ظلّت رائحة البخور المحترق عالقة في الهواء.

"أشكركم جميعًا على حضوركم. أنا الكاردينال فرانسيس، وسأقوم بإدارة القداس."

وقف الكاردينال فرانسيس بجانب القاعة الكبيرة، يحدّق في عدد لا يُحصى من المتدربين الجالسين مقابله. مرتديًا سترة بيضاء، ابتسم ابتسامة خفيفة.

"أود أولًا أن أشكر أولئك القادمين من هافن الذين سمحوا بإقامة هذا القداس. بدون مساعدتهم ومساهمتهم، لما كان أي من هذا ممكنًا..."

على الرغم من أن صوته كان هادئًا، إلا أنه بلغ كل زاوية من زوايا القاعة.

تألّقت أعين عدد من الطلاب عند رؤية الكاردينال، إذ بدا وكأنه شعاع من الشمس وسط الظلمة التي خيّمت على الأجواء الخافتة الإضاءة.

وبجانبه، من كلا الطرفين، وقف رجال يرتدون الأبيض ويقبضون على قلائدهم بإحكام. كانوا كهنة كنيسة كلورا.

وقفوا جميعًا بصمت يراقبون الكاردينال وهو يتحدث.

من بينهم، رجل نحيل ذو عيون ضيقة وشعر بني انسجم جيدًا بين الكهنة.

كان يصغي للقداس باهتمام بالغ.

لكن، لو راقبه أحد عن كثب، لأدرك أن نظره كان يتجه بين الحين والآخر نحو متدرب معين يجلس في مقدمة القاعة.

بشعره الأشقر وعينيه الصفراء الشاحبة، كان كايوس من السهل تمييزه.

"...هذا هو الهدف."

كان يوهان يمتلك ما يكفي من المعلومات عن الهدف.

كان يعرف كل ما يحتاج إلى معرفته من أجل الإمساك به. ورغم أنه لم يكن أقوى من مجرد متدرب، إلا أنه كان واثقًا من قدرته على القبض عليه.

فهذا، في النهاية، كان تخصصه.

بينما تومضت عيناه، بدأ إحساس غريب بالوخز يتصاعد في يده. نظر إلى أسفل، ليرى خيوطًا سوداء صغيرة تلتف حول ذراعه.

"ليس بعد..."

وضع يده الأخرى فوقها.

"ليس بعد..."

تمتم بهدوء، مدفوعًا بنفسه إلى الخلف بين الصفوف، وعاد للتركيز على القداس.

'لا يزال هناك هدف آخر عليّ مراقبته.'

***

"هممم."

أقوم بتدليك وجهي، وأنا جالس على أحد المقاعد المتناثرة في حرم الأكاديمية. في الوقت الحالي، كان من المفترض أن أكون في منتصف القداس.

...كان حضوره إجباريًا، وربما سأقع في مشكلة لتغيبي عنه، لكن لم يكن لدي ترف التفكير في هذه الأمور.

"ما الذي حدث بالضبط في الرؤية؟"

كنت ممزقًا بين احتمالين.

لم أكن أعلم أيهما هو الصحيح: هل جوليان استولى على جسدي وقتل شخصًا مهمًا؟ أم أنني أنا من قتل الهدف الذي حدده أطلس؟

"منطقيًا، يجب أن يكون الاحتمال الأول."

في الرؤية، سمعت بوضوح عبارة "هو الذي فعل..."

علاوة على ذلك، من غير المحتمل أن أقع في مشكلة لقتلي شخصًا كانت العبادة ترغب في التخلص منه. مع نفوذهم، ومساعدة أطلس، لم يكن من المنطقي أن أواجه مثل هذا المصير.

...ومع ذلك، كان أطلس قد ذكر أن أتباع كنيسة كلورا يرتدون الأبيض.

"هل من الممكن أن شيئًا ما سار بشكل خاطئ في المهمة؟"

"آه."

خطر في بالي احتمال.

"الاحتمالان حدثا. أنا من قتل الكاهن، لكن جوليان هو من استولى على جسدي وقتله فعليًا."

نظرًا لأنني وقعت في ورطة، فمن المحتمل أن جوليان نفّذ القتل في منطقة لم يحددها أطلس كمكان "آمن".

بدأت صورة واضحة تتشكل في ذهني عن الموقف كله.

ورغم وجود بعض الأجزاء الغامضة، إلا أن هذا الاحتمال كان الأكثر منطقية.

"ممم، هذا جيد."

وقفت من على المقعد وأنا أشعر بانتعاش أكبر.

