همسة\~

حلّ صمت غريب على المكان، لا يُكسره سوى حفيف الأوراق اللطيف الذي تردّد صداه من حولها.

تحدق سيرافينا بشرود في الحجاب الأحمر الذي غطّى السماء الزرقاء، وبدأت نظرتها تخبو.

حتى الآن، لم تفهم كيف تغيّرت السماء فجأة. هذا جعلها تشعر بالحذر الشديد، لكنها لم تشعر بأي تغيّرات من حولها.

علاوة على ذلك، كانت رؤيتها مختلفة عن الآخرين.

كانت ترى أشياء لا يستطيع الآخرون رؤيتها، وخلف الحجاب الأحمر الذي يغطي رؤيتها،

كانت ترى أكثر من مئة خيط مختلف، كل خيط متصل بوحش مختلف يندفع نحو أجزاء مختلفة من المدينة.

من خلال أنفاسهم وطريقة تفكيرهم، كانت تدرك كل شيء.

...وفي نفس الوقت، تتحكم بهم.

كانت عيونهم عيونها، وآذانهم آذانها، وعقولهم عقلها.

ومن خلال هذه الرؤية، كانت تعلم أنه لا أحد يمكنه تهديدها.

بمجرد أن تنشئ اتصالاً مع وحش، لا يمكن الفرار منه—إلا إذا حدث لها شيء مباشر.

فإذاً...

"لماذا؟"

ازدادت نظرتها خمولاً أكثر بينما كانت تحدق بالشجرة أمامها. امتدت أكثر من عشرة خيوط نحو الشجرة، تحاول الاتصال بها، لكن جميع المحاولات باءت بالفشل.

لقد فقدت الاتصال بالشجرة.

"لا، لم أفقده.."

كانت لا تزال تشعر بإشارة باهتة منها. إشارة تزداد قوة كلما زادت الخيوط المتصلة.

"....شيء ما يحاول السيطرة عليها."

ذهبت أفكارها مباشرة إلى ابنها، جوليان. كل هذا حدث بسببه. لكنها كانت تعرف جوليان جيدًا.

كانت تعرف مواهبه، وكانت تدرك أنه ليس ساحر "روح".

حتى لو حاول تعلمها، لا يمكنه أن يصبح ماهرًا بما فيه الكفاية لمواجهتها. لا بد أن هناك ما هو أكثر في الأمر.

لكن ما هو..؟

ما هو بالضبط؟

"هل يهم أصلاً؟"

توقفت أفكارها فجأة بينما كانت تضع يدها على الشجرة. شعرت بخشونة لحاء الشجرة، ثم رفعت رأسها لتحدق بالأوراق الحمراء الدامية.

"....صحيح، لا يهم حقًا."

ارتسمت ابتسامة خفيفة على طرف شفتيها.

كانت هناك أشياء كثيرة لم تكن جيدة فيها. لم تكن أمًا عظيمة، ولا طباخة ممتازة، ولا حتى مستمعة صبورة. كانت لديها عيوبها. لكن عندما يتعلق الأمر بسحر الأرواح، قلائل—إن وجد—من يستطيعون التفوق عليها.

فما المشكلة إن كان أحدهم يحاول السيطرة؟

.... لا يهم حقًا.

حتى لو لم تكن تعرف الإجابات الآن، يمكنها أن تعرفها لاحقًا بمجرد أن تسيطر على كل شيء، بما في ذلك ابنها.

"من المؤسف أنني قد أضطر لإبطاء الأمور قليلًا، لكن يمكنني الانتظار."

تجلّى وهج خافت حول راحة يدها.

تضاعفت الخيوط المتصلة بالشجرة، وبدأ ألم خافت يخفق في رأسها. ومع ذلك، جعلها الألم تبتسم أكثر.

مهما كانت الظروف، كانت تعلم أنه بمجرد أن تستعيد السيطرة على الشجرة، يمكنها أن تطورها بسرعة إلى رتبة المدمّر.

وعندها، من يستطيع إيقافها؟

***

'...أين أنا؟'

بمجرد أن تلاشت رؤيتي إلى السواد، شعرت أن جسدي يُسحب نحو الشجرة، وأحاط بعقلي إحساس غريب بانعدام الوزن.

لا أعرف كم من الوقت استمر هذا الإحساس، لكن عندما استعدت وعيي، وجدت نفسي واقفًا في وسط عالم مظلم ووحيد.

"البُعد المرآتي."

حدقت في الشمس البيضاء البعيدة، وشعرت بالهواء الجاف والقاحل، فعرفت فورًا أين أنا.

لكن لماذا كنت هنا؟

كل ما أتذكر أنني فعلته هو—

"هل يعمل؟"

"...كيف لي أن أعرف؟ يجب أن ننتظر قليلًا ونرى."

التفت رأسي بسرعة عندما سمعت صوت عدة أشخاص خلفي. وعندما أدرت رأسي،

رأيت زوجين مسنّين منحنيين، يضغطان أيديهما على الأرض وهما يجمعان التراب معًا.

