الاسم كايزر

_____________________________

نظر كي إلى الفتى الخارج من الظلام دون أن يظهر أي رد فعل على وجهه. لم يكن مهتمًا بمن هو ولا من أين جاء، بل كان ما يشغله شيء آخر، لم يوضحه، لكنه بدا مستعدًا لإنهائه فورًا. رفع قبضته مباشرة نحو وجه الفتى، دون إنذار، دون كلمة. لم يكن يريد اختبار شيء، بل فقط التخلص منه.

الفتى، انبطح فورًا وتراجع إلى الخلف بخفة، مستندًا إلى خبرة قتال لا يستهان بها. أما الدم، فكان يتسرب من صدر كي بثبات، لكنه لم ينظر إليه، ولم يحاول حتى منعه، وكأنه لم يكن يعني له شيئًا.

صوت رايشفوت جاء متوسلاً، مشوبًا بالغضب:

– "كاجيرو، أيها الوغد الحقير، ماذا تفعل؟ تعال، أنقذني!"

لكنه لم يُكمل. تلقّى كي ضربة مباشرة من قدمه على وجهه، جعلته يسقط أرضًا مجددًا، وقد أدرك أنه فقد أي فرصة للمقاومة.

هنا، مدّ كي يده إلى صدره، ونزع النصل المغروس ببطء دون أن يصدر صوت ألم. لم يكن التظاهر بالصلابة، بل عدم الاكتراث. هو يعرف أن الألم لا يغير النتيجة، ولا يستحق التركيز.

كاجيرو، من الخلف، قال بنبرة من لا يفهم ما يراه:

– "مهلًا، لقد غرستُ النصل في قلبك... كيف لم تمت؟"

أجابه كي، بصوت بارد ثابت، دون أن ينظر إليه:

– "أوه، صحيح... قلبي في الجهة اليمنى."

ضحك كاجيرو بسخرية قصيرة. لم تكن سعادته حقيقية، بل تلك السخرية التي يستخدمها المقاتلون حين يشعرون بأنهم أمام خصم يستحق الجهد.

– "هذا جيد جدًا... ستكون مواجهة ممتعة أكثر."

ثم تابع، وقد تحوّلت نبرته إلى فضول قتالي:

– "لكن، كيف نجوت من طلقات رايشفوت؟ إنها قاتلة."

لم يجب كي بعد، لكنه ظل واقفًا، والجسد الذي أمامه لم يكن في قائمة أولوياته. كان كي، ببساطة، يقيّم من يستحق الرد... ومن لا يستحق.

قال كاجيرو وهو يقترب:

– "مهلًا، ألن تُجب على سؤالي؟ ... حسنًا، لا يهم."

لم ينتظر ردًا. أخرج نصلًا آخر، تحرّك بخفة، واستدار سريعًا ليغرسه في عنق كي من الجانب، دون تردد. لم تكن حركة تهديد، بل محاولة قتل مباشرة. لكن كي لم يتراجع. رفع يده، ووجه لكمة مستقيمة في وجه كاجيرو أوقفته تمامًا وأجبره على التراجع.

في الوقت نفسه، استغل رايشفوت انشغال كي، ووجّه عدّة طلقات نحو ظهره، راغبًا بقتله من الخلف. غير أن لهبًا مفاجئًا انفجر من ظهر كي وأذاب الرصاصات في الهواء.

شهق رايشفوت وهو يتراجع خطوة وقال بصدمة:

– "مستحيل... ناري؟ من هذا بحق الجحيم؟!"

نهض كاجيرو من أثر الضربة، مسح الدم عن فمه، وقال وهو يراقب اللهب:

– "أأنت مستخدم لهب؟ لم أقابل واحدًا من قبل."

أجابه كي دون أن ينظر إليه:

– "كن ممتنًا... أمامك واحد الآن."

ثم التفت نحوه مباشرة وقال:

– "وأنت، مستخدم ظلام... أليس كذلك؟"

واصل الفريق تقدّمه داخل المبنى، الممرات ضيقة والجدران متآكلة، والرائحة خانقة، لكن لا أحد تراجع. قرارهم كان واضحًا: الصعود إلى الطابق التالي.

