كانت الساحة الخارجية للاختبارات شبه خالية، إلا من بعض الممتحنين الذين جلسوا متناثرين هنا وهناك. على مقعد حجري بعيد عن الأعين، جلس كي، ظهره مستند إلى الجدار، وذراعاه متراخيتان بجانبه. ملامحه كالعادة... هادئة، باردة، لا تحمل أي مشاعر. لكنه في الداخل... لم يكن كذلك.
كان كايسن واقفًا وحده، يحدّق إلى ظهر الفتى الذي جلس بعيدًا، ظهره منحني قليلًا فوق ركبتيه.
تنفّس كايسن ببطء، وكأن الهواء قد صار سميكًا لا يمكن ابتلاعه.
(إنه هو... لا شكّ بذلك...)
تكررت الكلمات في رأسه، كلما لاحظ ملامح التعب المرسومة ببرود على وجه كي.
لم يفعل شيئًا. لم ينادِه، لم يقترب، فقط ظل واقفًا مكانه، يكتم شيئًا مرًّا في صدره.
همس لنفسه بشفاه بالكاد تتحرك:
> "لو كنتُ أخًا أفضل... ربما لما وصلنا إلى هنا."
خفض رأسه، وأغمض عينيه بقوة، يقاوم الرغبة اليائسة في الصراخ، أو الركض نحوه... أو البكاء ببساطة.
لكنه لم يتحرك.
كان كي يجلس فوق بلاطة باردة، ذراعه متكئة على ركبته، وعيناه الشاحبتان تراقبان الأرض.
ظاهره بارد، ساكن... كأنه قطعة حجر.
لكن داخله... كان شيء آخر بالكامل.
(في داخله) "لماذا أشعر أنني لا أستطيع الابتعاد عنه؟" "أليس هذا ما أردته طوال هذه السنوات؟ أن أدفن كل شيء... أن أنسى؟"
نظر كي بلا مبالاة إلى الفراغ أمامه، بينما عقله يغوص أعمق فأعمق. كل مرة يرى فيها كايسن... الألم القديم ينبض من جديد. صورة تلك الخيانة... ذلك الهجر... تلك الوحدة.
"كلما اقتربت، أشعر أنني أفتح جراحًا حاولت أن أنساها." "أريد الهرب منه ... أريد الاختفاء. عليه"
لكن كان هناك شيء آخر، شيء خبيث ينمو في أعماقه... رغبة خافتة... ملحة... للبقاء بالقرب منه. صوت خافت.
"لماذا؟ لماذا لا أستطيع أن أكرهه كما أريد؟" "لماذا كلما نظرت إليه... أرى شيئًا آخر؟"
كي أغمض عينيه ببطء، وكأن ذلك الصراع الداخلي يثقل جفنيه. صوت داخلي همس:
"لأنه... لم يتركني."
انقبض قلبه فجأة. فتح عينيه، زفر أنفاسه ببطء، وحاول أن يعيد برودة ملامحه. لا، لا يمكنه أن يسمح لنفسه بالضعف الآن.
"سواء أردت الاقتراب... أو أردت الهرب..." "في النهاية، الألم واحد."
رفع يده إلى وجهه، أصابعه تباعدت كأنها تحاول أن تحجب العالم عنه. نظر إلى السماء الرمادية من خلال الفراغ بين أصابعه، وهمس لنفسه بصوت بالكاد يُسمع:
"لو استطعت اقتلاع هذا القلب المتردد... لفعلت دون ندم.".
ارتفع صوت المشرف فوق رؤوس الممتحنين:
> "انتهت فترة الراحة! الآن نبدأ الاختبار الثاني!"
بحركة من يده، ظهرت عشرات الخشبات الطويلة، رؤوسها مدورة بلا ملامح، وأطرافها تشبه ذراعين وساقين بدائيتين.
اصطف الخشب أمام كل ممتحن، وكأنهم جيش دمى بانتظار الذبح.
تابع المشرف بصوته الهادئ:
> "مهمتكم تحطيم هذه الخشبة بالكامل خلال الوقت المحدد.
