كان رايجو يفتح باب غرفة الفريق دون أن يطرق.

دخل بخفة وعيناه لامعتان بابتسامة عريضة، وقال بنبرة لا تخلو من حماسة:

"إذاً... استيقظ الجميع!

لو رأيت وجهك يا كيزوكي عندما فقدت وعيك...

كنتَ مضحكًا جدًا!"

رفع كيزوكي حاجبه ورد ببرود حاد، دون حتى أن ينظر إليه:

"ووجهك مضحك… حتى وأنت مستيقظ."

لم يبالِ رايجو بالسخرية.

دار بجسده القصير نحو كايسن، ثم قال بجدية خفيفة:

"كايسن، كيوجو يريدك."

التفت كايسن فورًا.

نظراته تحوّلت من فضول إلى استغراب صامت:

"كيوجو؟ لماذا؟"

هزّ رايجو كتفيه وهو يضع يديه في جيبيه:

"لا أعلم. التقيته في الممر وقال لي أن أخبرك."

نهض كايسن فورًا، دون أن يعلق، وخرج من الغرفة بخطى متسرعة.

قال كيزوكي من الخلف بصوت منخفض لكنه مشحون بالدهشة:

"كيوجو… هنا؟في الأكاديمية؟"

في ممرٍ شبه مظلم، كان ضوء الشمس يتسلّل بخيوط ضعيفة عبر النوافذ الطويلة.

تقدّم كايسن بخطى بطيئة نحو غرفة المدير، يديه في جيبيه، وعيناه تتحركان أحيانًا نحو الأرض وأحيانًا نحو الجدران وكأنّه يبحث عن معنى في اللاشيء.

حين وصل، كانت باب الغرفة مواربًا. دفعه بخفة، فصدر صرير خافت.

في الداخل، كان المدير وحده.واقفًا قرب النافذة، يداه خلف ظهره، عيونه تنظر بثبات نحو الداخل كأنّه كان ينتظر تلك اللحظة منذ ساعات.

قال بصوت حاد دون أن يتحرك:

"ادخل."

دخل كايسن وأغلق الباب خلفه، دون أي تعليق جلس بهدوء على المقعد المقابل، بينما نظرات المدير كانت لا تزال ثابتة، تحمل شيئًا من الصلابة... وربما الريبة.

قال كايسن بصوت منخفض:

"أخبروني أنكم استدعيتموني..."

قاطعه المدير فورًا، دون أن يغيّر نبرته:

"كيوجو سيأتي بعد قليل.

لكن قبل أن يأتي... أريد أن أسألك شيئًا."

أومأ كايسن بهدوء:

"حسنًا، تفضل."

استدار المدير فجأة.

كان في وجهه شيء حاد، كأنّ سؤاله ليس مجرد استفسار."ما علاقتك بـ كي؟"

لم يرد كايسن مباشرة.

ظهرت على وجهه لمحة ذهول خفيفة، تبعتها لحظة صمت قصيرة، ثم قال:

"إنه... أخي الصغير."

تغيرت ملامح المدير قليلًا، لكن نبرة صوته بقيت ثابتة:

"هل يمكنك أن تخبرني عن عائلتك؟"

نظر كايسن نحوه بصمتٍ قصير، ثم قال بنبرة حذرة:

"ولِماذا؟"

عندها رفع المدير صوته بشكل مفاجئ:

"ليس من حقك أن تسألني! أنا المدير هنا!"

ارتبك كايسن للحظة و حركة يده اليمنى ارتجفت بشكل خافت، كأنّه حاول الإمساك بشيء غير موجود.

ثم قال بصوت منخفض، فيه تردد خفي:

"...نحن لم نعش معًا كثيرًا."

اقترب المدير منه بخطوتين، ثم قال:

"وما السبب؟"

سكت كايسن، لكن عينيه أظهرتا ما لم يقله لسانه كأنه شيء بين الخوف والرفض.

قال كايسن بنبرة ثابتة ظاهريًا، مكسورة داخليًا:

"لأسباب خاصة."

سكت المدير.لكن صمته لم يكن محايدًا كان يراقب كايسن .

كايسن لم ينظر في عينيه.

كان يعرف جيدًا أي طريق يؤدي إليه هذا النوع من الأسئلة.

لم يكن يريد الحديث عن "الأسرة الملكية" التي وُلد منها، ولا عن "كي" الذي نشأ بعيدًا عن كل هذا.

لكنه كان يعرف أيضًا أنه لا يستطيع الرفض.ليس أمام المدير.

قال المدير بصوته الحاد، دون أن يلين:

"وما هذه الأسباب الخاصة؟"

في لحظة، تغير تنفّس كايسن.

