الليل والصمت

الليل والصمت وأغنية الانهزام

الليل والصمت وأغنية الانهزام وصحوة الجرح الذي لم يلتئم

كانت ليلة غريبة من ليالي سامح, استيقظ من نومه فزعاً, لم يكن يدر ما إذا كان ما رآه حلماً أم حقيقة, كل شيء توقف في لحظة وسمع صوتاً يقول له: هل تريد تصحيح خطأك؟

كان ذلك الصوت مألوفاً جداً له , لكن لم يستطع أن يفكر في شيء, كل ما كان يدور في خلده: هل عادت أيام التكرارات مجدداً.

مضت ساعات الليل المتبقية وهو جالس بلا شيء فقط عقله يعمل كمحرك طائرة على وشك الإقلاع, بين نار عودة الماضي وموت رين مجدداً.

في صباح ذلك اليوم استيقظ خالد فوجد سامح جالساً على سريره كقرد, فقال له خالد: ما الذي أيقظك مبكراً هكذا؟

قال له متثائبا: لا شيء, لم أستطع النوم فقط.

برغم شعور خالد أن سامح يخفي عنه شيئاً إلا أنه لم يهتم, حسناً فبحسب خبرته مع سامح فإنه سيخبره في النهاية.

لم يكن يعلم أن سامح لم يخبره لأنه لم يكن يريد أن يسمع كلمات التعازي , أيضاً لأنه علم أنه لن يفيده في شيء, لهذا قرر الصمت..

قال له خالد: أتعلم, لقد حلمت بحلم غريب, والدة رين تموت وأنت تأتي بعد موتها بثلاثة أيام وتتفاجأ بموت رين كذلك, فتبدأ بضرب رأسك بالحائط كالمجنون إلى مت, حلم غريب, أليس كذلك؟

ما قاله خالد منذ لحظة كان ما حدث , أيعني ذلك أن خالد يتذكر ما حدث في الماضي كذلك؟

نظر إليه سامح بصدمة وقال: هل تتذكر ما حدث ؟

لم يفهم خالد ما قصده فسأله.

أجابه سامح: أنا كنت قد عدت بالزمن وكل هذه الأحداث قد حصل في المستقبل.

فتح خالد فمه وقال: أية أحداث التي قلتها يا سامح, هل أنت تخرف؟

-لا, الحلم الذي قلته قبل لحظة, لقد قلت أشياء من المستقبل, لا تقل لي أنك نسيت بهذه السرعة.

وضع خالد يده على رأسه وقال: أنا.... نعم أنا أتذكر أنني قلت لك شيئاً ما لكني لا أذكر ما هية ذلك الشيء , تباً ذاكرة خرقاء!

ضرب رأسه وقال بعد لحظة: إذن هل يمكنك إخباري بما حصل؟

أخبره سامح ما حصل مستثنياً نقطة قصة حسام التي لم تكن مهمة على الإطلاق, فقال له خالد: إذن أتقول لي أنه سيتم إخطار رين بموت والدتها اليوم؟

-لحظة.... اليوم؟, ما التاريخ؟

-همم, حسب تذكري نحن في يوم اليوم الأول من الشهر السابع, إذن ستموت رين بعد غد وستعرف أنت بعدها بيوم أنها ماتت؟.

وضع يده على جبهته وقال: يا إلهي ما الذي جعلني أتورط في مغامرات هذا المجنون؟

-رجاءً قل حلاً لي وإلا فاصمت لأفكر.

-سوف أقول لك حلا, لأنني الذكي والعبقري خالد.

رفع خالد شعرة مغطياً عينه بتفاخر ساخر, فقال له سامح: ها هو القرد يتصرف وكأنه بشري.

كان قد علم الكثير عن القردة من خالد , لهذا قال له ذلك, ولأن خالد يعلم أن سامح سينفجر - بسبب ما حصل له - إذا واصل المزاح قرر أن يعطيه حلاً سريعاً: قلت أنها لم تقل لك عن موت والدتها أليس كذلك؟, حسناً, ما ستفعله كالآتي: أولا تصرف كما فعلت في المرة السابقة, لكن.... هذه المرة راقبها من بعيد, وعندما تشعر أنها ستفعل شيئاً غبياً اذهب وأنقذها, هكذا ستظفر بقلبها و ستوقف سلسلة التكرارات وأيضاً ستفهم منها ما الذي جعلها تبعدك فجأة عن نطاق أحداث حياتها.

