ركن كي رأسه إلى جانب مقعد العربة الفخمة، وراح يتأمل من خلال النافذة الزجاجية الغابة التي تمرّ بها العربة ببطء. كانت الأشجار عالية، متشابكة، كأنها تحاول أن تخبئ السماء خلف ستارٍ من الظلال. الهواء في الداخل معطر وخالٍ من الشوائب، ومع ذلك، في أعماق صدره، شيء ما كان يعكر صفوه.

غمغم مع نفسه، كأنما يلوم ذاته:

"كل هذا لا يهم… أنا فقط بحاجة إلى الوصول، اجتياز الاختبارات… ودخول الغرفة."

لكن فجأة، دون سابق إنذار، تسللت صورة قديمة إلى ذهنه. صبي بشعرٍ رمادي داكن، مبتسم بعفوية، يقف إلى جواره على قمة تلة صغيرة.

كايسن.

ذاك اليوم… حين تسابقا عبر السهول الواسعة، ضاحكين كأنهما لا يعرفان معنى الألم.

ذاك الوعد الطفولي، حين مدّ كايسن يده وقال بحماسة:

"سندخل الأكاديمية معًا، ونصير أقوى ثنائي في العالم!"

أغمض كي عينيه بقوة. صورة كايسن لم تختفِ. بل زادت وضوحًا، كأنها تتحدّاه.

همس بصوتٍ خافت:

"كايسن…"

ثم فتح عينيه، نظراته عادت باردة، حادة. كأن الذكرى نفسها كانت خطأً يجب محوه.

"الوعد؟ السخف ذاته…

أنا لم أعد ذلك الفتى.

وإن كنت نسيتني… فربما كان ذلك أفضل."

أدار وجهه عن النافذة. أطرد الفكرة كما لو كانت غبارًا عالقًا في ثوبه، مسحها من ذهنه دون ندم. قلبه، الذي خُدع مرة، لن يسمح لذكرى أن تشقّ جدرانه مجددًا.

أعاد رأسه إلى الخلف، أغمض عينيه، وترك الصمت يعانقه من جديد.

تمرّ عدّة دقائق، والعربة تسير بهدوء وسط المدينة حتى توقّفت أمام بوابة فخمة مزيّنة بأعمدة من الرخام الأسود والزجاج اللامع. نزل كي بهدوء، ورفع عينيه ليتأمل المبنى. كانت واجهته تُشبه القصور الملكية، تتدلّى منها أعلام مذهّبة، ويقف عند المدخل خدمٌ يرتدون بزّات أنيقة، وجوههم جامدة، أعينهم لا ترمش.

خطا كي خطواته الأولى داخل الفندق، وما إن تجاوز البوابة حتى أحاطه العالم الجديد:

ثريات ضخمة تتدلّى من سقف مرتفع، أضواء كريستالية ترقص على جدران مكسوة بالأقمشة المخملية، وروائح زهور نادرة تنبعث من كل زاوية.

رفع حاجبه قليلاً، ونظره يجول بين الحاضرين. رجال ونساء يرتدون أثوابًا أنيقة، يتحدثون بضحكات ناعمة، وكل شيء حولهم يُشير إلى الثروة والسلطة.

همس كي لنفسه بسخرية:

"فندق؟ هذا أشبه بعشّ الملوك."

اقترب منه خادم بانحناءة مهذّبة، وقال:

"الغرفة قد أُعدت لكم، سيدي."

لم يردّ كي، فقط أومأ برأسه ببرود، ثم تبع الخادم بهدوء، وعيناه تتجوّلان بين تلك الوجوه المزيّفة التي لا يرى فيها إلا أقنعة… قشرة لامعة فوق جشع داخلي يعرفه جيدًا.

لكن رغم كل هذا، لم يستطع أن يُنكر داخله شيئًا واحدًا:

لقد كان المكان… مريحًا.

وربما، فقط ربما، سيجد فيه لحظة هدوء قبل أن تبدأ العاصفة.

كان كي جالسًا في زاوية مظلمة من صالة الفندق، يُراقب المكان بعينين نصف مغمضتين، يتظاهر باللامبالاة بينما يُسجّل كل حركة، كل همسة، كل نظرة. فنجان الشاي أمامه بدأ يبرد، لكن ذهنه كان في مكان آخر... حتى التقطت أذناه شيئًا لافتًا.

جلس على بعد طاولتين منه ثلاثة نبلاء، بأزياء مطرزة ومجوهرات ثقيلة تُعلن عن مكانتهم بوقاحة. كانوا يتحدثون بصوت خافت، لكنه كان كافيًا لأذني كي المدرّبتين.