صار أبطأ، لكنه أكثر اضطرابًا من الداخل.

شعر بشيء ثقيل يضغط على صدره... لم يكن خوفًا، بل استياءً مكبوتًا.

قال في نفسه دون أن يتحرك:

"إلى أين يريد الوصول تحديدًا؟"

أجبر لسانه على النطق، لكن صوته خرج كأنه يُترجم شيئًا لم يؤمن به:

"...لأن أبي وأمي تطلقا.

ذهبت أنا مع أبي، وكي مع أمي."

كانت تلك كذبة.لم يكن كايسن ممن يكذب، لكنه كان محاصرًا.كأن المدير لم يترك له سوى هذا الطريق، طريق اختراع قصة يسهل تصديقها.

رفع المدير رأسه قليلًا، وكأنه سمع شيئًا توقعه.

قال بصوت منخفض، لكنه هذه المرة كان أشد حدة:

"هكذا إذًا... هذا مؤسف."

ثم اقترب خطوة، ونبرة صوته اكتسبت نغمة قاطعة لم تكن موجودة من قبل:

"لكننا... في ملفاتك يا كايسن،وجدنا أنك تم تبنّيك."

في تلك اللحظة... لم يتحرك كايسن.لم يرفع حاجبيه، لم يفتح فمه.لكنه شعر كأن جلده كله تغيّر حرارته.

أخفض نظره دون وعي، ثم رفعه فجأة نحو المدير.

فكر:هل هذه مواجهة؟هل يعرف كل شيء؟أم أنه يختبرني؟

لم يجب.بل اكتفى بالنظر، وفي عينيه خليط حاد بين الغضب والمفاجأة والاشمئزاز.

قال بصوت خافت، غير مستقر تمامًا، لكنه ليس هشًا:

"ذلك... قبل موت أبي وأمي."

رفع رأسه ببطء، واستعاد بعضًا من استقراره الخارجي، ثم تابع بصوت أبطأ:

"عندما مات أبي... ثم أمي، تم نقلي للعيش مع أسرة أخرى. لم يعطوني لقبهم."

لم يكن يريد قول ذلك. لكنه لم يجد طريقًا آخر لا يُشبه التراجع.

المدير كان ينظر إليه دون أن يرمش، ثم صرخ فجأة، صوته ارتدّ على الجدران وكأن الغرفة ضاقت:

"إذاً لماذا كي لم يعش معك في تلك المدّة؟!"

ضغط كايسن على أسنانه، لم يرد أن يصرخ، لم يرد أن يظهر ضعفه.لكن شيئًا داخله ارتجّ للحظة، وارتفع قليلًا ثم عاد إلى مكانه كغصة لم تُبتلع.

قال بصوت مشدود، كأن الجملة تخرج عبر أسلاك شدّت حنجرته:

"لأنه... بكل بساطة... عاش عند أسرة أخرى."

لم يكن يريد أن يشرح أكثر. كل كلمة إضافية كانت تفتح نافذة لشيء لا يريد دخوله الآن.

اقترب المدير من الطاولة، وقف، وضع يديه على السطح الخشبي، وانحنى قليلًا. قال بنبرة منخفضة، لكن تحتها حدّة جافة:

"حسنًا، أيها الفتى... لن أجادلك كثيرًا."

ثم رفع نظره مباشرة نحو عيني كايسن:

"لكن لدي سؤال واحد فقط."

توقفت أنفاس كايسن للحظة. لم يكن يتوقّع المزيد.قال المدير ببطء، محدقًا فيه:

"من سمّى أخاك الصغير؟"

لم يفهم كايسن. ارتبك، رفع حاجبيه قليلاً، كأنّه أعاد ترتيب السؤال في ذهنه.

"أقصد... من أطلق هذا الاسم عليه؟ من قال إن اسمه (كي)؟"

مرت ثانيتان. لمعت في ذاكرته صورة سريعة، قديمة، امرأة تجلس على أرضية باردة، وطفل رضيع ينام بجانبها.

قال بصوت واثق هذه المرة، لكنه هادئ جدًا:

"...إنها أمي."

ابتسم المدير فجأة. لكنها لم تكن ابتسامة حقيقية، لم تكن دفئًا، بل إعلانًا داخليًا بأنه أمسك بشيء.

"ولماذا اختاروا هذا اسم تحديدا؟"وقبل أن يرد، فُتح الباب فجأة.

ارتفعت رؤوس الاثنين في اللحظة ذاتها، لكن كيوجو هو من ملأ الغرفة بصوته، خفيفًا، كأنّه لم يسمع شيئًا من الذي قيل، قتل التوتر بنبرة ساخرة:

"أهلاً، أهلاً. إذاً كنتم تتناقشون حول موضوع مهم جدًا؟للأسف... لم أحضر البداية."

