"سامح....سامح, لماذا تضحك هكذا؟"

قالها خالد باستغراب لسامح الذي بدأ بالضحك بهستيرية.

عندما لاحظ سامح أنه كان يتوهم هدأ للحظة ثم قال لخالد: أعتذر فقدت نفسي للحظة.

عندما ربط خالد ما قاله سامح قبل قليل وضحكته فهم الأمر, فلربما كان معدل ذكائه منخفضاً لكنه كان قارئاً شرهاً لروايات الغموض –بجانب مشاهدته للأنمي- لهذا فهم الأمر: سامح, هل يعقل أن لقب المسافر عبر الزمن منح لك لأنك عدت بالزمن من قبل, وبحالتك هذه يمكنني القول أنك عدت أكثر من مرة, ويبدو أنني كنت السبب, أليس كذلك؟

توقف عن الكلام قليلاً ثم ضحك وقال وهو يضحك: تباً لم أتوقع أن أقول هذا يوماً, كنت رائعاً أليس كذلك؟

-ها..ها ها .أ...أجل

قالها وهو غير مصدق لما قاله خالد فقد أصاب لب الحقيقة بكلماته وصاغها بطريقة تبين أنه على علم بالأمر منذ البداية أو أنه فهم كل شيء حدث لكنه بعدها تحول إلى شخص سخيف, إما أنه ممثل بارع أو أنه غريب هكذا.

-خالد أود أن أسألك شيئاً جدياً الآن

-موافق بشرط أن تعدني ألا تضحك هذه الضحكة ثانية

-حسناً, المهم الآن هل تعرف شخص هزيل ذو شعر أبيض وعيون سوداء؟

قالها سامح محاولاً تأكيد شكوكه بعلاقة خالد بذو الشعر الأبيض.

-لا

قالها خالد مباشرة, لأنه في الأساس لا يعرف شخص شعره أبيض في عالمه إذن كيف يعرف شخصاً في عالم آخر.

عند تلك الإجابة بدأ سامح بالتفكير في الاحتمالات الخاصة بتلك المعضلة الفتى ذو الشعر الأبيض والتي سأختصرها لتكون المعضلة البيضاء, إذا لم يكن قد عرف ذلك الأبيض إذن فمن الممكن أن يكون قد عرفه بعدها, هذا ما استنتجه بعد دقيقة تقريباً من التفكير, كان سيكمل استنتاجاته لكن أمه قد نادته وخالد لأنها قد حضرت الطعام, في الواقع كان الوقت مثالياُ لأنك إذا نظرت إلى كمية المانا لدى خالد ستجد أنه لم يتبقى له سوى نقطة واحدة.

بعدها مرت الأحداث بسرعة ولم يحدث شيء كبير, ويمكن تلخيصها في نقاط بسيطة وهي أن والد سامح قد عاد وبعد حوار دام لفترة بسيطة وافق على بقاء خالد في تلك الغرفة الملحقة بالمنزل, بدأ خالد يدرب سامح لجعله أقوى وسامح بدأ بتعليم خالد لغة العالم الحالي.

بعد مرور سنتين.

-هاااااا أخيراً استطعت إتقان هذه اللغة الغريبة!

هكذا عبر خالد عن فرحته لأنه وأخير استطاع أن يجري محادثة كاملة بلا تلعثم أو خطأ وبكلمات صعبة في لغة الجزريين, بالرغم من أنه لم يكن الشيء الكبير لأن تلك اللغة كما قلت فقيرة في المصطلحات والكلمات والقواعد وإلى آخرة , وفي الواقع إذا كان أحد آخر غير خالد قد بدأ بتعلمها لكان انتهى من اللغة بعد بضعة شهور لكن خالد كان يتكاسل كثيراً ويتذمر قائلاً أنه شخص جاء من عالم آخر ويجب عليه أن ينقذ العالم وما شابه من الترهات.

-جيد, أخيراً انتهيت من تعلمها, كنت قد بدأت أمل منك لكن حمداً لله.

في خلال تلك السنتين طور سامح وزاد من قوته البدنية لدرجة أنه أصبح أقوى من في سنه وأقوى من كثير ممن هم أكبر منه –بسنة واحدة- لهذا أصبح واثقاً من قدرته على مجاراة-ولو قليلاً- الكارثة البيضاء (لقب منح له من قبل الكاتب), وبما أنه قد عامل خالد جيداً لابد من أن يخفف عنه حدة الضربات قليلاً.

