إذا كنا فقط فاقدين للوعي... لماذا جلبتمونا إلى المشفى؟!"

تحرك الطبيب بهدوء نحوه محاولًا تهدئته، لكن كيزوكي لوّح بيده بعصبية دافعًا إياه، كأنه يقول: "لا تلمسني."

في الزاوية، جلس هانزو وهو يمسح على جبينه، ثم قال بنبرة منخفضة:

"اهدأ يا رجل... الغضب ليس حل الآن."

لكن كيزوكي لم يهدأ، قال وهو ينهض عن السرير ببطء:

"أنت محق بشيء واحد فقط... يجب ان افرغ غضبي في ذلك الوغد. في كي."

كايسن التفت إليه، بدا عليه التوتر، قال بسرعة:

"لكن... كي لم يؤذي أحد فعليًا، هو فقط—"

قاطعه كيزوكي بحدة:

"اخرس."

كانت الغرفة صامتة بعدها. الطبيب توقف عن الحركة. حتى الأجهزة أصدرت صوتًا خافتًا متقطعًا، وكأنها شعرت بتصاعد التوتر في المكان.

انفتح باب الغرفة بهدوء، وظهر أمير الظلال واقفًا بكتفيه المشدودين، ونظراته تقيّم المكان بسرعة. قال بصوته العميق دون أن يبتسم:

"إذًا... استيقظتم جميعًا."

رفع كيزوكي حاجبيه وأشار بيده نحو نفسه والآخرين، وقال بسخرية:

"كما ترى... لم نتحول إلى أشباح بعد."

ابتسم هانزو بخفة وهو يزيح الغطاء عن ساقه ويقف:

"حسنًا، لننهض. علينا التوجه إلى غرفة الفريق."

نهض كيزوكي أولًا وهو يفرقع مفاصله كأنما يستعد لقتال، ثم تبعه كايسن بخطوات أبطأ، يطالع الأرض بنظرات مشوشة.

في أثناء سيرهم خلف أمير الظلال، بدأ كايسن يفكر، وبدا التفكير واضحًا في تقلص عضلات وجهه:

"تبا... أخي الصغير يجرنا إلى مشاكل أكثر مما أحتمل. لكن... سأقف إلى جانبه، سواء كان ظالمًا أو مظلومًا، أليس هذا ما يفترض بالأخوة؟"

توقف قليلًا، لم يتأخر عن الخطى لكنه قلّص حدّة نظرته، ثم قال في نفسه فجأة:

"لكن هل أقول هذا لأكفّر عن ذنبي تجاهه؟ أم لأنني... فعلاً أراه أخي؟"لم يجد إجابة.

وصل الأربعة إلى غرفة الفريق بصمت ثقيل. فتح أمير الظلال الباب دون تردد، فانزاح الخشب بصوت خافت، كاشفًا الغرفة الداخلية المضاءة بمصباح سقفٍ باهت.

كان كي جالسًا على كرسي بسيط في الزاوية، ساقه اليمنى فوق اليسرى، كتاب مفتوح بين يديه، وعيناه تتنقلان على السطور بهدوء حادّ لا يناسب اللحظة.

كايسن تباطأ في دخوله، حاجباه مرفوعان بدهشة صامتة.

كيزوكي تمتم وهو يتقدم خطوة للأمام:

"هل... تقرأ كتابًا الآن؟"

رفع كي عينيه من الصفحة بهدوء، ثم أغلق الكتاب بإبهامه، صوت الورق وهو يُطوى بدقة زاد من غرابة اللحظة.

رد كايسن بتوتر خفيف:

"لم أكن أظن أنك من محبي الكتب."

تأمل كي وجوههم جميعًا، توقف للحظة، ثم قال بنبرة خالية من التوتر:

"وهل قراءة الكتب أمر غريب؟ كوني باردًا أو لا مباليًا لا يعني أنني لا أقرأ."

لم يُجبه كيزوكي، ولم يهتم بتفسير. خطواته كانت أسرع من أفكاره، وتوقف أمام كي مباشرة، قال بصوتٍ منخفض لكن حاد:

"دعنا من هواياتك. أنت مدين لنا بتفسير الآن."

