كم من الوقت مر منذ بداية المباراة...؟
"هاه... هاه..."
رغم كل محاولات جوليان في الحفاظ على تنفسه مستقرًا، إلا أنه لم يستطع. كان ذهنه يعج بالأفكار، ورؤيته مشوشة قليلًا.
لقد كان أكثر إنهاكًا مما توقع في البداية.
رغم أن مخزون طاقته السحرية كان لا يزال جيدًا، إلا أن الإنهاك الجسدي هو ما جعله عاجزًا تمامًا.
استخدام "المفاهيم" كان يتطلب الكثير من القدرة البدنية.
ليس هذا فحسب، بل إن الضغط الذي كانت تسببه على جسده لم يكن بسيطًا. ربلة ساقيه وعضلات فخذيه كانت ترتجف، وعضلات ذراعيه كانت ترتعش بوضوح.
كان هذا نتيجة إرهاق جسد ساحر بطريقة مفرطة.
"لا يمكنني استخدام الجوهرة الخضراء سوى مرة واحدة أخرى."
الوضع كان أبعد ما يكون عن المثالي.
لم يكن أمامه خيار سوى تقييد استخدام "المفاهيم".
"تبدو مرهقًا."
رفع جوليان رأسه، فرأى كايوس وهو يهز ذراعيه. بدا هادئًا نسبيًا من الخارج، لكن الارتعاش الخفيف في ذراعيه كشف أنه هو الآخر قد تعرض لإصابات.
حاول التظاهر بعدم التأثر، لكن جوليان رآها بوضوح.
وربما أدرك كايوس ذلك، فابتسم ولوّح بيده في اتجاهه.
قوة جبارة أمسكت بذراع جوليان، وأطاحتها إلى الجانب. وقبل أن تتاح له فرصة الرد، سُحبت ذراعه الأخرى إلى الجانب، كاشفةً عن صدره مرة أخرى.
"أوخ."
حاول جوليان المقاومة، لكن قبل أن يتمكن حتى من التحرك، امتدت يد من خلفه لتقبض على كتفه.
"متى...!؟"
اهتز عقل جوليان.
لم يكن لديه وقت للتفكير.
أخذ نفسًا عميقًا، وركز انتباهه على النقطة التي كانت تمتد منها اليد.
ثم خطا خطوة صغيرة إلى الأمام.
[خطوة القمع]
زادت الجاذبية حول الذراع، فأوقفتها في مكانها. ثم لف جوليان جذعه وشد عضلات ظهره، وظهرت الجوهرة الحمراء في ذهنه.
بينما اندفعت القوة عبر جسده، وجه لكمة مباشرة.
سوش!
تجمّع الهواء حول قبضته.
صفير صامت اخترق الأجواء بينما ظهر كايوس أمامه مباشرة.
كان يبدو هادئًا على نحو غريب.
... ولم يكن ذلك غريبًا. فما إن استدار جوليان، حتى اختفى جسد كايوس وظهر خلفه مباشرة.
أطلق الجمهور صيحات ذهول، وبعضهم وقف من مقاعدهم بفعل المفاجأة المفاجئة.
"آه..!"
"!!"
مد كايوس يده، محاولًا القبض على عنق جوليان المكشوف.
"...!"
ياللأسف... من البداية، لم يكن جوليان قد استدار فعلًا.
ففي اللحظة التي اختفى فيها كايوس، اختفى جوليان بدوره، ليظهر على بُعد خطوات قليلة من مكان كايوس. كل ما حدث لم يكن سوى خدعة. لم يكن جوليان في حالة تسمح له باستخدام "مفاهيمه" بتهور.
ما فعله لم يكن سوى لتشتيت كايوس وخلق مسافة آمنة بينهما.
وفي الوقت نفسه، كسب لنفسه لحظات لاستعادة بعض قدرته الجسدية.
"هوه..."
أخذ جوليان نفسًا عميقًا.
ظهرت صورة في ذهنه.
كانت صورة فتاة وحيدة تقف في مواجهة تنين ضخم، بينما يقف خلفها مئات الأشخاص بصمت، غير قادرين على قول كلمة واحدة.
وبينما كانت ملابسها ترفرف كاشفةً عن وجهها الشاحب، بدأ صدره يؤلمه.
وبينما كان يجمع المشاعر المتراكمة في صدره، أخذ نفسًا عميقًا وحدق في كايوس، الذي بدا أنه يمر بنفس الشعور.
ورغم أن كايوس كان يفضل استخدام "مفهومه"، إلا أنه في هذه الحالة، لم يكن لديه خيار آخر سوى أن يفعل الشيء ذاته.
"سأجرّك إلى عالمي..."
وفي نفس اللحظة، تحدث الاثنان، تتداخل أصواتهما:
"الحزن."
"الخوف."
ساد صمت تام في المدرج بعد ذلك.
