"مرثية الأكاذيب..."

بينما أحدق في الإشعار الجديد الذي ظهر أمام عيني، لم أكن أعرف كيف أتصرف في البداية. لقد كنتُ متفاجئًا تمامًا.

لم تكن هذه هي المرة الأولى التي تتطور فيها مهارة فطرية لدي، فالرؤية المستقبلية أصبحت "عيون العرّاف"، لكن ذلك كان في الغالب نتيجة لأفعال البابا. فماذا عن هذه الحالة؟

"هل ازداد مستواها لأن "أول-مايتي" تمكن من اختراق حدوده؟"

أدى هذا التفكير إلى تسارع طفيف في أنفاسي.

"... إن كان هذا هو السبب، فماذا سيحدث إن تطور أول-مايتي مرة أخرى؟"

هل من الممكن أن تتطور المهارة مرة أخرى؟

"جوليان؟ هل أنت بخير؟ لِمَ—"

"أنا بخير."

رفعت يدي وقطعت كلام ليون.

تنفست بعمق، وهززت رأسي لإخراج نفسي من أفكاري وهدأت عقلي.

"مهما كان الأمر، سأفكر فيه لاحقًا. الآن عليَّ أن أجد طريقة للتعامل مع الوضع الحالي."

"أول-مايتي اخترق للتو إلى رتبة المدمر، وربما يمكنه حمايتنا لبعض الوقت، لكن هذا ليس كافيًا."

"... أعلم."

أومأ ليون بينما أصبحت ملامح وجهه كئيبة.

"حتى إن خرجنا الآن، على الأرجح سيتم الإمساك بنا من قبل... هي."

"نعم، ليس لدينا الكثير من الوقت."

"إذًا..."

"لكن ليس الأمر وكأن وضعنا ميؤوس منه."

"هم؟"

بينما مال ليون برأسه قليلاً، عقدت شفتي.

"يجب أن يكون "بيبل" قد وصل، أليس كذلك؟"

في اللحظة التي استيقظ فيها أول-مايتي، أمرت "بيبل" بالتحرك لإرسال رسالة إلى كايليون والبقية حتى يبذلوا جهدهم في إيقاف الوحوش من القدوم نحونا. كان هذا أول ما فكرت فيه عندما شهدت تطور أول-مايتي. فلو كنت مكانها، لكنت فعلت كل ما بوسعي للقضاء على أول-مايتي.

نظرًا لأن انتباه الجميع كان موجهًا نحو أول-مايتي، وحقيقة أن "بيبل" ليس كائنًا حيًا بالمعنى التقليدي، فلن يشكل أي خطر في توصيل التحذير للآخرين.

... على الأقل، هذا ما كنت آمله.

لم أكن أعلم إن كان "بيبل" قد نجح أم لا.

"كل ما يمكنني فعله هو الأمل."

"بما أنها فقدت السيطرة على أول-مايتي ومعظم الوحوش الأقوى داخل المدينة، فهي في أضعف حالاتها الآن. في الواقع، أجرؤ على القول بأنها ليست قوية كثيرًا بمفردها."

"....أعلم، لكن حتى مع ذلك، لسنا قادرين على هزيمتها."

"واقعيًا، إن كنا فقط أنا وأنت، نعم."

تغيرت ملامح ليون فجأة وهو يرفع رأسه.

"لا تعني..."

"لسنا وحدنا."

وضعت يدي على جسد أول-مايتي ونظرت إلى الأعلى.

"... دعني أجرب شيئًا. إنها مخاطرة بعض الشيء، لكن إن نجحت، قد نتمكن من قلب الموقف تمامًا."

***

طم طم-!

اهتزت الأرض.

امتدت ظلال ضخمة على الأرض بينما ظهرت عدة كائنات هائلة من خلف جدران المدينة، تزحف بيأس نحو الشجرة ذات الأوراق الدامية التي تقف شامخة في الشمال.

كانت موصولة بها خيوط غير مرئية لا يستطيع رؤيتها سوى شخص واحد.

"....."

وقفت سيرافينا بصمت، ورفعت رأسها لتحدق في السماء.

كانت السماء الزرقاء المشرقة سابقًا مغطاة الآن بمئات الخيوط المظلمة المتلوية، التي كانت تلتف وتتمدد بلا نهاية في الأفق، ناشرة ظلمة خانقة وغير طبيعية فوق الأرض.

"عودوا إلي."

عند أمرها المفاجئ، توقفت الوحوش القريبة من الجدران والتفتت، متجهة نحوها بعجلة غير طبيعية.

