهمة أولاً."

لكن "كي"، الذي لمح قدومه، لم يمنحه فرصة:

ــ "نحن نعرف بالفعل."

أجاب "سيلفا" بهدوء، رغم نبرة التحدي:

ــ "حسنًا... لكن، أليست تلك المنطقة..."

قاطعه "كي" فورًا، وهو يحدّق إليه بثبات:

ــ "ليس من شأنك. فقط أخبرنا بفحوى المهمة."

حدّق فيه "سيلفا" لثوانٍ، ثم تنحنح وأجاب:

ــ "المهمة بسيطة: تفتيش أوليّ في محيط المنطقة الجنوبية، وجمع بيانات أولية عن نشاط الطاقة."

نظر الفريق إلى بعضهم البعض بدهشة. قال "أمير الظلال":

ــ "يالها من مهمة بسيطة..."

لكن "كي" رفع صوته مباشرة، ليقطع أي فرصة للكلام:

ــ "انطلقوا الآن. بسرعة. إلى الغابة."

تحرّك الفريق دون اعتراض. خطواتهم تسارعت تحت نبرة "كي" الحادة، بينما هم يبتعدون عن سمع "سيلفا".

حين أصبحوا خارج مرمى سمعه، تمتم "رايجو" بصوت منخفض:

ــ "هاه؟ تفتيش في غابة؟ ما هذا؟ كنت أريد قتالاً، على الأقل..."

ابتسم "كي" ببرود داخلي، دون أن يلتفت:

"لو قلتها أمام المشرف... لقتلتك."

كان يعلم أن المنطقة التي اختارها ليست مجرد "غابة مجاورة"، بل موقع حساس يُحظر دخوله، وأن كلمة واحدة خاطئة من أحد أفراد الفريق قد تُفجّر كل شيء.

لذلك لم يُسرعهم عبثًا، بل خنق الزمن بالكلمات كي لا يُعطي أحدهم فرصة لقول شيء يفضح خطته.

2025/05/23 · 5 مشاهدة · 2626 كلمة
Mouad Kei
نادي الروايات - 2025