كان الفريق محاطًا بنيفلار، وهو ممسك بابنته برقة كبيرة، تعلو وجهه علامات القلق وضعف.
لم يوجهوا إليه لومًا أو توبيخًا، بل على العكس، شجعوه على شجاعته في إنقاذ ابنته، وكأنهم يعترفون بأن الخيانة أحيانًا ليست إلا خيارًا مؤلمًا من أجل الحب.
كانت الفتيات يواسونه بصوتٍ ناعم، يملؤه الطمأنينة، يكررن له أن كل شيء سيكون بخير، وأن ابنته التي فقدت وعيها بين ذراعيه ستشفى قريبًا، كانوا يداعبونها ويلعبون معها رغم فقدانها الوعي ...برقة كأنها زهرة هشة لا تحتمل الألم.
أما الفتيان، فقد أظهروا بعض الغضب، لكنه كان غضبًا خافتًا، متوارًٍا وراء ملامح تعبيرهم الهادئة، إذ لم يستطع أحد منهم أن يحمل في قلبه حقدًا على نيفيلار، فقد سامحوه بالفعل، حتى وإن كان الألم لا يزال يخنق صدورهم.
وقف نيفيلار وسط هذا التوازن الدقيق بين الغفران والغضب، يشعر بثقل ما حدث، لكنه في هذه اللحظة كان محاطًا بدفء غير متوقع، دفء من اشخاص غرباء خانهم ...لم تنسَ أنه من أجل ابنته، قدم أغلى ما لديه.
كان كي الوحيد الذي لم يتقبل المشهد أمامه.
حيرة كبيرة تغزو روحه، فلم يستطع فهم كيف يُسامح خائن قاد إلى قتل فتيان وفتيات، بغض النظر عن السبب، حتى لو كانت ابنته.
كان يرى كيف يضحكون لنيفلار ويواسونه، وكان ذلك أمرًا غير منطقي مطلقًا في نظره.
تقدم كي خطوة إلى الأمام، وجميع الأنظار التفتت إليه، ووقف أمام نيفيلار بنظرات باردة تخترق كالأشواك.
قال بصوت جامد: "كيف لكم مسامحة خائن مثله؟ لقد كاد يقتلكم."
رد كيزوكي بغضب، وهو يوجه كلامه إلى كي: "وأنت أيها الوغد... هل نسيت أنك كنت سبب قدومنا إلى هنا من الأساس؟"
رد كي بصوت هادئ لكنه مشبع بالمرارة: "نعم، كنت سبب قدومكم إلى هذا الخراب لكن... هل طلبت منكم يومًا أن تسامحوني؟ هل ترجّيت شفقتكم كما يفعل هذا الرجل الآن؟"
قال نيفيلار بصوت خافت، كمن يعترف بخطيئة: "آسف يا كي... وعدتك أنني لن أخون أحدًا، لكنني... أخلفت الوعد." شهقت يوكي وقد تفاجأت بحدة: "مهلًا، هل كنتم تخطّطون لقدومنا إلى هنا منذ البداية؟!"
تقدم كيزوكي بخطوات سريعة، عينيه تقدحان شررًا: "أيها الغبي! إن كنت خائنًا مثله فلا مكان لك بيننا!" مدّ أمير الظلال يده في اللحظة المناسبة، وأمسك كتف كيزوكي ليمنعه من التهور، وكانت نظرته أكثر وقعًا من كلماته. توقّف كيزوكي وهو يزم شفتيه، ثم نظر إلى أمير الظلال بعينين دامعتين من الغضب، لكنه لم يتحرك خطوة أخرى. تحدث كي من جديد، بصوت عميق : "الخونة لا يستحقون الحياة، ولا الصفح، ولا الفرص الثانية." ثم نظر نحوهم جميعًا: "تخيلوا فقط... لو مات أحد هؤلاء الفتية، هل كنتم ستسامحونه؟ هل كان هو سيسامح نفسه؟"
ردّ هانزو بصوت ثابت: "لا أمانع الموت إن كان الثمن إنقاذ طفلة... لكنه أخطأ في طريقة طلب المساعدة." توجه كي بنظراته الحادة إلى هانزو، وقال بنبرة باردة : "هل تظن الموت سهلًا؟ .