قال الأول وهو يهمس بانبهار:

"هل رأيت ما فعله في مهمة الغابة السوداء؟ وحده عاد بعد أن اختفوا جميعًا..."

رد الثاني بنبرة فيها شيء من القلق:

"ليس فقط عاد، بل لم يكن عليه خدش واحد... وهذا العنصر الذي يمتلكه؟ الظلام؟ سمعت أنه تجاوز مرحلة السيطرة، إنه... شيء آخر."

قال الثالث وهو ينظر حوله بتحفظ:

"سمعت أيضًا أن الأكاديمية تفكر في منحه لقبًا خاصًا... إنه قوي، قوي بطريقة تثير الريبة، لكنه في كل مرة يظهر... يكون الأكثر لطفًا وتهذيبًا بينهم."

ضحك الأول وقال:

"نعم، يُقال إنه لا يرفض مساعدة أحد، حتى الخدم يحبونه... لا عجب أن كبار العائلات بدأوا ينافسون على دعوته لعائلاتهم."

كي لم يُظهر أيّ رد فعل، لكنه توقّف عن تحريك إصبعه فوق طرف الكوب.

ظلام؟ طيب القلب؟ محبوب؟

شعر بشيء ما يتحرك في داخله، لا يشبه الحسد ولا الحذر... بل شيء أقدم.

ذكرى...

ثم فجأة، سمع أحدهم يقول:

"أوه، ها هو... لقد وصل."

استدار كي، ونظره وقع على شاب يدخل بهدوء إلى البهو.

شعر رمادي فاتح، ابتسامة دافئة، خطوات واثقة لكنها خالية من الغرور. كان المشهد متقنًا... أكثر مما ينبغي.

كي بقي يحدّق فيه.

القامة، الملامح، طريقة المشي... شيء ما فيه مألوف.

لكن كي لم يتحرك.

لأنه عرف من هو.

رغم كل التغييرات... عرفه.

"كايسن..."

همس في داخله، بينما هو يعلم يقينًا أن الآخر... لا يتذكره.

لم يكن بحاجة لأن يعلن عن حضوره. ما إن دخل، حتى انقلبت الأجواء في صالة الفندق.

ابتسم كايسن بخفّة وهو يرد التحية تلو التحية. أحدهم صافحه بحرارة، وآخر دعاه للجلوس على طاولته، وامرأة نبيلة مدت له يدها بتودد ظاهر.

"كايسن! لم نرك منذ حفل الأكاديمية الأخير!"

قال أحد النبلاء وهو يقف للترحيب به.

"لقد كنتُ في رحلة خارج المدينة. العمل لا ينتهي، كما تعلمون."

أجابه كايسن بنبرة دافئة وصوت هادئ أقرب إلى السكون من العاصفة.

جلس برفق، ووضع سيفه المغلف على الأرض بجانبه باحترام واضح. عينيه كانتا صافيتين، وكأنهما لا تحملان ظلاً من ماضٍ أو حزن.

"سمعت أنك تصديت لوحش الظلال في الغابة وحدك!"

قالت فتاة ترتدي وشاحًا من الفضة، عيناها تلمعان إعجابًا.

ضحك كايسن بخجل:

"كان هناك بعض الحظ، لا أكثر. الجميع قاموا بدورهم... وأنا فقط كنتُ في المكان المناسب."

ضحك الجميع. كانت ضحكته تُنزل السكينة في القلوب. كان شخصًا من النوع الذي يُشعر الآخرين أن كل شيء سيكون بخير... دائمًا.

في الزاوية، كان كي ما يزال يراقب.

عينيه لا ترفّان.

نَفَسه ضاق.

عقله يهمس بألف سؤال.

هل هذا حقًا كايسن؟

أين اختفت تلك النظرة التي كنا نتقاسمها؟

متى أصبح بهذه البساطة...؟ بهذه... البعد؟

كل من في القاعة كان يرى ملاكًا نازلًا من السماء.

لكن كي فقط... رأى شبح أخٍ غاب طويلًا،

وعاد... ناسياً.

ظلّ كي يراقب من الزاوية، ملامحه لم تتغير، لكن داخله كان يغلي.

"هذا ليس هو... هذا ليس كايسن الذي أعرفه..."

ارتسمت أمام عينيه صورة قديمة، مشوشة، لكنها حارقة.

كايسن القديم...

ذلك الفتى الذي كان يصرخ قبل أن يفكر.

ذلك الذي يضرب قبل أن يسمع.

ذلك الذي كان يغضب من نظرة، ويتحارب من أجل كلمة.

لسانه سيفٌ، ويداه نيران.