وقف كي ببطء. دفع الكرسي للخلف دون صوت، وكأن الحذر صار جزءًا من تركيبته. بيده اليسرى أعاد الكتاب إلى الرف الخشبي المتآكل في الزاوية، ثم التفت بوجه خالٍ من التوتر، دون أن ينظر مباشرة لأي منهم.

قال بنبرة متماسكة:

"تفسير؟"

رد كيزوكي من مكانه بانفعال، نبرته ترتفع تدريجيًا:

"نعم، تفسير. تفسير لجلبك لنا إلى تلك المنطقة المجنونة. تفسير لرغبتك في قتل طفلة لم ترتكب ذنبًا. تفسير لتنويمك لنا بالقوة!"

لم يتحرك كي.

تقدم هانزو خطوة، يده في جيبه، صوته كان أقل حدة:

"أظن أن من حقه أن يشرح، لا تقاطعه."

وافقه كايسن بهدوء وهو ينظر إلى الأرض:

"تمهل، كيزوكي... على الأقل لنسمعه أولًا."

هز كي رأسه ببطء، كأنه يمنح نفسه دقيقة لترتيب أفكاره. ثم، بصوت هادئ أقرب للرصانة:

"حسنًا... أنتم محقون. أنا مدين لكم بتفسير."

صمت لثانية.

ثم تغيّرت نبرته فجأة.

لم يعد في صوته حياء أو تردد. فقط برود خالص، مثل سطح حجر ناعم بعد المطر:

"سبب أخذي لكم إلى تلك المنطقة... أنني كنت أريد اكتشاف تلك المنظمة بوضوح. وايضا كنت اريد تأكد من امر تلك المنظمة ...والأكاديمية لن ترسلني وحدي، لذا... كان علي أن أبدو كأنني أحتاج إلى فريق."

التفت ببطء نحو ملامحهم المتجمدة، ثم تابع دون أن يرمش:

"أما الطفلة... فهي ابنة خائن. وما الخائن إلا حثالة. وإذا كان للحثالة ابنة، فستصير مثل أبيها. لذلك، كان يجب أن تُقتل....بكل بساطة لايجب ان يتكاثروا الحالة".

شهق كايسن بصوت خافت، وتيبس وجه هانزو، أما كيزوكي فقبض يده كأن الدم يتدفق نحو قبضته.

تابع كي، وكأنه لم يرَ وجوههم:

"وتنويمكم؟... ببساطة، لأنكم كنتم مزعجين. لم أكن أحتاج صراخًا أو جدلًا أو دموعًا تعرقل الخطوة القادمة."

وقف هانزو ثابتًا، حاجباه مقطّبان، وكأن عقله يرفض هضم منطق كي.

قال بهدوء متوتر:

"مهلًا، يا رجل... هل أنت جاد فعلًا؟ هذه ليست أسبابًا منطقية."

أدار كي رأسه نحوه، عيناه هادئتان، خاليتان من أي انفعال.

ردّ ببرود:

"المنطق يختلف من شخص إلى آخر."

ضحك كيزوكي بمرارة، خطوة واحدة نحو كي وكأنها تقرّب الشرارة من اللهب:

"ومنطقك، كما يبدو، مجرد أنانية مغطاة بثقة زائفة. جلبتنا فقط لأهدافك الخاصة، لا لنكون فريقًا، بل أدوات."

"وتريد قتل طفلة… فقط لأن والدها خائن؟!"

"من الذي منحك الحق لتقرر أنها ستصير مثله؟!""

لم يرد كي.استدار وخرج بهدوء من الباب، لا يغلقه، لا يسرع، لا يشرح.

في الداخل، ساد صمت خفيف، قبل أن يكسره كايسن بصوت خافت:

"كيزوكي... ليس عليك قول كل هذا. كي لديه وجهة نظر. حتى لو لم نتفق معه… هو لا يرى الأمور كما نراها."

لكن كيزوكي لم ينظر إليه. وقف مكانه، كتفه يرتجف قليلاً من الانفعال المكبوت، ثم نطق ببرود حاد:

"وهل مجرد وجود "وجهة نظر"… يعني أن نسمح بقتل الأطفال؟ هل هذا هو مبرر العالم الآن؟ أفكار شريرة تحت مسمى "وجهة نظر"؟ لا يا كايسن... بعض الآراء لا تستحق أن تُحترم، بل تُدفن."

تلفت كايسن ببطء نحو الباب، حيث اختفى كي، ثم هز رأسه.

