بالرغم من أنني لم أفهم، فقد أنزلت رأسي مباشرةً عند سماعي لصوت "أول-مايتي".
"إن نظرت، تموت."
تدفقت العرق من وجهي بينما كنت أحدق في الأرض تحتي. عندها لاحظت الأوراق الحمراء الكثيرة المنتشرة من حولي، لونها الأحمر القاتم يغطي الأرضية كلها بحجاب من الدم.
نبضة!
مجرد رؤيتها جعل قلبي ينبض بقوة، فأغلقت عيني بسرعة.
"لا تنظر."
تردد صوت "أول-مايتي" في ذهني.
'ما الذي يحدث بحق السماء؟'
كان الوضع خانقاً، ولم أكن أعرف كيف أتصرف. ومع ذلك، ورغم كل شيء، بقيت هادئاً.
وكان ذلك كافياً لأستعيد صوتي.
"...ما الذي يحدث؟"
رغم أنني لم أكن أرى، إلا أن هذا لا يعني أنني لا أستطيع التحدث.
"لم أتمكن من الاندماج الكامل مجدداً مع جسدي الرئيسي."
"كنت أتوقع ذلك."
وإلا لما وجدت نفسي في هذا الوضع.
"...وماذا بعد؟ هل هناك طريقة لتندمج مجدداً مع جسدك الرئيسي؟"
"لا أعلم."
"ماذا؟"
أذهلتني هذه المعلومة.
كيف لا يستطيع "أول-مايتي" استعادة السيطرة على جسده؟ أليس هذا جسده؟ لماذا لا يستطيع ذلك؟
"هل تقول إن سيطرتها على جسدك الحقيقي أقوى مما كنت تعتقد ولا يمكنك اختراقها؟"
"نعم."
إجابة واضحة ومؤكدة.
"هوو."
أخذت نفساً عميقاً، مجبراً نفسي على التماسك أكثر.
"في هذه الحالة، ما الذي تحتاجه لاختراقها؟ هل هناك طريقة يمكنني مساعدتك بها؟"
لم يكن لديّ خيار حقيقي في هذه الحالة.
إذا لم يتمكن "أول-مايتي" من استعادة السيطرة على جسده، فسيكون مصيري محتوماً.
"نعم، يمكنك فعل شيء."
"...حسناً، أخبرني."
"قم بالمماطلة."
"هاه؟"
كدت أن أفتح عيني.
ما الذي قاله للتو...؟
"قم بالمماطلة بينما أحاول استعادة السيطرة."
"هذا..."
"...تأكد من إبقاء عينيك مغلقتين طوال الوقت. إن نظرت، ستموت."
"انتظر-!"
"أنا راحل."
وهكذا، تركني "أول-مايتي" أعتمد على نفسي. بالكاد فهمت ما كان يجري قبل أن أسمع فجأة صوت "تشقق" مألوف خلفي، فتجمدت أفكاري.
فوووش-!
بتحرك غريزي، حركت جسدي إلى الجانب عندما سمعت خشخشة خفيفة قادمة من خلفي.
ولكنني كنت متأخراً قليلاً في حركتي.
"آخ!"
اشتعل ألم حاد في جانبي، وشعرت بجرح يمزق جسدي. سارعت لتغطية جانبي الأيمن وشعرت بيدي تبتل، فعضضت على أسناني بقوة.
"هذا سيء."
دون القدرة على الرؤية، بالكاد كنت أستطيع تحديد مصدر الهجمات.
كنت ألتقط بعض الأدلة من الأصوات من حولي، لكنها بالكاد كانت تكفي.
فوووش!
أدرت رأسي نحو اليمين، واحترق جانب خدي.
لكن لم يكن لدي الوقت للتفكير في الألم، فقد سمعت خشخشة خفيفة من الجهة اليمنى.
وكان ذلك عندما هممت بالحركة، حين همس صوت في أذني.
"توقف، أنت تتحرك كثيراً نحو اليمين."
