"...أوه؟"
كليك، كلاك!
رنّ وقع كعبيها بلطف، يقطع الصمت المخيف بخطى خفيفة، بينما بدأت ملامحها تظهر من ظل خافت ألقاه الشجر الشاهق فوقها. من شعرها البني الناعم إلى عينيها المطابقتين، كانت تشبهني بشكل مذهل.
لكن، إن كان هناك شيء واحد يميزها، فهو الابتسامة التي تزين شفتيها.
كانت تحمل في طياتها مزيجاً من الدهشة والسخرية في آنٍ واحد.
"أتعرفني؟"
"...لم يُخبَرني أحد من قبل أن لي أختاً. المنطق يقول إنك والدتي."
"هاهاها."
وضعت يدها على فمها وضحكت بلطف.
ضحكتها كانت نقية وعذبة، تتردد بهدوء في الأرجاء. كانت مريحة للأذن، ومع ذلك، عندما سمعتها، شعرت بوخز في مؤخرة رأسي.
"هناك شيء غير طبيعي بشأن هذه المرأة."
لم أكن أعرف عنها شيئاً.
ليون لم يخبرني بشيء عنها سوى أنها "ميتة"، لكنها بوضوح لم تكن كذلك.
بهذا المعنى، لم يكن هناك سوى احتمالين يفسران الموقف الحالي.
إما أنها لم تكن ميتة فعلاً، أو أن ما أراه مجرد وهم.
"كنت أود أن أعتقد أنه وهم، لكن..."
نظرت حولي، أحدق في الأوراق المتمايلة برفق، ولعقت شفتيّ الجافتين.
"...هذا ليس وهماً."
"انظر إليك."
شيء بارد لمس أسفل ذقني، رافعاً إياه قليلاً.
كدت أتوقف عن التنفس في تلك اللحظة.
متى اقتربت...؟!
"لقد مضى وقت طويل منذ آخر مرة رأيتك فيها. لقد كبرت كثيراً. أنت..."
توقفت، واقتربت بوجهها نحوي بينما كانت تتفحص ملامحي بعناية.
"...تشبه والدك تماماً."
عيناها البنيتان العميقتان تحوّلتا فجأة إلى جوفاء عند ذكر "والدي". رأيت تصرفها يتغير للحظة، وكأن شخصية جديدة ظهرت فجأة. لم أستطع سوى التحديق فيها وأنا أكتم أنفاسي.
رغم أنني لم أستطع تحديد مدى قوتها، إلا أنني شعرت بضغط غير مرئي يغلفني بالكامل.
"ليس فقط المظهر، بل حتى السلوك. أنت هادئ جداً رغم الموقف الذي تمر به."
"...أهكذا ترين؟"
كنت هادئاً بالفعل.
لكن ليس لأنني لم أكن خائفاً أو شيء من هذا القبيل.
بلعت ريقي، وأرغمت نفسي على ابتسامة باهتة، ونظرت حولي.
"تستضيفين حفلة مهيبة هنا. هل تمانعين أن تخبريني ما الذي تخططين له؟"
تحدق في وجهي بصمت، وفجأة ابتسمت "أمي".
كانت ابتسامتها عريضة، شبه ساحرة، بينما تركت ذقني وتراجعت إلى الخلف.
"إذاً، ليس فقط أنك تشبه والدك وسلوكك يشبهه، بل حتى دهاؤك لا يختلف كثيراً."
"ماذا تعنيـ ـ"
"أتظن أنني لا أعلم ما الذي تحاول فعله؟"
نظرت إليّ مباشرة، وعيناها البنيتان اخترقتا داخلي. شعرت فجأة بالعجز، إذ ظهرت عدة جذوع إضافية من العدم، تقبض على جسدي وتسحبني أكثر نحو الشجرة.
وقبل أن أتمكن من الرد، استدارت فجأة ووضعت يدها مباشرة على صدر ليون.
نن
بانغ-!
جسده طار بسرعة، وتحطم بعيداً.
"أوهخ!"
خرج أنين ألم من فمه، وانهار ليون على الأرض مستنداً على يديه وركبتيه، وصدره يرتفع ويهبط بسرعة.
ثم، نظرت والدتي إليّ، وكانت ابتسامتها تحمل برودة تسللت إلى داخلي.
"أتظن أنني لا أرى حيلك؟"
"....."