لأول مرة، لم يكن يعرف هل هو يقف مع أخيه... أم فقط يهرب من شعورٍ قديم لم يغفره لنفسه بعد.

كان كي يمشي في أروقة الأكاديمية، يراقب الظلال التي تلون الجدران بصمت.

كانت خطواته ثابتة، لكن أفكاره متخبطة، تدور حول اللحظة التي فقد فيها السيطرة قبل قليل.

توقف، رفع يده ببطء ليمس جبينه، حيث كانت تلتصق ذكريات مشاعر متضاربة.

قال في نفسه، بصوت خافت لا يسمعه أحد سوى داخله:

"تلك المشاعر... هل كانت لي حقًا؟ أم هي لهم؟"

سحب أنفاسه ببطء، يتلمس أعماق نفسه.

"لم أستطع تمييزها حقًا... لكنني متأكد من شيء واحد فقط،"

وقف للحظة، تنهد ثقيلاً كأن الهواء نفسه أصبح ثقيلاً في صدره،

"أن نية القتل التي شعرت بها... كانت من جسدي، لا أعلم إن كانت لي من الأساس."

وقف كي عند حافة الشرفة الشرقية، يحدّق بصمت في الساحة المزدحمة تحتَه. أصوات الطلاب، ضحكاتهم، وقع أقدامهم على البلاط، امتزجت جميعها في ضوضاء خافتة. ورغم الزحام، كان الشعور المسيطر على كي هو الفراغ.

رغم حرارة الشمس، تسلّلت نسمات باردة إلى عنقه من فتحة الرداء، فشعر بقشعريرة خفيفة تسري في عموده الفقري و في البداية، راودته تلك الومضة من نية القتل. لم تكن قوية مثل تلك اللحظة و رغم ذلك، طردها، بصمتٍ متعب.

واصل السير، يده اليمنى في جيبه، واليسرى تتدلّى بجانبه كأنها ميتة.

فجأة، وعلى زاوية ممر البوابة الخلفية، التقت عيناه بعينَي يوكي.

كانت هي واقفة، تمسك دفترها بقوة، وعيناها متّسعتان بشيء يشبه الفزع.

لم تقل شيئًا.ولم يقل شيئًا.

ومشى كي، مرّ بجانبها دون أن يحيد بنظره أو يغير سرعته.كأنها لم تكن موجودة أصلاً و حين ابتعد، بقيت يوكي واقفة في مكانها.

ثم تنهدت، بصوت خافت لم يسمعه أحد، وقالت في نفسها:

"من الجيد... أنه لم يراني."

في جهة أخرى، كانت تمشي وحدها، خطواتها غير منتظمة.

بينما كانت تتجه إلى غرفة الفريق ... عادت الكلمات التي سمعتها من كي منذ ساعة او ساعتان تتردد في رأسها..

"انا من ركلها واراد قتلها"

ارتعشت أصابعها وهي تتذكر تلك اللحظة، رغم مرورها بسرعة.

هل قالها ببرود؟ أم بألم؟ لم تستطع التمييز.

لكنها كانت تعلم شيئًا واحدًا... أن أحد أعضاء فريقها، من نام في الغرفة نفسها، من قاتل بجانبها، من كان دائمًا صامتًا لكنه حاضر...كان مستعدًا لقتل طفلة.

سارت ببطء، وتذكرت تفاصيل وجه ميري تلك الليلة — كيف كانت تبكي، وكيف تراجعت خلف أمها، كأنها تحتمي من ذئب.

وسألت نفسها بصوت داخلي مرتجف:

"هل فعلها كي من قبل؟ هل قتل فعلًا؟ هل… نحن لا نعرف من نعيش معه؟"

فُتح الباب ببطء و دخلت يوكي، وألقت تحية هادئة من بعيد، دون أن تنتظر ردًا و من بعيد، لم يلتفت أحد.

صعدت الدرج المؤدي إلى غرفة الفتيات، وفي الأعلى، حيث الضوء يتسلل من نافذة صغيرة فوق السرير، وجدت إيكا تجلس على الأرض تمسح شعرها المبلل بمنشفة، وهيرومي على السرير، تمسك كوبًا من الشاي وتحدق فيه بصمت.

قالت يوكي بلطف متوتر:

"من الجيد أنكما استيقظتما بسرعة."

