بين الأيام الأولى والأيام الأخيرة توجد فجوة الأحداث, لا تدري كيف حصلت أو كيف بدأت لكنك تعلم يقيناً أنها لم تكن لتكون أفضل مما كانت عليه.

لم تدرِ رين بما حصل لسامح لكي يتحول بذلك الشكل, تعلم أن البكاء السريع خاطئ لكن هذه طبيعتها ولا يمكنها أن تتغير بتلك السهولة لهذا قررت الابتعاد عنه قليلاً ريثما تفهم ما حدث, لم تكن تعلم أن فجوة الأحداث كانت قد ابتعدت عنها وذهبت إلى سامح كحية تسعى , فأصبح أكبر منها عقلياً ولم يعد يطيق صوت البكاء, أو لم يتأقلم على أن رين تنمو نمواً طبيعياً بينما هو قد وصل إلى العشرين في جسد لم يتخطى الثالثة عشر.

في ذلك اليوم وبعد مرور شهر على بدء الدراسة قال سامح لمنير وهما جالسان في الكافتيريا: معلم, هل يمكنني أن أسألك سؤالاً؟

لم يفهم منير السبب لكنه قال: اسأل ما تريد سأجيبك إذا استطعت, ولا تنادني بالمعلم, نادني منير فالفرق في السن بيننا ليس كبير.

-حسناً , لماذا تراقب غرفتي أنا وخالد ورين ليلاً؟

وضع منير يده على ذقنه وقال: همم, يبدو أنك عرفت, حسناً سوف أجيبك, والدك قبل سنوات أنقذني وبما أني رجل واجب فقد أخذت على نفسي عهداً بحمايتك.

تنهد سامح لأنه وجد أن هناك نوع من التناقض في كلامه مع أفعاله فقال: أنت تذكر حين.....

وضع منير يده على فم سامح مغلقاً إياه وقال: أنا أعرف ما تريد أن تقول, لكن لا تتكلم عن هذا الأمر معي ولا تسأل لماذا لأنني حتى ولو أردت فلن أستطيع إخبارك.

قالها ثم ذهب, بعيداً جداً إلى أن اختفى من مجال رؤية سامح.

كانت إجابة منير قد أضافت المزيد من الأسئلة, وفي لحظات تفكيره, ظهرت ذكرى في عقله ظن أنها كانت قد اختفت لكنها كانت مختبئة في مكان ما في عقله, ظهر منير وتقدم ناحية والده , فقتل منير والد سامح, وقتها كان عمره أربعة سنوات.

مع تذكرة للأحداث جلس متجهم الوجه يحاول الفهم, يحاول يركز ويركز.

-سامح!, هل أنت هنا؟

كانت رين تناديه بصوت عالِ وهي تقترب منه فقال لها بعصبية: هل يمكنك الهدوء!

أجفلت منه وقالت بصوت خفيف: لـ...لقد كان خالد يريدك.

-حسناً شكراً جزيلاً لك رين.

قالها ثم قام من على المقعد الذي كان جالساً عليه.

كانت الساعة هي الثامنة مساءً وقد كان هذا هو الوقت الذي اعتاد عليه كل من خالد وسامح للجلوس والتحدث مع بعضهما عن عدة أشياء كأصدقاء.

عندما عاد, وجد في الطابق الأول عدداً من الطلاب متجمعين ومن بينهم كانت آسيا, لذا سألها: ماذا تفعلون؟

-نضايق المعلم السطحي.

بالمعلم السطحي كانت تقصد منير.

قال لها: حسناً افعلي ما تريدين, لكن أنا لا أنصحك بهذا, وداعاً.

رحل قبل أنت تستفسر منه عن السبب وذهب إلى الغرفة ليتحدث مع خالد الذي كان يتحدث عن معلومات غريبة كل ليلة, مثل الخلية والبكتيريا وما إلى ذلك من معلومات لم يتوصلوا إليها في عالمهم لهذا كان يحب الاستماع إليه.

جلس مترقباً بداية المحادثة فبدأها خالد وقال: سامح أريد أن أعرف لماذا تتصرف هكذا مع رين هل أنت تكرهها.

قال سامح وهو يتذكر : لا أدري, أشعر في الفترة الأخيرة بأنني أرغب بتدمير ما حولي وأنتهي, وأشعر برأسي كأنه سينفجر من كثرة الغموض المحيط بي, أشعر وكأنني طفل طالبوه بقيادة جيش في معركة مصيرية, ألديك تفسير لهذه الحالة.

-على ما يبدو يا سامح أنك قد دخلت إلى مرحلة من مراحل حياة الإنسان تسمى (المراهقة).