كان موقعهما الحالي هو باحة منزل سامح, كانت قطعة أرض عشبية تحيط بالمنزل من جميع الجهات مثل البيوت الغربية, وعند نهايتها تواجد سور خشبي أبيض اللون يفصل بين أرض البيت والبيوت التي خلفه وبجانبيه, لم يكن حي سامح هو الوحيد الذي بهذا الشكل بل كل الجزيرة هكذا إلا مكانين, الأول هو السوق التجاري الذي كان عبارة عن سلسلة من الأكشاك المتشابهة المتراصة بجانب بعضها البعض بشكل عشوائي في وسط الجزيرة مما جعلها كمتاهة ستتوه فيها إذا لم تكن حذراً حتى أنه توجد لافتة مكتوب عليها تحذير من دخول الأطفال بلا مرافق على الأقل عمر يكون ثمانية عشر سنه, هذا غريب صحيح؟, يوجد تشابه بين عالمنا وعالم سامح, هل هذه صدفة حقاً؟.

لا وجود للصدف, فالأمر يكون بحياكة القدر المحتم والذي يكون عبارة عن شخص يعيش حياته مؤثراً على حياة غيره وغيره يؤثرون على حياة غيرهم وهكذا مما يساعد على استمرار المفاجآت التي تسمى الصدف.

المنطقة الأخرى هي منطقة المدارس, حيث تتواجد أكثر من خمسة عشر مدرسة وأشهرهم بالطبع مدرسة المنقذين.

من بعيد كان صوت لفتاة معروفة بإزعاجها وخجلها وبكائها السريع, إنها رين أيها الساده

-سامحححححححح!!!!!!!

أدار سامح رأسه إلى مصدر الصوت الذي وصل بعد أن أنهى كلمته.

-ماذا تريدين, وأيضاً لماذا تصرخين أنت تعلمين أنني أشعر بالانزعاج بسرعة من الصوت العالي؟

-أعتذر.

قالتها مخفضة رأسها, مما جعل سامح يعيد حساباته مجدداً ويقول لها: لا بأس, الآن أخبريني ماذا هناك؟

لمعت عيناها فجأة وهي ترفع رأسها وتقول بحماسة: اليوم هو يوم إعلان الحكيم العظيم, يجب أن نذهب مبكراً كي نجد مكاناً.

حسناً كان الحكيم العظيم –كما يقال عنه- قليل الظهور جداً, واليوم الذي يعلن فيه عن شيء يكون يستحق لدرجة أنه يهز الجزيرة كلها.

معلومة: مساحة الجزيرة الطائرة حوالي1.576.014 مليون كيلومتر مربع, وهي متحركة وسرعة تحركها هي 12 كيلومتر في الساعة.

صمت سامح للحظة تاركاً فرصة لا تفوت لخالد لكي يستعرض لغته التي تحسنت: هل يمكنك أن تحدثيني عن هذا الحكيم يا رين.

ساد صمت لمدة ثوان قبل أن تبدأ رين بالارتعاش وهي تقول: مـ...من أين جاء هذا الصوت.

قال خالد مشيراً إلى نفسه: لا تخافي إنه أنا

-من أنت؟

قالتها بخوف, مما جعل سامح يضحك ويقول: لا تخافي يا رين إنه خالد, لقد تعلم لغتنا.

التفتت رين إلى خالد وقالت وهي تضع يدها على ذقنها: منذ متى وأنت هنا؟

أنزل خالد رأسه في ألم وقال: هل أنا خفي أم ماذا؟

-أعتذر لكن لم ألاحظك, كنت تتحدث عن الحكيم العظيم أليس كذلك؟

لمع وجه خالد بابتسامة فأخيراً لاحظته وتحدثت معه: أجل هل يمكنك أن تحدثيني عنه؟

قالت بحيرة: غريب ألم يكن من الأفضل لك أن تسأل سامح, فهو يعلم كل شيء عن هذه الجزيرة منذ أن تكونت بسبب قضائه لساعات طويلة في الدراسة.

نظر خالد لسامح بنظرة تطلق شرراً , فقد سأل سامح عدة مرات من قبل بالفعل لكنه كان يقول له أن لا يعلم.