-أدهشني تفكيرك يا خالد في الواقع أنت ذكي بالرغم من أنك عديم الفائدة تماماً.

-هه, أفضل بكثير من شخص بلا فائدة تماماً يعتمد على الآخرين من أجل إيجاد الحلول لمشاكله.

كان كل منهما ينظر إلى الآخر بنظر تطلق شرراً وبعدها بلحظة اختفت تلك النظرة وراء ابتسامة تدل أنهما كانا يمزحان فقط.

دخل سامح لكي يستحم وكان قد قال لخالد أن رين ستخبره أن يأتي معها لهذا يجب ألا يعارض, فقط يوافق.

حصل ما قاله سامح, فوافق خالد.

حسناً برؤية ملامحها كاد خالد أن يبكي, لم تكن تلك ملامحها المعتادة, كانت تلك علامات الحزن تغطي محياها, حسناً لم تكن مفاجأة له بما أن والدتها قد ماتت, للأسف لم يدرِ ما يقول لهذا قرر الالتزام بالصمت وترك الامور تأخذ مجراها.

في الواقع كان خالد يشعر بما تشعر به, لهذا كاد أن يبكي.

خرج سامح من الحمام بعدها بدقائق بعد أن اغتسل , وعندما خرج ووجد أنه كان وحيداً في الغرفة قال : حسنا, سأبقى وحيدا..........مجدداً.

ضحك بشكل مصطنع على حاله وقال: همم, إذا قلنا أن الحلم الذي قاله خالد صحيح, إذن هذا يعني أنني عدت لتلك العادة مجددًا؟

في صغره كان سامح عندما يبكي يتحرك بحركات لا إرادية, تكسير وتحطيم لما حوله بيده أو قدمه, لكن الأكثر شيوعاً من حركاته هي ضرب الرأس بالحائط, ففي مرة وهو طفل لم يتعدى الرابعة من عمرة ظل يضرب رأسه بالحائط عدة دقائق حتى قيده والده, وإذا سألته لماذا تفعل هذا سيقول لك أنه لا يتذكر ما فعله.

استلقى على سريره يفكر فيما سيفعل, سيذهب أولاً ويسأل عن رين؟

لا, وما أدراه أن رين ستذهب إلى أي مكان..... لحظة إن لم تكن ستذهب إلى أي مكان وتموت بينهم فإنه حتى لو حضر في الوقت المناسب فإنه سوف يرى لحظة احتضارها, تباً.

لمعت كلمة في باله (لقد انتظرتك) هكذا هو الأمر.

قرر أنه سوف ينفذ خطة لمعت في باله بعد تفكير مطول في تلك الجملة.

بعدها بقي منتظراً وحده باقي اليوم منتظراً لحظته التي سيتألق فيها ويبعد رين عن الموت لكي لا يعود بالزمن مجدداً, غداً هو اليوم الموعود.

في اليوم التالي استيقظ من النوم وبعدها دخل ليستحم.

خرج من الحمام وبعد بضع ساعات , وقرب الغروب خرج من الغرفة قاصداً مخرج المدرسة لكي يذهب إلى منزل رين لينظر ما حدث وعندما وصل كانت المفاجأة......... رين اختفت ليلة أمس قالت آسيا لسامح الذي سمع كلمتها ولم يستطع الرد, تباً أين أو كيـ........ لحظة!.

ماتت أم رين وبعدها في الليلة التالية ماتت رين, كيف حصل هذا؟, إذن هذا يعني أنها ذهبت لتنتحر؟, لا, كانوا سيستغرقون مالا يقل عن أسبوع ليعلموا أنها قد ماتت بما أن الانتحار يعني أنها ستقفز من على حافة الجزر.

بحسب ما يتذكر اليوم السماء ستمطر, وهذا يعني ستموت من البرد؟

تضاربت الأفكار في رأسه في محاولة منه لفهم ذلك التغيير الغريب الذي حدث في الخطة.

أمال رأسه إلى الأسفل وقال بصوت خفيض : أيتها الحمقاء.