لم يرد هانزو، لم يرتبك، فقط حافظ على نظرته، لكنه صمت . عاد كي يحدق في نيفيلار، صوته أكثر حدة الآن: "أخبرني، هل ستغفر لنفسك لو ماتوا؟ هل ستستطيع النظر إلى ابنتك في عينيها حين تكبر وتعرف أن نجاتها كانت بثمن خيانة؟" تخيّل نيفيلار صورة ابنته وهي تكبر وتحاكمه بصمت عينيها... فأحس بقشعريرة تعبر عموده الفقري. ارتجف جسده، وارتبك وجهه، كأن كلمات كي صفعت روحه مباشرة بلا رحمة.
فجأة، ارتجفت جفون "ميري"، ثم فتحت عينيها ببطء وسط أنفاس ثقيلة، كمن يعود من عالم آخر. أول ما رأته كان وجه "كي"، جامد الملامح، بارد النظرات، تصلّب جسدها الصغير في لحظة، وارتبكت نظرتها، إذ تذكرت بوضوح أن هذا هو الفتى الذي ركلها… وركل والدها. تسللت بسرعة إلى حضن نيفيلار، احتضنته بقوة،. قالت "يوكي" بصوت يحمل بعض الارتياح: "لقد استيقظت... هذا جيد!"، فردّت "إيكا" بقلق: "لكن... هل هي بخير؟ بشرتها شاحبة جدًا..."
ربّت نيفيلار على رأس ابنته بلطف، وهمس لها: "ميري، لا تقلقي... هؤلاء هم من أنقذوك، لا يوجد ما يخيف هنا." لكن الصغيرة لم تُجب سوى بكلمات مرتجفة: "لكنه... هو نفسه... نفس الرجل الذي ركلني... وركلك أيضًا يا أبي..." ساد الصمت كأن الجميع ابتلع أنفاسه. لم يفهم الفريق ما تعنيه... إلا اثنان فقط: كي، ونيفلار.
اقترب هانزو بخطوات هادئة، جلس على ركبته أمام الفتاة، وابتسم بلطف: "لا تخافي، من الذي أراد إيذاءك لن يقترب منك الآن." ردّت ميري بصوت مرتجف، عيناها تترنحان بين الطفولة والرعب: "لم يرد فقط ركلي... بل... قتلي أيضاً..."
ارتفع الحاجب لدى "يوكي"، وحدّقت "إيكا" بدهشة، ثم بدأت نظرات الريبة تتبادل بين أفراد الفريق بصمت ثقيل. قال هانزو، بنبرة أرادها حانية لكنها ارتجّت قليلاً: "ميري... هل يمكنك أن تشيرين لنا من هو؟ فقط إن كنت قادرة."
نظرت الصغيرة إلى "كي"، بتردد وخوف، كانت تتوقع أن يرمقها بنظرة تهديد كما فعل من قبل... لكنها لم تجد شيئًا من ذلك... لا تهديد، لا وعيد... فقط ذلك الفراغ المعتاد في عينيه، نظراته اللامبالية . ومع ذلك، ما إن التقت عيناها بعينيه، حتى ارتعد جسدها، واختبأت في حضن والدها أكثر.
وقبل أن ينبس أحد من الفريق بكلمة، تقدم "كي" من الظل بصوته الهادئ الذي لا يحمل ندمًا ولا رحمة، وقال:
"أنا من أراد ركلها... وقتلها."
في لحظة واحدة، توجهت أنظار الجميع نحوه، عيون مصدومة لا تفهم إن كان هذا اعترافًا، أو سخرية جديدة.
قال "رايجو" باستهجان: "كفى مزاحًا، يا رجل، هذه مزحة غبية!"
وتبعت "هيرومي" بانزعاج: "ليس الوقت مناسبًا للمزاح أصلًا." لكن "كي" قاطعهم بصوت أشد برودة: "أنا من فعلها. وإن لم تصدقوني... اسألوا الطفلة بنفسها."
