كذا...... هكذا عاد إلى تلك النقطة منذ أيام, استيقظ لكن هذه المرة كانت هناك دمعة قد خانته ونزلت على خده حارة بحرارة الشموس.

أهكذا كانت تنظر إليه طوال تلك المدة؟, لما لم تقل شيئاً ...... هي تكرهه, أجل هذا صحيح , لو كانت على الأقل تعتبره كصديق كانت ستخبره بأن هناك شيئاً خاطئاً فيه , لكن.......

وضع سامح يده على جبهته محاولاً –بشكل أحمق- تخفيف الصداع الذي أصاب أساسات دماغه بعمق .

عيناه تستعدان لنوبة البكاء الشديدة التي ستاتي, لكنه يأبى الاستسلام, إذن هل كل المرات التي حاول فيها إنقاذها كانت مجرد تضييع وقت, كانت أوقات الألم الماضية مجرد دعابة؟, لا شيء كان نافعاً؟

بوصول تفكيره عند هذه النقطة بدأ يضحك بصوت عالٍ , وقال لنفسه: جيد ..... جيد جميل أنا...... أنا ..... لتذهب إلى الجحيم, لم يعد يهمني إن ماتت منتحرة أو ماتت ورميت كقطعة لحم عفنة إلى وحوش السطح.

بمجرد أن أنهى كلمته الأخيرة وضع يده على قلبه محاولاً تدارك الألم الذي ألمَّ به لكن لم يحصل شيء, استمر الألم في الزيادة إلى أن تغلب عليه وبدأ بالبكاء, لا كانت عينه فقط هي التي كانت تبكي, لربما شعرت بالشفقة على حاله, أو ربما كانت تدمع فقط لتنظيف نفسها لا أكثر.

في أثناء تخبطه الفكري كان خالد قد استيقظ, وعندما رآه هكذا قال له: ماذا بك يا سامح, لماذا تبكي؟

لاحظ سامح نهر الدموع المتدفقة من عينه السوداء , فقام بمسحها وقال لخالد: لا شيء.... فقط لا تهتم.

بعدها مدد سامح نفسه على السرير, يعلم أن خالد سوف يعرف ما جرى , لكنه كان حقاً يريد لحظة استرخاء, تباطأت الأحداث وعندما ظن أنه سوف يعود إلى حياة عادية – إلى حد ما – وجد نفسه يدور في دائرة قد أدخل نفسه فيها, هو مدرك أنه هو السبب في أنها كرهته, لكن معرفة كل هذا دفعة واحدة جعله في حالة صدمة.

هكذا عادت الأحداث إلى المسار الذي اتخذته سابقاً, والدة رين, وبعدها بيوم رين وهكذا.

عندما عاد كل من خالد وآسيا إلى المدرسة, كان أول من قابل سامح هو خالد باعتباره شريكه في السكن, عندما دخل خالد الغرفة وجد على وجه سامح تلك التعابير الفارغة التي كانت على وجهه منذ أن هم بالمغادرة, قال خالد لسامح بحزن: سامح, رين قد ماتت.

نظر سامح إليه ولم تتغير تعابير وجهه كثيراً وقال: حسناً وماذا إذن؟

تفاجأ خالد من تجمد مشاعر سامح وقال بغضب: أفهمت ما قلته لك, رين ماتت , رحلت عن دنيانا.

لم يرف لسامح جفن وقال: قلت لك من قبل, وماذا إذن؟, ماتت حسناً أخبرني ماذا أفعل, هل أنقذها لك لكي لا تحزن أم ماذا؟

صدم خالد من رد سامح فتحرك إليه ورفعه من ياقته بيديه وقال: هل جننت , ألا تعرف عن من أتحدث, رين صديقة طفولتك , تلك الفتاة التي كنت تحكي لي دائما عن إنقاذك لها تلك الفتاة التي كانت تعني لك كثيراً , قل لي فقط ما الذي تغير تلك الليلة؟

-أعي تماماً عن من تحدثني , وما حدث تلك الليلة كان كبيراً, أعلم أنك حزين عليها كصديقة, لكن أتعلم, برغم عدد المرات التي حاولت أن أنقذها فيها, وكل تلك المرات التي تحملتها فيها , كرهتني , كرهتني ونكرتني فقط هكذا, والآن اتركني رجاءً أنا جائع, أريد الذهاب لآكل.