الآن وقد أصبح لديّ هدف واضح، عرفت تمامًا ما الذي يجب عليّ فعله. لم أعد تائهًا، ولم أضيع وقتًا إضافيًا.

مددت يدي إلى الأمام، فظهر شكل فوق ذراعي. وظهر آخر تحت قدمي.

"بومة-عضمى، حصاة."

"ماذا هناك؟"

"....لماذا استدعيتنا؟"

كانت "حصاة" تبدو نعسانة وهي تلعق مخالبها. وكلما نظرت إليها، بدت وكأنها تتصرف كقطة.

أما بومة-العُلا، فقد شعرت أن عينيها أعمق بكثير مما كانتا عليه في السابق.

*هل خاضت بومة-عضمى اختراقًا؟*

كان ذلك مثيرًا للاهتمام...

"أحتاج إلى مساعدتكما. أريد من أحدكما مراقبة شخص معين."

"مراقبة؟"

"...نعم."

كان الاثنان عيناي المثاليّتين.

"أريد معرفة موقعه في كل لحظة، وماذا يفعل. من المفترض أن هذا ممكن، أليس كذلك؟"

*"همم، نعم."*

أجابت بومة-عضمى بنبرتها الرتيبة المعتادة. حينها نظرت نحو "حصاة".

"أحتاجك أن تبقي معي."

لم أكن قادرًا على التواصل مع بومة-عضمى و"حصاة" إذا كانتا بعيدتين عني. أما هما، فيمكنهما التواصل مع بعضهما البعض مهما ابتعدتا.

وهذا كان جيدًا بالنسبة لي.

يمكنني استخدام إحداهما لإيصال المعلومات إلي.

*"لحظة، لماذا تختاره هو؟"*

احتجّت "حصاة"، مشيرة إلى بومة-عضمى.

"لأن بومة-عضمى تستطيع الطيران."

"هاه؟ لكنني أستطيع الدخول إلى الأماكن الضيقة."

"...نعم، لكنك أيضًا أسهل في الرصد."

لم يكن من الصعب تمييز أن بومة-عضمى و"حصاة" لم تكونا حيوانات حقيقية، إذا دقق أحد في النظر. ورغم أنني لا أعتقد أنه سيتم اكتشاف أيٍّ منهما، إلا أن بومة-عضمى كانت الخيار الأكثر أمانًا.

"هذا لا-"

"بل كذلك."

"لكني-"

"نعم."

حاولت "حصاة" الاعتراض، لكن بومة-عضمى أجهضت كل محاولاتها على الفور. توقعت أن تثور "حصاة" وتقفز على بومة-عضمى كعادتها، لكنها فاجأتني هذه المرة.

خفضت رأسها باستسلام.

"...حسنًا..."

تمتمت "حصاة" بهدوء، وركلت الأرض بمخلبها.

"....؟"

كان المشهد مذهلًا.

'منذ متى...؟'

"لقد تعلّمت مكانها."

قالت بومة-عضمى من على كتفي، وعيناها تضيقان.

"....لن تزعجنا حصاة بعد الآن."

ثم قامت بومة-عضمى بربت رأسي بجناحيها، ومنقارها ينحني كأنه يبتسم.

"لقد تخلّصت من المشكلة."

"؟؟؟"

ما هذا بحق الجحيم...

لم أكن أعرف كيف أتصرف.

فواب—

عدت إلى وعيي عندما بدأت بومة-عضمى ترفرف بجناحيها. رمشت عدة مرات بسرعة، ثم سارعت بمنحها صورة الرجل الذي طلب مني أطلس قتله.

"من المفترض أنه في قاعة بيرمن، مع أولئك الذين يعبدون الحاكم كلورا. جميعهم يرتدون الأبيض، لذا سترينهم بسهولة من السماء. انتظري حتى ينتهي القداس قبل تتبعه. وابقيني على اطلاع دائم."

"حسنًا."

بدأت بومة-عضمى بالتحليق مبتعدة، وراقبت شكلها يندمج تدريجيًا مع السماء، ثم حولت نظري نحو "حصاة" التي بدت محبطة.

"هل أنت بخير؟"

"....لا."

بدت نبرة "حصاة" مليئة بالأسى.

"كيف سقط العظماء..."

...من حيث القوة، كانت "حصاة" في الواقع الأقوى بيننا. لم يكن من المفترض أن يكون شكلها شكل قطة، لكن لأن روحها أُضعِفَت كثيرًا بسبب ما فعلته أورليا في إلنور، لم تعد قادرة على مجاراة بومة-عضمى.

'ناهيك عن أنها عندما خُتمت، كانت لا تزال حديثة الولادة.'

كانت حياة "حصاة" مؤلمة.