صوته كان مرحًا، لكن عيناه ركزتا فورًا على كايسن و ثم على المدير وثم عادتا لكايسن.

شدّ المدير كتفيه لا إراديًا، وتراجع نصف خطوة كمن ضُبط متلبسًا. لم يكن مستعدًا لظهوره في تلك الدقيقة بالذات، حيث ارتفعت نبرته من قبل بحدة، وكأنه كان يراهن على غياب الآخر.

في الجهة الأخرى، استدار كايسن ببطء نحو الصوت، وارتسمت على وجهه ابتسامة خافتة امتزج فيها الامتنان بالدهشة، كأنّ الارتياح انزلق إلى جسده دفعة واحدة. لم يكن فرِحًا بقدوم كيوجو فقط، بل باللحظة التي اختارها القدر بدقة مذهلة.

اقترب كيوجو بخطى هادئة، بيده اليمنى يقلب قطعة معدنية صغيرة بين أصابعه، وقال بنبرة ناعمة لكن حاسمة:

– "كايسن، أود التحدث معك حول بعض الأمور... أمور شخصية."

رفع كايسن رأسه وأجاب مباشرةً:

– "بكل سرور."

كان جوابه شبه تلقائي، لا لأنّ كيوجو ملك، بل لأنّ حديثه عادةً يأتي مرتبًا، عقلانيًا، لا يحتوي على ذلك الضغط النفسي الذي تخلقه نظرات المدير وأسلوب أسئلته الغامضة.

في الزاوية، ضغط المدير على أسنانه كما لو أن شيئًا انفلت منه، وقال وهو يحاول تثبيت نبرة صوته:

– "في الحقيقة، كنت أود سؤاله عن شيء أيضًا."

التفت كيوجو إليه بابتسامة لطيفة لا تُظهر سوى الدفء، وقال:

– "أوه، هكذا إذًا؟ آسف جدًا، سيدي المدير... بالطبع، أكمل سؤالك. لا حاجة لأن تُحرج بسببي."

في اللحظة التي حاول فيها المدير تلطيف صوته، خرجت كلماته بنبرة مشوهة لا تشبه ندمًا حقيقيًا ولا حِلمًا مقنعًا، بل كأنها محاولة متأخرة لإخفاء خيبة:

– "لا... ليس سؤالًا مهمًا، سأسأله المرة القادمة..."

لكن كيوجو لم يترك له فرصة ثانية. مدّ يده بإيماءة هادئة نحو كايسن، وقال بنبرة عفوية:

– "هيا، لنخرج."

كان انتقالهما من الغرفة سلسًا. وما إن أغلق الباب خلفهما، حتى ارتجّت الطاولة بضربة عنيفة من قبضة المدير. لم يقل شيئًا... مجرد هدير مكتوم في صدره.

في الممر الهادئ، ساد صمت خفيف، لا يقطعه سوى وقع خطواتهما على الأرضية الرخامية.

قال كايسن بنبرة صادقة وهو ينظر نحو كيوجو دون أن يبتسم، لكن بعينين فيهما امتنان صامت:

– "شكراً... أنقذتني من ذلك المدير، أسئلته كانت... مزعجة بطريقة يصعب وصفها."

ابتسم كيوجو، وكانت ابتسامته خفيفة، غير مفتعلة، فقط قال:

– "لا شكر على واجب."

ثم بعد لحظة قصيرة من الصمت، أضاف بنبرة أهدأ:

– "لكن... لدي أنا أيضًا بعض الأسئلة."

توقّف كايسن قليلًا، التفت إليه، ثم ردّ بنبرة مريحة:

– "بالطبع، اسألني ما تريد."

مرت ثانيتان. لم يتكلم كيوجو. عيناه كانتا تتأملان الحائط أمامه، وكأنّه يزن شيئًا غير مرئي. ثم، فجأة، قال دون تمهيد:

– "من سمّى أخاك... كي؟"

شهق كايسن بخفة. لم يكن صوتًا مسموعًا بل رد فعل لحظي، تجمّدت فيه نظراته، واختفى الهواء من رئتيه لثانية. نظر نحو كيوجو بدهشة، كأنّ السؤال ضرب نقطة داخلية لم يكن يريد لأحد أن يقترب منها.

لكن كيوجو ابتسم، ضحك بخفة وقال كأنّه ينقذ المشهد من غرقه:

– "أنا أمزح، أمزح فقط، ليس هذا سؤالي الحقيقي."