تقدّم "كيزوكي" هذه المرّة، الغضب يشع من عينيه كشرر، أمسك بكتف "كي" بقوة وقال:
"إن كنت فعلتها فعلًا... لأذبحنك هنا!"
لكن "كي" لم يرد، فقط رفع مرفقه فجأة ووجّه ضربة حادة نحو وجه "كيزوكي"، أجبرته على التراجع متألمًا.
صرخ "كيزوكي" وهو يتراجع: "سأقتلك، أيها الوغد!"
لكنه لم يتمكن من التحرك مجددًا، إذ أمسكه "هانزو" من الخلف بقوة وقال: "ليس الآن... هناك ما هو أهم من الانتقام."
نظر "كي" ببرود إلى "ميري"، نظراته لا تحمل شفقة ولا تردد، وقال ببطء:
"إذاً... يا ابنة الخائن، أخبريهم... أنا من قام بضربك، لأني كنت أريد قتلك."
ساد الصمت، لكن "كايسن" لم يحتمل وصرخ: "توقف، كي! أنت تبالغ... ما ذنب طفلة صغيرة في خيانة والدها؟!"
لكن "كي" لم يتراجع، بل رفع يده، ووجّهها ببطء نحو وجه "نيفلار" وكأنه يقرر مصيرًا.
قال بصوت حادّ: "فليمت إذًا... هو وابنته."
وفجأة... شقّ صوت مختلف السكون، صوت ناعم ومكسور، قال برجاء:
"أرجوك... لا... توقف... أرجوك..."
التفت الجميع، حتى "كي" نفسه توقّف، عينيه تتحركان ببطء نحو مصدر الصوت.
رأوا امرأة تقف هناك، شعرها بنيّ كسُنبلة خريف، وعيونها بنية عميقة كأنها مرآة الطفلة.
كانت ترتجف، لكنها وقفت رغم كل الضعف، وظهرت الحقيقة جليّة: إنها أم "ميري"... زوجة "نيفلار".
ردّ "نيفلار" بدهشة وهو يحدق في المرأة الواقفة أمامه، وصوته بالكاد خرج من بين شفتيه:
"ماذا... ماذا تفعلين هنا يا ليانا؟"
التفتت "ميري" بسرعة حين سمعت اسم والدتها، لم تصدق عينيها، ثم ركضت نحوها بكل ما تبقى فيها من طاقة.
ارتمت في أحضانها، وهي تبكي بكلمات متقطعة: "أمي..."
احتضنتها "ليانا" بقوة، وكأنها تحاول حمايتها من كل شرور العالم، وهمست بعاطفة موجوعة: "ميري... صغيرتي..."
كان "نيفلار" يريد الوقوف واللحاق بهما، لكنه فقد توازنه وسقط أرضًا فجأة، وارتطم كتفه بالحجارة.
هرعت "يوكي" و"هانزو" إليه بسرعة، وركعا بجانبه في قلق واضح.
قال "هانزو" بجدية وهو يتحقق منه: "ما بك؟ لماذا سقطت؟"
بينما قالت "يوكي" : "ربما... تأثر بالمشهد؟ إنها ابنته وزوجته..."
لكن "نيفلار" أجاب بنبرة مرهقة: "لا... فقط... عظامي كلها مكسورة."
رفعت "يوكي" و"هانزو" رأسيهما ببطء، تبادلا النظرات ثم التفتا نحو "كي".
كان "كي" يقف هناك، على مسافة قريبة، ينظر نحو "ميري" و"ليانا" ببرود يشبه الموت.
لا دهشة، لا شفقة، لا حقد... فقط الصمت والتجمّد.
جلست "ليانا" على الأرض، وثوبها الطويل امتد فوق الحصى البارد، بينما ضمّت "ميري" إلى صدرها بقوة وكأنها تحاول أن تلغي كل المسافة التي فرّقتهما.
"أمي..." همست "ميري"، صوتها مرتجف، لا يزال عالقًا بين الصدمة واليقين، كأنها تخشى أن تستيقظ وتجد أن كل هذا مجرد حلم.