وبعد لحظات، بدآ في سقي الأرض.

ششش—

راقبت المشهد بدهشة. أي نوع من...؟

"هل تعتقد أنه سينجح؟"

"...لا أعلم، لكن عليه أن ينجح."

رفع الرجل العجوز رأسه، ومسح العرق عن جبينه. كان نحيفًا، ووجهه شاحب.

لم يبدو وكأنه يملك الكثير من الوقت.

"كح! كح...!"

وكما هو متوقع، فإن سعاله أشار إلى نفس الشيء.

"أوخ!"

"غريغ!"

أسرعت المرأة نحو الرجل، لكن دون جدوى. لم يتوقف السعال، بل ازداد عنفًا مع كل ثانية تمر.

"كح!"

وفي النهاية، بدأ الدم يتسرب من فمه، ما أجبره على السقوط أرضًا.

"غريغ!"

ازداد قلق المرأة العجوز وهي تحتضنه، لكن مهما حاولت، لم تستطع فعل شيء. كل ما استطاعت فعله هو المشاهدة بينما كان يتألم بين يديها.

انهمرت الدموع من عينيها، وكان وجهها يعكس نفس الألم الذي ارتسم على وجه العجوز. رغم أنهما لم يكونا زوجين، فقد قضيا وقتًا طويلًا معًا. كانا صديقين حميمين.

لم أكن بعيدًا عنهما، وكنت أرغب في المساعدة، لكن قدماي تجمدتا في مكاني.

لم أستطع التحرك أبدًا.

...كنت عالقًا في مكاني.

"ساعدوني! أحدهم يساعد...!"

عندما سمعت صراخ المرأة، نظرت من حولي بعبوس. ما فائدة الصراخ طلبًا للمساعدة؟ من سيساعد في هذا المكان؟

من—

"ماذا حدث؟ ما الذي يجري؟!"

تبددت أفكاري بسرعة عند سماع صوت مستعجل قادم من بعيد. وعندما التفت لأرى، رأيت عدة أشخاص يظهرون من تل قريب، ووجوههم مليئة بالقلق والانشغال.

"إنها جانيت وغريت!"

"أسرعوا!"

لم يترددوا في النزول من التل نحو الزوجين المسنين.

"كح! كح...!"

"أبقوه ثابتًا، سأفكر في طريقة لمعالجة هذا."

رجل طويل القامة، ذو بنية قوية، بلحية غير حليقة، وشعر أشقر، وعيون صفراء، وقميص بسيط، أمسك بالرجل العجوز وبدأ يفتش حقيبته بسرعة. أخرج عدة حبوب وقدمها للعجوز دون تردد.

"تناولها، يجب أن تساعدك مؤقتًا."

وفي نفس الوقت، أخرج زجاجة ماء صغيرة وسرعان ما ناولها للرجل.

"كح...!" رغم سعاله، أجبر العجوز نفسه على ابتلاع الحبوب.

رغم أن التأثير لم يكن فوريًا، بدأت الأعراض في التلاشي بعد عدة دقائق.

عندها فقط، ارتسم الارتياح على وجوه المجموعة.

"الحمد لله أنك وصلت في الوقت المناسب، نيس. لو تأخرت قليلًا..."

"أعلم."

أعاد نيس، الرجل الضخم، زجاجة الماء إلى حقيبته بينما نظر إلى الرجل العجوز، ثم إلى الأرض.

"...هل كنتما تزرعان البذور مجددًا؟"

"آه، نعم..." "يجب أن تتوقفا. لا شيء يمكنه النمو في هذه الأرض."

"أعلم، لكن..."

نظرت المرأة إلى الرجل العجوز بعينين دامعتين.

"...لقد مضى وقت طويل منذ أن رأينا شجرة حقيقية. هذا المكان—يخنقنا. إنه يستنزف حياتنا. لا أستطيع البقاء هنا. لا أستطيع، لا أستطيع أكثر!"

وضعت يديها على رأسها ورفعت صوتها بينما احمرّت عيناها. بدت على وشك الانهيار.

عادةً كنت سأشكك في هذا المشهد أمامي، لكن أكثر ما لفت نظري هو الملابس التي كان يرتديها أفراد المجموعة.

كانت بالية وممزقة بعض الشيء، ولهذا لم أفهمها في البداية، لكن قريبًا... قريبًا، أصبح كل شيء واضحًا، وشعرت أن ذهني شُل مؤقتًا.

'نعم، بالطبع، إنها مألوفة. إنها نفس نمط الملابس التي كانت شائعة على الأرض.'

هل يعني هذا...؟!

"اهدئي، جانيت. لا داعي للذعر. سنخرج من هذا المكان قريبًا. يمكنك الوثوق بذلك."

"لكن كيف؟ لقد فقدت العد من كثرة السنوات التي قضيتها في هذا المكان الملعون.

أريد العودة! أريد العودة إلى الأرض...!"

'هذا...'

كان حدسي صحيحًا.

المجموعة التي أمامي كانت من الأرض.

