بعد عيد ميلاده الثامن بيوم استيقظ مجدداً, أمسك برأسه محاولاً التماسك, لكنه لم يستطع مما جعله يطلق صرخة مكتومة.

لم يستطع التحمل فالأحداث تتالى بسرعة جنونية, كانت تلك المرة الثانية فقط لكنه لن يستطيع تحمل إعادة كل تلك الأحداث مجدداً.

قد تبدو فكرة العودة إلى الماضي مغرية, لكن فقط بالنسبة لمن يريد تغيير شيء حدث له أو لأحد ممن يحب ؛ أما سامح فلم يكن لديه حزن أو أسى على شيء في الماضي, فهو يقول ما يريده بكل وضوح, ليس دائماً لكنه لم يندم قط على قرار اتخذه -بالغرم من أنه لم يتخطى الثالثة عشر من العمر جسدياً-, لهذا إعادة الأحداث نفسها مجدداً كانت ككابوس .

كانت الساعة العاشرة عندما استيقظ, نزل وودع أباه الذي كان ذاهبا في مهمة إنقاذ, حياه بنفس الطريقة الماضية .

كان يعلم أنه سيكون هناك تغيرات ستحصل إذا غير أفعاله الماضية, لهذا قرر أن يحاول بقدر المستطاع عدم تغيير شيء في الماضي, والأمر لم يكن بتلك الصعوبة؛ فطفولته كانت عبارة عن دراسة وتدريب, تدريب ودراسة.

أخذ الورق الملقاة خارجاً أمام الباب الورقة التي يكتب فيها حكم أو نصائح, أخذ الورقة وقرأها كان مكتوباً فيها:

(هناك من لا تطيق العيش معه ولا تستطيع العيش بدونه)

مرة أخرى تذمر من غباء تلك الحكمة, لكنه بعد لحظة لاحظ شيئاً غريباً.

الحكمة لم تكن نفسها!

هذا كان عجيباً جداً, فقد وجب لهذه الحكمة أن تكون كما حصل عليها في المرة الماضية, لكنه لن يظل يفكر في شيء سخيف كتغير شيء أساسي في الماضي والمستقبل موجود حيث يصبح معاقاً ورين تقتل أمامه , وحتى إن أضاع وقته في التفكير فلا يمكنه مثلاً أن يتطلع على ما حصل من بوابة زمنية.

للحظات ظل يفكر فيما سيفعل مع هذا الرجل فلا يمكنه تركه ولا يمكنه أن يعطيه لأحد ليعتني به.

قرر بعد تفكير دام لساعة أن يفعل أكثر شيء مجنون فكر به , أن يأتي به إلى المنزل.

فالمشكلة الأساسية كانت أن ذلك الرجل هو الذي قتل رين وهو الذي ظهر في غرفته فجأة أول مرة ظهر فيها ما يعني أنه قد فعل شيئاً لوالديه في تلك المرة, وأيضاً هناك ما لاحظه سامح, بالاعتماد على طريقة التعامل معه تأتي قوة ضربة ذلك الفتى ذو الشعر الأبيض وشدة تأثيرها, ففي المرة الأولى عندما ذهب به إلى مركز رعاية السطحيين ضربه الفتى على قدمه ضربة آلمته جداً, وعندما تركه ضُرِب ضربة في بطنه جعلته معاقاً, وحتى إن كان رجلاً يود قتله لسبب ما فسيعود بالزمن, لذا بعملية حسابية بسيط يمكن التنبؤ بأنه لن يعود في الزمن مجدداً مادامت الأمور تسير كما يريد.

في تفكيره اعتمد على الحكمة التي أخذها في المرة الماضية.

(هناك إشارات خفية تسبق الأحداث, تدركها عقولنا, ولكن لا تدركها نفسنا)

بالطبع إذا كانت تلك إعادته الأولى لم يكن ليلاحظ ذلك, لكنه مع الوقت بعد العودة السابقة بدأ يكتسب قليلاً من الحكمة –بالرغم من كونه مازال صغيراً في الجسد- وبدأ يلاحظ أشياءً تحدث حوله لم يكن قد لاحظها من قبل والطبيب الذي ذهب إليه بعد أن عاد والده وأمور أخرى بتفاصيل أكثر في ماضيه.

