||
"....
تبدلت تعابير إيفلين بسلسلة من المشاعر. اتسعت عيناها في البداية من الصدمة، وارتجف جسدها وهي تتراجع خطوة إلى الخلف بشكل غريزي. لكن، سرعان ما تلاشت المفاجأة الحادة، لتُستبدل تدريجيًا بقبولٍ هادئ.
تمكنت من معرفة ذلك من الطريقة التي عادت بها تعابير وجهها إلى حالتها الطبيعية، فقد أدركت بالفعل أنني لم أعد جوليان الذي كانت تعرفه من قبل.
ولهذا خرج صوتها هادئًا على غير المتوقع،
"دعني أخمن، هل يحاول استعادة السيطرة؟ أم يتسبب في نوعٍ ما من المشاكل؟"
||
"أنا..."
لم أُجب.
لم أكن متأكدًا من كيفية الرد.
لكن، كان صمتي كافيًا لها.
"هل تريدني أن أساعدك في كبحه؟ منعه من العودة؟"
"....هل تستطيعين ذلك؟"
"همم."
قطبت إيفلين حاجبيها بشدة وغرقت في تفكير عميق. من الواضح أنها كانت تفكر فيما إذا كان ينبغي لها مساعدتي أم لا.
كنت أعلم أنها قادرة على ذلك.
رأيتها تفعل ذلك من قبل... إلى حدٍ ما.
ما كان يهم حقًا هو إن كانت مستعدة لمساعدتي—أنا الغريب عنها الآن—على ختم جوليان الذي كانت تعرفه سابقًا.
لهذا السبب كنت مترددًا في طلب مساعدتها.
علاقتنا لم تكن عميقة جدًا. فلماذا تساعدني على الإضرار بشخصٍ كانت تعرفه أكثر مني؟ بل وكانت تهتم لأمره؟
....لكن، ماذا كان بوسعي أن أفعل؟
لم يكن لدي خيار آخر سوى أن أطلب منها المساعدة، فهي الوحيدة القادرة على ذلك.
"حسنًا."
لكن، على عكس توقعاتي، وافقت على مساعدتي.
فوجئت قليلًا بموافقتها، وكأنها شعرت بحيرتي، تابعت توضيحها.
"لا تفهمني خطأ. أنا لا أساعدك لأنني أثق بك. أساعدك لأنني أثق بليون. يبدو أنه يثق بك كثيرًا. ولهذا سأساعدك. و... لا زلت أشعر بأن هناك شيئًا غريبًا بشأنك."
عضت إيفلين شفتها وهمست، "لا أعرف كيف أشرح الأمر. أشعر وكأنني التقيت بك من قبل..."
||
لم أُجب بعدها.
كنت أعرف تمامًا ما كانت تشير إليه.
"...أفاجَأ بمدى إدراكها."
يبدو أنها لا تزال تتذكر الأحداث السابقة التي وقعت عندما استخدمت الورقة الثالثة. كنت واثقًا أن تنكري كان مثاليًا، لكن يبدو أن تمثيلي لم يكن مقنعًا بما يكفي.
وفوق ذلك، كانت صغيرة في السن وقتها.
من المدهش أنها لا تزال تتذكر كل تلك التفاصيل...
"سأحتاج لأن أكون أكثر حذرًا."
على أي حال، ما كان يهمني الآن هو أنها وافقت على مساعدتي.
"مدّ يدك."
استجبت لتعليمات إيفلين ومددت يدي. أمسكت بها ونظرت في عينيّ.
"دعني أوضح شيئًا من البداية: لست كاهنة. معرفتي محدودة، لذا بناءً على الحالة، قد لا أستطيع مساعدتك على الإطلاق. في الواقع، هناك احتمال أن أجعل الأمر أسوأ. أخبرك بهذا الآن كتحذير منصف. هل أنت موافق على ذلك؟"
"نعم، أعلم."
كان هذا أحد المخاطر التي وضعتها في الحسبان عند التواصل معها. لولا ما حدث في الماضي، لكنت مترددًا في اللجوء إليها. لكن، بدا أنه لا خيار أمامي.
هذه كانت طريقتي الوحيدة للخروج من هذا الوضع.
"حسنًا، إذن."
هزّت إيفلين كتفيها وضغطت يدي بيدها.
"لا تقل إنني لم أحذرك."
تألقت عيناها بينما رقصت شرارات البرق حولهما. وتحرك شعرها كما لو أن ريحًا هبت من العدم، ليجتاح جسدي تيار كهربائي مفاجئ.