"آه."
غرست قدمي بالأرض، وشيء ما مرّ على طرف أنفي. سال العرق البارد على ظهري وارتجف جسدي بالكامل—لقد نجوت بالكاد من ضربة. لو لم أستمع إلى "بيبل"، لكان...
"لا تتراخَ. هناك عدة هجمات قادمة من اليمين واليسار."
"اللعنة...!"
شعرت بانقباض وجهي بوضوح عند سماعي لهذا.
ما هذا الوضع المجنون؟
"إنهم قادمون."
فوووش، فوووش-
لكن لم يكن لدي الكثير من الخيارات.
أرهفت سمعي، وباتباع صوت "بيبل"، لويت جسدي بطريقة لم أفعلها من قبل وتجنبت بصعوبة الهجمات القادمة.
طمب!
سقطت للخلف، ثم سارعت للنهوض مجدداً.
ثم تغير نبرة صوت "بيبل" وأصبحت جادة.
"...استخدم خطوة الكبح."
لم أتردد؛ فقط تصرفت. خطوت للأمام، وشعرت بالطاقة السحرية تستنزف بسرعة من جسدي. تلا ذلك سلسلة من "الطمب" عندما سقطت الجذور على الأرض.
لكن بدلاً من الشعور بالارتياح، هبط قلبي.
'كم عددهم؟'
نبرة "بيبل" أصبحت مفهومة أكثر.
لكن...
"لا يمكنني الاستمرار بهذا الشكل."
من دون الرؤية، لم أعد أستطيع الاعتماد على أذني و"بيبل" ليخبراني بما يحدث. فهما غير موثوقين بما فيه الكفاية.
كان يجب أن أفكر في شيء آخر.
طريقة أفضل للتعامل مع هذا.
"آه."
خطر ببالي شيء آنذاك.
ماذا لو...؟
"استخدم المهارة مجدداً، أيها البشري. إنهم قادمون من كل الجهات. سيكون من الأفضـ-"
طقطقة-!
بفرقعة من أصابعي، تحرك شيء أسفل مني، ثم بدأ في الانتشار ببطء. استنزفت الطاقة السحرية أكثر، لكنها كانت لا تزال تحت السيطرة عندما...
اتسع نطاق رؤيتي فجأة.
"أستطيع رؤيتها."
فوووش!
وخز أذني اليمنى، وتكونت عدة صور في ذهني.
...منذ تلك اللحظة أصبح كل شيء سهلاً.
مددت يدي للأمام، وانطلقت خيوط في عدة اتجاهات، مستهدفة الجذور القادمة.
سيو، سيو!
بدقة متناهية، أصابت الخيوط الجذور مباشرة، قاطعة إياها. تنفست بارتياح عند "رؤية" ذلك واسترخت عضلاتي.
"كان علي التفكير بهذا منذ البداية."
رغم أنني لا أزال غير قادر على الرؤية، فإن مجالي سمح لي بإدراك كل شيء يدخل فيه.
وباستخدام تلك المعلومات، تمكنت من تشكيل صور داخل ذهني تحاكي تماماً ما يحدث حولي. أصبح كل شيء سهلاً من تلك اللحظة.
فوووش!
لم تكن الجذور سريعة جداً ولا بطيئة جداً.
أصبحت قادراً على تفاديها بسهولة الآن بعد أن استطعت تصورها. كما أدركت أن هذه لم تكن سوى لمحة بسيطة من قوة جسد "أول-مايتي" الحقيقي. من المحتمل أنه منشغل للغاية في قتال "أول-مايتي" الذي يحاول استعادة السيطرة على جسده، مما يمنعه من التركيز الكامل عليّ.
استغليت هذا وأطلقت يدي في الهواء، مشكلة عدة عشرات من الخيوط التي انطلقت في كل اتجاه لتشكيل شبكة صغيرة تحميني من الجذور.
فور اقتراب أي جذر، كانت الخيوط تقطعه مباشرة.