صوته كان يهزّ المكان، لا يعرف الهدوء، ولا يعترف بشيء اسمه "تريث".

"كان وحشًا صغيرًا... متفجرًا... متعصبًا لأفكاره حتى الموت...!"

ومع ذلك... كان ذلك الغضب نقيًّا.

أما الذي يقف أمامه الآن...

هادئ، لطيف، منمّق الكلام،

ابتسامته ناعمة، حديثه معتدل... بشري جدًا.

كي ضيّق عينيه، يحاول أن يُمزّق تلك الصورة الجديدة.

يحاول أن يرى خلفها... أن يجد أي أثر لذلك الجنون القديم.

"تغيّر؟ لا... شيء ما خطأ."

أدار نظره نحو الحاضرين الذين تحلّقوا حول كايسن كأنهم أمام بطل أسطوري.

"هل يمكن لشخص أن يغيّر جوهره بهذه السهولة؟"

كي لم يكن يثق بالبشر، لكنه كان يثق في شيء واحد:

"الحقيقة لا تختفي... قد تتخفى، لكنها لا تموت."

فتح باب الفندق بهدوء، ودخل طفلان صغيران لا يتجاوزان العاشرة.

كانت الطفلة تمسك بيد أخيها الأصغر، وعيناهما تدوران في المكان بانبهار خجول.

وما إن رآهما كايسن حتى انفرجت ملامحه بابتسامة دافئة:

"لقد وصلتما أخيرًا!"

ركض الطفلان نحوه، فتلقاهما كأنه يستقبل كنزًا ضائعًا.

انحنى ليحضنهما معًا، ثم وقف معتدلًا وقال بفخر أمام الجميع:

"هذان هما أخوتي."

ضحك أحد النبلاء وقال بمزاح مهذب:

"أولادك؟ لا تبدو كبيرًا بما يكفي!"

ضحك كايسن، وهز رأسه بلطف:

"لا، هما أخوتي بالتبنّي... ونحن عائلة واحدة."

تجمد كي.

العائلة.

تلك الكلمة التي كانا يتشاركانها قبل عشر سنوات، وهو وكايسن فقط.

نظر كي إلى كايسن... إلى تلك الابتسامة... إلى دفء نظراته وهو يربت على رؤوسهم...

"استبدلتني؟..."

العبارة لم تُنطق، لكنها اخترقت صدره كسهم بارد.

لم يشعر بشيء... لم يفكر بشيء... فقط ثِقل داخلي يسحق أنفاسه.

كأنه لم يكن يومًا موجودًا.

ثم سأل أحد الحاضرين كايسن:

"هل ستنضمّ أخيرًا إلى الأكاديمية هذا العام؟ لطالما سمعنا عنك، لكنك لم تظهر في الاختبارات السابقة."

صمت كايسن لحظة، ثم أجاب بهدوء:

"أسباب خاصة... كان عليّ تأجيل ذلك، لكن هذا العام مناسب."

تفادى عيونهم، وأغلق ابتسامته بهدوء.

أما كي... فقد غادر بخطوات هادئة نحو الدرج، متجهًا إلى غرفته.

لا صوت سوى وقع خطواته الخافتة على الأرضية الرخامية الفاخرة.

كانت يداه مشدودتين بجانبه، وأصابعه منقبضة، كأنها تقاوم شيئًا في داخله يريد الانفجار.

بينما كان يصعد، كانت كلماتهم تلاحقه كالصفعات:

"أخي!"

"أختي!"

"أنت أفضل أخ في العالم يا كايسن!"

"أحبك!"

ثم جاء صوت كايسن، دافئ، حنون، يحمل ذاك اللطف الذي لم يعرفه كي قط:

"وأنا أحبكم أيضًا... دائمًا سأكون هنا من أجلكم."

توقف كي عند باب غرفته، تردد لحظة، ثم فتحه.

دخل.

أغلق الباب خلفه.

تقدّم نحو السرير، نظر إليه كأنه يرى شبحًا من ماضٍ دفنه... ثم فجأة، رفع قدمه وركله بكل ما أوتي من قوة.

ارتطم السرير بالجدار، تكسّر أحد أطرافه، فاندفعت شرارة الغضب من داخله.

"لماذا؟!"

صرخ وهو يسحب الكرسي القريب ويحطّمه على الأرض.

"لماذا لم تبحث عني؟!"

"كنت أعيش جحيمًا وحدي... كنت أقاوم الموت كل يوم... وكنتَ أنت..."

ركل الطاولة، انقلبت الأوراق والفناجين.

"كنتَ تعيش... كأخ كبير... كأن شيئًا لم يحدث!"