ومع توجيه كل الأنظار إلى جوليان وكايوس، وقف الجمهور واحدًا تلو الآخر.
وذلك لأن...
كلا المتنافسين تجمدا في مكانهما، ولم يتحرك أي منهما على الإطلاق.
"ما الذي يحدث؟"
"لماذا لا يتحركان؟"
"هل انتهت المعركة؟"
انتشرت الهمسات والهمهمات في أنحاء المدرج، بينما كانت كل العيون تراقب المشهد الغريب على المنصة. لم يفهم أحد ما كان يجري،
ولا حتى كارل، الذي وقف بدوره مندهشًا.
"ما الذي يحدث؟ لماذا تجمدا؟ هل هذا تعادل...؟"
"لا."
هزّت جوهانا رأسها، وكان تعبير وجهها جادًا وهي تحدق بالتناوب بين جوليان وكايوس.
"...إنهما يتقاتلان، بالفعل."
"هاه؟"
أدار كارل رأسه إليها بعينين مذهولتين. يتقاتلان؟ كيف؟ إنهما لا يتحركان أصلًا...
"ليس هناك الكثير من السحرة العاطفيين، لذا فالمعلومات حولهم نادرة. لكن، وفقًا لعدة حالات تم رصدها سابقًا، عندما يتقاتل ساحران عاطفيان، فإن أسلوب القتال يتغير."
"يتغير؟ كيف يعني...؟"
"هممم."
ضمت جوهانا شفتيها، وعيناها لا تزالان تراقبان جوليان وكايوس.
ثم، وبعد أن أطلقت زفيرًا خفيفًا، أشارت إلى صدغها.
"هنا تمامًا."
قالت بصوت خافت.
"...إنهما يتقاتلان هنا. ومن هذه اللحظة، من ينهار أولًا... هو الخاسر."
***
"أين... هذا المكان؟"
تموّج~
تموّجت الأرض من تحتي، مُشكّلة موجات صغيرة تشعّ في كل الاتجاهات.
عندما نظرت إلى الأسفل، لم أتمكن من رؤية انعكاسي.
كنت محاطًا بالبياض.
تموّج~
في البُعد، سمعت تموّجًا آخر. وعندما رفعت نظري، ظهر كايوس، موجات صغيرة تشعّ من جسده كردٍّ عكسي. التقت موجاتنا، وألغت بعضها البعض.
نظرت حولي في حيرة.
وعلى الجهة المقابلة، بدا كايوس هادئًا.
"يبدو أنك مشوش مما يحدث."
كان صوته رقيقًا، ومع ذلك، بدا كأنه يدوي في كل الأنحاء.
"آه..."
رفعت يدي لأمسك رأسي الذي ينبض بالألم.
نظرت نحو كايوس، الذي بدا وكأنه مدرك تمامًا لما يجري. شددت عضلات ساقي وانطلقت نحوه.
مهما كان ما يحدث، لم أرغب في تضييع الوقت بالكلام.
تموّج~ تموّج~
مع كل خطوة أخطوها، كانت تموجات تتشكل تحت قدمي.
وفي لحظات، وصلت أمام كايوس، الذي كان يبتسم بهدوء. رؤية هذا الهدوء جعل أجراس الخطر تدقّ في رأسي.
لكن الأوان كان قد فات لاتخاذ أي رد فعل.
شدّدت عضلات ظهري وقبضت يدي بقوة، متخيلًا كرة حمراء في ذهني.
أنا...
"هاه؟"
توقّف ذهني فجأة، إذ إن القوة التي اعتدت استدعاءها لم تأتِ. لا، بل... لم أستطع حتى تخيّل الكرة الحمراء.
'ما الذي يحد—'
"....!"
نبض العالم من خلفي، وهالة حمراء خافتة بدأت بالانبعاث من ورائي.
تجمدت حركتي من الصدمة.
"أوه؟"
نظر كايوس خلفي، وأمال رأسه قليلًا، كما لو أنه مهتمٌّ بما رأى.
"...هذا مثير للاهتمام."
هُووش!
ازدادت دهشتي عندما مرت قبضتي من خلاله دون أن تصيبه. ترنحت للأمام، مشكلًا عدة تموجات تحت قدمي، وعندما استعدت توازني ونظرت خلفي، خرج نفسي من جسدي.
'هذا...'
ظهرت كرة حمراء في المكان الذي كنت أقف فيه. كانت تطفو في وسط العالم الأبيض.
رمشت بعينيّ عدة مرات، غير قادر على استيعاب ما يجري.
'كيف يمكن أن...؟'
"الغضب، هاه؟"
كان كايوس قد استدار، وأصبح تركيزه منصبًّا على الكرة الحمراء التي كانت تطفو في هذا العالم الأبيض.
لم أتمكن من رؤية وجهه، لكني شعرت بالاهتمام في صوته.
"مفهومك... إنه جميل بالفعل."
