الاسم رايشفوت
الاسم كاجيرو
_________________ ____________
استمر الفريق في المشي بثبات نحو بوابة الأكاديمية، يظنون أنهم في طريقهم نحو غابة مجاورة لمهمة بسيطة. لم يشك أحد، لم يتوقف أحد، حتى الصمت الذي كان يلفّ "كي" بدا طبيعياً وسط أصوات الأقدام وثرثرة بعض الأعضاء.
في لحظة هادئة، اقترب "كي" من "كايسن"، وسار بجانبه دون أن ينطق بكلمة في البداية. "كايسن" التفت نحوه بدهشة خفيفة، إذ لم يعتد اقترابه، لكن "كي" قال ببرود واضح:
ــ "أعطني هاتفك."
لم يُجادله "كايسن"، بل أخرج هاتفه بسرعة وناوله إياه. أخرج "كي" نفس الورقة التي استعملها سابقاً، ودوّن الرقم ذاته، دون أن يشرح.
ثم أشار بيده لـ"كايسن" أن يتقدّم، فعاد الأخير إلى مقدمة الفريق بتردد.
أصبح "كي" في المؤخرة، يبتعد تدريجياً عن أنظار الجميع، ولم يلتفت أحد، سوى "كايسن" الذي نظر خلفه للحظة، لكن "كي" كرر الإشارة بصرامة: "تابع."
توقف "كي" عند جذع شجرة، ضغط على الرقم، ووضع الهاتف على أذنه.
بعد ثوانٍ، جاءه الرد:
ــ "نعم؟"
قال "كي" بصوت منخفض لكن حاد:
ــ "هل أنت في الموقع الذي أخبرتك عنه؟"
أجاب الصوت:
ــ "نعم، لكن—"
قاطعه "كي" بحدة:
ــ "اخرس. لا تُناقشني. افعل ما طُلب منك فقط."
سكت الطرف الآخر.
لكن "كي" لم ينهِ المكالمة قبل أن ينطق بصوت منخفض يمزجه الغضب وكأنه يشقّ صدر من يسمعه:
ــ "اسمع هذا جيداً يا نيفيلار... إن خنتني، سأقتلك."
ثم أغلق الخط دون أن ينتظر رداً.
أعاد الهاتف إلى جيبه، ولحق بالفريق مجدداً. لم يكن بحاجة لأن يشرح شيئاً لأحد. كل خطوة كانت محسوبة. وكل نظرة لم تكن عبثاً.
الفريق يمشي نحو الغابة...
لكن "كي" فقط، يعرف أنهم يسيرون نحو شيء آخر.
لحق "كي" بالفريق بصمت، لم ينطق بكلمة. خطواته ثابتة، ونظراته خالية من أي انفعال. اقترب من "كايسن" وأعاد إليه الهاتف دون أن يلتفت إليه. أمسك "كايسن" الهاتف ثم سأله بتردد:
ــ "هل اتصلتُ بمن...؟"
رد "كي" ببرود خالٍ من أي تفاعل:
ــ "ليس من شأنك."
توقف الحديث عند هذا الحد، لكن التوتر بدأ يعلو وجه "كايسن"، يحاول إخفاء ارتباكه دون جدوى. أحس أن هناك شيئًا يُدار في الظل، لكنه لم يملك الجرأة ليسأل أكثر.
في محاولة لتخفيف الأجواء، قال "هانزو" فجأة:
ــ "رفاق، علينا أن نُبقي الفتيات في الخلف، لنشكل حاجزًا أمامهن."
اعترض "كيزوكي" مباشرة:
ــ "ولكن، قد يتعرضن لهجوم مفاجئ. تركهن في الخلف مخاطرة."
لم تنتظر "أيكا" أكثر، وقالت بصوت حاد وغاضب:
ــ "لست بحاجة إلى حمايتك. لسنا أضعف منكم."
لكن "هانزو" رفع يده مهدئًا وقال بثقة:
ــ "لا تقلقي، سنضع لكم حماية متقدمة. ليس الأمر تقليلاً منكم، بل فقط خطة توزيع متوازنة."
ساد صمت مؤقت. لم يتدخل "كي"، ولم يُبدِ رأيًا. كانت عيناه تراقب الطريق بصمت... وكأن كل هذا الجدل، لا يساوي شيئًا أمام ما هو قادم.