وصلوا إلى الدرج الحديدي، صعدوا بخطوات حذرة، وكلما اقتربوا من الأعلى بدأت الحرارة تتسلل إليهم تدريجيًا، حتى أصبحت خانقة.

توقّف كايسن في منتصف السلّم، وضع يده على الحائط وقال بقلق:

– "هل تشعرون بهذا؟ الحرارة... ليست طبيعية."

رايجو أكمل الصعود دون أن يرد، أما كيزوكي فقال وهو يمسح جبينه:

– "اللعنة... كأننا نقترب من فرن."

هيرومي علّقت من الخلف، محاولة إخفاء قلقها:

– "أهذا لهب؟ لا يمكن أن تكون صدفة... هل هو كي؟"

لم يجب أحد، لكن التوتر ازداد. حرارة الهواء صارت كافية لإجبارهم على التوقف مؤقتًا. كايسن قال بسرعة:

– "لو استمررنا قد نحترق. علينا فهم ما يحدث أولًا."

لكن رايجو، الذي وقف عند أول مدخل في الطابق العلوي، قال بنبرة منخفضة:

– "لا... هذه الحرارة ليست عشوائية. أحدهم يقاتل هناك."

تقدّم الفريق ببطء، الحذر ظاهر في خطواتهم، الحرارة لا تزال تحاصرهم، والجو يوحي أن ما ينتظرهم في الأعلى ليس بالأمر العادي. عند منتصف السلّم المؤدي للطابق العلوي، وقف شخص ينتظرهم.

رايجو ثبت نظره عليه وسأل بنبرة مباشرة:

– "هاه؟ من أنت؟"

الرجل لم يتردد، نظر إليهم بثبات وقال:

– "اسمي لا يهم الآن. ما يهم هو أنتم ولماذا أنتم هنا."

كان واضحًا من صوته أنه ليس خائفًا، بل يعرف تمامًا ما يفعله. هانزو تقدّم خطوة وأجاب ببرود:

– "نحن هنا في مهمة رسمية من قِبل الأكاديمية."

لكن خلفه، همست إيكا دون أن تقصد أن تُسمع:

– "حقيقةً... ليست مهمة رسمية تمامًا."

الرجل التقط الكلمة رغم خفوتها، لكنه لم يعلق عليها. بدلًا من ذلك قال بنبرة أكثر جدية:

– "في كل الأحوال، لا يمكنكم التقدم أكثر. اتبعوني بدلًا من ذلك."

كان اسمه "نيفيلار"، وتلك النظرة الجادة في عينيه لم تكن مصطنعة. بدا واثقًا مما يقول، لكن أمير الظلال لم يقبل التوجيه بسهولة وسأله:

– "ولماذا تمنعنا من الصعود؟"

رد نيفيلار بنبرة حاسمة:

– "في الطابق العلوي، تدور الآن معركة عنيفة. هذا المبنى المهجور لم يُترك للصدفة، بل تم تخصيصه منذ زمن ليكون ساحة للتجارب والقتال."

عندها، تقدّم كيزوكي وسأله مباشرة:

– "وما هي الحرارة التي نشعر بها؟ لا يبدو أنها من مجرد شجار بسيط."

أجاب نيفيلار دون تردد:

– "لا أعلم بالتحديد، لكن من الواضح أن هناك مجانين أو أشرار يتقاتلون في الأعلى. ومن الأفضل ألا تتورطوا."

ردّ كيزوكي بلهجة ساخرة:

– "إذاً دعنا نصعد ونرَ بأنفسنا من هم هؤلاء المجانين."

لكن نيفيلار مدّ ذراعه ليمنعه من التقدم، وقال بجديّة لا تخلو من التوتر:

– "لا... قبل أن أسمح لكم بالصعود، أريد منكم خدمة صغيرة."

عند هذه الجملة، توقّف الجميع. لم يكن في نبرة نيفيلار تهديد، بل شيء آخر. بدا أنه لا يريد منعهم، بل يساومهم.