"...."
فتحت فمي، لكني منعت الكلمات من الخروج. راقبت العالم الأبيض حولي، هدأت مشاعري، وأخذت نفسًا صغيرًا.
"...أين نحن؟"
وفقط بعدما هدأت عقلي ونظرت بتأنٍ إلى ما حولي، أدركت شيئًا.
'...أنا لست في جسدي الحقيقي.'
كنت أستطيع الحركة والكلام، لكنني لم أستطع استجماع أي قوة في جسدي. وفي الوقت نفسه، لم أتمكن من استخدام أي تعاويذ.
مما ترك أمامي احتمالًا واحدًا فقط...
"نحن داخل عقولنا."
"صحيح."
تحدث كايوس، وأدار رأسه أخيرًا ناحيتي.
ثم ضغط بإصبعه على صدغه، وتابع قائلاً:
"عادةً لا أتكلم أثناء القتال، لكن بما أننا هنا، يمكننا التحدث قدر ما نشاء. فـ..."
ابتسم بخفة.
"...كل ما سيأتي الآن هو لعبة ذهنية."
رررمبل! ررررمبل-!
اهتزّ العالم، وبدأت تشققات تتكون في المساحة من حولنا. الكرة الحمراء في الجهة البعيدة بدأت تخفت، بينما راحت الشقوق تتكاثر، ممزقة نسيج هذا العالم الأبيض الذي يحيط بنا.
امتدت الشقوق كشبكة عنكبوتية، تغزو كل زاوية من العالم حتى...
كراااك!
تحطم العالم كما تتحطم قطعة زجاج.
وما استبدل العالم الأبيض كان عالمًا مظلمًا.
"ررررررررااااااه—"
انبعث زئير مخيف مباشرةً بعد ذلك، ممزقًا ذهني بالألم، فتراجعت إلى الوراء مترنحًا.
ظلّ هائل خيم فوقي، وسرعان ما ظهر مخلوق طويل ونحيل.
كان له رأس ضخم بشكل غير متناسق، وجيوب فارغة بدلًا من العينين، وفم واسع مليء بأسنان حادة مكشوفة، تلمع بتهديد بينما وقف أمامي.
"هاه... هاه..."
بدأ نفسي يثقل من هول ما رأيت.
'ما هذا...'
نبض... نبض! نبض... نبض!
خلف المخلوق، رأيت عدة جثث.
رؤيتها مزّقت صدري بالألم، وملأت ذهني حتى شعرت أنني أختنق. لكن الأهم من ذلك، أنني أدركت أن جسدي قد أصبح أصغر.
وبالذات، يداي...
بدا أنهما تقلّصتا لحجم طفل.
نقطة! نقطة...!
تقطّر اللعاب من فم المخلوق وهو يتقدم نحوي.
تراجعت خطوة إلى الوراء، وقلبي ينبض بعنف داخل رأسي.
حاولت جاهدًا كبح المشاعر، محاولًا إغلاقها بإحكام، لكني لم أستطع.
الخوف تسلل إلى ذهني، متغلغلًا، خانقًا، بينما ابتلع الصمت المخيف العالم من حولي.
تقدم المخلوق خطوة أخرى، ونظره الجوفيّ مثبتٌ عليّ كما لو كنت وجبته التالية.
شعور غريب من العجز اجتاحني، والألم في صدري تصاعد كلما نظرت إلى الجثث خلفه.
نقطة!
سمعت صوت نقطة أخرى.
لكنها لم تكن منه.
شعرت بدفء ينساب على خديّ، وعرفت أنها مني.
الألم الذي رافق الدمعة أكد ذلك.
"أنت... لا تريد أن تفعل هذا..."
غطيت فمي، محاولًا بكل قوتي أن أبعد المشاعر.
كان ذلك صعبًا، وذهني بدأ يضعف.
لكن وسط هذه اللحظة، أدركت ما الذي يحدث. والإدراك جعلني أرتجف.
"أنا..."
هذا العالم... إنه عالم داخل عقولنا.
كايوس كان قد أكد ذلك بالفعل.
لكن ما لم يقله...
هو أن من ينكسر أولًا في هذا العالم... هو من سيخسر أولًا.
وأنا...
نقطة!
انهمرت الدموع على وجهي.
وهذه المرة... كانت أكثر من ذي قبل.
أنا...
صدري نبض بألم شديد اجتاح ذهني فجأة. سرق أنفاسي، واستنزف كل ما لديّ.
بدأت أشعر بالضعف، وشفتي ترتجف.
وحينها...
كراااك!
تحطم العالم الأبيض، مدمّرًا كل ما كان من حولي.
بيب... بيب! بيب... بيب!
ما جاء بعده كانت أصواتًا خافتة، منتظمة... ونغماتها كانت تستحضر أعمق جراحي.
"...لا أريد أن أدمرك."