رمى أحد الوسائد بقوة نحو الحائط.

صوته خرج مخنوقًا، مزيج من الحقد والحزن والخذلان:

"ألم تقل لي أننا سندخل الأكاديمية معًا؟ ألم تقسم على ذلك؟!"

سقط على ركبتيه، يداه تمسكان رأسه، وعيناه تحدقان في الأرض الخالية.

"لماذا لم تحبّني هكذا؟"

همس، كأنما يخاطب ظلًّا رحل.

"كنتَ قاسيًا، كنتَ تصرخ دائمًا... لم تقل لي يومًا (أنا أحبك)..."

رفع رأسه ببطء، عينيه تلمعان... ليس بالدموع، بل بشرر الغضب المكبوت.

"والآن... وجدتَ غيري؟"

"استبدلتني؟"

وقف فجأة، وركل ما تبقى من الأثاث:

"أنا لم أكن عابرًا في حياتك يا كايسن!"

ثم صمت.

عمّ الغرفة سكون مرعب، لكن بداخله...

كانت العاصفة لا تزال تعصف.

اقترب من النافذة، نظر إلى السماء، وتمتم بصوت مبحوح:

"لا شيء يتغير... لا أحد يبقى... لا أحد."

سكونٌ ثقيل خيّم على الغرفة المحطّمة.

قطع كي خطوات بطيئة وسط الركام، زفيره حادّ، نظراته تائهة.

توقف في المنتصف.

"لماذا... أنا غاضب؟"

قالها بصوتٍ خافت كأنه يهمس لنفسه.

"أليس هذا ما أردته؟"

"أن ينساني... أن يتركني وشأني... ألم أقل أن العالم أفضل بدونه؟"

ضحك.

ضحكة مكسورة، مرّة، خرجت من بين شفتيه وكأنها طعنة.

"لقد نسيني فعلاً."

صمت.

أدار وجهه نحو الحائط، نظراته حادة، وقلبه ينبض بشيء لا يستطيع تسميته.

"جيّد. جيّد جداً."

"هذا أفضل، أليس كذلك؟"

"لا أريد أحدًا."

ركل قطعة خشب مكسورة.

"لا أحد يفهمني... لا أحد يحتاجني... وأنا لا أحتاج أحداً."

جلس على الأرض فجأة، كأن ساقيه خانتاه.

انكمش، طأطأ رأسه، ثم رفعه ببطء، وعيناه تحترقان.

"لا يهمّني كايسن."

"لا أهتم لمن يحب أو من يتبنى."

"أنا بخير... وحدي... هكذا خُلقت."

لكن صوته كان يرتعش.

قبض على الأرض بيديه، أظافره تحفر الخشب المحطم.

"أنا بخير... أنا بخير..."

ثم رفع رأسه فجأة، نظرة حمراء، دم يغلي خلف عينيه:

"تبًا لك يا كايسن!"

ضرب الأرض بيده.

"لماذا لم تبحث عني؟!"

"لماذا لم تقل يومًا (أين أخي؟)؟!"

"لماذا كنتَ قاسيًا حين احتجتُ فقط أن تراني؟!"

نهض، يترنّح، ثم صرخ بكل ما فيه:

"كنتُ أنتظر! فقط كلمة واحدة! فقط أن تأتي... لكنك لم تفعل!"

ضرب الحائط بقبضته، فشُجّت يدُه، وسقط قطر دم صغير.

نظر إليه...

"أنا... لا أهتم..."

"حقًا لا أهتم..."

لكن صرير أسنانه وارتجاف أنفاسه قال عكس ذلك.

جلس مرة أخرى، وجهه بين يديه، وصوته خرج متقطعًا:

"لا شيء يؤلمني... لا شيء..."

"أنا قوي... لا أحتاج أحدًا..."

ظلّ كي جالسًا على الأرض، محاطًا بركام غضبه، يحدّق في اللاشيء... صامتًا، متجمّدًا، كأن الزمن توقف.

أصوات خافتة في الممر، همسات موظفي الفندق، نبلاء متجمهرين بتوتر.

ثم... طرقٌ خفيف.

"هل أنت بخير؟!"

جاء الصوت من خلف الباب... صوتٌ ناعم، لكنه فيه رجفة قلق.

لم يجب كي.

لحظة صمت... ثم فتح الباب بهدوء.

دخل شاب يكسوه الهدوء واللطف...

كايسن.

عيناه تمسحان الدمار من حوله، وصدمته تكاد تُقرأ على ملامحه.

"هل حدث شيء؟ سمعت صراخًا... الجميع يتساءل..."

