ررررررمبل-!
اهتزت الأرض بعنف، وتحطمت الأشجار.
"ووااااااه!"
صرخة شقت طريقها عبر الغابة، وأربعة أزواج من العيون — لم تكن عيونًا عادية، بل كرات يملأ النظر إليها أي شخص برهبة — تلألأت بالحياة في أعماق الظلام.
مثل منارتين في الليل، اخترقتا السواد، ووجهتا نظراتهما المشؤومة نحو خمسة أشخاص كانوا يركضون في الغابة بذعر.
"هاه... هاه... كم تبقّى من الوقت لنواصل الركض؟"
"نحن على وشك الوصول."
أجاب يعقوب، وهو يسترجع بسرعة تفاصيل المنطقة المحيطة.
"هاه... أنا... بدأت أشعر بالتعب."
"اصبر وواصل الجري. صوفيا وجيسيكا تبليان بلاءً حسنًا أكثر منك، لذا لا يوجد سبب يجعلك غير قادر على مجاراتهما."
"هاه... لكنني أحمل لينوس!"
"فقط توقف عن التذمر-"
ررررررمبل-!
تحطمت الأشجار العملاقة خلفهم إلى شظايا بينما اخترق عمود هائل الأرض بعنف، مطلقًا شظايا من التراب عاليًا في الهواء.
"آخ!"
"اركضوا أسرع!"
لو لم يكن عليه أن يتأخر ليصد الهجمات، لكان يعقوب قد وصل بالفعل إلى الموقع المحدد الذي حدده لينوس مسبقًا على خريطة المنطقة المحيطة.
لكن، ووفقًا للأوامر، كان عليهم جميعًا الحفاظ على نفس الوتيرة لعدة كيلومترات قبل الوصول إلى الموقع المحدد، ولهذا السبب كان لا يزال بجانبهم.
في حال حدث أي شيء، سيتمكن من مساعدتهم بسرعة باستخدام مهاراته.
"لا أصدق أنني أفعل هذا..."
أين بدأ كل شيء بالانهيار؟
كل ما تطلّب الأمر هو لكمة بسيطة على وجهه، وعدة كلمات باردة من لينوس، وقبل أن يدرك الأمر، كان الجميع يتبع أوامره.
لينوس الحالي كان مختلفًا.
لقد... كان يحمل هالة مشابهة لجوليان.
لا، بل للحظة، تداخلت صورتهما، وهذا ما دفعهم إلى القيام بذلك.
"آه، اللعنة...!"
يعقوب عضّ على أسنانه بانزعاج.
"جيسيكا، ساعدي في سحب صوفيا للأمام."
صدى صوت هادئ في الهواء.
"بمجرد أن تحصلي على صوفيا، اركضي بأقصى سرعة نحو النقطة المحددة. سأخبركِ بما تفعلينه بعد ذلك."
"حسنًا."
جيسيكا لم تشكك في الأمر على الإطلاق. التفتت لتنظر إلى صوفيا، التي نظرت إليها بدورها.
"أمسكي بيدي."
لكي تصلا إلى الموقع المقصود بسرعة، لم يكن أمام جيسيكا خيار سوى أخذ صوفيا معها، التي لم تكن سريعة بسبب كونها ساحرة.
كان الأمر مختلفًا بالنسبة لجيسيكا المتخصصة في السرعة.
"أمسكت بها، ما... هاه... التالي؟"
"باستثناءكما، على الجميع الحفاظ على نفس الوتيرة."
لينوس نظر باتجاه يعقوب.
"استخدم مهارة *عبق التفتح*، تلك المهارة التي استخدمتها من قبل لجذب انتباه الوحوش. استخدمها الآن حتى تتمكن صوفيا وجيسيكا من التقدم دون تدخل."
"تمسكي بي جيدًا يا صوفيا."
وبينما كانت صوفيا متشبثة بجسدها، لم تعد جيسيكا بحاجة لكبح سرعتها. شدّت عضلات ساقيها، وانطلقت للأمام بانفجار مذهل من السرعة.
وووووم-!
انطلقت كالسهم، تتنقل برشاقة بين الأشجار الكثيفة، متجنبة بسهولة كل واحدة منها في طريقها.
ولم يمر وقت طويل حتى وصلتا إلى أرض ضيقة ومسطحة تمامًا وخالية من الأشجار.
أخرجت جيسيكا جهاز التواصل بسرعة.
"لقد وصلنا، ماذا نفعل؟"
-لتقم صوفيا بإلقاء تعويذة جليدية بسيطة على الأرض. اتركي أثرًا صغيرًا متصلًا بالمركز.