رغم النقاش القصير الذي دار بين الفتيان والفتيات، لم يكن المشهد بحاجة إلى صوت مرتفع. وقفت هيرومي متسائلة بهدوء، دون نبرة تحدٍّ:
"وكيف سنُؤمَّن في المؤخرة؟"
لم يتأخر هانزو في الإجابة، وقد بدت عليه ثقة مدروسة:
"أمتلك تقنية دفاعية تسمح لي بإنشاء درع متين، سأجعله يحيط بكم. لن تكونوا في خطر."
لم تعارض أي من الفتيات. لم تكن الموافقة نابعة من ثقةٍ تامة، بل من إدراك ضمني بأن لا خيار آخر مطروحًا. فُضّ النقاش سريعًا، وتقدّم الجميع في صمت متماسك نحو بوابة الأكاديمية.
ما إن تجاوزوا البوابة، حتى كانت عربة فخمة تنتظرهم. لم يكن شكلها عاديًا؛ بدت من العربات المخصصة للشخصيات الملكية، ذات الزخارف الدقيقة والمقاعد المبطّنة بجلدٍ ناعم. ومع ذلك، لم يبدُ على أحدٍ من الفريق أي شك. كانوا يظنون أن هذا جزء من بروتوكول المهمة.
لكن الطريق التي سلكتها العربة لم تكن هي الطريق المعتادة المؤدية إلى الغابة المجاورة. لا أحد من الفريق علّق. ربما ظنوا أن ثمة طريقًا فرعيًا لم يُكشف لهم سابقًا، أو لعلّهم ببساطة لم يرغبوا في افتعال الأسئلة. الصمت كان سيد الموقف.
توقّفت العربة أخيرًا. فُتح الباب الخلفي، ونزل الفريق بهدوء. وما إن لامست أقدامهم الأرض، حتى تغيّر كل شيء.
الرائحة مختلفة. التربة لا تنتمي لغابة. الهواء محمّل بشيء غير مفهوم. هنا، لا تُسمع طيور، لا تُرى أشجار مألوفة. لا صوت سوى أنفاس الفريق المتوترة، ونظراتهم المرتابة.
ما إن وطئت أقدامهم الأرض حتى ساد الارتباك.
توقف الجميع في أماكنهم، يتلفتون يمنة ويسرة، كأنهم خرجوا من زمن مألوف إلى موقع بلا هوية. لم تكن هناك أشجار عالية، ولا أرض ناعمة، ولا حتى نسمة من نسمات الغابة التي وُعدوا بها.
قالت هيرومي بخفوت:
"أين نحن؟ هذه ليست غابة..."
أجابت أيكا بسرعة، وقد نظرت نحو الأرض:
"التربة هنا قاسية... كأنها مُحرقة. هل هذا رماد؟"
تقدّم أمير الظلال، انحنى قليلًا، ولامس الأرض بأصابعه، ثم تمتم:
"هذا ليس رمادًا... بل بقايا وشم طاقي. هذه منطقة ملوثة بطاقة منحرفة."
كايسن تراجع خطوة وقال:
"أشعر بشيء في صدري... كأن الهواء ثقيل."
لم يُجب كي، بل ظلّ في المؤخرة، ينظر بصمت. وجهه خالٍ من أيّ تعبير، كأن ما يراه كان متوقعًا.
همس هانزو بعد لحظة صمت:
"سمعت عن هذا المكان... يُقال إن اسمه 'غليفار'، منطقة نُبذت من خريطة العالم بسبب تَشوّه طاقي خطير... لا يُسمح بالدخول إليها إلا للجنود الخاصين."
تبادلت الفتيات نظرات قلقة، وتقدمت يوكي خطوة ثم قالت:
"لكن لماذا أُرسلنا نحن؟!"
لم يُجب أحد. وحده كي استدار بهدوء، وقال ببرود:
"لا وقت للكلام. استعدوا."
صرخة كيزوكي قطعت الصمت، مدفوعة بالخوف والغضب:
"كيف تقول هذا وكأن شيئًا لم يحدث؟! الم تقل إننا ذاهبون إلى غابة؟! أيّ غابة هذه؟! لقد كذبت علينا، أليس كذلك؟!"
بدأت العيون تتجه نحو كي. توترٌ خفيّ انتشر بين الفريق كالنار في هشيم جاف.
