لم أكن متأكدًا حتى من سبب قيامي بما أفعله.
ما قلته لليون لم يكن الحقيقة تمامًا. رغم أن اللقب كان يزعجني، إلا أنني لم أساعد لينوس بسببه.
"آه، تبًا. لماذا تذكرت تلك اللحظة مجددًا؟"
فركت رأسي بذراعي الحرة، ونظرت إلى لينوس المرتجف أمامي. كان شاحب الوجه وعيناه زائغتان.
مهما كان ما يمر به، فلا بد أنه كان صادمًا.
"... قد يسيء فهمي ويظن أنني أعبث معه، لكن لا بأس."
تذكرت وقت مجيئي الأول إلى هذا العالم.
الوقت الذي بدا فيه كل شيء غريبًا عليّ وفُرضت عليّ فجأة ظروف خطيرة كادت أن تودي بحياتي.
"حتى الآن، لا زلت أستطيع تذكر برودة نصل ليون على عنقي..."
ما ساعدني حقًا في التهدئة ومعالجة مشاعري كان الورقة الأولى. شعرت حينها بمشاعر قوية وعميقة، مما مكنني من التماسك. كان ذلك مختلفًا عن وقتي في الطائفة الغريبة.
لم أعش هناك تجربة مماثلة، مما جعل التفكير أصعب بكثير.
"الوضع حينها كان أكثر تطرفًا..."
على أي حال، كنت أعتقد أن أفضل طريقة لمساعدة لينوس على التحكم بمشاعره هي من خلال محفز مشابه لما مررت به في بداية رحلتي.
"حتى إن كانت شخصيتك سيئة، إن لم ترفض الآخرين، فهناك من سيظل معك."
"آه، تبًا."
عندما سمعت صوت نويل في رأسي، حككت مؤخرة رأسي مجددًا.
حدقت في لينوس المرتجف، وعندما رأيت العبوس على وجهه، حككت رأسي بعنف أكبر.
"لا أستطيع أن أعد بأنني سأكوّن صداقات، لكن سأستمع إلى ما قلته. إن أصبح الأمر مزعجًا جدًا، سأتوقف، حسنًا؟"
"...اتركني وحدي."
***
كان لينوس مترددًا عندما دخل ساحة التدريب.
كان يعلم أنه يستطيع تجاهل الرسالة التي أرسلها له شقيقه وألا يأتي، لكنه كان يعلم أيضًا أنه بفضل نفوذ شقيقه، يمكن أن يجعل حياته أصعب مما هي عليه بالفعل.
استعدادًا لما هو قادم، أعد بعض الترتيبات.
إن حدث له شيء، سيعلم الجميع أن جوليان هو السبب.
ومع اكتمال جميع الاستعدادات، وصل إلى ساحة التدريب. كان الموقع غريبًا بالنسبة له، لكنه تماسَك ودخل.
كانت الساحة مظلمة، لكنه استطاع رؤية ظل شقيقه، جالسًا في المنتصف وساقاه متقاطعتان.
ما حدث بعد ذلك حدث بسرعة.
قبل أن يدرك ما يجري، ضغط جوليان بإصبعه على جبين لينوس، وشعر لينوس بأن رؤيته أصبحت مظلمة.
بدأ العرق يتصبب على جانب وجهه.
انقبض قلبه، وبدأ تنفسه يضعف.
"م-ما الذي يحدث؟"
أصبح عقل لينوس فوضويًا.
لم يكن يستطيع التفكير أو الرؤية جيدًا.
كل شيء بدا في غير محله.
"آ-آه، س-اعدوني."
شعر بشيء غير مرئي يتسلل من أعماق عقله، يسحب دماغه ويجعل جسده يتصلب. بدأت النصف السفلي من جسده بالارتجاف وشعر بأن مثانته تهتز.
تمكن بالكاد من تمالك نفسه عندما وصل إليه صوت.
"لديك خمس دقائق لتهدئة نفسك."
شعر لينوس بأن معدته تهوي عند سماع ذلك الصوت.
كان الصوت منخفضًا، أقرب إلى الهمس. لكنه بالنسبة له في حالته الراهنة، بدا وكأنه قادم من أعماق الجحيم. ارتجف جسده كله.