لكن صوته انقطع عندما التقت عيناه بعيني كي.

كان كي يقف الآن، ساكنًا، كأنّه حجر.

نظرة واحدة... حملت كل شيء.

رعبٌ دفين، حقدٌ مكتوم، صدمةٌ تكاد تمزق صدره.

كايسن توقّف، تراجع نصف خطوة دون وعي.

"أ... أنت..."

"لا تقلق... فقط أخبرني إن كنتَ بخير. أنا لا أقصد التطفل، فقط أردت—"

كي لم ينطق.

عيناه وحدهما كانت تتكلم، بصراخ لا يُسمع.

كايسن أحسّ بشيء، شيء غريب يعتصر قلبه.

اقترب خطوة صغيرة، حذرًا، كأنّه يقترب من نار.

"هل... هل يمكنني مساعدتك؟"

لكن كي لم يتزحزح.

ظلال الذكرى، طيف الماضي، كل شيء ينهار في عينيه...

"لماذا الآن؟ لماذا أنت هنا؟!"

كايسن شعر بشيء يخنقه، نظرات كي تسحقه دون أن يعرف السبب.

ثم، وكأنه استشعر أن الأمور تتجه لمنحدر مجهول، قال:

"أنا آسف، ربما جئت في وقت غير مناسب."

"انتظرني هنا، سأعود بعد قليل..."

ثم خرج... أغلق الباب خلفه بهدوء.

لكن في قلب كي، كانت الأبواب تنغلق بعنف.

فتح الباب مجددًا، بهدوء يشبه الرجاء.

دخل كايسن حاملاً كيس حلوى صغير ملفوف بعناية. عيناه لا تزالان مشوشتين، لكنه يحاول أن يبدو طبيعيًا.

كايسن، بنبرة هادئة مبتسمة:

"أحضرت هذا... لاوزعه على الناس من أجل أخي الصغير، أظنه قد يسعدك".

لم يتحرك كي.

نظراته لا تبارح الكيس، لكن لا دفء فيها... فقط ظلام.

مدّ كايسن الكيس نحوه بلطف:

"أعرف أنه لا يعني شيئًا... لكن أحيانًا قطعة سكر تغيّر مزاج اليوم."

كي تقدّم بخطوة. أمسك الكيس...

ثم فجأة — انفجار لهب صغير.

الكيس احترق بلمسة واحدة.

الشرر تلاشى في الهواء، والحلوى تفتّتت إلى رماد على الأرض.

كايسن تجمّد في مكانه، وعيناه على الرماد.

كايسن، بصوت مكسور:

"لقد... كان لأخي."

كي، بصوت بارد مغمّس بالحقد:

"ذلك الأحمق الصغير؟"

كايسن، يرتبك:

"ماذا؟ كيف... تعرفه؟"

كي، بجمود يشبه الجليد:

"كان معك قبل قليل، تلهو، تضحك، تحمله وكأنه كنزك."

كايسن، ينظر للأسفل، يبتسم بحزن:

"آه... لا، الحلوى لم تكن له. وزّعت له شيئًا آخر... هذه كانت لأخي الثاني."

كي، يسعل ضحكة قصيرة، ضحكة يأس وانهيار داخلي:

"إذاً... لديك إخوة؟! كثيرون؟ مبعثرون من حولك... هنيئًا لك، كايسن العظيم."

كايسن، يرفع عينيه، صوته ناعم لكن داخله توتر:

"ليسوا كثيرين... هو أخي الحقيقي، فقط واحد... لكنه ليس هنا."

كي، كأن العالم توقف:

"...أخوك... الحقيقي؟"

كايسن، بعينين مغمضتين للحظة، يهمس:

"نعم، اختفى منذ زمن... وكنت أبحث عنه، لكن..."

كي، لا يتحرك. لا يتنفس. عينيه تتسعان بصمت. كل ما تبقّى فيه من جدران داخله، تهتز.

كايسن، يضيف بصوت خافت يشبه جرحًا يتكلم:

"لا أعرف أين ذهب. ربما نسيني، أو مات، أو... أو لا يريد رؤيتي."

كي، همس، أقرب إلى اختناق:

"...وهل كنت تحبّه؟"

كايسن، ينظر مباشرة لعيني كي، دون تردد هذه المرة:

"أكثر مما كنت أستطيع أن أُظهر."

كي أغلق عينيه... لحظة فقط، لكنه شعر كأنّ كل ماضيه انفجر داخله.

قال بصوت بالكاد يُسمع:

"...تأخرت."

2025/04/24 · 23 مشاهدة · 2215 كلمة
Mouad Kei
نادي الروايات - 2025