تقدّم هانزو بخطوة وقال بنبرة حذرة:
"كي… هل كنت تعرف أننا سنُرسل إلى هذا المكان؟"
رفعت هيرومي حاجبها وقالت بحدة:
"لماذا لم تُخبرنا؟ لماذا خدعتنا؟"
أيكا اتجهت نحو الفتيات وهمست:
"أنا واثقة أنه خطّط لهذا منذ البداية…"
حتى كايسن، الذي عادةً ما يلزم الصمت، قال بصوت خافت:
"كي… أنت من أخبرنا بأن المهمة في الغابة. هل كنت تعلم بالحقيقة؟"
وقف كي أمامهم، عيناه لا تحملان أي انفعال، كأن تلك الاتهامات تُلقى في فراغ لا يخصّه.
لم يتراجع، ولم يبرر، فقط قال بصوت بارد:
"الغابة… هي مجرد كلمة. ما وُضع أمامكم هو مهمة. لا أكثر."
صرخ كيزوكي:
"أنت تكذب! لقد خططت لهذا منذ البداية، أليس كذلك؟!"
نظر كي إليه، ولم يرد. لم يكن الصمت جبنًا، بل قرارًا. في عقله، كان يعرف أن تفسير النوايا في لحظة كهذه سيكون بلا جدوى.
وسط تصاعد التوتر، حاول رايجو أن يتقدّم بخطوة للتهدئة، رافعًا كفّيه وقال بصوت منخفض:
"رفاق... الآن ليس وقت الشجار. لنتأكد أولًا ممّا يجري."
أومأ أمير الظلال برأسه وأضاف بجدية:
"علينا أن نتماسك، نحن وسط أرض مجهولة. فقدان الثقة الآن سيُدمّر الفريق قبل أي خطر خارجي."
لكن اللحظة لم تدم.
دوى صوت انفجار حاد من جهة اليسار، تردّد صداه في الأفق كصفعة صاخبة.
ارتجّت الأرض تحت أقدامهم، واندفع دخان أسود كثيف إلى السماء، متصاعدًا من مبنى حجري لم يكن أحد لاحظه من قبل، يلوح في الأفق البعيد خلف تلال متآكلة.
تجمّد الجميع في أماكنهم.
همسات من الذهول خرجت من بعض الأفراد:
"مبنى؟ في هذه الأرض؟ مستحيل… ألم يقولوا إنها محظورة بالكامل؟!"
حدّقت أيكا بعينين متوسعتين، وهمست:
"لم يكن ذلك مذكورًا في بيانات المهمة…"
كايسن تراجع نصف خطوة، وأشار ببطء:
"تلك البنية… من وضعها هنا؟ ومن فجرها؟"
حتى هيرومي لم تجد ما تقوله.
وقف كي أمامهم، عيناه مسمرتان في الاتجاه المعاكس للمبنى المحترق، وصوته خرج ببرود خالٍ من النبرة:
"الآن، هل ستذهبون إلى المبنى، أم نكمل مهمتنا الأصلية؟"
لم ينتظر إجابة، إنما ألقى السؤال كمن يُعلن عن امتحان داخلي، وترك القرار لهم.
تبادلت الفتيات النظرات بتوتر واضح، وصوت أيكا خرج مرتعشًا:
"لقد كان هناك انفجار… هناك أشخاص ربما ماتوا… لا يمكن تجاهل هذا…"
أجابتها هيرومي بخوف ظاهر:
"لكن… تلك المنطقة محظورة، من قال إننا سننجو إذا اقتربنا؟"
تقدم كيزوكي بخطوة، مترددًا، ثم قال:
"لكن… القوانين واضحة. التدخل في مهمات غير مصرح بها ممنوع."
قاطعه كايسن وهو يشد قبضته:
"القوانين لا تهمني إن كان هناك من يحتضر هناك."
رايجو رفع رأسه، وابتسم ابتسامة حادة:
"أنا ذاهب. لا أهتم بمصدر الانفجار أو خطر المكان… هذا قد يكون القتال الذي انتظرته."
انقسمت الآراء، ارتفعت الأصوات، ترددت المواقف، ثم شيئًا فشيئًا… تلاشى التردد.
اتفقوا على الذهاب.
الغريب أن كي لم يقل كلمة. لم يعلّق. لم يمنع. لم يشجّع.