"...إن لم تستطع التهدئة خلال الدقائق الخمس القادمة، سأطردك من ساحة التدريب عاريًا."
تجمد جسد لينوس بالكامل.
لماذا..؟
لماذا يفعل به هذا؟
صعد شعور معين من أعماق صدره.
كان على وشك التحدث عندما ضغط الإصبع على جبينه بقوة أكبر.
"سأزيد الشدة."
"آه-!"
شعر لينوس بأن عقله يخدر.
دقات قلبه السريعة زادت، وكاد يختنق.
"آكه.. آركه...!"
صدرت منه أصوات غريبة بينما بدأ يختنق.
"لا، لا، لا، لا..."
بما تبقى لديه من عقل، عض لينوس على شفته. لم يكن يفهم لماذا يفعل جوليان به هذا، لكنه لم يكن يملك ترف التفكير في ذلك.
تذكر الكلمات التي قالها له جوليان، وبدأ بالذعر.
"...أي شيء سوى هذا!"
كان يعلم أن حياته ستنتهي إن رآه الناس على ذلك الحال.
وفوق ذلك، لم يشك ولو للحظة أن شقيقه سينفذ ما قاله. كان يعرفه جيدًا.
"ت-بًا!"
قبض لينوس على قميصه بإحكام.
وفي الوقت ذاته، عضّ شفتيه بقوة حتى بدأ شيء ما بالتساقط من فمه.
"أوخ."
سقط على ركبتيه، وضرب الأرض بقبضته.
طعج!
الألم ساعده على تشتيت تفكيره.
وللحظة قصيرة، أصبح ذهنه صافيًا.
طعج، طعج-!
جعلته تلك اللحظة يدرك أنه يستطيع الخروج من هذا الوضع. دون تفكير، بدأ يضرب الأرض بكل قوته.
"...فقط... دعني... أتجاوز هذا!"
شعر بأن يديه أصبحتا مبتلتين، واضطر إلى التوقف عدة مرات ليتذكر أن يتنفس. لكنه في النهاية، استطاع تصفية ذهنه.
تمكن لينوس من دفع الإحساس المتسلل الذي كان يسيطر على عقله.
وحين أصبح ذهنه صافيًا بدرجة كافية، توقف عن ضرب الأرض، وأجبر نفسه على الجلوس متقاطع الساقين مغلقًا عينيه.
بدأ يركز على تنفسه هناك.
"شهيق، زفير. شهيق، زفير."
لم يكن يعلم كم من الوقت مر، لكنه كان يعرف أنه لا يملك وقتًا طويلًا.
"شهيق، زفير..."
استمر.
"شهيق، زفير."
كان عليه أن يستمر.
لا يمكنه السماح لشقيقه بالانتصار.
لا يمكنه!؟
قبض لينوس على أسنانه. الغضب الذي كان مكبوتًا داخل صدره انفجر دفعة واحدة، مستبدلًا الخوف الصناعي الذي زرعه شقيقه بداخله.
عندها، فتحت عيناه فجأة، وفتح فمه ليصرخ على جوليان.
"لماذا تفعل-آه؟"
توقفت كلمات لينوس قبل أن تخرج.
فتح عينيه على اتساعهما، ونظر حوله ليدرك.
كان... وحده.
ساحة التدريب كانت فارغة تمامًا، وشقيقه قد اختفى.
لكن... ألم يكن هنا؟
"لحظة، كم الساعة؟"
أخرج ساعته الجيبية، وتفقد الوقت.
كانت: 8:47 صباحًا.
اتسعت عيناه فورًا ونهض مسرعًا من مكانه. رغم أنه لم يفهم لماذا رحل شقيقه، إلا أنه لم يملك وقتًا للتفكير في الأمر.
لقد تأخر عن الحصة!
ودون تفكير، اندفع خارج ساحة التدريب.
بينما كان يركض خارجًا، ظهرت هيئة في زاوية الغرفة، مستندة إلى الجدار. ألغى جوليان تعويذة "حجاب الخداع" وتثاءب.
"هُوام."
استغرق الأمر حوالي ثلاث ساعات وخمس عشرة دقيقة ليزيل لينوس تأثير السحر العاطفي. ورغم أن الوقت بدا طويلًا، إلا أن جوليان كان قاسيًا عليه.
