"كم مضى من الوقت منذ أن توقف الاثنان عن الحركة؟"
سأل كارل، وعيناه مثبتتان على المنصة التي سادها صمت مطبق. كل الأنظار كانت مركزة على المتنافسين اللذين وقفا على طرفي المنصة، وجهيهما وتعبيراتهما مجمدة وكأن الزمن توقف وهما يحدقان ببعضهما البعض.
رغم أن أحداً منهما لم يتحرك، إلا أن التوتر بلغ ذروته.
في ذلك الصمت، كان الجميع ينتظر...
ينتظر التحول الحتمي الذي سيحدث.
من يخرج منتصراً سيكون على الأرجح الفائز في المباراة.
عض كارل على شفتيه في توتر، محاولاً تهدئة أعصابه. لم يكن يعرف السبب، لكن شيئاً ما في هذا الصمت كان يقلقه.
شعر بشيء غير مريح يزحف في داخله.
غير قادر على الصمود أكثر، التفت نحو يوهانا وسألها:
"ألا يوجد وسيلة لمعرفة ما الذي يحدث بينهما؟"
"....لا."
أجابت يوهانا، وعيناها لا تزالان تتابعان كايوس وجوليان.
"لا توجد وسيلة لرؤية ما يحدث داخل أذهانهما. هذا أمر لا يراه سوى الاثنان فقط."
عاد كارل بنظره إلى كايوس وجوليان، وقطب حاجبيه.
"إذًا...؟"
"ليس أمامنا سوى الانتظار. الانتظار لحدوث ش—"
توقفت كلمات يوهانا فجأة عندما بدأت أجساد المتنافسين على المنصة بالاهتزاز. شحب وجهي جوليان وكايوس في اللحظة نفسها.
"هذا...!"
اتسعت عينا كارل.
ولم يكن الوحيد الذي لاحظ الأمر.
واحداً تلو الآخر، بدأ الجمهور في الميل نحو الأمام على مقاعدهم، محاولين رؤية ما سيحدث.
الصمت أصبح خانقاً، وبينما كان الحكم يحدق بين الاثنين، اتسعت عينا كايوس فجأة.
"آه...!"
بدأت رئات المتفرجين تمتلئ بالهواء، استعدادًا للهتاف للفائز، لكن قبل أن يُتاح لهم حتى فتح أفواههم، ارتجف جسد كايوس وتراجع خطوة للوراء.
"آغهك!"
رشاش من الدم خرج من عينيه وفمه، وازداد وجهه شحوباً.
"أوغهه!"
وهو ممسك بصدره، انحنت ركبتاه، وسقط المزيد من الدم على الأرض.
رشاش—
كان مشهداً مرعباً جعل بعض أفراد الجمهور يتجمدون في أماكنهم، غير قادرين على التفاعل، بينما وقف آخرون، وتعبيراتهم تفيض بالذهول والصمت.
ومن بين الواقفين كان ثيرون، الذي نهض دون وعي، ويداه تمسكان بالسياج المعدني أمامه وهو يميل للأمام لمتابعة ما يحدث لكايوس عن كثب.
"لا، هذا..."
ارتجفت عيناه وهو يرى كايوس يتراجع خطوة أخرى.
مجرد رؤيته يخطو للخلف كانت كفيلة بزعزعة يقينه.
"...كيف يمكن لهذا أن يحدث؟"
وعلى الطرف الآخر، فتحت عينا جوليان ببطء، كاشفةً عن بؤبؤيه.
وكأن الهواء قد سُحب من الكولوسيوم، التفتت جميع الأنظار إلى جوليان، الذي تحولت بؤبؤاه إلى اللون الأبيض.
نقطة...!
انهمرت دمعة واحدة على خده، في الوقت الذي كان فيه كايوس يتعثر للوراء، ووجهه يزداد شحوباً.
ثم...
"أوغهه!"
مع تمايله الأخير، توقف جسده عن الحركة.
تجمد في وسط المنصة، كأنه تمثال.
"..."
ساد صمت ثقيل أرجاء الكولوسيوم، وتلبدت الأجواء بالتوتر، وكل الأعين تركزت عليه.
هل هو بخير...؟
هل استعاد توازنه...؟
عشرات الأسئلة تدافعت في عقول المتفرجين.
كايوس، من جهته، نظر إلى ما حوله؛ من نظرات الجمهور، إلى جوليان الذي بدأت عيناه تعودان إلى طبيعتهما.
"هاه."
رفع رأسه وأطلق زفرة طويلة.
ومع ارتجاف جسده، بدأ يميل إلى الأمام.
طخ!
سقط على وجهه مباشرة، ودوّى صوت سقوطه في أرجاء المكان، ليرنّ في آذان الجميع كصوت صدمة عظيمة.