استمر الفريق في التقدم عبر الأرض الرمادية القاسية، وكي يمشي في وسطهم بخطى ثابتة لا تبطئ ولا تسرع. خلفه مباشرة كانت الفتيات، يتبعن الحذر دون ثقة، وأمامهم كيزوكي لا يزال يغلي من الداخل.
نظر كيزوكي إلى كي وقال بصوت خافت لكنه محمّل بالاحتقار:
"لا تظن أننا سننسى ما فعلت. أيها الوغد الحقير."
لم يرد كي. لم يلتفت. لم يبدِ أدنى اهتمام. وكأنه لم يسمع. تصرفه لم يكن استفزازًا بقدر ما كان تجاهلاً حقيقياً، وصمته وحده أشعل غضب كيزوكي أكثر.
كايسن اقترب قليلاً وسأل بهدوء:
"كي... هل كنت تعرف أننا لن نصل للغابة؟"
لكن كي لم ينظر إليه حتى، واستمر في سيره.
في الخلف، بدأت الفتيات بالهمس، نبرة أصواتهن مشبعة بالسخط.
قالت هيرومي بصوت منخفض:
"أشعر وكأننا نُستخدم كبيادق في لعبة لا نعرف قوانينها."
قالت أيكا:
"إنه لا يشعر بشيء... كأنه آلة."
أضافت يوكي، بلهجة حادة مليئة بالتهكم:
"أظن أن اسم كي كان يخص ابن رايو، الملك القديم، قبل عشر سنوات… لكن ذلك الطفل مات، أليس كذلك؟ يبدو أن هذا الأحمق اختار الاسم ليجذب الانتباه فقط."
لحظة صمت قصيرة تلتها. كي توقف عن المشي.
التفت فجأة، نظراته حادة وباردة، والغضب ظاهر في عينيه بشكل مباشر. لم يتحدث. لم يصرخ. فقط نظر.
سقطت يوكي على الأرض فوراً، يداها ترتجفان، وصدرها يعلو ويهبط بسرعة. صمت الجميع، حتى الهواء بدا كأنه توقف للحظة.
لم يقل كي شيئًا.
توقف الفريق للحظة، وكل الأعين اتجهت نحو يوكي الممددة على الأرض، أنفاسها متسارعة وقطرات العرق تتصبب من جبينها. نظرات الدهشة علت وجوه الفتيات، لم يتوقعن أن تنهار يوكي بهذه الطريقة المفاجئة.
قالت هيرومي بقلق وهي تقترب منها:
"ما الذي حدث؟ لمَ سقطتِ فجأة؟"
أيكا أضافت:
"هل أصبتِ بشيء؟ وجهك شاحب."
لكن كي لم يلتفت، ولم يُبدِ أي اهتمام. أكمل سيره وكأن شيئًا لم يقع.
همست يوكي بصوت بالكاد يُسمع، شفتاها ترتجفان:
"تلك العيون… لم تكن بشرية…"
نظرت إليهن ببطء، وأضافت بصوت منخفض حاد:
"تشع باللون الأحمر القاتم… كانت نية قتل صافية، متوحشة… وكأن جسدي أجبر على السقوط."
الفتيات تبادلن النظرات، ولم يفهمن شيئًا مما قالته. هيرومي حاولت طرح سؤال آخر، لكن يوكي جلست سريعًا وأجابت بصوت متماسك ظاهريًا:
"أنا بخير، فقط شعرت بدوار مؤقت."
نهضت ببطء، ووقفت على قدميها، متجنبة نظرات أيكا التي اقتربت لتسأل. لم تجب. نظرت بعيدًا.
قال كيزوكي وهو ينظر إلى المبنى بشك:
"هذا المكان لا يشبه أي مبنى تدريبي… أشعر أن هناك شيئًا خاطئًا."
أضاف هانزو بنبرة جادة:
"علينا الحذر… الطاقة هنا غير مستقرة."
قال أمير الظلال وهو يتفحص الظلال الممتدة على الأرض:
"ثمة حركة في الداخل، شخص ما يراقبنا أو ينتظرنا."
أما رايجو، فقد ابتسم ابتسامة متحمسة وقال:
"وأخيرًا، شيء مثير يحدث… فلننهِ هذا بسرعة."