"آه، تعويذة جليدية؟ أثر صغير يتصل بالمركز؟"
ورغم أنها لم تفهم التعليمات، إلا أن جيسيكا دفعت صوفيا بلطف، والتي رفعت عصاها استجابة.
في لحظة، انبعث ضوء بارد متوهج من العصا، مولدًا دائرة سحرية زرقاء صغيرة تحوم بجانبها. ومن داخل الدائرة، اندفعت شعاع أزرق اصطدم بالأرض، تاركًا خلفه أثرًا جليديًا.
أصبح الهواء من حولهما باردًا على الفور، وشحب وجه صوفيا بشكل واضح. ونظرًا للدقة التي تطلبها الأمر منها، ولكونها كانت مرهقة من القتال المتواصل، كان من الطبيعي أن تشعر بالضعف بعد إلقاء التعويذة.
"هل هذا كافٍ؟"
سألت جيسيكا بقلق، وهي تنظر إلى صوفيا بتوتر بينما كانت تُظهر الصورة للينوس عبر جهاز التواصل. بدا أن صوفيا لم تعد تحتمل أكثر.
—لا. المزيد. الأثر رقيق جدًا. اجعليها تُنشئ منحدرًا صغيرًا في المنتصف. بارتفاع نصف متر تقريبًا.
"ماذا...؟"
-اجعليه كثيفًا قدر الإمكان. يجب أن يتحمل صدمة قوية.
"أنا... حسنًا."
عضت جيسيكا على شفتيها، ودفعت صوفيا مجددًا بلطف، والتي أومأت برأسها وأشارت بعصاها نحو المنتصف.
"قد تفقد وعيها بهذا المعدل."
بدأ القلق يتسلل إلى جيسيكا بشأن حالة صوفيا، لكنها ابتلعت كلماتها حين رأت صوفيا ما تزال تطيع التعليمات بصمت.
حتى وإن لم تفهم سبب اتباعهم لأوامر لينوس، إلا أن صوته البارد والغير مبالٍ جعلهم غير قادرين على رفضه.
وباتباع التعليمات بدقة، بدأ منحدر بالتشكل تدريجيًا أمامهم. ومع اقترابهم من إكماله، بدأت الدائرة السحرية لصوفيا تتلاشى، مما أدى إلى ضعف التعويذة.
أصاب التوتر جيسيكا على الفور.
"صوفيا، يمكنكِ أن تتو-"
-لا تتوقفي. تابعي.
كانت كلمات لينوس تحمل برودة تبدو أشد من الجليد نفسه. وكأن حال صوفيا لا يعنيه، وأظهر لامبالاة كاملة تجاهها.
ومع ذلك، ومن جهة أخرى، شعرت جيسيكا بنوع من الطمأنينة من صوته، جعلها غير قادرة على معارضته.
ولحسن الحظ، استطاعت صوفيا الصمود، واكتمل المنحدر.
"ماذا بع-"
بوووم-!
"أوه، لا."
شحب وجه جيسيكا.
"لقد وصلوا."
رستلة-! رستلة-!
اهتزت الأدغال من حولهم، وظهر لينوس ويعقوب وريك على الفور. وتبعهم الوحش المسمّى بـ"الأم" الذي تقدم بأرجله الثمانية، تغرز كل خطوة منه في الأرض بقوة مرعبة.
"إنه يقترب! افعلوا شيئًا!"
صرخات ريك دوت في الغابة، وفور أن خطا في الساحة، كاد أن ينزلق على الجليد.
"هويك- لماذا هناك جليد!؟"
"هناك أثر غير ملامَس، اتبعه!"
صرخت جيسيكا، مشيرة إلى الأثر غير المتجمد الذي قاد إلى المنحدر الجليدي في المنتصف.
"آه، فهمت!"
كان ريك على وشك القفز حين انطلق صوت عبر أجهزة التواصل الخاصة بالجميع.
-لا. الأثر فقط ليعقوب. اركضا على جانبي الساحة المسطحة. واحد على اليسار والآخر على اليمين. ابحثوا عن وجه مبتسم باللون الأحمر على جسد "الأم". هذا هو موضع ضعفها.
"هاه؟"
-نفذوا.
"...حسنًا."
بدت وكأنها أرادت قول الكثير، لكن جيسيكا أطاعت الأوامر، وكذلك ريك.
"ما هذا بحق الجحيم؟ كأنني أُختار كأضحية؟ فقط انتظر عندما أخرج من هذا... سأجعلك تدفع الثمن."
أما يعقوب، فبدا مترددًا، لكنه بعد أن تمتم ببضع شتائم تحت أنفاسه، اندفع نحو الأثر الذي قاد إلى المنحدر.