في غضون لحظات، ظهرت حشود ضخمة من خلف الأفق، أسراب لا تنتهي من الكائنات المشوهة تركض نحوها كموجة حية، وظلالها تبتلع الأرض أمامها.

نظرت سيرافينا إلى الشجرة خلفها وابتسمت ابتسامة باهتة.

"يجب أن—هم؟"

بانغ-!

عند التفاتة حادة برأسها، تغير تعبير سيرافينا بشكل طفيف وهي تشعر بتدفق هائل من الطاقة السحرية يأتي من جدران المدينة.

"هييييك!"

تبع الانفجار صرخة حادة بينما انهار كائن ضخم.

لكن لم يكن هذا كل شيء.

بانغ، بانغ-!

تبع الهجوم الأول الثاني، ثم الثالث. وقبل أن تدرك الأمر، اهتزت المنطقة كلها بينما كانت التعويذات والهجمات تتساقط من داخل الجدران نحو الوحوش، كما لو أنهم يحاولون منعها من المغادرة.

"هل فقدوا عقولهم؟"

نظرت سيرافينا إلى المشهد بذهول.

لم تصدق ما كانت تراه.

"أليس من المفترض أن يكونوا سعداء بمغادرتهم؟ لماذا—"

"لأني أمرتهم بذلك، أمي."

داعب أذنها صوت مألوف، وعندما التفتت برأسها، ظهر شخص من داخل الشجرة.

"... أمرتهم بأن يشتروا لنا ما يكفي من الوقت للتعامل معك."

"التعامل معي...؟"

رفعت سيرافينا حاجبها بينما نظرت إلى ابنها بذهول. انفلت ضحكة من شفتيها بعد ذلك.

"حِيَلك لا تنطلي عليّ. كانت محاولة جيدة، لكنك واضح للغاية في نواياك."

رفعت يدها، وظهر دائرة سحرية أرجوانية باهتة في قبضتها، ثم استدارت بقوة، ومدت يدها إلى الفراغ خلفها.

"هوووك-!"

دوّى أنين منخفض في الجو عندما أمسكت سيرافينا برأس ما، وقبضت عليه بقوة.

"أمسكت بك."

شدّت رأسه إلى الخلف.

"كنتَ واض—"

توقفت كلماتها عندما رأت الرأس يتلاشى من أمامها، ويتحول مباشرة إلى جذور سميكة وكبيرة.

"كنتِ تقولين؟"

همس صوت ناعم خلفها مباشرة.

"أنتِ—"

عندما أطلقت الجذر، حاولت إدارة جسدها، لكن الجذر اندفع فورًا نحوها وأمسك بذراعها المتحركة.

طقطق!

انكسر الجذر على الفور تقريبًا، لكنه أبطأها بما يكفي ليضغط جوليان راحة يده على جبهتها.

"حزن."

"آآآخخخ-!"

مزقت صرخة مفجعة شفتي سيرافينا وهي تمسك رأسها بكلتا يديها، وعيناها تحمرّان وتنتفخان على الفور.

"آآآآآآآه-!"

صرخاتها شقت الأرجاء بينما شعرت بألم شديد في عقلها. كان الألم مروعًا.

كما لو أن أحدهم يطرق عقلها بمطرقة، ومن دون أن تدري، انقطعت عدة خيوط كانت متصلة بها.

طقطق، طقطق-

ومع انقطاع الخيوط، تحطمت سيطرتها على عدة وحوش.

ونتيجة لذلك...

"أووورخ!"

"هييييرككك-!"

اندلع الفوضى بينما انقلبت الوحوش المتحررة على بعضها البعض، وانطلقت في نوبة جنون وهي تهاجم الكائنات من حولها بشراسة، وترددت زئيرها وصرخاتها في الهواء المشبع بالدماء.

"كه... كه...!"

استفاقت سيرافينا بسرعة من حالتها، ووضعت يدها على فمها وهي تشعر بوجود خلفها.

كانت هناك يد.

كانت تشعر بها، لكن... هل كانت حقيقية؟

فجأة، لم تعد تعلم. وعندما تذكرت ما حدث قبل لحظات، فقدت تمييز ما هو واقعي وما هو وهم.

"ناا... ناا..."

بينما كان صدرها يرتفع ويهبط، اقتربت اليد من رأسها.

كانت على وشك أن تلمسه.

كانت قريبة جدًا عندما...

تحولت عينا سيرافينا إلى اللون الأبيض، وكذلك ما حولها. وعندما تقدمت خطوة، رأت الشكل الذي كان يقف خلفها، وكان جسده مغطى بالكامل بالخيوط.