عندها تقدم هانزو، وأطلق طاقته ليشكّل درعًا شفافًا واسعًا أحاط بالفتيات، وقال بثقة:
"سيحميكم هذا الدرع من أي هجوم مفاجئ، لكن لا تبتعدن عنه."
اجتمع الفريق بسرعة لوضع خطة مقتضبة:
سيدخل كيزوكي ورايجو أولًا لتأمين المدخل.
أمير الظلال سيتسلل عبر الظلال لرصد أي فخاخ.
هانزو في الوسط للحماية.
كايسن خلفهم للمراقبة والتدخل عند الحاجة.
أما كي، فكان في المؤخرة، يراقب الجميع بصمت.
دون إضاعة الوقت، فتح رايجو الباب القديم الذي أصدر صوتًا مكتومًا، ودخل الفريق إلى المبنى.
دخل الفريق المبنى بتأهب، وسلكوا ممرًا طويلاً يلفّه الغبار والبرودة. بدت الجدران كأنها لم تُلمس منذ سنوات، والأرضية تصدر أصواتًا خفيفة تحت أقدامهم.
تأففت هيرومي وقالت بضيق:
"ما هذا المكان؟ حتى الرائحة مقززة."
أيكا أضافت بامتعاض:
"لا أظن أن هذه المهمة كانت ضمن التدريب المعتاد… نشتم رائحة كذبة منذ البداية."
بينما سارت الفتيات في مؤخرة التشكيل، ازداد توترهن، لكنهن التزمن الصمت مع اشتداد الجو.
كان كي في الخلف، يراقب بصمت، يتابع تحركاتهم جميعًا، وكأن عينيه تبحثان عن شيء غير مرئي لهم. وما إن غفل الفريق للحظة، حتى اختفى. لا صوت، لا أثر.
التفت رايجو خلفه فجأة، وقال بصوت منخفض:
"انتظروا… أين كي؟"
بحث بعينيه في كل الاتجاهات، فلم يرَ له أثرًا.
ضحك كيزوكي بسخرية وقال ببرود:
"لا فائدة منه منذ البداية، إن مات فذلك أفضل لنا."
لكن كايسن تجمّد في مكانه، ارتجفت أصابعه، ثم صاح:
"كي اختفى؟ مستحيل! لن أتركه وحده!"
تحرّك بسرعة نحو أحد الممرات، لكن رايجو أوقفه بيده قائلاً:
"ابقَ في الخطة، لا تتحرك وحدك!"
كايسن التفت لهم بنظرة حادة، كانت مزيجًا من تهديد وغضب مكتوم، وقال بصوت حاد:
"إن لم يساعدني أحد، سأذهب وحدي. أنتم لا تعرفونه."
ساد صمت قصير، ثم قال أمير الظلال بهدوء:
"لن نترك أحدنا خلفنا. ابحثوا عنه، لكن بحذر. المكان مريب."
كان كي يتجول في الطابق العلوي بخطى ثابتة، يتفحص الأبواب بنظره الحاد ويتمتم ببرود:
"أين ذلك الأحمق نيفيلار؟ قال إن الهدف في هذا الطابق... وتبا، أين يحتجزون ابنته؟"
لم تمر ثوانٍ حتى اخترق جسده صوت انفجارٍ عنيف، تلاه سقوطه على الأرض بقوة جعلت ألواح الخشب تهتز تحت جسده. الدماء انطلقت من وجهه بسرعة، وكانت نصف ملامحه اليمنى قد تمزقت تمامًا؛ بشرته محروقة، عينه مفقودة، والعظم ظاهر بوضوح.
خطوات ثقيلة اقتربت منه ببطء. ظهر رجل في الأربعين من عمره تقريبًا، طويل الجسد، عظام وجهه بارزة، شعره أزرق داكن، وعيناه غارقتان في التجاويف. في يده بندقية قنص طويلة، هيكلها أزرق معدني تتخلله خطوط حمراء متوهجة.
وقف القنّاص أمام كي ونظر إليه بازدراء، ثم قال بنبرة باردة:
"آسف، نسيت أن أُعرّف عن نفسي... اسمي رايشفوت ، قنّاص الظلال. لكنك تعرفني الآن، أليس كذلك؟"
انحنى قليلًا وهو يتفحص وجه كي المشوّه، ثم أكمل بسخرية قاتلة:
"وجهك كان جميلاً، يا للأسف... لم يكن يليق بك. من الجيد أن إحدى رصاصاتي أعادتك إلى طبيعتك القبيحة."