"الفائز هو..."
وبعد سقوطه، دوى صوت الحكم في الأجواء.
"...جوليان إيفينوس من إمبراطورية نورس أنسيفا."
وهكذا، انتهت المباراة الأولى من الدور نصف النهائي.
"..."
"..."
لكن، ورغم الإعلان، ظل الجمهور صامتًا. لم يجرؤ أحد على قول كلمة واحدة وهم يحدقون في جسد كايوس الملقى، غير قادرين على التعبير.
لقد كان... الأفضل.
الجميع كان يعلم ذلك. لقد رأوا قواه، وكيف هيمن على خصومه السابقين.
في نظر الجميع، كان الفائز المحسوم.
ومع ذلك...
ومع ذلك...
"الأمر بسيط في الحقيقة..."
قطعت يوهانا الصمت وهي تنظر نحو جوليان، الذي كان قد استدار وتوجه نحو الممرات المؤدية إلى غرف تغيير الملابس.
كان واقفاً شامخاً، وكأنه لم يتأثر بشيء.
كان مشهداً خطف أنفاس الحضور.
"السبب وراء هزيمة كايوس."
"ما هو؟"
سأل كارل دون وعي، وهو يرمش بعينيه، ويخرج من ذهوله. وعندما التفت برأسه، رأى يوهانا وقد أسندت نفسها إلى كرسيها وأغلقت عينيها.
"...لأنه واجه جوليان في أعظم نقاط قوته."
"في...؟"
"السحر العاطفي."
أجابت يوهانا بنبرة خافتة، وشفتيها ترتسمان عليهما ابتسامة عاجزة.
"كنت مخطئة من قبل."
ضحكة خفيفة خرجت من بين شفتيها.
"لم يكن فقط أفضل من كايوس. لقد كان... أفضل بكثير."
***
بالعودة إلى غرف تبديل الملابس، لم يكن في استقبالي سوى صمت غريب استمر حتى أغلقت الباب خلفي.
كلاك—
"هـ-هوه..."
على عكس باقي معاركي، كنت أفضل حالاً من الناحية الجسدية.
لم أكن أنزف، ولم أتعرض لأي إصابات خطيرة. من الخارج، بدا الأمر وكأنني خضت نزالاً سهلاً ضد كايوس مقارنة بباقي خصومي.
لكن...
"هـ-هاه..."
لم يكن ذلك أبعد عن الحقيقة.
كنت أشعر بالسوء الشديد.
رأسي ينبض باستمرار، وصوت طنين ورنين مزعج كان يتردد في ذهني بلا توقف، مما جعل من المستحيل التفكير بوضوح.
وكان الأسوأ من كل ذلك، الألم الذي كان يعتصر قلبي وصدرى.
قبض على صدري بشدة، متمسكًا بقلبي دون أن يفلت.
"أنا..."
عضضت على أسناني، أحاول بكل جهدي كبح المشاعر العارمة في عقلي.
وبعدها، عضضت على يدي، دافعًا بالألم ليتغلغل في ذهني.
الألم كان دائمًا وسيلتي في التعامل مع مثل هذه المواقف.
"...لقد فزت."
لكن في نفس الوقت، ذكّرت نفسي بالحقيقة. لقد فزت. فعلت ما كان يجب أن أفعله لأنتصر. هذه المعاناة الصغيرة التي أمرّ بها الآن ليست إلا لحظة عابرة.
"هوووه..."
أخذت نفساً عميقاً، ولمست ساعدي وهمست:
"سعادة."
وفوراً، بدأ الألم في رأسي يتلاشى.
ارتاح قلبي وتوقفت رجفتي.
لكن ذلك لم يكن كافياً.
"سعادة."
كررت الكلمة عدة مرات، حتى استعدت السيطرة على نفسي تمامًا.
"...كان ذلك خطيراً."
أغمضت عيني، وتذكرت اللحظات الأخيرة. كانت تلك المرة الأولى التي أستخدم فيها سحر العواطف من المستوى الرابع بكامل طاقته.
استدعيت أتعس لحظة وأكثرها صدمة في حياتي...
...اللحظة التي قررت فيها التخلي عن العلاج الكيميائي واختيار الموت كي أسمح لأخي أن يعيش حياة أفضل.
تلك اللحظة... كانت لحظة تخليت فيها عن نفسي.
ذلك الإحساس بالفراغ الذي شعرت به حينها...
أطلقت العنان له بالكامل، وغمرت عقل كايوس به.
لم أحاول التحكم في شدة سحر العواطف. لا، تركته ينفجر دون أي قيود.
وكانت النتيجة هي فوزي.
لكن في المقابل، أُجبرت على تذكُّر ماضٍ كنت أرغب بنسيانه.
صدمة حاولت دفنها.
