كان لا يزال ذلك الكابوس يطارده, عندما تم قتل والديه واختطافه, لكن كان هذا دافعه للتقدم نحو الأمام والحلم بأن يصبح منقذاً ذا شأن مثل والده, لهذا بدأ التعلم بمجرد أن بلغ السادسة من العمر, أحضر العديد من الكتب التي تتحدث عن مجالات اختبار القبول في تلك المدرسة, وبعدها قسم وقته لجدول كالآتي:

خمس ساعات في التدريب البدني, خمس ساعات في حفظ الكتب والنظريات وما إلى ذلك, وباقي اليوم راحة.

في أول بضعة أشهر كان يجد صعوبة في التأقلم مع هذا الجدول القاسي, لكنه فيما بعد استطاع أن يعتاد عليه.

الآن نحن عندما بلغ سامح الثامنة من عمره, وتحديداً بعد يوم ميلاده بيوم.

استيقظ سامح من نومه كانت غرفته مليئة بالكتب والمراجع, لكن هذا لم يكن مهماً, فعندما نظر إلى يديه كانتا قد تقلصتا , ليس هذا فحسب بل إنه أصبح أقصر قامة, وحتى شعر الشارب الخفيف الذي نمى له لم يكن موجوداً عندما تحسس وجهه.

ذهب إلى الحمام متمالكاً نفسه لكن وجد أنه قد أصبح أصغر حجماً.

ما لم يدركه سامح هو أنه حينما دخل ذلك الرجل الأشقر إلى غرفته, حصل شيء غريب تسبب في أن يعود إلى هذا الحجم, لا لم يكن حجمه هو ما تغير, لكن الزمن نفسه.

كانت الساعة الآن هي العاشرة صباحاً, واليوم سيرحل والده لعملية إنقاذ , فقد كان يتوجب عليه الذهاب ثلاث مرات في الشهر وكل مرة كانت تستغرق على في المتوسط ثلاثة أيام لهذا وجب على سامح أن ينزل ويودعه متناسياً المشكلة التي هو فيها الآن.

نزل وقد استطاع أن يلحق أباه قبل أن يخرج, جرى عليه وقام باحتضانه, فأمسك به والده وقام بحمله وقبله على جبيه قبلة الوداع.

-يجب عليك أن تعود يا أبي بسرعة, لأنني سأحضر لك مفاجأة حسنا؟

ابتسم الأب بعدما كانت هناك لمحة حزن على وجهه وقال: حسناً سأعود من أجلك أيها المجتهد الشقي.

كان يلقبه بالشقي منذ أن تعرف على رين لأنه لم يكن قد تحدث مع امرأة غير أمه إلى أن وصل إلى سن التاسعة عشر, أراد أن يلقبه باللعوب لكنه ليس لفظاً جيداً تعلمه لطفل صغير أو تلقب به أحداً لهذا تراجع عن تلك الفكرة, وزوجته كانت ستقتله إن سمعته يقولها.

خرج الأب بعدها وهو متفائل , أخذ نفساً عميقاً وقال: سوف أعود بكل تأكيد, سوف أعود.

في الداخل كانت والدة سامح قلقة بسبب ذلك الشيء الذي قاله لها زوجها, لكن سامح لم يلاحظ بسبب أنه يملك بالفعل ما يكفيه من المشاكل, وأيضاً كان عقله معقل فتى في الثالثة عشر من العمر لهذا لم يكن يركز على كل شيء موجود.

لم يكن يعرف ما عليه فعله بالضبط فحتى فتى مثله يعلم أن حكاية رجوعه بالزمن ستجعل الناس يشككون في سلامة عقله, لهذا قرر أن يتصرف بشكل طبيعي.

أخذ من أمام الباب ورقة جرت العادة أن توضع كل يوم أمام كل بيت, تلك الورقة يكتب عليها حكمة, أو مقولة أو معلومة.

كان مدمناً على قراءتها ومازال, لهذا أخذها, وقرأ ما فيها, كان مكتوباً: (هناك إشارات خفية تسبق الأحداث, تدركها عقولنا, ولكن لا تدركها نفسنا).

-ما هذا الهراء المكتوب.

قالها بملل بسبب أن تلك العبارة كانت غامضة بالنسبة له.

قرر بعدما ألقى الورقة في القمامة أن يبدأ بتدريب جسده أكثر على سرعة الحركة وردة الفعل, لأنه كان في غاية الدهشة مما حصل له في ذلك الاختبار, لكن قبل ذلك كان يريد الذهاب إلى الحديقة, لأنه كان معظم وقته مشغولاً إما بالدراسة أو التمرين أو النوم, لهذا لم يكن يريد البدء من تلك اللحظة.