كان نيفيلار صريحًا هذه المرة، لا مواربة في صوته وهو يقول:

– "الخدمة بسيطة… أريد مساعدتكم في إنقاذ طفلة صغيرة. تم حبسها هنا منذ سنوات، وهناك احتمال كبير أنهم يجرون عليها تجارب حتى الآن."

تبادل أعضاء الفريق نظرات سريعة، لم يكن أحد يتوقع هذا النوع من الطلبات، لكن لم ينبس أحدهم برفض.

السكوت كان موافقة ضمنية، وبدأوا يتبعونه بصمت، إلى أن قطع كايسن الهدوء بصوت فيه بعض التردد:

– "لكن… أخي… لا زلنا نبحث عنه. ربما هو في الطابق الذي تندلع فيه تلك النيران… يجب أن نذهب الآن!"

كلماته لم تترك أثرًا في وجوه الفريق. كلهم رمقوه بنظرات باردة، لا تحمل أي اهتمام. بل إن فحواها كان واضحًا: "هذه مشكلتك وحدك، ولسنا معنيين بها."

كاد كايسن ينهار من الغضب، لولا أن رايجو تقدّم إلى جانبه وقال بهدوء:

– "إذن… لنبحث عنه معًا."

رفع كايسن رأسه ببطء، ثم ابتسم، امتنان حقيقي ارتسم على وجهه وهو يقول:

– "شكرًا… هيا بنا."

لكن قبل أن يتحركا، جاء صوت كيزوكي حادًا:

– "توقّفا. إلى أين تظنّان نفسيكما ذاهبين؟"

نظر كايسن إليه بنظرة غضب لم يعد يخفيها، نظرة حادة تحمّل أكثر من مجرد استياء، وقال بحدة:

– "إن لم تكن تنوي مساعدتي في البحث عن أخي، فلا يحق لك أن تتدخل في قراري."

لكن كيزوكي ظلّ واقفًا دون أن يتزحزح، وقال ببرود يحكم أعصابه عمدًا:

– "أنا قائد الفريق. وأنتما تحت حمايتي. أي تصرف خارج أوامري يُعتبر تمردًا."

صرخ كايسن فجأة، لم يعد يطيق القيود:

– "لا تعبث معي، يا هذا! متى أصبحت قائدًا أصلًا؟!"

لم يُجب كيزوكي بالكلام، بل أخرج ورقة رسمية مختومة، ورفعها أمامهم:

– "هل تصدّق الآن؟ تم تعييني رسميًا كقائد. لا يمكنك التحرك إلا بموافقتي."

ارتجفت أنفاس كايسن، ضغط على أسنانه، غضب لا يجد له مخرجًا سوى التحديق الحاد. رايجو سأله:

– "وإن خالفت أوامره؟ ماذا سيحدث؟"

أجاب كايسن بنبرة ممزوجة بالخوف والغضب:

– "قد تعاقبني الأكاديمية… بل إن كيزوكي قد يكذب ويشوّه الحقيقة… وقد يتم فصلي."

تقدّم الفريق عبر الممر الطويل، يتقدّمهم نيفيلار بخطى ثابتة لا يشوبها تردد. كان واضحًا أنه يعرف هذا المكان جيدًا، يعرف زواياه، وكل زاوية فيه تحمل ذاكرة لا يريد مشاركتها.

لكن الصمت ما لبث أن تلاشى.

كان هانزو أول من فتح باب الأسئلة، بصوت هادئ لكن نبرته تحمل كثيرًا من الشك:

– "كيف عرفت بوجود الطفلة هنا؟ ولماذا تقرر التحرك الآن تحديدًا؟"

لم يتوقف نيفيلار، بل أجاب وهو يسير:

– "كنت هنا منذ سنوات… رأيت ما لم يجب أن يُرى. صمتُّ طويلًا، لكن لم أعد أتحمل."