زفر كايسن، وكأنّ الهواء عاد إلى صدره دفعة واحدة. ضحك من توتره، لا من الدعابة، ثم همس لنفسه دون أن يسمع كيوجو:

– "لكن... لماذا هذا السؤال بالتحديد؟"

في الممر الهادئ، حيث ينعكس الضوء الخافت على الجدران الباردة، قال كيوجو بنبرة خفيفة لا تخلو من جدية:

– "في الحقيقة... أردت أن أسألك، كيف تجري علاقتك مع كي هذه الأيام؟"

لم يرد كايسن فورًا. أدار وجهه جانبًا، وعيناه تجوّلت قليلاً فوق الأرضية ثم قال بنبرة منخفضة، كأنها ليست له تمامًا:

– "ليست على ما يُرام... ليست كما كانت. لقد تغيّر كثيرًا."

قال كيوجو وهو يضم يديه خلف ظهره:

– "هكذا إذن... مؤسف حقًا."

ثم استدار قليلاً نحو كايسن، وابتسامته لم تكن دعابة هذه المرة، بل شيء أقرب لنصيحة أبٍ مرّ بتجربة مشابهة:

– "لكن، ما رأيك أن تقترب منه أكثر؟"

رفع كايسن حاجبيه بدهشة خفيفة، وقال بصوت خافت:

– "وكيف؟"

أجاب كيوجو مباشرة، وكأنه كان يُعدّ هذه الجملة منذ زمن:

– "عليك أن تعرف ما الذي يحبه... وما الذي يكرهه. ما هي هواياته، متى يصمت، ولماذا. والأهم..."

توقّف لحظة ثم أكمل:

– "...أن تعرف سبب تغيّره."

ظل كايسن صامتًا للحظات، ثم قال بهدوء فيه أثر من العزيمة الوليدة:

– "حسنًا إذن... سأحاول. وشكرًا لك."

ابتسم كيوجو وأومأ برأسه، وقال بنبرة خافتة تشبه نسمة دافئة في ممر بارد:

– "لا شكر على واجب."

تقدّم كايسن بخطى ثابتة لكن عينيه كانت تتحركان بسرعة... في البداية بحث في الممرات الجانبية، في الردهات القريبة من قاعات التدريب، وحتى عند بوابة الخروج الشرقية... لم يعثر على كي. شعر بشيء يضغط في صدره، مزيج من الترقب وخيبة خفيفة، لذلك توجه نحو الساحة الرئيسية.

بمجرد أن دخلها، شعر بالضجيج يُخترق أذنه بوضوح: ضحكات عالية، أصوات تذمر، وصدى ضربات تدريبية تتردد من جهة المدرجات. لم يكن غريبًا، فالأكاديمية لم تكن مجرد مدرسة... بل كانت مدينة مصغّرة، تحتوي على مطاعم ومكتبات ومخابر وجميع وسائل العيش والرفاهية.

تحرّك بعينيه بين الوجوه، يبحث عن ملامح كي... لم يجدها. لكن بينما كان يستدير، التقت عيناه بشخص يقترب بثقة لقد كان تايغا .

قال تايغا بابتسامة خفيفة:

– مرحبًا... أنت كايسن، صحيح؟

أدار كايسن رأسه نحوه وأجاب بهدوء:

– نعم، من الجيد لقاؤك.

اقترب الآخر ومد يده في تصرّف ودي:

– أنا تايغا، أحد الطلبة من الصف المتقدم. سمعت عنك... أنت الجديد الذي أُرسل في مهمة مباشرة، أليس كذلك؟

هز كايسن رأسه بإيماءة خفيفة وقال:

– صحيح.

تبادل كلاهما نظرة قصيرة، فيها اعتراف غير معلن بالاحترام، ثم سأله تايغا باهتمام:

– "في أي رتبة تم وضع فريقك؟"

تردّد كايسن لثانية، ثم أجاب:

– في الحقيقة، لا أعلم بعد... لم يضعوا الرتب حتى الآن، أو على الأقل لم يُبلغوني.

قطب تايغا حاجبيه، وقال:

– غريب... لقد أُعلنت الرتب فعليًا قبل ساعة تقريبًا. كانت هناك قائمة معلقة في الممر الغربي. لم ترها؟

اتسعت عينا كايسن، وعقله عاد بسرعة إلى الوراء...ذلك الوقت الذي قضاه مع الفريق في المهمة، ثم الاجتماع مع المدير، ثم الحوار مع كيوجو... أدرك الآن أن كل شيء حصل في نفس التوقيت الذي أُعلنت فيه الرتب.

– لم أكن موجودًا... – قالها كايسن بصوت منخفض.

لم يُعلّق تايغا، لكنه اكتفى بنظرة تحمل شيئًا من الفضول

2025/05/29 · 8 مشاهدة · 1863 كلمة
Mouad Kei
نادي الروايات - 2025