احذروا، فهي مدعّمة بالمانا لجعلها أقوى من الحديد."
كي حدّق بالخشبة أمامه بنظرة باردة.
مدّ يده نحوها بهدوء...
لامسها بأطراف أصابعه...
ثم أطرق رأسه قليلًا وهو يحلل تركيبها.
(المانا موزعة بشكل غير منتظم... نقطة الضعف هنا...)
ضاقت عينا كي قليلًا، وهو يحلل بسرعة كل ذبذبة تصل لأصابعه.
ابتسم ابتسامة صغيرة بالكاد تُرى.
(صانعو هذه الخشبات حمقى... إنهم يستخدمون مانا لدعم الصلابة، لكنهم يتركون نقطة ضعف صغيرة عند مركز الجاذبية...)
وقف كي أمام خشبته.
لم يكن يبدو عليه أي توتر، ولا حتى اهتمام بما يجري حوله.
عيناه نصف مغمضتين، كأنما كل هذا الاختبار لا يعني له شيئًا.
في الداخل، كان يحلل بسرعة:
(هؤلاء الأغبياء بدأوا يشكون... يظنون أني أملك مانا منخفضة.
لو أظهرت قوتي الجسدية الآن... سيتحول شكهم إلى يقين.)
رفع يده اليمنى ببطء...
لا يوجد طاقة تتجمع، لا مانا تلمع، لا أثر لأي تحضير لضربة قوية.
ببساطة...
وجه لكمة خفيفة — خفيفة للغاية — نحو نقطة صغيرة أسفل الخشبة، تمامًا حيث تتركز أضعف خيوط التعزيز.
ضربته لم تكن قوية بما يكفي لكسر الخشبة بطريقة استعراضية...
بدل ذلك، أصدرت الخشبة صوت طقطقة خفيف، ثم انقسمت إلى نصفين بشكل بطيء وغير مبهر.
تحطم صامت... لا شيء ملفت.
بعض الممتحنين رمقوه بنظرات استغراب:
> "همم... ربما كان محظوظًا وضرب النقطة الضعيفة."
> "توقعت أنه أضعف من هذا... لكنه ليس قويًا جدًا أيضاً."
كي لاحظ الهمسات من حوله بطرف أذنه، وشعر برضا داخلي خفي.
(ممتاز... لا شهرة... لا فضائح.)
ابتعد عن الخشبة بخطوات بطيئة، يضع يديه في جيبه، ملامحه شبه خالية من التعبير.
كما لو أن ما حدث لا يستحق حتى تذكره.
من بعيد، كايسن كان يراقب كي بصمت.
عيناه كانت تتجهان نحو شخص واحد...
كايسن.
هناك، أمامه ببضعة أمتار... كان كايسن يقف متوترًا، يحاول أن يشق الخشبة بسيفه.
ضربة، ثم أخرى...
كل مرة، يرتد السيف أو يغوص قليلًا دون أن يكسرها تمامًا.
(أحمق...)
فكر كي ببرود.
رفع يده وكاد أن يدير ظهره، لكنه في اللحظة الأخيرة... توقّف.
فكرة خاطفة ضربت عقله كصفعة:
(كم مرة... كان هو من يساعدني بصمت...)
(في الماضي، عندما كنت أعجز عن كسر أي شيء...)
شعر كي بغضب صامت يغلي في صدره.
قبض يده بقوة أكبر.
(لماذا تتصرف بغباء الآن أيضاً؟ لماذا تثير كل هذه الذكريات؟)
بقي مكانه، متجمّدًا، يصارع رغبته الغريبة بين أن يساعده... أو أن يدعه يتعثر.
لم يتحرك.
رمق كايسن مرة أخيرة بنظرة باردة، ثم أدار رأسه ببطء، وسار بهدوء نحو منطقة الانتظار دون أن يقول شيئًا.
توقفت ضربات كايسن الثقيلة على الخشبة للحظة، يلهث بأنفاس متقطعة، العرق يتصبب على جبينه، والغضب يعمي عينيه.
حينها، شعر بشخص يقترب.