كانت مثابرته تستحق التقدير.
"نعم، ليس سيئًا."
أطلق تثاؤبًا آخر، وأخرج ساعته الجيبية ليتفقد الوقت.
عندها، اتسعت عيناه فجأة، ووقف على قدميه بسرعة.
"تبًا!"
طوى أكمامه واندفع بدوره خارج ساحة التدريب.
لقد تأخر أيضًا!
***
"سيدي، نعتذر. لم نتمكن من العثور على مساعدتكم السابقة. أرسلنا عدة حُماة، لكن لم نجد أي أثر لها."
"...أفهم."
نظر إيفان إلى الشخصين المرتديين للزي الأبيض – المفتشين – وأومأ برأسه بخفة. وفي الوقت ذاته، تحركت يده بشكل لا إرادي لتفرك جبينه.
"لقد مرت أيام على اختفائها، وقد اختفت فجأة كما لو أنها تبخرت. هذا لا يبدو منطقيًا. لدي شعور أن هناك أمرًا أعمق. لا، لا يهم."
لوّح إيفان بيده.
"سأتولى الأمر بنفسي."
"لكن سيدي...!"
"فقط اذهبوا. أخبروا الآخرين أنني من سيتولى التحقيق. لا أحد يلمس رجالي دون إذني."
"...مفهوم."
رؤية الجدية في نبرة إيفان جعلت المفتشين يتبادلان النظرات قبل أن ينحنوا ويغادروا مكتبه.
طن!
الصمت الذي تلا مغادرتهم كان خانقًا.
ظل إيفان واقفًا، يحدق في الباب. ومن مكانه، كان يستطيع سماع خافت لوقع خطوات وهم يبتعدون عن منطقته. رنين غريب تردد في ذهنه وبدأ بصره يفقد التركيز.
وقف على هذا النحو لعدة دقائق حتى استعاد وعيه أخيرًا.
وعندما فعل، وجد راحتيه متعرقتين بشكل غريب.
"...يجب أن تنتهي الأمور هنا."
مرت أيام منذ "الحادثة"، وازداد نومه السيئ سوءًا. فعل ما بوسعه للتستر على أفعاله، لكن دائمًا كان هناك صوت مزعج في ذهنه يخبره بأنه أغفل شيئًا ما.
وأن...
أحدًا سيكتشفه قريبًا.
لكن لحسن حظه، لم يكتشفه أحد. جميع التحقيقات انتهت بلا نتيجة، ومع توليه المسؤولية الآن، يمكن القول إن الوضع قد تم احتواؤه تمامًا.
"هوه."
انهار على كرسيه، واتكأ عليه وهو يحدق في السقف.
كانت جفونه ثقيلة وشعر بنعاس غريب. أراد النوم، لكنه علم أنه لا يستطيع. مع كل ما حدث، أهمل الكثير من عمله.
تراكم عليه العمل، وكان يعلم أنه لا يستطيع تأجيله أكثر. فرك عينيه، وانحنى إلى الأمام ليمسك قلمه، لكن يده توقفت فجأة وتغير تعبير وجهه.
بم... طم! بم... طم!
نبض قلبه غير المنتظم دقّ بوضوح في ذهنه واهتزت عيناه.
تكونت كتلة في حلقه.
"لا، هذا غير ممكن..."
مع تنفسه الذي أصبح أثقل بوضوح، رمش إيفان عدة مرات. لكنه واجه صعوبة في ذلك، فقد ظهر صندوق على مكتبه.
كان صندوقًا مألوفًا.
...واحد يعرفه فورًا.
كيف لا؟
فهو نفس الصندوق الذي بدأ هذه الفوضى كلها.
"لا، هذا غير منطقي."
نهض إيفان وبدأ يهز رأسه، وراحتيه تزدادان عرقًا بينما ثبت نظره على الصندوق أمامه. ضم شفتيه بإحكام، وكان على وشك مدّ يده نحو الصندوق...
عندما امتدت يد رفيعة إلى كتفه، وهمس صوت في أذنه:
"تبدو متعبًا. لم لا تشرب شيئًا؟"