إذا كان الأمر كذلك، فمتى كان هذا؟

"أنتِ تعلمين أنه لا يمكننا ذلك. نحن نحاول، لكن لا يوجد مخرج لنا. معظمنا عالق هنا منذ عقود."

"أعلم، لكنني لم أعد أحتمل. غريغ لم يعد يحتمل. لقد فقدت العد من عدد الناس الذين رأيتهم يرحلون. لا أستطيع—"

"رجاءً، ثقي به."

من؟

شدّدت السمع، محاولًا التقاط حديثهم. لسبب ما، كان قلبي يخفق بشدة في صدري.

"...تورين، سيساعدنا على الخروج من هذا المكان. مهما طال الزمن، سيخرجنا من هنا."

'تورين...'

عندما سمعت الاسم، راودتني فكرة وبدأت تروس عقلي تدور.

"رجاءً لا تيأسي، جانيت. تورين قوي. سيخرجنا من هذا المكان الملعون، و..."

نظر إلى العجوز، وضغط شفتيه.

"...يمكنه أيضًا شفاء غريغ."

"ماذا؟"

رفعت جانيت رأسها نحو الرجل الضخم.

"ماذا تعني بأنه يستطيع شفاء غريغ؟ ماذا تقصد—"

"تفضلي."

أخرج نيس من حقيبته قارورة صغيرة وقدمها للرجل العجوز.

"نيس!"

"...انتظر، نيس."

في اللحظة التي أخرج فيها القارورة، تغيرت ملامح وجوه المجموعة خلفه، لكنه لم يهتم ورفع يده.

"توقفوا، لقد اتخذت قراري."

"لكن—"

"القرار نهائي، وليس كما لو أنني لا أستطيع الحصول على المزيد منها. لقد فقدنا الكثير من الناس. لا يمكننا تحمل خسارة المزيد."

كلماته لم تترك لهم مجالًا للرد.

قدم القارورة للرجل العجوز، ورفع ذقنه وفتح القارورة.

"من اللحظة التي تشرب فيها هذه القارورة، ستتحول. كل مشاكلك ستتلاشى، وستصبح شخصًا جديدًا تمامًا. لكن لا يمكنني إعطاؤها لك بلا مقابل. من اللحظة التي أعطيك فيها هذه القارورة، لن تعود حياتك ملكك."

تحولت نظرات الرجل العجوز قليلًا.

"ستصبح حياتك ملكًا لتيرون، وستعيش لتخدمه. ستساعدنا على الخروج من هذا المكان، وستصبح العمود الذي يسند البشرية في أوقاتها الصعبة. هل أنت مستعد؟"

|| "1

عمّ صمت خانق المكان للحظة قبل أن يفتح الرجل العجوز فمه.

"ن.. نعم."

"جيد."

ابتسم نيس، وقرّب القارورة من فم العجوز.

"كح!" "غريغ!"

من اللحظة التي لمست فيها السائل فمه، بدأ يسعل، وتناثرت بعض القطرات على الأرض تحته، ما جعل نيس يغطي فمه بيده.

"لا تسكب شيئًا. اشربه."

"ك—"

اهتز جسد العجوز بقوة، واحمرّ وجهه بالكامل.

بدا على شفير الموت، لكن بعد ذلك، بدأ التحول.

شدّ جلده، وتحول شعره إلى الأسود، وأصبحت عيناه أكثر حدة. في ثوانٍ فقط، تغيرت هيئته تمامًا، وبدى أصغر بكثير.

هذا المشهد أذهل المرأة التي تراجعت للخلف.

"من، من..."

ابتسم نيس وهو ينظر إلى غريغ، ثم قال:

"من هذه اللحظة، لن تكون غريغ. من هذه اللحظة، ستكون جينيسيس."

"جينيسيس...؟"

خفض غريغ... لا، جينيسيس رأسه، ونظر إلى يديه وهو يفتحهما ويغلقهما مرارًا. بعد لحظة، رفع رأسه مجددًا.

"مفهوم."

"جيد."

استدار نيس نحو المرأة العجوز، وأعاد ترتيب حقيبته.

"اتبعاني، سأقودكما إلى تورين. ربما أستطيع أن أقدم لك الإكسير أيضًا."

"أنا أيضًا...؟"

"بالفعل."

وبينما كانت الحقيبة معلقة على ظهره، غادرت المجموعة، وتركوني مذهولًا تمامًا وعاجزًا عن فهم ما رأيته للتو.

خاصةً عندما تبادر إلى ذهني شيء ما.

'نيس...'

لماذا بدا مألوفًا جدًا؟

و...

خفضت رأسي ببطء، ونظرت إلى التربة، التي أصبحت ملوثة بدماء العجوز.

بقيت أحدق في البقعة لمدة غير معلومة، إلى أن شعرت بتغير يحدث،

وتصلّب وجهي تمامًا.

'هذا...'

كانت ورقة حمراء رفيعة.

2025/05/07 · 65 مشاهدة · 1459 كلمة
mhm OT
نادي الروايات - 2025