رفع رأسه سريعًا... ليرى كي يقف أمامه.
لم تكن نظرة كي عادية، كانت باردة... قاسية... لكنها حملت سخرية خفيفة خفية، كأنما يحتقر جهله.
بصوت منخفض، يكاد لا يُسمع إلا بينهما، قال كي:
> "أحمق... كل شيء في العالم له نقطة ضعف. حتى هذه الخشبة التعيسة. لو أنك أمعنت النظر بدلًا من ضربها كالاحمق... كنت ستلاحظ."
كايسن اتسعت عيناه بدهشة.
لم يكن يتوقع أن كي... يعلم شيئًا عن المانا أصلا!
كي أكمل ببرود، عينيه تلمعان بقسوة:
> "المانا التي تعزز الخشب تتجمع بشكل أكبر عند مركز التوازن. اضرب هنا—"
أشار بأصبعه بدقة إلى نقطة صغيرة على جانب الخشبة،
"وسترى الفرق."
قبل أن يرد كايسن بشيء، ابتعد كي عنه كأنه لا يريد البقاء لحظة إضافية قربه.
كايسن تردد لحظة، ثم قبض سيفه بإحكام.
استدعى طاقته...
(ظلام...)
لفه ظلام كثيف، كأنه نسيج حي ينبض من جلده إلى نصل السيف.
بصرخة خافتة، وجه ضربة واحدة —
السيف قطع عبر الخشبة كما لو كانت زبدًا.
لا، لم تتشقق فقط — بل تحولت إلى قطع صغيرة جدًا، تتناثر كرماد أسود في الهواء.
الجميع حوله تجمدوا في أماكنهم.
حتى كي...
لمح بعينيه تلك الظلال الداكنة التي خرجت من جسد كايسن.
ظلال لا تشبه مانا المعتادة.
شيء أقدم... أعمق... ومغلف بشيء يشبه الألم.
لم يظهر على كي أي تعبير،
لكنه في داخله شعر بشيء غريب...
(هذا الظلام... إنه جميل.)
لكنه سرعان ما طرد ذلك الشعور ال
مزعج بعيدًا.
أدار ظهره بسرعة، مغادرًا المكان دون كلمة واحدة.
---
كايسن وقف مكانه، أنفاسه تهدأ، عينيه تتبعان ظهر كي المغادر.
(لماذا... ساعدني؟)
سؤال بقي عالقًا في صدره، لا يجد له جوابًا.
كي كان قد ابتعد عن ساحة الاختبار، باحثًا عن زاوية نائية تمنحه بعض العزلة.
أراد أن يغرق قليلاً في أفكاره، أن يهدئ العاصفة التي تعصف بداخله...
لكن فجأة، ومن دون أي إنذار، التفت بسرعة.
شعر بحركة.
رأى أمامه فتى يتكئ بلامبالاة على إحدى الخشبات التي خصصت للتدريب.
كان ظهر الفتى مستندًا إلى الخشبة وكأنها مقعد مريح، وعيناه مغمضتان بنصف استرخاء.
لحظة صمت... ثم تحرك الفتى.
استقام بمرونة مذهلة، وأخرج سيفًا طويلًا من غمده بحركة واحدة نظيفة.
ومع ابتسامة ساخرة تراقصت على شفتيه، رفع السيف عالياً...
ثم أنزله بقوة ساحقة وسرعة لا تُرى بالعين المجردة.
خشبة التدريب انقسمت إلى نصفين في ثانية، بانشقاق نظيف وصافٍ كأنها قطعت بخيط رفيع.
لا صوت للتهشيم، لا تصدع خشن... فقط صوت حاد، أشبه بأنين الريح.
كي، رغم تحفظه الدائم، لم يستطع إخفاء لمحة إعجاب خفيفة مرت في عينيه.
وقف الفتى ملوّحًا بسيفه بيد واحدة بخفة، ثم التفت نحو كي وكأنما كان يعرف بوجوده منذ البداية.
ابتسم ابتسامة واسعة، تحمل ثقة لامتناهية وسخرية طفيفة.