وبينما كان يتخذ موقعه هناك، سأل:
"ماذا أفعل الآن؟"
-استفز الوحش.
"هاه...؟"
اتسعت عينا يعقوب وهو يلتفت نحو "الأم" التي كانت على بعد بضعة أمتار منه.
"هل فقدت عقلك؟ تطلب مني أن أموت؟ اللعنة، كنت أعلم أنني لا يجب أن أثق بك. أنا..."
-افعلها.
"اللعنة. اللعنة اللعينة!"
قبض يعقوب على أسنانه. زال عنه هدوءه المعتاد، وتطايرت الشتائم من فمه. والأسوأ من كل ذلك، أنه لم يتمكن من معارضة صوت لينوس، وغطّى ضباب وردي المكان فجأة.
*رائحة الدم* - مهارته الفطرية التي تسمح له بجذب أي وحش بمجرد أن يشتم رائحته.
"هيييييك!"
صرخة "الأم" الغاضبة دوّت في الغابة، وركزت عينيها على يعقوب، الذي رفع يده وأشار إليها بالقدوم.
"تعالي."
"هييييك!"
وكأنها فهمت إشارته، اندفعت نحوه بسرعة مخيفة.
رررررررمبل-! رررررررمبل-!
اهتزت الأرض تحت خطواتها، ورفع يعقوب درعه للأمام. وفي الوقت نفسه، لم ينسَ أن يصرخ في جهاز التواصل.
"أيها المجنون! لا أعلم ما تخطط له، لكن إن هجمت عليّ بهذه الطريقة، سأموت!"
-اركع على ركبتيك.
"ما ال-"
-اركع وضع درعك على كتفك الأيسر. ميّله قليلًا وامتص جزءًا من قوة الرجل. تأكد من أنك توجه الضربة نحو المنحدر. كل شيء يعتمد على مدى قدرتك على امتصاص الضربة.
"آه...؟"
اتسعت عينا يعقوب. لكنه لم يحصل على وقت كافٍ ليفكر، فقد كانت "الأم" قد وصلت بالفعل. أو بالأحرى، رجلها التي اندفعت نحوه مباشرة. تَحرّك بغريزته، وركع بسرعة، ممتثلًا للأوامر. وضع درعه بجانب المنحدر وشدّ عضلاته رافعًا الدرع قليلًا.
في تلك اللحظة الدقيقة، اصطدمت رجل "الأم" بقوة بدرعه، منتجة صوتًا معدنيًا مدويًا في الغابة المحيطة.
كلانك-!
تطايرت الشرارات في الهواء.
"آخ! اللعن-"
-أعد توجيهها.
"أتظن أنني لا أحاول؟!" أراد يعقوب أن يصرخ بتلك الكلمات، لكن طعمًا حلوًا في حلقه منعه، فاختنق صوته ولم يستطع نطقها.
كانت قوة الضربة هائلة، تجاوزت حدوده. ومع ذلك، صمد، مدركًا أن مهمته كانت امتصاص الضربة وتوجيهها.
وحين وصل إلى حد الانهيار، مال بالدرع قليلًا، مما جعل رجل "الأم" تنزلق نحو المنحدر الجليدي.
"آخ!"
سالت خيوط من الدم من فمه، لكنه حشد كل قواه، ووجه رجل "الأم" نحو المنحدر الزلق.
ويييييينغ-!
تحمل المنحدر القوة الهائلة، وانزلقت الرجل على سطحه، حتى بعد نهاية الانحدار، محتفظة بزخمها.
وبما أن يعقوب امتص معظم القوة، لم يتحطم المنحدر ولا الجليد تحته، وانزلقت الرجل، مما أفقد "الأم" توازنها.
حاولت الأرجل الأخرى التشبث بالأرض لتوقيف الانزلاق.
"هياااااااك!"
لكن الزخم كان أكثر من اللازم. انزلقت "الأم"، وانطلق صوت هادئ عبر أجهزة التواصل.
-جيسيكا. هذه فرصتك. استهدفي مفاصل الرجل.
"حسناً."
لم تكن بحاجة لأن تُخبَر بما يجب أن تفعله. ما إن رأت يعقوب يُنزلق بالرجل نحو المنحدر، حتى فهمت كل شيء، واندفع جسدها نحو الرجل.
كرك...كراك!
مع كل خطوة منها، تشقق الجليد تحت قدميها، ووصلت إلى الرجل في لمح البصر.
بانغ-!
اندفعت جيسيكا بجسدها للأمام، وغرزت خنجرَيها في رجل "الأم". وفي حركة انسيابية سريعة، قطعت جزءًا من الرجل، وفصلتها عن الوحش.