قاطعه كيزوكي بنبرة جافة:

– "أكنت تعمل معهم؟ أم كنت واحدًا من الخاضعين للتجارب؟"

هنا، توقف نيفيلار لحظة، دون أن يلتفت، وقال:

– "كنت حارسًا لهذا المبنى سابقًا. ثم… أدركت أنني لست سوى أداة بيدهم. فانقطعت عنهم، وبقي ضميري عالقًا في هذا المكان."

قالت إيكّا بصوت منخفض وهي تمشي خلفهم:

– "طفلة واحدة فقط؟ هل أنت متأكد أنها ما تزال على قيد الحياة؟"

رد نيفيلار دون تردد:

– "لست متأكدًا، لكنني أشعر أنها لم تمت… وهذا كافٍ للتحرّك."

أمير الظلال، الذي كان صامتًا طوال الوقت، قال أخيرًا:

– "ولماذا نساعدك؟ أنت نفسك اعترفت أنك كنت جزءًا من هذا الجحيم."

رفع نيفيلار رأسه، ونظر أمامه، ثم قال بجديّة هادئة:

– "ربما… لكنني أريد أن أصلح خطئي. أحتاج أحدًا يمدّ لي اليد، كما أتمنّى أن يمدها لي أحد إن كنت مكان تلك الطفلة."

توقّف نيفيلار فجأة، بلا مقدمات، مما جعل الفريق يبطئ خطواته على الفور.

التفت بعضهم، وسأله رايجو مباشرة:

– "ما بك؟ لماذا توقفت؟"

لم يجب في البداية، ثم قال بصوت خافت:

– "آسف... أتمنى أن تعذروني."

لم يكن أحد مستعدًا لسماع ذلك. تعجّب الفريق، وتبادلوا النظرات بقلق، حتى قال كيزوكي بحدة:

– "على ماذا تعتذر؟ ما الذي تنوي فعله؟"

رفع نيفيلار رأسه، وصوته أصبح أكثر جدية:

– "تلك الطفلة التي أخبرتكم عنها... هي ابنتي. ويجب عليّ إنقاذها... مهما كلف الأمر."

هانزو اقترب منه وقال بنبرة مطمئنة:

– "وإذا كانت ابنتك، فسنساعدك... لا داعي لأي جنون."

لكن الجنون وقع قبل أن ينتهي حديثه.

في لحظة، تحطمت نوافذ الجانبين، واقتحمت مجموعة من الأشخاص المقنعين المكان، بعضهم دخل من الأبواب، والبقية من الأعلى.

تحرّك الجميع لا إراديًا، التفتوا في كل اتجاه، يدهم على أسلحتهم، لكن عدد الأعداء فاق التوقع.

صرخ كايسن بغضب، دون أن يتمالك نفسه:

– "أيها الحقير! ماذا تفعل بنا؟!"

لم يلتفت نيفيلار، ولم يتردد، فقط قال بصوت بارد:

– "لأجل إنقاذ ابنتي... يجب التضحية بكم."

ساد الذهول، ارتجف البعض، وصرخ آخرون.

قال هانزو بتوتر شديد وهو يقترب خطوة للأمام:

– "لكن... يمكننا إنقاذها دون أن نُضحّى بأحد! نحن فريق كامل! يمكننا القتال معك!"

لكن نيفيلار لم يرد، وكأنه أغلق كل باب للنقاش

ما إن دخل الرجل ذو الشعر الرمادي الطويل والعينين الرماديتين، حتى تبدّلت أجواء التوتر إلى صمت ثقيل. خطواته الواثقة، وصوته المستهزئ حين قال:

– "مرحبًا بالضيوف... أو لأكون دقيقًا أكثر، مرحبًا بالرَّهائن"،

أحدثت خلخلة واضحة في نفوس أفراد الفريق.

كيزوكي تقدم خطوة بحدّة، وكأنه يحاول الحفاظ على تماسك القيادة، وسأل بغضب صريح:

– "من تكون، يا هذا؟"

لكن كلماته لم تُحدث سوى سخرية، ورايجو قاطع اللحظة بتصميم واضح:

– "سأقطعكم الآن."

فجأة، وقبل أن يتحرّك، صُوّب مسدس نحو رأسه.