مررت "ليانا" أصابعها المرتجفة على شعر ابنتها، ثم على وجنتها المخدوشة، وكأنها تريد التأكد من أنها ما زالت هناك... أنها حقيقية.
قالت برقة مكسورة: "أخبريني، ميري... هل آذاك أحد؟ هل جاعوك؟ هل بكيتِ كثيرًا؟"
هزّت "ميري" رأسها ببطء، ثم خبأت وجهها في صدر والدتها: "كنت خائفة... لكني لم أبكِ. لم أسمح لنفسي بالبكاء."
اتسعت عينا "ليانا" حزنًا، كأن الكلمات كانت طعنات صامتة تخترق صدرها بهدوء.
"لم تبكِ؟ يا صغيرتي... لماذا؟"
"لأنني كنت أنتظر عودتكِ... كنت أفكر أنك ستأتين، وستقولين لي أن كل شيء سيكون بخير."
صمتت "ليانا" للحظة، شعرت بثقل العالم على كتفيها، ثم قالت بصوت متهدج: "ولكني تأخرت... تأخرت كثيرًا."
"لكنّكِ جئتِ في النهاية، أمي... وهذا يكفي."
أبعدت "ليانا" ابنتها قليلًا لتنظر في عينيها،
وفي تلك اللحظة شعرت بالندم، بالخوف، وبالامتنان، امتزج كل شيء في وجهها.
"لقد كنتِ شجاعة، ميري... أكثر مما كنتِ يجب أن تكوني. وكان يجب أن أكون أنا من تحميك، لا أن تواجهي كل هذا بمفردك."
"لكنّ أبي حاول... كان يخاف عليّ... فعل أشياء سيئة لكنه أنقذني."
ارتعش صوت "ميري" وهي تقول الجملة الأخيرة، وكأنها تحاول تبرير تصرفات لم تفهمها حتى.
احتضنتها "ليانا" مجددًا، وقالت بنبرة حزينة: "أعلم... أعلم ما فعله. وكم كان قلبه مليئًا بالخوف عليكِ."
"هل سامحتهِ، أمي؟"
ترددت "ليانا"، ونظرت إلى زوجها الجريح في المسافة، ثم همست بصوتٍ لا يسمعه سواها وابنتها:
"لا أعلم إن كنت سامحته، ميري... لكني أعرف أنني لا أكرهه."
عندها فقط، أغلقت "ميري" عينيها، وابتسمت للمرة الأولى منذ زمن طويل.
حاول نيفيلار أن ينهض. كان يود التقدم نحو زوجته وابنته، أن يشاركهما هذا اللقاء الذي لم يتخيله يحدث. لكنه ما إن خطا خطوتين حتى خانه جسده. ساقاه لم تحتمل، وتمايله كاد ينهي الموقف بشيء من الإذلال. تقدم هانزو بسرعة وأمسك به من تحت كتفيه ورفعه بثبات.
نظر نيفيلار إليه بامتنان صامت، ثم قال بصوت واهن: "شكرًا."
رد هانزو وهو لا ينظر إليه: "لا تظهر هذا الوجه الآن، يا رجل. كن قويًا أمام عائلتك."
لم يكن حديث عاطفة، بل أمر واقعي. نيفيلار فهم ذلك، وأومأ دون أن يعلق.
ركضت الفتيات باتجاه "إليانا" وميري. لم يتحدثن كثيرًا، بل اكتفين بلمسات على الكتف والظهر، وعبارات مقتضبة: "هل أنت بخير؟"، "كل شيء انتهى الآن". لم يكن المشهد بحاجة للكثير من الكلمات، فقط وجودهن كان كافيًا لطمأنة الأم المصدومة.
قال كيزوكي وهو يلتفت نحو أمير الظلال: "تبا، أكره هذه اللحظات."
أجابه أمير الظلال بصوت منخفض: "ربما، لكنها ضرورية."
كان كل شيء هادئًا رغم الثقل.