ليس فقط أنها خضعت لطفلة، بل أيضًا لشجرة.

ربما سُحقت كبرياؤها بالكامل.

"ستتعافين قريبًا."

واسيْتُها بينما نظرت إلى يدي.

"كلما ازدادت قوتي، ستزداد قوتك أيضًا. سيتغير الوضع حينها، فلا تقلقي."

وليس هذا فقط...

بل سأصبح أنا أيضًا أقوى.

فكلما ازدادت قوتي، ازدادت قوة [خطوة القمع].

...وهي لا تزال بالكاد في شكلها الأساسي.

***

كريك—

صرير خشبي صدر عن الباب بينما دوّى صوت كعبٍ ناعم عبر أرجاء غرفة صغيرة.

توقفت خطوات ديليلا فور دخولها الغرفة، ووقعت عيناها على شخصية جالسة في الطرف المقابل، بعينين غائمتين تحدّقان في أنحاء الغرفة.

"هم؟"

شعر الحاكم بوجودها، فأدار رأسه.

"آه."

ابتسم.

"يبدو أنك شعرتِ بوجودي، أيتها المستشارة."

|| ||

لم تجبه ديليلا، واكتفت بالتحديق فيه بنظرة فارغة. لقد شعرت بوجوده منذ لحظة دخوله أرض الأكاديمية، وكانت تراقبه منذ ذلك الحين.

قوته، رغم أنها في تراجع، كانت كافية لجعلها متوجسة.

لم يكن أقوى منها، لكنه بالتأكيد قادر على التسبب في الكثير من المشاكل إن أراد ذلك.

وربما لكونه لاحظ التوتر الظاهر على وجهها، ضحك الحاكم.

"هاها، لا داعي لكل هذا التوتر يا مستشارة. لم آتِ لإثارة المتاعب."

"...."

ظلّت ديليلا صامتة.

ولم تتحدث إلا بعد أن تأكدت من خلو المكان من أي تهديد.

"ما غايتك؟"

كان صوتها جافًا، خاليًا من الاحترام أو التبجيل.

فهي لا تؤمن بالحكام.

وكان الأمر برمته مملًا لها.

ولهذا، لم يكن لديها سبب لتُخضع نفسها لأمثال هؤلاء.

"غايتِي؟"

ابتسم الحاكم بلطف.

"…ليست بالأمر الكبير. جئت فقط لأتفقد أمبروز وأرى كيف سيؤدي."

"ولماذا أخفيت وجودك؟"

"ذلك كان سيجلب مشاكل أكثر مما ينبغي."

|||||

ضيّقت ديليلا عينيها.

لم تُصدّق كلماته على الإطلاق.

"لو كنت ترغب في السرية، كان يمكنك إبلاغنا بوجودك. لكنا حافظنا على سريتك. بل وكان سيساعدنا على الاستعداد بشكل أفضل."

بدأت عيناها تزدادان سوادًا.

كانتا تدوران بهدوء، كما لو أنهما تحاولان ابتلاع الحاكم.

"....أعلم."

ظل الحاكم هادئًا، ونبرته ازدادت رقة.

"أعتذر عن ذلك. فقط أن..."

أغلق عينيه، واتكأ إلى الوراء في كرسيه.

"لم يتبق لي وقت طويل."

أمالت ديليلا رأسها.

"سوف أموت قريبًا."

|| ײן ||

عادت عيناها إلى طبيعتهما.

"هل أنت-"

"هذه ربما آخر مرة أرى فيها أمبروز يقود القداس. لم أخبر أحدًا بهذا. حتى أمبروز لا يعلم. وبحلول نهاية القمة، سأكون قد..."

توقف الحاكم، لكن كلماته كانت واضحة. تغيرت ملامح ديليلا قليلًا.

لم تعد حذرة كما كانت.

وبالطبع، هذا لا يعني أنها يمكن أن تتركه دون مراقبة.

"سأراقبك عن كثب."

وما إن قالت ذلك، حتى انحرف نظرها نحو الزاوية اليمنى للغرفة، وازداد عبوسها.

ثم هزّت رأسها وغادرت الغرفة.

"....لا تتجاوز حدودك."

*كلاك!*

أُغلق الباب، تاركًا الغرفة في صمتٍ ساكن.

|| ||

أغلق الحاكم عينيه، وأسند رأسه إلى الخلف.

كانت يداه ترتجفان.

...لكن ليس من الخوف.

بل من الحماس.

قريبًا...

سوف يلتقي به.

لم يعد يستطيع الانتظار.

2025/04/29 · 22 مشاهدة · 1326 كلمة
mhm OT
نادي الروايات - 2025