أحد المقنّعين وقف خلفه بلا صوت، ورايجو لم يتراجع، بل تنهد وقال ببرود يحاول من خلاله إخفاء قلقه:

– "يمكنني قطعك قبل أن تطلق رصاصتك."

لم تكد كلماته تنتهي، حتى توجّه مسدس آخر نحو رأس يوكي.

أحد المقنّعين قال بصوت منخفض لكن محكم اللهجة:

– "لكن لا يمكنك قطعي... بينما أُطلق هذه الرصاصة على الصغيرة."

جسد يوكي بدأ يرتجف، كانت واقفة بلا حول، عيناها تتسعان، وشفاهها بالكاد تقدر على التنفس، خوف واضح لم تحاول حتى إخفاءه.

كان الخطر مباشرًا، ملموسًا، ومع ذلك لم يصرخ أحد.

بل قال رايجو بصوت منخفض، يضغط على كلماته كمن يقمع انفجارًا داخليًا:

– "تستخدمون الفتيات كنقاط ضعف؟"

التفت هانزو نحو أحد المقنّعين الذين أحاطوا بهم، نظر إليه بنظرة قاسية، وقال بصوت ثقيل بالغضب:

– "جرّب أن تطلق عليّ أنا، أيها الحثالة... نار."

في الخلف، إيكّا وضعت يدها على خصرها، تبحث بعينيها عن نقطة هروب أو ضعف بين المقنعين، وجهها يوحي بالتحليل المستمر رغم اضطراب أنفاسها.

أما كايسن، فقد انخفضت عيناه نحو الأرض لثوانٍ، قبل أن ترفعا فجأة، ممتلئتين بغضب دفين يكاد يندفع.

الرجل ذو الشعر الرمادي ابتسم، وكأن مشهد الارتباك هذا طعام يومي له، وقال:

– "اسمي كايسل. مرحبًا بكم في مملكتي... كل من دخلها لم يخرج منها."

ثم أضاف بنبرة ساخرة وهو يمد يده إلى الجانب:

– "أوه، آسف، أخطأت. هناك من خرج... لكن يمكن الخروج منها ميتًا... أو كتجربة تمشي تحت إرادتي."

في تلك اللحظة، كان الفريق في أسوأ حالاتهم النفسية.

قال كيزوكي هامسًا لأمير الظلال، متجنبًا النظر مباشرة إلى العدو:

"ماذا سنفعل الآن؟ هل نتحرك أم ننتظر؟"

جاءه الرد ببرود محسوب:

"أي حركة تعني موت إحدى الفتيات، ولا يهم ما يحدث لنا نحن."

ضغط كيزوكي على أسنانه، وتمتم بغيظ:

"تبًّا... نحن في موقف لا يُحسد عليه."

لم يرد أمير الظلال، وظل متيقظًا. في تلك اللحظة، التفت نيفيلار ببطء، ليس إلى الفريق، بل إلى كايزر، الرجل الذي لم يزل واقفًا بثقة، يُراقب الجميع كما لو أنهم أوراق لعب في يده.

أما الفريق، فقد كان ينظر إلى نيفيلار بنظرات امتزج فيها الغضب بالخيانة. لم يكن أحد مستعدًا لتصديق ما فعله، غير أن الدلائل لا تحتمل التأويل.

في الجانب الآخر، ارتجفت يوكي، ثم قالت بصوتٍ متهدّج:

"لماذا خدعتنا؟ كان بإمكاننا مساعدتك دون أن تضحي بنا..."

ردّت عليها إيكا بصوتٍ خافت بالكاد يُسمع:

"تبا... لا أريد أن أموت... ولا أن أصبح تجربة."

أما هيرومي، فقد حاولت أن تُبقي رأسها مرفوعًا. حدّقت في المقنّعين بتركيز، كأنها تستعد للانفجار، لكنها لم تكن تملك شجاعة الهجوم، بل فقط عناد الضعفاء.

تقدّم نيفيلار حتى وقف قبالة كايزر، وقال بنبرة هادئة:

"أعد إليّ ابنتي."