لم تتغير نبرته الباردة كان فق يتحدث بلا تفكير فقط لإخراج ما بداخله.

تركه خالد تلقائيا من صدمته, كيف تغير سامح هكذا, رآه كثيراً في حالة سيئة لكن هذه المرة كان الأمر فظيعاً جداً, فهم أنه قد عاد بالزمن وفي ذات اللحظة لم يفهم كيف فقد رزانته المعتادة.

عندما ذهب سامح وابتعد عن الغرفة حيث كان خالد يقف ولم يستوعب شيئاً, دخل منير الغرفة التي كانت مفتوحة وقال لخالد: على ما يبدو أن تلميذي العزيز بحاجة إلى فهم شيء ما.

عندما كان خارجاً ليأكل قابلته آسيا في الكافتيريا , وبرؤيته يتمشى بكل هدوء وأريحية ووجهه لا يوحي بأن أي شيء قد حصل, كادت أن تفقد عقلها.

ذهبت إليه وأمسكته من ملابسه: لماذا لم تأتي؟

قالتها وعلى وجهها علامات نظرة قاتمة من أثر الحزن.

قال لها: أدعاني أحدهم إلى مكان من قبل ولم أحضر؟

قالت له بصوت مختنق في ظن منها أنه لم يقابل خالد بعد: رين قد ماتت وأمها كذلك.

كانت تلك النظرات البارد التي اكتسبها منذ أيام تعتلي وجهه , وفي أمر معروف بالنسبة له كهذا لم يكن ليرف له جفن فقال لها: وماذا إذن؟, لقد أخبرني خالد قبل قليل.

لم تتحمل ما قاله فظلت ترجُّ جسده بعنف, لم تظن أن هذه ستكون ردة فعل سامح الذي عاش طفولته كصديق لرين فقط –إذا استثنينا بعض الأطفال القلائل – لم تفهم كيف لهذه أن تكون ردة فعل لسماع خبر موت شخص ليس قريباً منه بالأساس .

انزعج سامح من الذي تفعله آسيا فأمسك كتفها بشدة وقال بنبرة مرعبة: ابتعدي عني وإلا قتلتك!

لم يكن سيقتلها بالطبع, لكن هذا التهديد الذي كان كسيف اخترق جسدها , جعلها تقع على الأرض وتبدأ بالبكاء على ما ضاع منها, كان في البداية صديقتها وبعدها هذا الفتى الذي تغير جداً (بالطبع فقدت الكثير قبل هذا لكن لندع الأحداث تأخذ مجراها)

كانت تبكي بينما سامح يسير متجاهلاً إياها.

عندما دخل منير وقال لخالد ذلك الكلام قال له خالد: وماذا تعرف عنه؟

ابتسم منير وقال بهدوء: الكثير جداً, أكثر مما تعرف أنت.

قال خالد له وكأنما وجد أملاً للفهم -برغم أنه كان يعلم القليل-: أخبرني إذا كنت تعلم.

-في البداية ذهب في محاولة لإنقاذ تلك الفتاة وبعدها حصلت بعض الأحداث التي جعلته يتغير ويكرهها, حسناً كان هذا هو أهم ما حدث باختصار شديد, ويمكنك توقع الباقي.

-لحظة أنا لمـ .....

وضع منير يده على فم خالد وأشار إليه أن يصمت, لأسباب شخصية لديه.

بعدها خرج منير تاركاً خالد في بحر أسئلة يريد إجاباتها.

وهو يمشي قال في نفسه: كما في الماضي, المرحلة الأولى كانت الخيانة التي قد تم فهمها بطريقة خاطئة, هل يا ترى سيكرر التاريخ نفسه؟, حسناً لربما سأعرف مع الأيام.......