ارتدى ملابساً أخرى وخرج من البيت, في العادة كان سيصطحب أحد أصدقائه معه, لكن بما أنه لا يملك سوى صديق واحد فقد قرر أن يصحبه بالرغم من أنه كان يعرف أن لذلك عواقب وخيمة.

رينج....رينج.

صوت قرع جرس باب بيت جيرانه.

-من بالباب؟, سأل شخص من الداخل

-أنا , سامح

-أوه, سامح ثانية واحدة سأنادي على رين حالاً.

رين كانت طفلة خجولة جداً وبكاءة, تبكي على أي شيء, لهذا كان امر أخذها معه سيئاً, لكنه لم يكن بهذا السوء حقاً فهو يستمتع بمضايقتها.

فتح الباب وخرجت رين, كانت تمتلك نظرة غريبة على وجهه مما دفع سامح لسؤالها بعد دقيقة من الصمت المتبادل: آه....هل هناك شيء على وجهي؟

-لـ...لا

-لماذا تنظرين إلي إذن هكذا, هل يعقل أنكي معجبة بي؟

-لا...لا لالا ليس هكذا, قالتها خجلة فتابع سامح بحذلقة: هل تعلمين أن نفي النفي إثبات

-لم أفهم؟

-قلتي لا أربع مرات وهذا يعني, لا ولا إثبات, ولا ولا الأخرى إثبات, هذا يعني أنكي قلتي نعم مرتين.

-هلا كففت عن غبائك.

لم تفهم تماماً ما قاله لهذا قالت له هذا وبعدها أضافت: هذا غريب, لماذا جئت إلى منزلي, أعني هذا شيء لم أعهده عليك منذ وقت طويل.

-لا, لا شيء, فقط أريد اللعب, فكما تعلمين لم يعد هناك شخص يريد اللعب معي.

أظهرت ملامح الشفقة وبدأت عينها بإنزال الدمع وهي تقول: يالك من مسكين لا بد أنك وحيد.

تباً بدأت بالبكاء مجدداً, علي فعل شيء لتهدئتها, ذلك كان تفكير سامح الذي لم يلبث أن قال: هل تأتين معي إلى الحديقة؟

-حسناً.

قالتها بسعادة, فهي كانت تحب اللعب مع هذا الفتى الغريب, فمنذ لقائهما الأول كان ذلك الفتى يضحكها بتصرفاته الغبية, الغريبة, أو أيا يكن.

موقع بيت سامح ورين كان استراتيجياً جداً, فأمام البيت توجد الحديقة, وعلى بعد شارعين جنوباً توجد مدرسة المنقذين, وميناء الآلات الطائر التي يستعملها المنقذون في النزول إلى السطح.

ذهبا إلى الحديقة التي كانت بلا أسوار, فقط أرض أعشابها خضراء, تزينها العديد من الزهور المتنوعة كالبنفسج والياسمين والفانيليا والعديد.

لكن ما كان يثير الانتباه فعلاً في تلك الزهور هي الزهور السوداء, فقد كانت تزهر في وقت معين من السنة, وذلك اليوم هو بعد عيد ميلاد سامح بيوم, تلك الزهرة كانت نادرة لدرجة أن هناك من يبادلها بالذهب.

جدير بالذكر أن أغلى وردة بيعت في هذا العالم قد بيعت بثلاثة عشر ضعف وزنها ذهباً خام.

دخل سامح الحديقة مع رين فإذ بهما يجدان رجلاً –شاب بصفة أدق- أشقراً وجسد ظهرت عضلاته من تحت القميص الذي كان يرتديه, كان ذلك الرجل يتحدث إلى الطفلين بلغة غريبة, فهمها سامح لكن لم تفهمها رين.

أراد سامح أن يحادثه لكنه تذكر أنه قد عاد بالزمن بسببه, لهذا وبربط الأحداث مع بعضها يتضح أنه يجب عليه أن يغير المجرى الزمني وعدم الكلام مع هذا الرجل, في الزمن الأساسي أخذه سامح الذي كان يتجول وحيداً إلى مركز للعناية بالسطحيين وتركه هناك, ولم يسمع عنه خبراً بعدها, لهذا عليه فقط تغيير الأحداث.

أشار سامح للشاب كاذباً بأنه لا يستطيع فهمه وتركه.

-هل من الجيد تركه هناك حقاً؟

سألت رين

-أجل, فماذا نستطيع أن نفعل بأي حال؟

-معك حق.

انتظر تلك الليلة أن يعود لزمنه لكن هذا لم يحصل, مما اضطره إلى انتظار مرور السنين ليعود لسنه, لكن حدث ما لم يكن في الحسبان........................

2019/01/10 · 584 مشاهدة · 1041 كلمة
AZOZ
نادي الروايات - 2024