قال بعد أقل من ثانية: أريد أن يحادثني أحد غير سامح, لأنني مللت من الحديث مع شخص واحد طوال الوقت.

حسناً لم يكن كاذباً بالكامل فبالفعل لم يكن يحادث أحداً غير سامح وإن أراد أحد التكلم معه كان سامح هو المترجم, ولا يمكنك الوثوق بترجمة سامح فهو يحرف بما ينفعه , ولا أريد أن أشوه صورة البطل من أول بضعة فصول لهذا سأترك الحديث عن هذا لوقت لاحق.

-أوه أيها المسكين, ما رأيك أن أحدثك عنه ونحن نسير إلى مكان الإعلان.

-حسناً, شكراً.

كاد يبكي فهو لم يعامل بلطف منذ أن جاء, لم يفهم أحد كلامه وحتى الذي وجده قد جعله يعيش في ملحق قذر, وحتى الطعام كان غريباً عن عالمه ومكوناته أغرب, لكن تلك الفتاة التي انطلقت منها تلك الهالة المضيئة كانت لطيفة, في الواقع كان سيقع في حبها لو لم تكن أصغر منه بما لا يقل عن عشرة سنين.

انطلق الثلاثة ليصلوا وهم يستمعون إلى رين.

الحكيم العظيم هو لقب يطلق على الرجل الذي أنقذ البشرية من الهلاك بعد الحملة النهائية الكارثية, التي مات فيها كامل الجيش البشري وبعدها كانت البشرية في خطر كبير ولكن لحسن قام الحكيم العظيم ببناء أساس تلك الجزيرة الأول ومع الزيادة في عدد السكان كانت الجزيرة تتوسع, وزاد التقدم التكنولوجي بسرعة عما كان موجوداً قبل ألف سنة.

-لحظة, هل تقولين أن هذا المكان كان يطير في الجو هكذا لمدة ألف سنة دون أن يقع, أو يحصل له أي شيء عدا التوسع؟

قالها خالد لرين, لكنه تلقى الرد من سامح الذي قال: أجل وإلا كنت ستجدنا على السطح الآن.

-إذن هل هذا يعني أن الحكيم العظيم يعلم تعاويذ سحرية؟

توقف كلا من سامح ورين في مشهد لم يفهمه خالد.

-هناك أشياء يا خالد يجب عليك عدم الحديث عنها, ومن ضمنها التساؤل عما إذا كان الحكيم يعلم التعاويذ, أنت لا ترغب بأن يحدث لك كما حدث مع آخر شخص تحدث في هذا الموضوع.

قالها سامح محذراً خالد الذي قال: ماذا حصل له؟

-تمت معاقبته عن طريق إلقائه من حافة الجزيرة إلى السطح مجرداً من ملابسه.

لم يستطع خالد أن يكبح نفسه فقال صارخاً بلغته الأصلية: ما هذا الجنون!!!؟؟؟

في تلك اللحظة نظر الناس ناحيتهم, لم يفهم أحد ما قاله خالد سوى سامح.

-أخفض صوتك, لماذا أنت متعجب ؟, أنا لم أقل لك قط أن جزر السماء مكان مثالي.

قالها بلغة خالد الذي أخفض رأسه معتذراً, ودخل في صمت عميق استمر إلى أن وصلوا إلى المكان المقصود.

كانت قاعة دائرية الشكل فيها مدرجات كراسيها زرقاء اللون, وفي الجهة الأمامية للمدرجات هناك منصة صغيرة يقف عليها الحكيم عادة ليلقي الخبر على الناس ,تلك القاعة كانت بلا سقف مما جعلها لا تحتاج إلى وسائل إنارة, يكفي فقط أن يلقي خطابة بالنهار وينتهي كل شيء.

بحسب تذكر سامح كان هذا الخبر هو الأقوى من بين كل الأخبار, لهذا قرر الذهاب مجدداً للمرة الثالثة, ولأن هذا الخبر مهم لخالد.

عندما وصلوا كانت المقاعد الأمامية ممتلئة إلا من ثلاثة مقاعد في المنتصف, صدفة غريبة مجدداً.

جلسوا على تلك المقاعد منتظرين الإعلان .