"هياااااااك!"
استجابةً للألم، أطلقت "الأم" صرخة هستيرية، وتحرّكت بجنون.
وفي محاولة يائسة لاستعادة التوازن، مدت يدها نحو الرجل المقطوعة لتستخدمها كدعم، لكنها زادت الطين بلة، فاختل توازنها أكثر، وواصلت الانزلاق بشكل غير متحكم به على الجليد.
-وجدت الوجه المبتسم.
صوت لينوس دوّى عبر أجهزة التواصل.
-إنه على الكيس. في الأسفل تمامًا.
-حسنًا. أنتما، تسللا نحوه. عندما أقول، هاجماه. يعقوب، هل لا زلت هناك؟
-آغ... بالكاد.
-اتخذ وضعيتك.
-ماذا؟ مجنون! هل... كح... ستجعلني أتحمل ضربة أخرى؟ إن كنت كذلك، فاحلم! لن أستطيع تحمل المزيد... كح.
-هل لديك طاقة كافية لرمي درعك؟
-ذاك؟ أعتقد... نعم.
-حسنًا. استعد.
-أين أرميه؟
-جيسيكا. الرجل التالية. نفس الجانب. هاجميها الآن.
-أوي...! لم تجبني بعد!
"حاضر."
كانت جيسيكا قد بدأت بالفعل قبل أن يُطلب منها ذلك. لم يتم اختيارها في "هايفن" عبثًا. قدراتها كانت لا يُستهان بها.
اندفعت جيسيكا للأمام، موجهةً نفسها نحو رجل "الأم".
بانغ-!
لم تكد تترك الأرض، حتى دوى صوت هادئ في أذنها.
-يعقوب، ارْمِ درعك على جيسيكا. ريك، هاجم.
هاه؟
ترك الأمر جيسيكا مذهولة. ولم تكن الوحيدة، لكن لم يكن هناك وقت للتفكير، فقد انحنى جسد "الأم" فجأة. وهنا، شعرت جيسيكا بالخطر.
كانت المغزل موجهة نحوها مباشرة، ورأت خيطًا أبيض فضي يتجه نحوها بسرعة مرعبة.
أوه، اللعنة!
حدث كل شيء بسرعة، ولم يكن لديها الوقت لتفكر، لكنها فهمت شيئًا واحدًا. لو أصابها ذلك الخيط، لَماتت. ولزيادة الطين بلة، كانت في منتصف الهواء ولا تستطيع التوقف.
اندفع شيء مظلم في الهواء، موجهًا نحوها. يلمع بوميض تحت ضوء القمر، ويقترب أكثر وأكثر.
لم تشعر جيسيكا من قبل بهذا القرب من الموت، وقبل أن يضربها الخيط، اصطدم شيء بجانب جسدها.
بانغ-!
"أوغخ!"
تأوهت جيسيكا بينما شعرت بجسدها يلتف في الهواء.
بوووم-!
اصطدمت بجسدها بأحد الأشجار، وسمعت صوت تكسّر عظامها. ومع ذلك، بقيت تنظر للأمام، ورأت خطًا رفيعًا وطويلاً من الحرير. اخترق كل ما في طريقه.
ابتلعت ريقها بخوف وهي تحدق في الخيط. لو أصابها، لكانت قد ماتت دون شك.
"واااااااه!"
جذب صراخٌ انتباهها، وعندما أدارت رأسها، اتسعت عيناها وهي ترى ريك، الذي كان صامتًا طوال الوقت، يطعن مباشرة في بطن "الأم".
تدفقت مادة خضراء من جسد "الأم" وهي تتحرك بجنون، مرسلة ريك طائرًا بعيدًا.
عندها فقط أدركت جيسيكا ما حدث، وابتسمت بمرارة.
"إذًا... كنت أنا الطُعم."
نعم، كان منطقيًا. كانت هي من ألحقت الضرر الأكبر بالرجل، ولهذا أصبحت الخطر الأكبر بنظر "الأم".
كان من الطبيعي أن تُستهدف.
ررررررمبل-! ررررررمبل-!
استمرت "الأم" في هيجانها، مدمرة كل شيء حولها.
اقتُلعت الأشجار، تمزقت الأرض، وتحطمت الصخور إلى شظايا.
لكن، توقف كل شيء فجأة بصوت "دَفّة" مدوٍ، وانغمر المكان في صمت مخيف.
وفي ظل هذا السكون المزعج، ازدادت حواس جيسيكا، وشعرت بفمها يجف.
فتحت شفتيها ببطء، وقلبها لا يزال ينبض بجنون.
"هل... فعلناها؟"