"أويخ!"

غطى جوليان نصف وجهه بيده بينما انحنى إلى الأمام. بدأت أيادٍ بنفسجية تخرج من عينه بينما كان ألم حارق يغزو عقله.

كان الألم لا يشبه أي شيء شعر به من قبل، لكن القوة التي جاءت معه كانت شيئًا لا يستطيع جوليان الاكتفاء منه.

"المزيد... أريد المزيد...!"

رفع جوليان رأسه لينظر إلى انعكاسه.

عيناه...

كانتا كلتاهما بنفسجيتين، وبينما كانت الأيادي تخرج من عينه اليمنى، تناثر شيء ما على الأرض تحته.

كانت طبقة بنفسجية بدأت تتمدد مع كل ثانية.

... بدأت الطبقة البنفسجية تدريجيًا تغطي الأرض من حوله، محوّلة إياها إلى لون بنفسجي داكن.

ومن بين تلك الطبقة المتحركة، برزت وجوه مشوهة وأيادٍ تخدش، تصرخ وتحاول الإمساك بأي شيء في متناولها.

"هـ-ها... ها."

خرج ضحك متوتر من شفتي جوليان بينما كان يشهد هذا المشهد وعلى وجهه ابتسامة غريبة.

"المزيد...! المزيد!"

شعر جوليان وكأنه قادر على تغطية كل شبر في الغرفة.

كان لديه شعور أنه لو تابع هذا الطريق، فسيحقق شيئًا لم يتمكن ذاك الطفيلي من بلوغه.

بينما استطاع الطفيلي أن يطور "مفهومًا"، شعر جوليان أنه يستطيع التقدم إلى مرحلة "التجسيد".

هذا جسده.

... تجربته لم تكن أدنى من تجربة طفيلي مزعج. كما أن درجة سيطرته عليه كانت أكبر بكثير من ذلك الطفيلي.

شعر أن ذهنه صافٍ وبدأ يشعر بأنه لا يُقهر.

كان من المنطقي أن يحقق ما هو أفضل من الطفيلي.

"صحيح، من المنطقي أن أكون الأفضل."

ضربة!

انهار جوليان على ركبتيه، منحني الظهر بينما كانت المزيد والمزيد من الأيادي تخرج من عينه، كل واحدة منها تسحبه أكثر نحو العذاب.

"آركه...!"

تناثر اللعاب من فمه بينما كانت الطبقة البنفسجية أسفله تتمدد أكثر فأكثر.

"م-المزيد! آركه...!"

شعر وكأن صدره على وشك الانفجار.

انتفخت عروقه عند جانبي رأسه بينما بدأ يفقد أنفاسه.

لم يكن قادرًا على التنفس.

شعر بالاختناق.

ومع ذلك...

"آخ.. هـ-هاها."

وجد في الألم والمعاناة متعة غريبة.

هذا لا يُقارن بالمعاناة التي مر بها في ذلك العالم. كان شعوره بالسجن خانقًا، إن لم يكن أسوأ.

صب كل تلك التجربة في ما كان يتكون أمامه.

في هذه اللحظة، ولسببٍ ما، شعر أنه قادر على تحقيق أي شيء. لم يعرف لماذا، لكنه استغل الشعور.

"نعم، أريد المزيد...!"

لمع في وجهه تعبير مجنون وبدأت الطبقة تتمدد أكثر، تقترب ببطء من الجدران وتتحرك إلى الأعلى.

تدفّق العرق من جانب وجهه.

"ق-قليلًا فقط. فقط..."

بفف!

غطى جوليان فمه بيده بسرعة، شاعرًا بشيء دافئ ورطب يتسلل بين أصابعه.

تنقّط! تنقّط..!

"آه."

نظر إلى الأسفل، لمح جوليان لمحة من اللون الأحمر الذي لطخ الأرض، ووقعت عليه الحقيقة.

لقد... وصل إلى حدوده.

"هـ-هاها."

بدلًا من أن يُصاب بالإحباط، ضحك.

"نعم، هذا جيد. هذا جيد."

أغمض عينيه.

شعر جوليان به.

... كان قريبًا من بلوغ مرحلة "التجسيد".

"هذا الشيء الذي يُدعى بالمجال..."

ضحك مجددًا،

"... أسهل بكثير مما توقعت."

هل كان موهوبًا إلى هذا الحد؟

لا، بل كان الأمر أكبر من مجرد موهبة.

شعر وكأن كل الغضب والحقد الذي تراكم داخله أثناء سجنه في ذلك العالم، فجأة يظهر أمام عينيه.

ومع وصول جسده إلى المتطلبات اللازمة لتشكيل مجال، خرج كل شيء دفعة واحدة.

توك توك–

دقٌ مفاجئ على الباب أخرج جوليان من أفكاره. وعلى الرغم من الألم الذي كان يغزو عقله، تمكن جوليان من رفع نفسه والتوجه نحو الباب.

توك توك–

أياً كان، بدا مصرًا.