رفعت إيكا رأسها بسرعة، وقد بدا وجهها مشدودًا بالغضب:

"ذلك الأحمق كي... من سمح له أن يفقدنا الوعي؟!"

صوتها لم يكن عاليًا، لكنه كان حادًا كحجر يكسر ماءً ساكنًا.

قالت هيرومي دون أن ترفع عينيها عن الكوب:

"الأهم من ذلك... كيف لرجل مثله أن ينوي قتل طفلة؟"

صمتت لحظة ثم أضافت، بصوت خافت فيه شيء من الرعب المكبوت:

"هل قالها بجدية؟"

هزّت إيكا رأسها، وقد بدا على عينيها أثر لحظة قديمة ما زالت عالقة في الذاكرة:

"كان جادًا تمامًا... رأينا كيف ارتجفت ميري أمامه.

نظراتها... كانت نظرات طفلة رأت الموت، ولم تعرف اسمه."

تغير وجه يوكي فجأة، وبدت كأنها غابت عن اللحظة، نظراتها متوقفة على زاوية الجدار.

قالت ببطء، وهي تضع حقيبتها على السرير:

"كنت أفكر في هذا الموضوع قبل قليل... لكن هناك سؤال واحد لا يغادر رأسي."

توقفت، ثم التفتت نحو الاثنتين:

"إذا كان كي ينوي قتل طفلة صغيرة... فهل هذا يعني أنه قتل من قبل؟

أعني... قبل أن نتعرف عليه هل قتل أطفالًا؟ أو حتى... بالغين؟ونحن لم نكن نعرف؟"

لم تُجب إيكا ولا هيرومي.

كلتاهما فقط تبادلتا نظرة قصيرة، فيها شيء من الذهول... وربما القلق.

خفضت هيرومي رأسها قليلًا وقالت بهدوء:

"دعونا منه الآن... على أي حال، ما رأيكم أن نزور ميري؟ونجلب لها بعض الهدايا؟"

رفعت أيكا رأسها فجأة، وعيناها تلمعان بحماسة خفيفة قطعت التوتر في الجو:

"فكرة مذهلة! سأجلب لها الكثير... ألعاب، حلوى، ربما دفتر مذكرات!"

ظلت يوكي صامتة للحظة، نظراتها مركزة على الأرضية الخشبية، ثم قالت دون أن ترفع رأسها:

"لكننا... لا نعرف عنوانها."

رفعت الفتاتان نظرهما إليها في اللحظة نفسها وحدث صمت قصير.

ثم انفجرت الثلاثة في ضحكة صادقة، قصيرة، كأنها جاءت لتفتح نافذة صغيرة للهواء داخل غرفة مختنقة بالأسئلة.

في جهة أخرى من المبنى، وفي ممر طويل مغطى بشظايا الضوء المنعكس من النوافذ العالية، كان كايغو يقترب بخطى هادئة من كي.

كان كي يسير ببطء، كما يفعل من يحمل شيئًا لا يُرى على كتفيه.

حين توقف، وقف كايغو أمامه مباشرة، دون كلمات أولى، ودون ابتسامة.

قال كي، بنبرة هادئة جدًا لكنها مائلة للخطر:

"هل يمكنك أن تبتعد؟أو... أن أقتلع رأسك من جسدك الآن؟"

رفع كي عينه إليه، ولم يتراجع، ثم رد بجفاف:

"هل يمكنك أولًا أن تخبرني لماذا كنت في تلك المهمة؟

ولماذا تنكّرت كعامل في ذلك المكان؟"

قال كايغو وهو ينظر مباشرة في عيني كي:

"كنت أريد أن أطمئن على أختي... هل تمانع؟"

لم يتغير تعبير كي، بل قال ببرود دون أن يرفّ له جفن:

"كذبة الأخت… مجددًا."ثم تنفس ببطء وأكمل:

"على أية حال، لا يهمني السبب.لكن إن تدخلت مجددًا في أموري... سأقتلك."

لم يتراجع كايغو، ولم يظهر عليه الانزعاج.بل فقط ظل واقفًا في مكانه، ينظر إليه كأن التهديد مجرد جملة عابرة.

2025/05/29 · 3 مشاهدة · 1721 كلمة
Mouad Kei
نادي الروايات - 2025