عندما رآه خالد يقف مكانه بلا أي حركة ولا يبدي ردة فعل, شعر أن هناك خطأ حدث في خطط سامح, ففي العادة هو من النوع غير الحكيم الذي يلعب كل أوراقه مرة واحدة بناءً على سير أحداث معين, لكنه الآن يقف ثابتاً.

لم يكن على وجه خالد أي ملامح, فهو لا يشعر بالحزن وفي نفس الوقت لا يمكنه أن يبتسم في وقت كهذا, لكنه في تلك اللحظة ابتسم ابتسامة خفيفة وقال في نفسه: معضلة (أوه لا, لقد تعطلت ساعتي مع أنني أصلتها للتو) تضرب هذا الفتى وبقوة.

قام من مجلسه وقال لسامح: لقد كنت صديقها المقرب ألا تعلم أي مكان من أماكنها المفضلة, مثلاً المكان الذي كانت تذهب إليه عندما تحزن أو أي شيء؟

لمع مكان معين في رأس سامح, رين لم تبتعد عن حدود ذلك المكان, وهو مكان سهل جداً أن تجد جثة شخص فيه بعد أن يموت, فانطلق بكل سرعته صوب ذلك المكان.

في الخريطة الموجودة داخل عقله كان يوجد منزله وبجانبه منزل رين وفي الأمام توجد حديقة جميلة التي توجد حرفيا على حافة الجزيرة, وللأسف منذ ألف سنة وحتى الآن لم يتم أي جدار لحماية الناس من السقوط لسبب غير معروف.

ذهب عند أكثر مكان كئيب وفارغ عند طرف تلك الحديقة اللعينة .

فوجدها جالسة عند صخرة على الطرف تماماً بحيث أنها لو وقفت واختل توازنها قليلاً ستسقط من الجزيرة.

كانت جالسة ضامة ركبتها إلى صدرها وتنظر إلى الأسفل.

وفي تناغم غريب بدأت السماء تمطر وتبرق وترعد.

توجه إليها وقال وهو يلهث –لأنه كان قد أتى راكضاً-:أخيراً وجدتك.... –مد يده إليها وقال: هيا تعالي الكل قلق عليك.

نظرت إليه وبمجرد أن وجدت يده ممتدة قالت : ابتعد!

لم يستوعب ما قالته رين فقال ليتأكد: عذراً ماذا قلتي, لم أسمع جيداً.

-قلت لك ابتعد!, ابتعد أيها الـ....

لم تستطع رين إيجاد كلمة تقولها لذا صمتت.

قال سامح لها وهو لم يفهم: لماذا؟, أنا لا أفهم , لماذا أبتعد؟

-أنت ......لقد.. أنا لم أعد أسطيع البكاء منذ وقت بدأ يظهر لي شبحك يرعبني من البكاء, حاولت أن أنكر أن هذا أنت لكن كل مرة أنت إما تبعدني عنك نهائياً أو تغضب علي, كل مرة حاولت أن أتصرف على طبيعتي أنت كنت تحطمني.

تسمر سامح في مكانه وهو يحاول استيعاب ما قالته, إذن التصرفات المبالغة بها الفترة الماضية كانت طبيعتها؟, ليس هذا هو المهم.... لقد كان وحشاً يأتي في كوابيسها وفي خلال محاولاتها لإثبات أنها مخطئة كان يثبت أنها على حق.

ملحوظة: في ثقافة الجزريين الذي يأتي لك في كابوس هو شخص يضمر لك شراً, أو يكرهك (أيهما أقرب)

أخفض رأسه وقال: إذن أنا كنت وحشاً في نظرك.... أ..أأأأأ أنا لا أدري , تباً, إذن.... أرجوك حاولي الذهاب من هنا كي لا تمرضي.

كان كلامه هو عبارة عن تكرار للكلمات التي تأتي في عقله دون صياغة.

بعد أن أنهى كلماته, كان يتحرك لكي يعود بخطى ثملة.

وفي لحظة دوار بسيطة انزلقت قدم سامح بفعل الماء الذي على الأرض بسبب المطر ولم يستطع السيطرة على نفسه فسقط من على الجزيرة............

_______________________________________________________________________________________

إن أعجبكم الفصل......................................

تأليف : AZOZ

2019/03/01 · 502 مشاهدة · 1436 كلمة
AZOZ
نادي الروايات - 2024