قال بصوت صاخب، نبرة صوته عميقة لكن مفعمة بالطاقة:
> "اسمي رايجو!
ابن البركان الحي!
السياف الوحيد الذي ما زال يؤمن أن السيف الحقيقي...
لا يُرفع للتهديد أو الزينة، بل للقطع فقط!
سيوف هذا العصر؟ مجرد زينة مكسورة! أما أنا... فلا أقدّر إلا السيف الذي يشق الهواء والأرض والسماء!"
أنهى كلماته وأعاد سيفه إلى غمده بضربة خفيفة أصدرت صدىً معدنيًا جميلاً.
بعد لحظات من مغادرة كي، ظل كايسن واقفًا مكانه، شاردًا.
ابتسامة خفيفة بالكاد ترى ارتسمت على شفتيه، سرعان ما اختفت كأنها لم تكن.
شيء دافئ وغريب تحرّك بداخله، لكنه لم يحاول تحليله.
(كان هو... كي... لا شك في ذلك.)
وبينما كان غارقًا في تفكيره، اقترب منه شخص ذو شعر أبيض طويل، ينسدل بنعومة فوق كتفيه.
عيناه الزرقاوان الكبيرتان كانتا صافيتين كسماء صيفية.
وجهه الطيب وجسده النحيل منحه حضورًا مريحًا رغم الهدوء الذي يلفه.
بابتسامة صادقة، ألقى التحية على كايسن:
> "مرحبًا! تبدو مألوفًا بطريقة ما."
تفاجأ كايسن قليلًا، لكنه رد بتحية مقتضبة، ملاحظًا كم أن القادم يبدو ودودًا بطريقة طبيعية.
تبادلا بضع كلمات، حديثًا بسيطًا عن الاختبار والجو الحار وعدد الممتحنين.
قال صاحب الشعر الأبيض باسمه بابتسامة:
> "أنا هانزو.
سعيد بلقائك!"
اكتفى كايسن بهز رأسه قليلًا دون أن يضيف الكثير، طبعه لم يكن يسمح له بالدخول بسهولة في الأحاديث.
لكن للحظة... شعر أن وجود هانزو يبعث نوعًا من الطمأنينة، وكأن الطفل الذي كان في داخله ما زال قادرًا على الشعور بالارتياح قرب شخص طيب.
وفجأة، التفتت الأنظار كلها نحو الساحة.
دويّ خطوات ثقيلة اهتزت معها الأرض قليلًا.
شخص ضخم جدًا اقتحم المكان — شعر أحمر داكن كبير، أربع أذرع ضخمة، وعيون حمراء صغيرة لامعة.
كان يمشي بتفاخر، كتلة من العضلات الصلبة.
وقف في منتصف الساحة، والكل كان يحدق به مذهولًا.
تقدم مشرف الاختبار، ملامحه الجادة لم تتغير، وأعلن بصوت واضح:
> "هذا هو زايكو.
أحد الممتحنين الذين اختبروا بشكل فردي في الجولة الأولى نظرًا لحجمه الضخم.
فاز بالفعل في اختبار القوة الفردي واختبار التحمل، لكنه طلب بإرادته أن يكمل باقي الاختبارات معكم."
ثم أشار إلى الساحة.
ظهرت خشبة تدريب ضخمة بحجم غير طبيعي أمام زايكو.
ابتسم زايكو ابتسامة عريضة كشفت عن أنيابه القصيرة، ثم صرخ صرخة حماسية وضرب الخشبة بكل قوته.
تحطمت الخشبة بانفجارات متتالية تحت قبضاته المدمرة، قطع وأشلاء طارت في الهواء بطريقة فوضوية كأن إعصارًا صغيرًا انفجر هناك.
كي كان يراقب المشهد عن بعد، عينيه الضيقتين تلمعان بتحليل صامت.
(قوة غاشمة بلا دقة... لكن وحش حقيقي.)
بينما كان الجميع يتهامسون بإعجاب أو خوف، رفع مشرف الاختبار يده، وأعلن بجدية:
> "الآن... ننتقل إلى الاختبار الثالث.