ثم رفع البندقية قليلًا، مسح سطحها بيده، وأضاف بنبرة هادئة مميتة:
"هذه ليست رصاصات عادية، بل رسائل. كل واحدة منها تحمل رسالة ."
نظر رايشفوت إلى جسد كي المشوّه وسخرية لا تزال عالقة على ملامحه، ثم تنهد وقال بصوتٍ فاتر:
"حسنًا... عليّ الذهاب. سألحق بالباقين وأُنهي ما بدأته."
استدار بخطى هادئة، غير آبه بما خلّفه وراءه، لكن فجأةً شعر بحرارة متصاعدة تضرب ظهره كأن نارًا اشتعلت في الهواء نفسه. التفت بسرعة، وعيناه اتسعتا بدهشة حذرة.
اللهب كان يندفع من جسد كي، يتصاعد في شكل لولبي كثيف، يغمر الطابق بأكمله. الجدران بدأت تتشقق، والزجاج انفجر من النوافذ، أما اللهب فقد التف حول جسد كي كأنه يحييه من رماده.
رايشفوت تراجع خطوة، لم يفهم ما يراه. حاول أن يرفع بندقيته ويرسل رصاصاته نحو كي مجددًا. أطلق واحدة، ثم اثنتين، ثم ثلاثًا — لكن الرصاصات اختفت حالما لامست اللهب، وكأنها ذابت في الهواء.
تراجع أكثر، مدفوعًا بقلق خفي بدأ يتمدد في صدره، فوجد أن اللهب قد أغلق الطريق خلفه أيضًا.
وقف في مكانه، محاصرًا، ثم قال بنبرة لم تخلُ من الانزعاج:
"ما هذا...؟ لم يُقال لي إن هدف المهمة يُبعث من الخراب!"
نهض كي من وسط اللهب دون أن يبدو عليه أدنى أثر للإصابة، ووجهه عاد كما كان، خالياً من أي تشوّه، وابتسامة خافتة ترتسم على شفتيه كأن شيئًا لم يحدث. رفع يده فجأة، ثم وجه لكمة واحدة في الهواء نحو رايشفوت.
انطلقت موجة صدمة نارية حادة من قبضته، اصطدمت بجسد رايشفوت مباشرة ودفعته للخلف بسرعة مذهلة، مخترقًا الجدار الناري ومتدحرجًا داخل الطابق.
لم يمنحه كي فرصة لالتقاط أنفاسه. تبعه بخطوات ثابتة، ثم انقضّ عليه وأسقطه أرضًا بضربة مباشرة إلى صدره.
رايشفوت، تحت الضغط، رفع بندقيته وأطلق رصاصة باتجاه وجه كي من مسافة صفر.
لكن كي، دون أن يرمش، مدّ إصبعيه وأمسك الرصاصة بينهما وهي لا تزال تتوهج بحرارتها.
شهق رايشفوت، مذهولًا، فيما بدأ العرق يتصبب من جبينه.
قال كي بصوت هادئ لكن يحمل بردًا قاسيًا:
"هذه كانت فرصتك الأخيرة."
وقف رايشفوت وهو يحاول استجماع أنفاسه، ثم نطق بتوتر:
— من تكون أنت؟ لم يخبروني عنك بهذا الشكل.
ابتسم كي بسخرية باردة:
— صحيح، الجميع يظنني ميتًا. وهذا يسهل الأمور عليّ. كيف ستعرف عني شيئًا ما، بينما الجميع يعتبرني جثة؟
لم ينتظر كي ردًا، ضرب رايشفوت بقوة قدمه على وجهه، لتتراجع رأس رايشفوت إلى الوراء.
لكن فجأة، لاحظ كي بقعة ظل صغيرة تتحرك على جانب الغرفة، تجاهلها للحظة، ثم شعر بحدة مفاجئة حين غرس نصلًا باردًا في الجهة اليسرى من صدره.
نظر كي بدهشة، فرأى فتى يخرج من ذلك الظلام، يرتسم على شفتيه ابتسامة ساخرة، وعيونه حمراء تتوهج بشراسة.
قال الفتى بصوت هادئ لكنه مشحون بالتهديد:
— يبدو أن الأمور هنا بدأت تصبح أكثر متعة مما توقعت