"قادم، قادم."

فرك جوليان مؤخرة رأسه بينما مد يده نحو المقبض ليفتح الباب.

كلاك!

"....."

وهنا ظهرت شخصية مألوفة.

"....ها هو."

لم يكن سوى لينوس. بدا أنه كان يحمل رسالة سلمها له بسرعة. كان عليها ختم العائلة، مما يدل على أنها أُرسلت مباشرة من قِبل رأس العائلة.

"....اقرأها لوحدك. إنها مهمة."

عادة ما تُستخدم الرسائل عند تبادل المعلومات السرية. بخلاف ذلك، كانت أجهزة الاتصال هي الوسيلة المعتادة.

وحقيقة أنه سلّمه إياها شخصيًا يدل على مدى أهميتها.

مدّ جوليان يده وأخذ الرسالة وألقى نظرة عليها قبل أن ينظر مجددًا إلى لينوس.

لم ينظر حتى إلى عينيه.

"خائف...؟"

عند النظر عن كثب، لاحظ ارتجاف كتفي لينوس. بدا وكأنه خائف، لكن جوليان لم يرَ خوفًا في عينيه.

بل كان الأمر أشبه بـ...

"إنه يكبح نفسه."

فجأة، شعر جوليان بطرف شفتيه يرتفع.

"أليس هذا لطيفًا؟"

"شكرًا."

"...."

قطب لينوس حاجبيه.

بدا وكأنه يريد قول شيء، لكنه كبح نفسه. لاحظ جوليان ذلك وأمال رأسه.

"هل هناك شيء خاطئ؟"

"لا، لا شيء."

أخذ لينوس نفسًا عميقًا لتهدئة نفسه. رسم ابتسامة متكلفة ورفع رأسه أخيرًا لينظر إلى جوليان.

وهنا تلاقت أعينهما.

"....هـ-ها."

لاحظ جوليان ارتجاف صدر لينوس عندما تلاقت نظراتهما. لم تفته الكراهية العميقة التي كانت تسكن نظرات لينوس، والتي ظهرت بوضوح رغم تقطيب حاجبيه.

تابع جوليان:

"هل أنت متأكد؟"

رمش بعينيه ببراءة وأشار للينوس بالدخول.

"...يبدو أنك تريد أن تخبرني بشيء. هيا، ادخل."

"لا، لا داعي."

"أصر يا لينوس. لقد مر وقت طويل منذ أن-"

"لا، توقف."

"هيا، لم نرَ بعضنا منذ وقت طويل. لما لا تدخل؟"

"قلت لا."

"لن أقبل بالر-"

"قلت لا!!"

صرخ لينوس فجأة بأعلى صوته، لتهبط على المكان بأكمله سكينة غريبة.

"نـاا... نـاا..."

ارتفع وهبط صدر لينوس بسرعة وهو يثبت نظره في جوليان. هز رأسه بامتعاض، واشتدت ملامحه قبل أن يعض على أسنانه.

"أنت لا تستمع، أليس كذلك؟"

تقدم خطوة للأمام.

"...لم تكن تستمع أبدًا. ولن تفعل." قال لينوس بصوت مليء بالازدراء.

"لا أعلم كيف خدعت الأكاديمية كلها لتظن أنك عبقري يستحق التمجيد، لكني أعرف حقيقتك."

أشار بإصبعه مباشرة نحو جوليان.

"أنت حقير لعين. مهما كان القناع الذي ترتديه، لن يخدعني. أعلم ما أنت قادر عليه. رأيت كل شيء!"

أشار بقوة إلى صدغه.

"ستُحرق كل شيء. أنت وحش! لم تتغير. فقط تتظاهر بذلك. سأمزق هذا القناع إن كان هذا هو الأو—أكلخ!"

قبل أن يكمل، امتدت يد وأمسكت بوجهه.

"أوركه! آكه!"

صارع لينوس للهرب، لكن القبضة كانت أقوى من أن يكسرها.

"هوه."

ضحك جوليان بصمت، وانهار قناعه بينما نظر إلى لينوس.

"أنت محق."

ظهرت ابتسامة عميقة على وجه جوليان بينما تحولت عيناه إلى اللون البنفسجي.

وبينما كان يثبت نظره في لينوس، بدأت الأيادي البنفسجية تخرج من عينه اليمنى.

"...لم أتغير. ما زلت أنا."

وبينما كان يضحك، قرّب وجه لينوس إليه.

"جئت في الوقت المناسب. كنت بأمس الحاجة لشخص أُجرب عليه هذا المفهوم الجديد."

اتسعت عينا لينوس.

لكن، قبل أن يتمكن من المقاومة، تراخى جسده.

كلاك–

تم سحبه إلى الداخل، ليغرق ممر السكن في سكونٍ غريب.

... سكون كُسر بخطوة واحدة فقط.

ظهرت في نهاية الممر، حيث كانت تقف إيف أمام المشهد، تغطي فمها بيدها.