وكأنما تلك الحكمة كانت تقول له: يجب عليك أن تلاحظ

كل ما يجري حولك, وبهذا استنتج كل ذلك, ففي الأساس إذا حسبنا المدة التي عاشها سنجد أنه قد عاش تسعة عشر سنة تقريباً, كل تلك المدة ولم يفعل شيئاً في معظم وقته سوى الدراسة والتمرين, في الحقيقة إنه لأمر مؤلم أن يضيع المرء طفولته مرتين ويضيع حلمه بلا مقدرة منه أن يفعل شيئاً مرتين, لكن هل يفكر هكذا الآن سامح؟, لا فهو الآن يود البدء في خطته التي إذا نجحت سيتخلص من أكبر همومه وإذا فشلت فسوف يعود إلى هنا مجدداً, وسيدور في تلك الحلقة اللانهائية إلى أن يفقد عقله أو يجد حلاً آخر قبل ذلك.

ذهب إلى منزل رين ليذهب معها إلى الحديقة .

رن الجرس وخرجت رين, تبادل معها حديثاً وذهب إلى الحديقة, كان هذا اختصاراً لما فعل لأنني أمل من التكرار.

وصل إلى الرجل ذو الشعر الأصفر وقف أمامه وسمعه لأول مرة بشكل صحيح دون تجاهل لأي مما يقول: النجدة, أنا لا أعرف لماذا أنا هنا استيقظت فجأة ووجدت نفسي هنا, هل تفهمني أم أنك مثلهم؟

فهم سامح كل كلمة قالها لسبب ما لكن ما جعل قلبه يقع على الأرض هو أنه كان من عالم آخر, هذا يعني شيئاً واحداً, هو أن ذلك الفتى هو كنز لسبب سيتم معرفته إعلانه في عيد ميلاده العاشر.......

قال له : ما رأيك أن تأتي معي؟

فهم الشاب العضلي أن سامح فهم كلامه وهو يريد مساعدته , فنزلت دمعة خفيفة لم يلاحظها أحد من عينه وابتسم وهو قال لسامح: شكراً لك.

قريب من حوار هذين الاثنين كانت رين واقفة لا تفهم ما يجري لك لذا عندما أنهى الرجل حديثه قالت لسامح الذي كان مبتسماً لسبب جهلته: عن ماذا تتحدثان, وما تلك اللغة الغريبة؟

-كان يطلب مني المساعدة فعرضت عليه أن يذهب إلى منزلي, أما تلك اللغة فلا أعرف كيف يمكنني فهمها أو التحدث بها.

-لحظة لماذا لم ترسله إلى دار رعاية السطحيين؟

-لأن المكان هناك سيئ جداً وأنا شاهد على ذلك.

بالطبع لم يذهب سامح إلى ذلك المكان سوى مرة واحدة لكي يسلم هذا الرجل فقط, وسلمه من على الباب , لهذا كانت تلك كذبة, لكنه يعلم أن رين طفلة وستصدقه بسهولة لأنه صديقها وأيضاً بسبب طبيعتها الساذجة.

قالت له بعد صمت بقي للحظات: لكن هل سيوافق والداك؟

-بالطبع, سؤالك هذا غريب كان من المفترض أن تقولي هل سيرفض والداك.

-يبدو أنك حبيب أمك.

قالتها وابتسمت ابتسامة خبيثة خبأتها بيدها.

-لا لست كذلك.

قالها سامح بغضب طفولي.

كان العضلي ذو الشعر الأصفر ينظر إلى مشاداتهما الطفولية وهو يحاول كتم ضحكته, فبالرغم من أن ذلك الفتى تصرف تصرفات البالغ إلا أنه عاد إلى طبيعته وهو يكلم تلك الطفلة.

قال لسامح: ماذا هناك أهو شجار العشاق؟

قالها ولم يستطع كتم ضحكته التي خرجت قوية بعض الشيء.

-أعععععع سوف أجعلكم تندمون جميعاً.