"هاه."
بملامح مرتاحة، قررت أخيراً فتح عيني.
"آخ."
خفق رأسي فور فعل ذلك، وظهر الخط الخارجي لشجرة ليست بعيدة عن مكاني، لكنني تمكنت من البقاء واعياً بفضل سيطرة مجالي عليها.
"...يبدو أننا في أمان الآن."
نظرت إلى "بيبل" أسفل مني، وكان جسده يمتزج بلطف مع الظلام الذي يحيط بنا.
لو لم تكن عيناه، لربما فقدت أثره.
"لم ينتهِ الأمر بعد."
"ماذا...؟"
رفعت رأسي بسرعة ونظرت إلى ظل الشجرة في البعد.
من النظرة الأولى، بدا كل شيء طبيعياً. الأوراق تهتز برفق في الهواء بينما بقيت الشجرة متجذرة في مكانها.
ما الذي يمكن أن يكو—
"لا يوجد ضمان أن تلك الشجرة الغبية ستتمكن من استعادة جسدها. لا..."
ضيقت "بيبل" عينيها.
"...بل هي تخسر بالفعل."
"ماذا؟"
نظرت إلى "بيبل" بسرعة.
"هل تحكمها قوي إلى هذا الحد؟"
"لا."
"إذاً..."
"الجسد يرفض ذلك الأحمق "أول"."
"هل هذا ممكن؟"
"نعم."
أدارت "بيبل" رأسها لتنظر إلي.
"...وكل هذا بسببك."
"بسببي؟"
نظرت إلى القطة باندهاش. كيف يمكن أن يكون خطئي؟ لا أذكر أنني فعلت أي شيء لجسده قد ي—
"بشكل أدق، إنه بسبب دمك."
"انتظر..."
خطر ببالي شيء فجأة.
"هل تتحدث عن الدم الذي شربته؟ دم أوراكلوس؟"
"نعم."
أومأ "بيبل" برأسه، وسار ببطء نحو ظل الشجرة.
"أيًا كان مصدر هذا الدم، سواء كان من نسخة سابقة منك أو من شخص آخر، فقد اندمج بسلاسة في جسدك."
"يشمل ذلك عظامك."
بدأ كل شيء يتضح فجأة.
"ذلك الأحمق "أول" وأنا أصبحنا الآن جزءاً من تلك العظام. نحن نعيش داخلها، والكيان الذي كان ينتمي إليه ذلك الدم كان قوياً بشكل هائل—قوياً بما يكفي ليسحقنا ويدمج العظام تماماً مع جسدك."
"آه."
"مع مغادرة ذلك الأحمق جسده الرئيسي، لم يعد قادراً على التفكير الإدراكي بمستوى عالٍ. لحظة مغادرته، أصبح جسده مجرد وعاء ينتظر عودة 'العقل'. ومع ذلك، فقد تلوث عقله." نظر "بيبل" إلي مباشرة.
"جسده لم يعد قادراً على التعرف عليه. ومع السيطرة الإضافية التي فرضتها المرأة التي أنجبتك، فإن "أول" يكافح الآن لاستعادة جسده. في الواقع، الوضع يبدو مظلماً جداً."
خشخشة\~
فور أن اختفى صوت "بيبل"، تردد صوت خشخشة في الأجواء. رفعت رأسي، وبدأ وجهي بالتجمد. ظهرت قطرة حمراء باهتة في عالم الظلام الذي يُشكله مجالي. في البداية، شعرت بالحيرة. لكن سرعان ما بدأ اللون الأحمر ينتشر، كالحبر المتدفق من قلم.
بدأت الأوراق تتوسع، وبدأ قلبي ينبض بقوة. وأثناء مراقبتي لتوسع اللون الأحمر، شعرت بشيء يغزو ذهني. دقت أجراس الإنذار في رأسي، تحذرني من إغلاق عيني والابتعاد، لكن...
"لا أستطيع."
لرعبي، عينيّ لم تغلقا.