غاص قلبي بينما نظرت ببطء نحو ليون الذي كان يترنح.
".....كان يجدر بك أن تكون أكثر خفية في تصرفاتك. أتظن أنني لا أستطيع التفريق بين من هو تحت سيطرتي ومن يتظاهر بذلك فقط؟"
كليك، كلاك-
بدأت تمشي ببطء نحو ليون، ثم انحنت ورفعت رأسه برفق.
"رغم أن ظهورك لم يكن ضمن حساباتي، إلا أنه سهل عليّ الأمور. لم أكن لأتوقع أبداً أنك ستقوم بنفسك بتحطيم الجدار الشمالي، لكنك قمت بعمل جيد."
صفعت وجه ليون عدة مرات.
"من المؤسف أنك برزت أكثر من اللازم. على أي حال..."
سكوولش سكوولش\~
مع طقطقة حادة بأصابعها، اهتزت الأرض بينما بدأت الجذور تتلوى نحو الأعلى مثل الأفاعي.
كانت تتلوى وتلتف حول ليون، قبضتها تشتد بينما ثبتت أطرافه. وفي حركة سريعة، رفعت الجذور جسده في الهواء، معلقة إياه بشكل صليب.
كان صوت الخشب المتأوه واللحم المشدود يملأ المكان بينما التوى وجه ليون من الألم.
"أوخ...!"
كان مشهداً جعل معدتي تنقلب، وسرعان ما تحول انتباهها إليّ.
"ابني."
قالت برقة، صوتها ملأ أذنيّ بإحساس غريب من الجاذبية جعل ذهني يغرق في الخمول.
"......لقد مر وقت طويل منذ أن اجتمعنا آخر مرة. ما رأيك أن نخوض لقاءً جميلاً؟ بما أنك من دمي، لن أستخدمك كسماد للشجرة. بل، سأدعك ترى المشهد الذي أود بناءه."
كلما تكلمت، ازداد ذهني فراغاً.
كان صوتها ناعماً للغاية، وعقلي بدأ يدق ناقوس الخطر مع كل كلمة تنطق بها.
"هناك شيء خاطئ..."
كنت أعلم ذلك.
عقلي أدرك.
...وكل جزء مني تقريباً أدرك.
ومع ذلك...
"للأسف، لن تتمكن إلا من رؤية النتيجة النهائية، لكنني متأكدة أنك ستتفهم بمجرد رؤيتها. سترى أنني لست مجنونة، وبحلول ذلك الحين سأتمكن من تعويض كل الإهمال الذي سببته لك."
لم أستطع فعل شيء ضد صوتها.
كلما تكلمت، غرقت أعمق.
كنت أرغب في سد أذنيّ ومنعها من اقتحام عقلي، لكنني كنت أعلم أن ذلك عبثي. بالنسبة لشخص قادر على التحكم في هذا العدد من الوحوش دفعة واحدة، لم يكن هناك سبيل سهل للهرب من سيطرتها.
لحسن الحظ، كان عقلي قوياً.
كلماتها كانت ناعمة، عذبة، ومريحة للأذن، لكن عقلي كان قوياً بما يكفي ليرى من خلالها.
قمت بعض شفتيّ بقوة، وقاومت سيطرتها.
"همم."
بالطبع، سرعان ما لاحظت مقاومتي، وقطبت حاجبيها. ازداد صوتها نعومة وجاذبية من تلك اللحظة.
دق! دق!
مثل مطرقة قوية، كانت تحاول تحطيم جدار المقاومة الذي بنيته لتجنب سيطرتها، لكنه لم يكن سهلاً.
دق-!
كلما قاومت أكثر، ازدادت ضرباتها قوة.
عقلي بدأ يهتز، وشعرت بصداع هائل يقترب. ومع ذلك، كنت أعلم أنني يجب أن أقاوم.
لم أستطع السماح لها بالتحكم في عقلي.
خاصة وأنها لا تعرف بعد أنني لست ابنها الحقيقي. في اللحظة التي تسيطر فيها، كنت متأكدًا تقريبًا أنها ستطلق سراح الحقيقي وتحبسني.
دق، دق-!
استمرت الضربات، وبدأ وجهي يفقد الإحساس.
كانت تكسب المعركة، ومقاومتي بدأت تضعف بسرعة. شعرت بجسدي يفقد طاقته، وكأن الدم يُسحب مني.