رفع كايزر حاجبًا قليلًا، وردّ وهو يضع يده خلف ظهره كمن يُلقي محاضرة:

"هذه كانت الصفقة، أليس كذلك؟ تحضر لي مجموعة من طلاب الأكاديمية، وأنا أعيد إليك ابنتك."

ثم أضاف، وهو يُدير رأسه قليلًا نحو الخلف:

"رغم أنني لم أتوقع أبدًا أن تخرج من ذلك المكان... أعني، من الاختبار الثالث. ذلك المستنقع صنعته لدفن الأذكياء لا لتخليصهم... لكن لا بأس."

توقف لثوانٍ، ثم أكمل بجفاف:

"ابنتك ستأتيك... قريبًا."

صرخ كايسن، وقد بلغ به الغضب حدّ الانفجار:

"أين أخي، أيها الوغد الحقير؟! أين كي؟!"

ضحك كايزر بمرحٍ مستفز، وأجاب كمن يستمتع بمشهدٍ عاطفي:

"أخ يبحث عن أخيه... مؤثّر جدًا."

ثم فجأة، تقلّصت ابتسامته، وظهرت في نبرته نغمة استغراب مفاجئ:

"مهلًا... هل قلت كي؟"

ردّ كايسن بلا تردد، وصوته لا يزال مشحونًا:

"نعم! أين هو؟ إن لمسته بسوء، سأذبحك."

تبدّلت ملامح كايزر في لحظة. اختفى المرح، وذابت السخرية، ليحلّ محلها برود قاتل. رفع رأسه قليلًا، ونظر في عيني كايسن مباشرة، وقال بصوت منخفض لكنه واضح:

"أنا أكره هذا الاسم."

ساد الصمت. لم يكن أحد يتوقّع أن يتأثر هذا الرجل باسم.

تابع كايزر، ونبرته تزداد قسوة مع كل كلمة:

"ذلك الاسم... يشعل في صدري غضبًا لا يهدأ، ويجرّ خلفه ذكريات لا تُحتمل."

تقدّم خطوة إلى الأمام، وبدا جسده ساكنًا، لكن عينيه اشتعلتا بوميض قديم.

عاد كايزر إلى هدوئه فجأة، كما لو أن نوبة الغضب التي اجتاحته لم تكن سوى اضطراب عابر. تنفس ببطء، ثم قال بنبرة مستهترة:

"لكن... لا داعي للقلق. لقد مات على اية حال امام عيناي ."

أطرق لحظة، ثم تمتم وكأنه يحاول تذكّر شيء غائم:

"متى؟ مئة سنة؟... لا، ستون؟ تبا، لا أعلم... اختفى من هذا العالم منذ زمن كافٍ لأرتاح."

ثم التفت نحو كايسن، وأضاف:

"المثير للاهتمام فقط... أن أخاك يحمل نفس الاسم. مصادفة مريبة."

وقبل أن يتمكّن أحد من الرد، اهتزّ السقف فوق رؤوسهم، وتشقق الجدار العلوي فجأة، لينهمر الغبار، ويتهدّم جزء من السقف ويسقط معه شخصان.

ارتطم الجسدان بالأرض بقوة، وتدحرجا قليلًا قبل أن يستقرا فوق بعضهما، وسط ذهول الجميع.

رفع كاجيرو رأسه وهو يزيح التراب عن وجهه، ثم نظر إلى كايزر وابتسم كما لو أنه عاد من نزهة طويلة:

"أوه، الزعيم؟ من الجيد أنك هنا."

ضيّق كايزر عينيه، وحدّق فيه بحدة:

"أين كنت؟ ولماذا تبدو بهذه الحالة؟"

ضحك كاجيرو، ومسح دمًا خفيفًا عن جبينه، ثم قال وهو يشير إلى رايشفوت الملقى بجانبه:

"في الحقيقة... كنت مشغولًا بمواجهة العضو الأخير من هذا الفريق."

ثم أضاف، وهو يقهقه بخفة:

" أنه... مجنون بعض الشيء."

2025/05/24 · 6 مشاهدة · 2435 كلمة
Mouad Kei
نادي الروايات - 2025