"هذا..."

ماذا رأت للتو؟

***

"أأنت تقول إن جوليان الحالي مملوك؟"

"نعم."

ثبت ليون نظره على البومة الغريبة التي كانت جالسة على المقعد الخشبي بجانبه. وبعد أن مسح محيطه عدة مرات للتأكد من أن لا أحد يراقبه، انحنى قليلًا وتحدث مجددًا، بصوت بالكاد يُسمع.

"...كنت أعلم هذا بالفعل."

"؟"

بدت البومة في حيرة.

وكأن نظراتها تقول: "كنت تعرف؟ كيف؟ لم أخبرك؟"

هز ليون رأسه.

كانت التغيرات واضحة له. لم تتغير فقط "عيناه"، بل أيضًا سلوكه العام. كان يتظاهر باللامبالاة كثيرًا.

ولكن، على الرغم من محاولاته، كان ينهار في بعض اللحظات.

جوليان الحقيقي لم يكن ليفعل ذلك.

من أعظم صفاته أنه كان قادرًا على الحفاظ على وجه خالٍ من المشاعر في أي موقف.

علاوة على ذلك...

"... لم يستطع حتى أن يلاحظ أنني كنت أتحدث إليه بعيني."

أومأ جوليان له بخفة فقط.

عندها فهم ليون كل شيء. فكر في اتخاذ إجراء بناءً على شكوكه، لكنه تراجع. أراد أن يراقب الوضع أكثر.

ولم يكن متأكدًا بنسبة مئة في المئة من صحة افتراضاته.

على الأقل، حتى الآن.

مع إخبار البومة له مباشرة، تأكد ليون من حدسه السابق. خاصة أنه كان يعلم أن البومة تتبع لجوليان.

هو...

"هوو"

أخذ ليون نفسًا عميقًا ونظر إلى البومة بشفقة.

"ذلك الوحش المريض."

أمالت البومة رأسها، لكن ليون لم يقل شيئًا آخر.

"هل لهذا السبب كانت حاستي تتأجج بهذا الشكل؟"

كان قد خمّن هذا الجزء. فقط لم يظن أن الوضع لم ينتهِ بعد. لم تكن هناك مرات كثيرة شعر فيها بمثل هذه "الركلة" من مهارته الفطرية.

فهم ليون أن هذه مجرد البداية.

شيء أسوأ سيحدث، وكان عليه الاستعداد لذلك.

"على الأقل، أنا الآن أعلم مصدر المشكلة."

لم يكن ليون متأكدًا مما يشعر به تجاه ذلك.

إن كانت توقعاته صحيحة، فإن من استولى على جسد جوليان هو جوليان القديم. وأصبح من المنطقي لماذا طلب التواصل مع إيفلين بشكل خاص. "ربما حاولوا إيجاد حل، لكن الأمر لم ينجح أو انقلب عليهم."

بدأ ليون يقرع أصابعه على المقعد الخشبي، غارقًا في التفكير. كلما تعمّق أكثر، شعر بصداع قادم.

لم يكن بإمكانه طلب المساعدة بسهولة نظرًا لحساسية الوضع. علاوة على ذلك، وبسبب اجتماع الكنائس السبع الجاري، كان الجميع تحت المراقبة من قِبل موظفي الأكاديمية.

لا يمكنه التحرك بحرية.

"ماذا أفعل؟ ماذا—"

"راقبه."

"هم؟"

استدار ليون نحو البومة.

وعندما التقت عيناهما بعينيها العميقتين، توقّف قليلًا.

"را—"

"نعم، هو يريدك أن تراقبه. أن تمنعه من فعل أي شيء أحمق بالجس—"

"انتظر، انتظر."

رفع ليون يده ليوقف البومة.

"هل أنتِ على تواصل مع جوليان؟"

"نعم."

"آه."

ارتجفت شفتا ليون للحظة وجيزة. جمع نفسه وقطب حاجبيه.

"لحظة، هذا لا يُعقل. كيف أن—"

"لا يهم كيف. فقط اعلم أنني كذلك. وقد أخبرني أن أنقل لك هذه المعلومات."

فجأة، فتحت البومة جناحيها ورفرفتهما مرة واحدة، فحلّقت في الهواء.

"... لدي أمور أخرى أفعلها، أيها البشري."

"انتظري!"

رغم محاولة ليون للوصول إلى البومة، لم يستطع إلا أن يشاهدها تختفي بصمت من أمامه.

"تبًا."

لعن ليون في صمت بينما وضع يده على جبينه.

"تلك البومة... لقد تعلمت أشياء خاطئة من جوليان."

شعر برغبة في خنق الاثنين معًا.

"هوو."

وكأن الأمور لم تكن سيئة بما فيه الكفاية.

"مرحبًا."

ظهرت عيون رمادية بجانبه.

2025/04/30 · 19 مشاهدة · 1477 كلمة
mhm OT
نادي الروايات - 2025