"لقد انتهى الأمر."
أغمضت عيني وأسندت رأسي إلى الجدار خلفي، آخذًا نفساً عميقاً. ساد الهدوء حولي كغطاء يلفّني، وسمحت للظلام بالتسلل إلى عقلي، مستسلمًا لاحتضانه الهادئ.
كنت مرهقاً.
مرهقاً نفسيًا.
لكن الأهم من ذلك كله...
"لقد فزت."
أنا الفائز.
∎| المستوى 2. [سعادة] نقاط الخبرة + 5٪
"لقد فاز..."
همست إيفلين بصوت خافت، وهي تحدق بمنصة القتال وفمها مفتوح من الصدمة. لم يمضِ وقت طويل على تقبّلها لفكرة أن جوليان أصبح قويًا، لكن فوزه على كايوس تحديدًا زعزع قناعتها بالكامل.
منذ متى أصبح بهذه القوة...؟
رغم أنها تقبّلت تغيره، إلا أنه بدا لها أكثر غموضًا في كل مرة تراه فيها.
ومع ذلك...
كان يبدو مألوفًا بشكل غامض.
لماذا...؟
"هاه."
على عكسها، لم يظهر على ليون أي أثر للدهشة.
بل على العكس، بدا وكأنه توقع هذه النتيجة.
رمشت إيفلين، ورفعت ذقنها قليلاً لتنظر إليه بشكل أوضح.
"كنت واثقًا جدًا من أنه سيفوز؟"
"لا."
تغيّر تعبير ليون قليلاً.
"...كنت فقط أفكر في الماضي."
"الماضي؟"
"نعم."
تصدّع تعبير ليون فجأة.
"...لقد وقعت في نفس فخه في الماضي."
"هاه؟"
فخ؟ عمّ يتحدث بالضبط؟ نظرت إيفلين إلى ليون بنظرة فارغة. لكنها تذكّرت فجأة شيئًا.
"هل تقصد تلك المرة التي قال فيها إنه هزمك؟"
"نعم."
ردّ ليون بصدق، ونهض ببطء من مقعده متجهًا نحو مخرج الكولوسيوم.
نهضت إيفلين بدورها ولحقت به، تمشي بجانبه.
"هل تعني أنه هزمك بنفس الطريقة؟"
"تقريبًا."
"...واه."
"لقد باغتني تمامًا. كان غارقًا في سحر اللعنة لدرجة أنه جعلني أنسى تمامًا أنه ساحر عواطف. وبحلول الوقت الذي أدركت فيه الحقيقة، كان الأوان قد فات وقد هزمني."
مرّر ليون يده في شعره.
"باستثناء ذلك، كان أضعف مني في كل شيء تمامًا كما كان أضعف من كايوس. لكن في النهاية، لا يهم شيء سوى أنه فاز."
"..."
تابعت إيفلين سيرها بصمت، غير متأكدة مما يجب أن تقوله.
وفي النهاية، أبطأت خطواتها، ثم سألت:
"وماذا عن الآن؟"
"هم؟"
أبطأ ليون خطاه بدوره، وأدار رأسه نحوها.
"ماذا تقصدين؟"
"...لو قاتلت جوليان الآن، من تعتقد أنه سيفوز؟"
"آه."
تجمد تعبير ليون للحظة، ثم ارتخى.
استدار وأشاح بكتفيه.
"لا أعلم. أنا... حقًا لا أعلم."
منزل إيفينوس.
جلس شخصان على أريكة حمراء فخمة، يحدقان في الإسقاط الضوئي أمامهما بصمت. لم ينطق أي منهما بكلمة، وكانت أنظارهما مركّزة على شخصية واحدة في منتصف الصورة، تسير مبتعدة ببطء.
تتبّعت عينا لينوس ظهر جوليان، وقبضته تنغلق تدريجياً.
قبضة.
وبتشنجٍ ظاهر في فكّه، التفت نحو والده الذي كان بدوره يحدق في الإسقاط.
تعبيره... كالعادة، كان من الصعب قراءته.
هل كان فخورًا؟ حائرًا؟ سعيدًا؟
لم يكن لينوس يعلم.
فوالده كان رجلاً لا يُظهر مشاعره أبدًا. أخذ نفسًا عميقًا، ثم التفت لينوس نحوه مجددًا.
"أبي."
"..."
في صمت، التفت ألدرِك نحوه، ونظر مباشرة إلى عينيه.
لم يقل شيئًا، لكن نظراته التي حملت سؤالًا ضمنيًا دفعت لينوس إلى الكلام بينما أعاد النظر إلى الإسقاط.
"هايفن."
تمتم بصوت خافت، ويده ترتخي قليلاً.
"...اسمح لي بالالتحاق بها في فصل السنة القادمة."