قال رايجو وهو ينظر إلى كايسن: "نحن أبطال، أليس كذلك؟ أعدنا الابنة إلى أمها."
رد كايسن بابتسامة مرتاحة: "لسنا السبب الحقيقي ربما... لكن من الجيد رؤية هذا المشهد."
اقترب هانزو من إليانا وهو يحمل نيفيلار. قبل أن يصلا، همس له: "هل تستطيع الوقوف وحدك؟"
قال نيفيلار بثبات: "طبعًا. شكرًا لك."
أنزله هانزو بحذر. وقف نيفيلار رغم الألم، رغم عظام ساقه المتكسّرة، لم يكن ذلك مبررًا للغياب عن أسرته.
كان يجب أن يكون حاضرًا.
اقترب نيفيلار منها بخطوات مترددة. لم يكن متأكدًا من نظرتها، ولا من لهجتها القادمة. ميري كانت بين ذراعيها، ترمش ببطء من التعب، بينما إليانا تنظر إليه بوجه لا يحمل تعبيرًا واضحًا.
قال بصوت منخفض: "أنا آسف."
لم ترد. مدت يدها وساعدته على الجلوس قربها. كانت تلك إشارة قبول، أو ربما تأجيل للغضب.
أضاف بهدوء: "فعلت ما بوسعي... لم أجد طريقة أخرى."
قالت وهي تنظر إلى ميري: "كادت تموت."
هز رأسه: "وأنا أيضًا... وكنت مستعدًا."
نظرت إليه أخيرًا. ملامحها ما زالت متوترة، لكنها ليست قاسية. قالت: "لا أريد تفسيرًا الآن. فقط لا تختفِ مرة أخرى."
قال بهدوء: "لن أفعل."
نظر "كي" إلى ذلك المشهد، الأم تحضن ابنتها، الأب يقف بصعوبة لكنه حاضر، الفتيات يحيطن بالأسرة كأنهن حائط صدّ عن كل شيء. لم يشعر "كي" بشيء. لم يتحرك داخله شيء يشبه الشفقة أو الرغبة في الصفح. فقط صورة عابرة مرت في ذهنه.
تقدم بخطوات بطيئة نحو نيفيلار. لم يقل شيئًا. لكن وقع خطواته كان كافيًا لتجميد الجميع. التفتت الأنظار نحوه، كأنه قادم ليُنهي شيئًا لم يكتمل.
ارتجفت "ميري"، اختبأت في حضن أمها، بينما نظرت "إليانا" حولها بلا فهم. لم تدرك سبب هذا التوتر الذي تسرّب فجأة في الهواء.
قال "نيفلار" بصوت مرتفع قليلًا: "كي، توقف. لا تفعل شيئًا الآن."
لم يتوقف "كي". واصل السير، بعينين خاليتين من الغضب أو الندم. فقط نظرة ثابتة لا يمكن قراءتها.
تقدّم "كيزوكي" و"كايسن" بسرعة ليقفوا بينه وبين الأسرة، جاهزين لأي تصرف.
قال "هانزو"، وهو يقف جانب "كي": "لن تفعل شيئًا أحمق الآن، صحيح؟"
"يوكي" و"إيكا" تحركتا بسرعة، سحبوا "ميري" و"إليانا" إلى الخلف.
ظلت "إليانا" تنظر حولها بعدم فهم، وأخيرًا قالت: "ما الذي يحدث؟ ما به هذا الفتى؟"
أجابت "يوكي" بهدوء وهي تضع يدها على كتفها:
"هذا كي. لا يحب أن ينجو الخونة من عواقب أفعالهم."
وصل "كيزوكي" و"كايسن" ووقفا خلف "كي"، يدركان أن عليهما التدخل.
قال "كايسن" بصوت هادئ لكنه حازم: "توقف، كي. ليس الآن. إنه مع أسرته."
وأضاف "كيزوكي" بنبرة حاول فيها التماسك: "لدينا وقت لاحق لنحاسبه، لكن الآن—"
لم يكمل جملته. ضربة بالكوع اخترقت المسافة القصيرة بينه وبين "كي"، أصابت "كايسن" في عينه، فتراجع وهو يصرخ من الألم.