كان قد فكر في الأمر لمدة من الزمن فاستنتج أنه قد تحطم داخلياً بعد أن حصل له شيء مع رين لذا قرر –بالرغم من أنه لم يكن يحب تغير سامح- أن يحاول إخراجه مما هو فيه, بالطبع كان خالد يعلم أن في هذه المواقف من المفترض أن تأتي الفتاة التي تحب البطل وتحتضنه أو تفعل شيئاً ومن ثم يقع البطل في حبها شيء من هذا القبيل, لكن الآن الأمر يتعلق بتلك الفتاة, إذن فمن أفضل من صديق ذلك الفتى الحزين؟

مع أنه ما يزال يشعر بحزن في قلبه على تلك الفتاة التي ماتت بسبب أنها كانت ضعيفة وبقيت تحت الأمطار في الجو البارد ليلة كاملة, يتذكر أنها كانت تنظر نظرات باحثة, وبعدها أتت آسيا وأخبرتها شيئاً في أذنها همسا, بعدها ولسبب ما اختفت في ليلة التي ماتت فيها وتم العثور على جثتها أمام منزلها في صباح اليوم التالي.

حسناً, كانت بالنسبة له كأنها ابنة صديقه أو شيء كهذا, وليستمر في العيش قرر محاولة نسيانها, حسناً فلم تكن تلك أول مرة يفقد فيها أحداً.

في أثناء جلوس سامح وهو يأكل الطعام الذي ضاع طعمه من أثر الحزن, كان يحاول أن يفكر فيما حصل منذ أيام عند تلك الإعادة, ما حصل كان عبارة عن أنها لامته عن أشياء هو فعلها ولم يدركها, وتلك الأفعال سبب لها خوفاً من أكثر شيء تفعله وهو البكاء.

بالعودة إلى الوراء كانت أول مرة يفعل فيها ذلك عندما عاد بالزمن من بعد كارثة إعلان ذلك الحكيم, ولكن الذي جعله يصرخ في وجهها كان أنها كانت تتحدث بصوت عالٍ , إذا أخذنا ذلك كحجر أساس لبناء ذلك الخوف, سنجد أنه كانت لديه أفعال بعدها تجعلها تشك في كرهه لها, في البداية إخفاء الأسرار عنها وبعدها التفرقة بينهما بواسطة خالد.

(كما قلت من قبل في ذلك العالم من الطبيعي لفتى أن ينام مع فتاة , لكن هناك حد للسن وهو سن العشرين)

وبعدها كلما حاولت فعل شيء كان يصرخ عليها, كان عقله مشغولا بالتفكير في مشاكل حلها صعب ولم ينتبه إليها, بل حتى لم يخبرها بكل بساطة أن تهدأ قليلاً لأنه يفكر في شيء مهم.

وبمعرفته بمشاعر الناس الذين في هذا العالم الرقيقة, كان من السهل جداً استنتاج أن أفعاله كانت تبعدها عنه, ويترتب على تلك الاستنتاجات أنه هو الذي كان مخطئاً.

في لحظة إدراكه لهذا ظهرت ملامح نادمة على وجهه, أراد في تلك اللحظة أن يعود ويعتذر أو أن يصحح لكنه يعلم تمام المعرفة أنه من المستحيل أن تتفعل تلك القدرة الغريبة إلا بشروط, وما هي؟.

بحسب استنتاجه إذا ماتت رين ومعها خالد سيعود تلقائياً, أو أن تموت رين على يد خالد أمامه كما كان يحصل في بداية معرفته بتلك القدرة.

هكذا, أخذ يلوك قطعة من نوع من النباتات الحمراء التي تتشابه في مذاقها مع اللحم, بينما هو في كل لحظة تمر يشعر بالندم أكثر فأكثر على ما فعله وما فكر فيه في الأيام الماضية.

ضرب يده على الطاولة وقال : تباً أشعر أنني سوف أبكي.

قام بعدها ليعتذر أولاً إلى آسيا, تقدم نحوها وقال بحزن: أنا آسف, عندما قال خالد لي أن رين ماتت تألمت وقلت في نفسي, لماذا لم تقل لي لمَ لمْ يقل لي أحد شيئاً سوى اليوم, شعرت بنوع من الألم, وقد قررت من تلقاء نفسي أن ألومك برغم أنك لم تخطئي في شيء أبداً, أنا حقاً آسف, آسف جداً, في البداية خسرت رين, لا أريد الآن أن أخسر صداقتي معك بعدها.