لاحظت التغيرات، فارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة.
"لقد كبرت كثيراً. أكثر مما توقعت. يبدو أن ألدريك لم يكن مهملاً في تربيته. من المفرح أن أرى ذلك."
كانت تتحدث وكأن النصر بات وشيكاً.
وكأن كل شيء تحت سيطرتها.
"هاها."
لكنه لم يكن كذلك.
"تضحك؟"
رفعت رأسي لأنظر إليها، وكانت عيني اليسرى ترتعش من شدة الألم.
سكوولش!
ظهرت جذور فجأة من خلفي، تلتف حول جسدي وتسحبني إلى الخلف.
"هم؟"
سكوولش، سكوولش\~
ظهرت عدة جذور أخرى من خلفي، تطبق على جسدي وتسحبني أعمق إلى الداخل. تغيرت ملامح والدتي بينما تمتمت "ما الذي يحدث؟" وهي تعقد حاجبيها.
لكنه كان عديم الفائدة.
نظرت باتجاه ليون، فرأيته يحدق بي بنظرات غاضبة.
"...من البداية، لم يكن من المفترض أن يكون ليون جاسوساً."
كيف له أن يكون جاسوساً؟
ما الذي كان سيتمكن من فعله بقوته؟
كان يمكنه بالكاد أن يحاول طعنها من الخلف، لكن بالنظر لقوتها، كيف لها أن تقع في حيلة كهذه؟
كنت أعلم أنه لا يمكنها أن تنخدع بهذه السهولة.
ومع ذلك، كلما بدت الحيلة أوضح، ازداد احتمال تجاهلها للأمر لرغبتها في كشفها.
المشكلة الوحيدة في منطقها... أنني كنت أريدها أن تتصرف بهذه الطريقة.
كان لدي هدف واحد فقط منذ البداية.
سكوولش! سكوولش\~!
...وذلك الهدف لم يكن سوى إيصال "أول-مايتي" إلى جسده الحقيقي.
فقط حينها سيتمكن "أول-مايتي" من استعادة السيطرة عليه.
لأول مرة، كانت الرؤى ذات فائدة. كنت أعلم أن سيناريو كهذا من المحتمل أن يحدث، ولهذا السبب شرحت الرؤية لـ "أول-مايتي".
ومنذ تلك اللحظة، رغم أنني فقدت الاتصال به، كنت أعلم أنه سيتصرف كما اتفقنا.
"ما الذي يحدث؟"
رأيت وجه والدتي يتغير بينما يتبدل مجرى الأحداث. لم تعد تصرفاتها ناعمة، وبدأ وجهها يتلوى.
رأيت جانباً مختلفاً منها.
جانباً مخيفاً وبارداً جعل جسدي كله يرتعش.
"ما الذي تظن أنك تفعله؟"
تقدمت خطوة، ورفعت يدها محاولة إيقافي، لكن الأوان كان قد فات.
سكوولش\~
سحبتني الجذور أعمق إلى داخل الشجرة، وقبل أن تصل يدها إليّ، بدأت رؤيتي تظلم.
"هاا...!"
اجتاحتني موجة من البرودة المفاجئة، تخللت كل شبر من جسدي. كانت برودة شديدة، قاتلة، وكأنني أطوف في فراغ الفضاء.
...برد ذهني وكدت أفقد إحساسي بالزمن في هذه الحالة الغريبة.
لكن الإحساس لم يدم طويلاً.
رستلة\~ رستلة\~
سرعان ما غمرت الرؤية باللون الأحمر، ووطأت قدماي شيئاً صلباً.
وحين استعدت توازني، كانت هناك شجرة ضخمة تلوح فوقي، تحدق بي مباشرة.
وبجانبها، كان يقف بومة صغيرة.
ابتسمت عند رؤيتها وكنت على وشك أن أتحدث حين دوى صوت "أول-مايتي" في أذني، بنبرة أسرع مما توقعت.
"لا تنظر."
"هاه؟"
توقفت، رمشت بعيني.
البرودة التي ظننت أنها اختفت عادت فجأة، وبدأت الجذور تتسلق من حولي.
قبل أن أتمكن من الفهم، تكلم "أول-مايتي" مجدداً.
"...إن نظرت، تموت."
عندها فهمت. "أول-مايتي"...
حدث خطب ما أثناء اندماجه مع جسده الحقيقي.
وانقبض قلبي.