رفضتا الإغلاق.
كل ما استطعت فعله هو التحديق الفارغ في الأوراق المعلقة في الهواء، وهي تكشف ببطء عن الجسد الحقيقي للشجرة.
"هاه..."
خرج أنفاسي من جسدي.
كنت أريد أن أستدير، لكن قبل أن أدرك، ظهرت الجذور حولي، ممسكة بساقيّ وذراعي.
"متى حدث هذا...!؟"
تشقق، تشقق\~
بدأ عقلي يتقلب فجأة.
غير قادر على تحويل نظري عن الشجرة، شعرت بكل شيء حولي يزداد ضبابية، فيما بدأت الأصوات والأفكار تختفي.
كنت لا أزال هادئاً.
لكن ما فائدة الهدوء في هذا الوضع؟
كنت أبدأ بفقدان عقلي.
أفكاري بدأت تتلاشى. لم أعد أستطيع التفكير.
أنا هادئ.
أنا...
"استفق!"
"هاه؟!"
أيقظني من كل هذا صوت عالٍ، شعرت بجسدي يُدفع إلى الجانب. ما الذي...؟ وعندما استعادت حواسي، كانت هناك عينان رماديتان تحدقان بي.
"ليون؟"
رمشت مرة أخرى لأتأكد أنني لا أتوهم، وسرعان ما بدأت أفهم ما حدث. "أنت..."
"أنا... هااه.. ماذا؟"
كان تنفسه ثقيلاً ويبدو مرهقاً تماماً.
"...تبدو فظيعاً."
"ما كان عليّ إنقاذك."
ابتسمت حينها.
"لقد تأخرت."
"...نعم."
أخذ "ليون" نفساً آخر، ولوح بسيفه للأسفل، قاطعاً الجذور التي كانت تغلف جسدي بالكامل.
"كنت عالقاً في نفس المكان مثلك. لو لم تكن قد كشفت موقعك باستخدام مجالك، لكان من الصعب عليّ العثور عليك."
"صحيح."
هززت الجذور التي تغلف ذراعي وساقي، وترنحت إلى الأسفل بالكاد متمسكاً بتوازني.
ظهر "بيبل" أسفل مني.
"ليس أمامك الكثير من الوقت."
"...أعلم."
لم أكن أنظر إلى الشجرة، ومع ذلك، كنت أشعر بها تحاول التأثير على ذهني. لم يكن لدينا الكثير من الوقت.
"لكن ماذا أفعل؟"
لم أكن أعرف ما الذي عليّ فعله.
ما الذي يمكنني فعله لإيقاف كل هذا؟
إذا فشلت في مساعدة "أول-مايتي"، ستسيطر والدة "جوليان" بالكامل على الشجرة، وسينتهي أمري.
خاصةً مع وجود احتمال كبير أنها ستكتشف أنني لست "جوليان" الحقيقي.
"ما الذي يمكنني-"
لا، لا تفكر.
أبقيت رأسي منخفضاً، وراودتني فكرة جعلت صدري يرتجف.
وتحت نظرات "ليون" و"بيبل" المرتبكة، خطوت للأمام.
نحو الشجرة.
"أيها البشري؟"
"جوليان؟ ماذا تفعل...؟"
لم أنتبه إلى أصواتهم، وركّزت فقط على الشجرة.
بدأ عقلي يفقد وضوحه مجدداً وأفكاري تتلاشى، لكن لم أكن بحاجة للتفكير.
كنت فقط بحاجة للتصرف.
وعند وصولي إلى الشجرة، أخرجت قارورة صغيرة من فمي.
بلوب!
فتحتها، وسكبتها ببطء.
سقط سائل أحمر لزج على الشجرة، وغاص في جذورها بينما كنت أمد يدي ببطء وألمس لحاءها.
"حسناً،"
تمتمت،
"...آمل ألا يذهب هذا سدى."
وسرعان ما غابت رؤيتي بعدها.