قالها مرتين مرة بلغة الغريب ومرة بلغته الأصلية

لم يكن سامح تلك الشخصية الهادئة الطيبة, بل كان حركياً زيادة عن اللزوم, ولذلك قرر أن يفرغ طاقته الزائدة في شيء ما وكان ذلك الشيء هو الدراسة, لاحقاً بدأ يعجب بمهنة أبيه وقرر أن يصبح منقذاً وبعدها بسنين حصل كل هذا, تلك الأحداث جعلته ينسى طبيعته.

عاد سامح مع الأشقر إلى منزله وعادت رين إلى منزلها, عرف سامح بعد محاورة بسيطة أن اسم ذلك الشاب هو خالد وقد وجد نفسه هنا عندما استيقظ من نومه وقد بقي هنا لأسبوع تقريباً لأنه لا يستطيع فهم لغة الناس هنا ولا أحد يستطيع فهم لغته لهذا ظنوا انه مجنون وترك هكذا في العراء إلى أن أتى سامح إليه.

دخل سامح إلى المنزل وقال لأمه: أمي هناك شخص فقير أود أن يعيش معنا.

قالت لسامح: أهو سطحي؟

-هو ليس من الجزريين وليس من السطحيين.

(الجزريين هم السكان الأصليين لجزر السماء)

-إذن من أين؟

هو يعرف أنه لا يمكنه أن يقول لها أن ذلك الشاب من عالم آخر لأن هذا الشيء يتعدى الخيال في هذا العالم, لهذا عليه أن يؤلف كذبة ليقنعها أي كذبة ستفي بالغرض لأنها تحبه جداً وستفعل أي شيء من أجله.

وجدتها!, قالها في نفسه بسعادة لأنه وجد الحل السحري.

-أمي هذا الرجل يتكلم بلغة غير السطحيين والجزريين وأنا الوحيد الذي يمكنني فهم لغته.

-حقاً؟.

قالتها بنظرة فيها شك وابتسامة عريض على كذبة ابنها الواضحة.

-أجل يمكنني أن أحضره وأتحدث معه لتري.

أومأت له بالإيجاب فذهب بسرعة وأحضره من أمام الباب, دخلا فقال خالد بلغته: أشكرك سيدتي على كرمك وسماحك لرجل مشبوه مثلي, وأعدك أن أساعد ابنك على كل شيء.

عرف خالد عن حلم سامح وعن مشكلة الكمية الكبيرة للدراسة لكن سامح لم يقل له ان المشكلة الأساسي هي ذلك الفتى صاحب الشعر الأبيض والجسد النحيل الذي يدمره في كل مرة.

لم تفهم الأم ما قاله خالد لهذا نظرت إلى سامح ليترجم لها, فترجم لها مع إضافة القليل من البهارات وإزالة الإضافات .

نظرت إلى سامح وخالد بنظرة شك وقالت: سأتصل على والدك لأنه يعلم لغة السطحيين, ولكن إن حدث وأنه سطحي ســ... أنت تعلم ما سأفعله.

وابتسمت ابتسامة شيطانية أرعبت الثنائي الواقف أمامها, همس خالد لسامح: من هـ...هذه

-إنـ نـ .. إنها أمي حين تشعر أني ألاعبها, أو أقوم بمقلب معها.

اتصلت والدة سامح بزوجها بجهاز اتصال بدائي , وعندما رد عليها حكت له الحكاية من بدايتها فطلب منها أن تعطي ذلك الغريب الشيء الذي اتصلت به وتجعله يتحدث.

فعلت ذلك وطلبت من سامح أن يجعله يتحدث, تأكد الأب من أن ما قيل صحيح لهذا قال لهم أن يجعلوه يعيش في غرفة ملحقة بالبيت لها باب بعيد عن باب المنزل الأساسي قليلاً ولا باب غيره, قال لها أن تجعله يعيش فيه إلى أن يأتي ويتحقق من أمره بنفسه.

فــ.... حسناً يمكنكم تخيل أن سيعيش بالقرب منهم.

__________________________________________________________________

الفصل القادم سيتحدث عن خالد.

أرجوا أن يجبكم الفصل :)

وإلى اللقاء

2019/01/13 · 550 مشاهدة · 1366 كلمة
AZOZ
نادي الروايات - 2024