اهتز جسدي بالكامل تحت تأثير الصدمة، وسرعان ما خيّم الظلام على عقلي.
طَقطَق-
عندما استعدت وعيي، كنت محاطًا بالظلام.
كان الظلام يحيط بجسدي من كل جانب وأنا أنظر من حولي.
"لا يوجد شيء."
....لم يكن مختلفًا كثيرًا عن العالم داخل ملاك الحزن. وعندما أدرت رأسي،
ظهرت إيفلين بجانبي.
كان وجهها شاحبًا بعض الشيء.
"هل أنتِ―"
"أنا بخير."
قاطعتني إيفلين، رافعة يدها بخفة ونظرت نحو اتجاه معين بينما تجهمت ملامحها.
"أشعر به. ليس بعيدًا من هنا."
تحركت إيفلين من تلقاء نفسها، وخطت خطوة داخل الظلام.
||
تأملت ظهرها قبل أن أتبعها من الخلف.
طَقطَق، طَقطَق―
داخل الظلام، ترددت أصوات خطواتنا بهدوء بينما سرنا بصمت، دون أن ينبس أيٌّ منا بكلمة.
بدت إيفلين مأسورة بشيء ما وكأنها تمشي في غيبوبة. لا أعلم كم من الوقت مشينا، لكن سرعان ما ظهر ضوء خافت في الأفق.
كان باهتًا، لكنه بدا ساطعًا وسط هذا الظلام المحيط بنا.
"إنه هناك."
تباطأت خطوات إيفلين لثوانٍ قبل أن تُسرع مجددًا.
فسرّعت خطواتي أيضًا وتبعتها.
ومع اقترابنا من الضوء، بدأ مصدره يتضح.
لم تمضِ لحظات حتى تجلت صورة واضحة أمامنا، فتوقفنا معًا في نفس اللحظة.
"آه."
"هذا..."
مرآة محطمة.
ما ظهر أمامنا كان مرآة مليئة بالشروخ والتشققات.
وقفت في وسط الظلام، موجهة نحونا، تُظهر انعكاس صورتنا.
على الأقل، هكذا بدا في البداية.
لكن سرعان ما ارتسمت ابتسامة على انعكاسي، ورفع يده ليحيط انعكاس إيفلين بذراعه.
"أنتِ هنا."
صوتٌ بارد تردد صداه في أعماق الظلام.
وحينما تحولت نظرات انعكاسي نحو إيفلين، تلاشت الابتسامة ببطء عن وجهه.
"...مر وقت طويل يا إيفلين. لم تنسيني، أليس كذلك؟"
"هه."
تراجعت إيفلين خطوة إلى الوراء بشكل غريزي، وشحب وجهها.
جعل رد فعلها ابتسامة انعكاسي تتسع، ثم أزال ذراعه عن انعكاسها وتقدم بهدوء.
تراجعت إيفلين خطوة أخرى.
بانغ!
ضرب قبضته على المرآة، ما جعل إيفلين ترتجف.
"أخرجيني اللعنة من هنا أيتها العاهرة!"
صرخ، ملامح وجهه تتلوى وصرخته تشق الصمت.
"أخرجيني الآن قبل أن أقتلك!"
***
"كه...! كه!"
رغم توقعات ليون، لم يتوقف الألم في صدره، بل ازداد سوءًا مع مرور الوقت.
كان يظن أنه سيتمكن من تحمله، لكنه كان مخطئًا.
"نهاا... نهاا..."
كان الألم يأتي على شكل موجات، وكل موجة أقوى من سابقتها.
'لن أتمكن من الصمود أكثر من هذا.'
أدرك ليون مدى خطورة وضعه.
وبدون تردد، نظر حوله وقرر مغادرة مكانه، منطلقًا نحو السكن القريب منه.
"أكه!"
خفق صدره مجددًا، فأوقفه الألم في مكانه.
"هاه... هاه..."
وبينما كان ينظر للأسفل، رأى خيطًا فضيًا طويلًا ينساب من فمه.
هذا...
مسح فمه بسرعة وانطلق مجددًا.
استغرقه الأمر ثلاث دقائق ليصل إلى السكن، حيث ركض مباشرة إلى غرفته وأغلق الباب خلفه.
كلاك!
"آرغخ...!"
خرجت صرخة من فمه لحظة دخوله الغرفة.
'ساخن، ساخن، ساخن....!'
شعر ليون بحكة مفاجئة تنتشر في جسده. بدأ في خلع ملابسه، ليبقى بملابسه الداخلية فقط.