مضت أول نصف ساعة ولم يحضر, لكن الناس كانوا لا يزالون يتوافدون وكل واحد فيه يأمل بأن يظفر بمكان لكي لا يضطر أن ينتظر سماع الخبر من الذين كانوا في الداخل عند نهاية الخبر –بعد ساعات-.

مرت عشر دقائق أخرى , المقاعد كلها قد امتلأت .

وفي خلال دقيقة حضر الشخص المنتظر, الحكيم, مؤسس جزر السماء.

على عكس ما توقعه خالد فقد كان رجلاً يبدو من شكله أنه في الثلاثينات من العمر, قامته متوسطة ونظرة فيها فخر كبير, وهالة شعت بالكبرياء الذي لا يتوافق مع لون شعره الأخضر الذي لم يمسه الشيب أبداً.

توقف ذلك الرجل في وسط المنصة وقال بصوت دوى في القاعة : مرحباً جميعاً, أولاً أريد أن أخبركم أنني اليوم سوف أعلن عن شيء سيدمر الجزيرة من قوته, ذلك الشيء هو الذي سيشح التطور الكبير الذي وصلنا إليه في الألف سنة الأخيرة.

من مكان خارج القاعة وقف شاب هزيل شعره أبيض عيونه سوداء, بعد أن سمع تلك المقدمة تبسم ساخراً وابتعد وهو يقول بصوت منخفض: يا إلاهي هذه المقدمة تذكرني بنفسي في تلك الأيام هه(ضحكة خفيفة) كم هذا سخيف, وددت أن أرى هذا الحكيم لكن لا بأس سيكون لي لقاء معه في يوم آخر.

قالها واختفي بين الناس.

كان سامح يتحرك شوقاً ليرى ردة فعل خالد عندما يرى ذلك الإعلان.

كان الحكيم يتحدث: نحن استطعنا بفضل بحوثنا في أطلال العالم الذي تدمر منذ ألف سنه أن نجد طريقة لاستدعاء البشر من عوالم أخرى.

قال هذه الكلمات وصمت ليرى ردة فعل المتواجدين الذين بقوا صامتين فاغرين فاههم في اندهاش, هذا الكلام إذا سمعوه من أي شخص كانوا سيقولون عنه مجنون, لكن الأمر مختلف مادام جاء من هذا الرجل الماثل أمامهم فالأمر يجب أن يكون حقيقياً أو واقعاً يعرض أمامهم.

خالد الذي كان غير مصدق أراد أن يسب ذلك الرجل لكن المشكلة أنه سيعدم إذا قال شيئاً وفقاً لكلام كلا من سامح ورين, لذا قرر أن يأخذ الصمت حجاباً ليخفي فيه سخطه على ذلك الرجل ففي اعتقاده أنه هو من استدعاه.

توسعت عينا رين في دهشة, فالأمر كان محمساً بالنسبة لها لأن ذلك الأمر كان خيالياً جداً, لهذا قالت بحماسة للحكيم: هل يمكنك إخبارنا عن العوالم الأخرى سيادة الحكيم!

نظر الرجل إلى الطفلة التي انطلقت بحماسة وقال وهو يبتسم لأن السؤال الذي انتظره قد طرح: لما لا تسألينهم بنفسك؟

وأشار إلى شخص بأن يحضر هؤلاء الأشخاص.

شخص, اثنان ثلاثة أربعة.

كان عدد الأشخاص الواقفين هناك هو حوالي عشرين شخص, من بينهم كان هناك شخص عيناه ميتتان بكل ما تحمله الكلمة من معنى, وقف متصنعاً ابتسامة مزيفة لسبب ما, كانت عيونه سوداء وشعر أشعث مثل عيونه, لم يتمتع بجمال كبير وحتى قامته كانت قصير ويرتدي نظارات.

عندما رآه خالد صرخ بصوت هز القاعة: حسام!!, ماذا تفعل هنا؟

الشاب عينه لتقع في عيني خالد , وبعدها عاد قليل من الحياة لعينه امتزجت مع نظرات تعجب كبيرة.

لم يكن يتوقع أن يجد صديقه في هذا العالم!.

--------------------------------------------------------------------

ما رأيكم في الفصل؟

2019/01/21 · 513 مشاهدة · 1864 كلمة
AZOZ
نادي الروايات - 2024