"كيزوكي" حاول الإمساك بـ"كي"، لكن ضربة ثانية، حادة وسريعة، استقرت في بطنه وأسقطته أرضًا دون مقاومة.
تدخل "هانزو" فورًا، دفع صدر "كي" بقوة وهو يصرخ: "هل جننت؟ ليس الآن! لماذا تفعل كل هذا؟"
لم يجب "كي". لم يرمش حتى. فقط نظر.
"ميري" بدأت تبكي. بكاء متقطع، متوتر، عميق.
أمها كانت تحاول تهدئتها، لكن الطفلة كانت تهمس بكلمات قصيرة، متقطعة، عنيفة.
النظرات بدأت تتجه نحو "كي". لم تكن نظرات صدمة هذه المرة، بل حقد.
كراهية جماعية، واضحة، بلا مواربة. كأن وجوده أصبح خطأً في هذا المكان.
ثم بدأ الألم. رأس "كي" شعر بانفجار صامت في داخله.
لم يتحرك. لم يصرخ. لكنه شعر وكأن شيئًا ينكسر في داخله ببطء.
الضغط حوله ازداد. الكلمات اختفت. الأصوات تبعثرت. بقي شيء واحد:
رغبة في القتل. نية خالصة، نقيّة، داخله. لا تعود لأحد، فقط له.
بدأ يرى الجميع باللون الأحمر.
شرارات حمراء، كثيفة، كانت تومض أمام عينيه.
أصابعه تحركت بطريقة غريبة، وكأنها لا تتبع أوامره.
فقد القدرة على الكلام، فقد القدرة على السمع، لكنه عرف أمرًا واحدًا بوضوح:
إن اقترب أحد منه الآن… سيقتله فورًا.
قاوم "كي" ارتجاف جسده. كان يريد إخراج الزجاجة الصغيرة التي يحملها دائمًا للضرورة، تلك التي تحتوي على بخار منوم.
لكن يده ترددت. جسده لم يكن يستجيب بسرعة، وكأن شيئًا داخله يمنعه.
كانت فكرة أنه قد يقتل الجميع بنية مجهولة المصدر تربكه.... لانها لم تكن جزء من خطته ...لم يعرف كيف تسللت هذه النية إلى قلبه، لكنها كانت موجودة، ومخيفة.
أخيرًا، بشق النفس، أخرج الزجاجة، وكسرها بأطراف أصابعه، فانطلق منها غبار بنفسجي كثيف، تمدد بسرعة في الهواء المحيط.
"رايجو" و"أمير الظلال" كانا خلف الجميع، لم تصل إليهما الموجة الأولى من الغبار.
قال "رايجو" بدهشة: "مهلاً، ما الذي يحدث؟ لماذا سقطوا؟"
رفع قدمه بتوتر، لكنه توقّف عندما مدّ "أمير الظلال" يده أمامه بإيماءة صامتة.
تراجع "رايجو" قليلاً وقال بهمس: "لماذا؟ ما الذي—"، ولم يكمل سؤاله.
كان "كي" لا يزال واقفًا وسط الأجساد الغائبة.
أراد أن يتحرك. أراد أن يتأكد أنهم بخير. لكن جسده لم يطاوعه.
الغضب، الكراهية، الحقد—تلك المشاعر التي كانت تسيطر عليه—بدأت تهدأ شيئًا فشيئًا الى ان اختفت تلك مشاعر كلها .
لكن شيئًا واحدًا لم ينسحب.
نية القتل. لم تهدأ. لم تضعف. بل اشتدت، وكأنها لا تعتمد على وجود أحد.
جسده بدأ يرتجف. لم يكن يشعر بأطرافه. فقط بداخل صدره، كانت النار لا تزال مشتعلة.
ضغط على أسنانه بقوة، أراد الهرب من ذاته، من أفكاره، من كل شيء.
ثم قفز. قفزة واحدة، بعيدة، كأنها خروج عن كل شيء.
ابتعد عنهم. لكنه لم يبتعد عن ما يشتعل بداخله.