سزز... سزز...
بدأ البخار يتصاعد من جسده مباشرة بعد ذلك.
بوم... خفق! بوم... خفق!
صوت نبض غريب تردّد، متزامن تمامًا مع دقات قلبه. نظر ليون للأسفل ورأى أن كل عرق في جسده أصبح ظاهرًا بوضوح تحت الجلد.
توهجت عروقه بلون أزرق باهت، وكانت جميعها تتقارب نحو قلبه، حيث ارتكز كأس مظلم وظليل في مركزه.
تغيرت ملامح وجهه.
"هذا..."
لقد رأى هذا المشهد من قبل—أكثر من مرة، في الواقع.
كان يعرف المعنى وراء ذلك جيدًا، ولهذا فإن ما يراه الآن صدمه بشدة.
"النبيذ..."
تمتم ليون، غير قادر على إخفاء صدمته.
"...لقد احتوى فعلًا على دم حقيقي."
دم مورتوم.
"هذا..."
تغيرت ملامحه كليًا.
هذه كانت أول مرة يحدث شيء كهذا في مثل هذا الحدث، ولم يستطع فهم ما يجري.
'دم حقيقي؟'
لكن، كيف يكون ذلك ممكنًا؟
ليون حضر مثل هذه الفعاليات عدة مرات من قبل، ولم يسبق له أن مرّ بشيء كهذا.
هناك شيء خاطئ.
كيف يمكنهم تقديم دم حقيقي؟
....وما سبب انفجار الكأس فجأة؟
كان لدى ليون العديد من الأسئلة، لكن لم يكن هناك أي إجابة. ولجعل الأمور أسوأ، عاد الألم مجددًا. لم يكن أمامه سوى التركيز على تحمل الألم، بالتنفس ببطء وثبات.
سزز... سزز...
استمر البخار في التصاعد من جسده طوال تلك الفترة. وبالتدريج، بدأ الألم يتلاشى، وتضاءل التوهج في جسده أيضًا.
استغرق الأمر بضع دقائق فقط قبل أن يهدأ كل شيء تمامًا.
"هوو."
تمكن ليون أخيرًا من التنفس، ثم انهار على الأرض.
ورغم أن تنفسه استقر، إلا أنه ظل ثقيلاً. احتاج إلى بضع دقائق ليتعافى كليًا.
وبحلول الوقت الذي تعافى فيه، شعر بإحساس بارد يغمر جسده بينما ضغط بيده على صدره وسحب الكأس.
"كما توقعت..."
نظر إلى السائل داخل الكأس وبلع ريقه.
"...كان فعلًا دم مورتوم."
كان للكأس قدرة خاصة.
رغم أن ليون لم يفهم بعد كيف تعمل هذه الكأس، إلا أنه كان يعلم أنها تُفعّل "تفاعلًا" فريدًا كلما شرب من دم مورتوم. فتُنتج سائلًا خاصًا يمكن شربه.
كان يسميه "الرحيق"، وكل مرة يشربه، تزداد قوته بشكل كبير.
'....أتُراه سيكون له تأثير مختلف إن استخدمت دمًا مختلفًا؟'
أثار التفكير في ذلك شعورًا غريبًا لدى ليون لوهلة قبل أن يهز كتفيه ويشرب الرحيق.
فوووش!
اهتزت ملابسه بينما تدفقت القوة عبر جسده.
انتفخت عضلات ليون، وشعر بقوته تتضاعف بسرعة.
كانت إحساسًا نشوانًا أذهله، لكنه تلاشى بسرعة، وعاد جسده إلى حالته الطبيعية.
"هوو."
أخذ نفسًا عميقًا آخر، واستعد للنهوض.
لكن، ما إن فعل، حتى تجمد جسده.
"...!"
شعر بشيء داخله ينبّهه، وارتجف جسده بينما بدأ العرق يتصبب من جانب وجهه.
ثقل تنفسه بينما رفع رأسه ونظر من النافذة.
"أوه، لا..."
أبعد نظره بسرعة ووقف.
شعر بشؤم رهيب يجتاحه فجأة.
و...
كان متأكدًا أنه لم يكن بشأنه هو.
"عليّ الذهاب."
لم يضيع لحظة، وارتدى ملابسه بسرعة ثم اندفع خارج الغرفة.
حتى بعد خروجه، ظلت حاسته السادسة تصرخ داخله، تحذره من كارثة قادمة.
لم يكن يعرف ماهي، لكن ليون كان واثقًا.
جوليان...
شيء سيء على وشك الحدوث له.