-بقولك مرحلة من مراحل حياة الإنسان أتعني أن كل البشر يمرون بها؟

-نعم

-حتى أنت؟

-أجل و لازلت بسبب أن جسمي توقف عن النمو منذ أن جئت إلى هذا العالم لكنني نضجت عقلياً لهذا لا فرق عندي ويمكنني أن أسيطر على نفسي.

-حسناً, جيد .

-عليك أن تعلم أن الإنسان إذا وجد الجفاء من شخص ابتعد عنه حتى ولو كان حبيبه, هل تفهم معي.

-أجل, لكن بالحق, ما معنى الحب, سمعتك تكرر تلك الكلمة مرات عديدة.

-الحب ها؟, الحب هو شعور تكنه نحو شخص بحيث أنك تكره أن يصاب بالأذى وتتألم وهو يتألم تريده دائماً بقربك وتشعر بالغيرة إذا رأيته يكلم أحداً غير بود, حسناً هذا هو تفسيري الشخصي, في الواقع هناك العديد من التفسيرات لهذا الشعور, لكنهم جميعاً يشتركون في نفس الشيء تقريباً, وهو تفضيل الطرف الآخر على النفس, تريد أن يأخذ من تحب كل شيء منك بمقابل أن يكون سعيداً, لا تريد منه أكثر من هذا.

-على ما يبدو أنه شعور جيد.

-حسنا.... لم أجربه لكن, شاهد أناس كثيرون يجربونه.

توقف عن الكلام لأخذ أنفاسه وقال: خلاصة القول عليك أن تسيطر على انفعالاتك قليلاً إذا كنت لا تريد لرين أن تكرهك.

أنزل سامح رأسه إلى الأرض وقال: أنا لا أريدها أن تكرهني, لكني لا أقدر على كبح غضبي, أنا حقاً لم أعد أدري ما أفعل.

-افعل ما يمليه قلبك عليك أيها الفتى.

قالها وصعد على السرير لينام........

في ذاته لم يدرِ سامح ما يفعل لهذا قرر الانتظار إلى أن تأتي ويعتذر لها.

مضت ساعة وهو ينتظرها, بقي جالساً مكانه إلى أن أتت.

-رين أردت أن أقول لكِ شيئاً.

قال لها هذا عندما دخلت لكنها لم تعره اهتماماً وذهبت إلى غرفتها.

عندما رأى ردة فعلها قال في ذاته أنها ربما كانت متعبة قليلاً لهذا تركها لوحدها .

اليوم التالي, لم تتحدث معه...........وكان قد نسي ما قد عزم عليه في الأمس.

ذهب خالد بعد إنهاء الدروس إلى حسام ليغير الروتين اليومي الخاص به, حسناً كان يقابله كل فترة , لكنه أراد أن يسأله شيئاً.

-هل لديك دفتر وقلم؟

بدأ خالد الحوار بعد مزاح وكلام خفيف فقال له حسام متسائلاً: لماذا تريدهما؟

-قررت أنني سوف أقتبس هذا العالم لكتابة روايتي الأولى, برؤيتي للنظام وكل هذا يجب أن تكون واقعية بأكبر درجة ممكنه, وسأحاول جعلها واقعية قدر الإمكان.

همهم حسام همهمة خفيفة وقال: ما فكرتك عن الروايات الواقعية يا خالد, أرجوا ألا تكون سخيفة.

قال بفخر : لا تقلق لن تكون سخيفة.

-إذن فلتتحدث.

-الرواية الواقعية هي حيث تكون المأساة هي العنصر الرئيسي لها, حيث يتلوى البطل بين الألم البدني وألم الفراق لأحبائه, عندما يخسر دائماً في أي حرب و.....

قبل أن يكمل قاطعه حسام وقال له: كما توقعت سخيفة, اسمع يا خالد القصة الواقعية هي عبارة عن قصة تجتمع فيها السعادة والحزن التفاؤل والتشاؤم, بحيث البطل يربح إذا كان أقوى وأذكى من خصمه ويخسر إذا كان أضعف وأغبى من خصمه, عندما تجتمع الحبكة والسعادة والحزن والعمق القصصي وعندما تعالج القصة شيئاً يراه كاتبها سيئاً فهنا أستطيع أن أقول أنها كانت قصة واقعية حتى ولو كانت تتحدث عن أن الأرض لها ألف قمر.

-كلام رائع, لكنني لم أقتنع.

ظل الحوار بين هذان الاثنان قائماً لثلاث ساعات متواصلة, وبعدها قررا تغيير موضوع النقاش.

حتى الآن ومنذ أن سمعتهما لأول مرة لم أستطع أن أجزم أيهما هو الصحيح.

2019/02/22 · 421 مشاهدة · 1033 كلمة
AZOZ
نادي الروايات - 2024