بالطبع كان يكذب, لكنه لن يستطيع أن يخبرها بحقيقة ما حدث.

بعدها ردت عليه وقالت أشياء لم يتذكرها جيداً, ودارت بينهما محادثة استمرت إلى عدة دقائق بعدها ومن ثم أخذ كل منهما طريقاً مختلفاً.

عندما وصل إلى عند خالد في الغرفة اعتذر له فقال له خالد: أتعلم, على ما يبدو أن منير أيضاً يمكنه تذكر ما يحدث معك, لقد قال لي كذا, وكذا

أخبر خالد سامح ما قاله منير, حينها وضع سامح يده على ذقنه وقال: يا رجل, هذا غريب حقاً, لقد استنتجت مسبقاً أنه يمكنه تذكر ما يحدث معي, أو بشكل أدق يلاحظ العودة الزمنية التي تحدث, ويعرف أنني سببها, ومع ذلك لا يقول شيئاً, بل إنه إذا حاولت متابعة الكلام يشير إلي بأن أصمت, حتى الآن لم أرَ أغرب منه.

-تتحدث وكأنك عشت مئة عام, احم... المهم, إذا كان يصمت فجأة وهكذا, ألا يعني هذا أن هناك من يهدده؟

بسماع سامح لتلك الكلمات تذكر كل اللحظات التي جعلته يخاف من منير في الفترة الماضية, وكيف أنه إذا بدأ التدمير فلا أحد يمكنه إيقافه, فقال لخالد: للأسف, بسبب خبرتي معه يمكنني أن أقول لك أنه وبالرغم من أن استنتاجك هو الاقرب إلى الصواب إلا أنه بعيد جداً عنه أيضاً..... أتعلم, الأمر غريب بأكمله.

لم يفهم خالد آخر جملة قالها سامح فسأله: ما هو الأمر الغريب بالضبط؟

-كل شيء, العالم , الوحوش , منير, العوالم الأخرى, تلك القدرة الغريبة التي تتفعل تلقائياً, أنت وحسام أشعر أنني قد رأيتكما منذ وقت طويل, وأخيراً ذلك الصوت الذي كان يظهر في أحلامي كل يوم وبعدها توقف, كل هذا غريب حقاً.

قبض يده وضرب الأرض بقوة ثم قال بعد فترة من الصمت: صحيح, كيف حال والد رين؟, لقد حصلت له المصائب متتالية, هل انتحر أم مازال صابراً.

-بقولك لهذا فقد كان متماسكاً جداً, وبالرغم من المصائب المتتالية عليه فإنه كان متماسكاً جداً.... يا رجل لقد كان هو من يواسي الناس.

قال خالد آخر جملة وهو يضحك ضحكة خفيفة.

في مكان آخر

كان ذلك الشخص يسير وحيداً في الصحراء, فقد أصدقاءه وأحباءه وحتى أهله قد قتلوا جميعاً أمامه .

في وسط الصحراء و تحت أشعة الشمس الحارقة, توقف ذلك الفتى, كان شعره أسود اللون وجسده هزيل جداً, نظر إلى شمس السماء الحارقة ومد يده باتجاهها وكأنما يحاول إمساك شيء ما, في الحقيقة كان يحاول إمساك يد أحدهم, لكن منعه شخص آخر, لربما كان ذبك سراباً بفعل حرارة الصحراء, أو ربما لأنه قد فقد كل من يحب , قتلوا جميعاً أمام عينه بطريقة بشعة, أراد أن يأخذوه معهم. لكنه كان قد حكم عليه بالتيه كما حكم على بنوا إسرائيل.

لكن كان ذنبه الوحيد أنه أخطأ, أخطأ خطأَ واحداً جعله هكذا.

بمجرد أن يئس من محاولة المواصلة أرخى عضلات جسده التي كانت قد وصلت حدها بالفعل, فوقع فاقداً الوعي.

كانت آخر كلماته هي : النجده!

------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

إن أعجبكم الفصل.................................

تأليف: AZOZ

2019/03/10 · 429 مشاهدة · 1890 كلمة
AZOZ
نادي الروايات - 2024