لا، لم يكن وحده.

كان كل المجال من حولها مليئًا بالخيوط التي تتساقط من السماء.

في هذا العالم، كل شيء تحت سيطرتها.

"هاا.."

أطلقت زفيرها، وتوقفت عيناها على ابنها.

كان جسده متجمّدًا في مكانه، وعيناه ترتجفان بما بدا كأنه خوف ودهشة.

"هاا... هاا..."

بينما بقيت أنفاسها ثقيلة، لم تقل سيرافينا كلمة واحدة، بل تقدمت نحو ابنها، وضغطت يدها على خده.

انهمرت الدموع من عينيها عندما شعرت بنعومة خده.

عضت على شفتها، وتمتمت،

"... لقد عانيت كثيرًا."

لقد شعرت بذلك.

في اللحظات السابقة، شعرت بحزنه.

كان طاغيًا.

إلى درجة كادت تبتلعها تمامًا. ولولا أنها استخدمت مجالها، لكانت قد استسلمت لهجمته.

كم من المعاناة يجب أن يتحملها المرء ليشعر بهذا الألم؟

ولماذا ابنها تحديدًا؟

"أ... أنا آسفة."

لأول مرة منذ أن رأته، كانت تنظر إليه.

تنظر إليه مباشرة.

من عينيه العسليتين إلى شعره الأسود الكثيف ووجهه المنحوت. راقبت كل جزء منه، وحفرت صورته في ذاكرتها.

وكلما نظرت إليه، كلما ازداد الألم في صدرها.

كيف لا...؟

هذا هو لحمها ودمها.

كيف لأم ألا تحب ابنها؟ فقط...

"ليس لدي خيار. يجب أن..."

استمرت الدموع في التساقط من زاوية عينيها.

وضعت كلتا يديها على وجهه، واستمرت في التحديق فيه. وكان هو يحدق فيها أيضًا، لكنه لم يكن يستطيع تحريك عضلة واحدة.

ثم...

كراااك-!

انكسر عنقه. طخ!

"آ-آه... آه."

وضعت يدها على صدرها، وتراجعت سيرافينا خطوة، وضغطت شفتيها بإحكام وهي تحاول بكل جهدها كبح الألم، لكن ذلك كان صعبًا.

صعب جدًا...

"لماذا... لماذا يؤلمني هذا كثيرًا؟"

وهي تضغط على صدرها، حاولت جهدها أن تطرد الألم، لكنه لم يتوقف.

كان يستهلك كل جزء منها. كان يستحوذ على عقلها، وبدأ المجال من حولها يتلاشى، ويظهر ويختفي.

"اجعله يتوقف!"

وهي تمسك رأسها، نظرت نحو ابنها.

وازداد الألم في صدرها عندما رأت جسده الخالي من الحياة، وقبل أن يلتهمها الألم بالكامل، رأته.

نبتة برسيم بأربعة أوراق.

"آه...؟"

تجمد جسدها بالكامل وهي تتقدم خطوة وتصل إلى جسد ابنها وتزيح كمّه.

"ك-كيف يمكن أن..."

عندما رأت البرسيم محفورًا بعمق على ساعده، تغير تعبيرها بشكل كبير.

"لماذا؟ كيف...؟ كيف يمكن أن يحدث هذا؟"

أخذ عقل سيرافينا يعمل بأقصى طاقته بينما تعبر مئات الأفكار داخل ذهنها، إلى أن توقفت أخيرًا.

"هاهاهاها."

حينها بدأت تضحك.

"بالطبع... بالطبع..."

بدت ضحكاتها وكأنها تخترق كل شيء، تبث برودة في الهواء المحيط.

"أنت من فعلها، أليس كذلك؟ لتنتقم مني، أنت... هاهاها."

تحولت عيناها إلى اللون الأحمر الدموي.

"... كيف لم أفكر بذلك؟"

من بين ضحكاتها وصراخها المجنون، لم تلاحظ الجذر الصغير الذي تسلل من تحتها.

تشقق\~

أمسك بكاحلها بخفة، ثم اختفى بعدها مباشرة.

"إ-إنه يعمل."

بينما يمسك رأسه، تغير وجه جوليان وبدى شاحبًا بالكامل.

"الحزن، الغضب، الخوف..."

كان يضخ باستمرار كل أنواع المشاعر في عقلها بينما يمسك جذر صغير بكاحلها من الأسفل. ومن حين لآخر، كان جسدها يرتجف وهي محاصرة داخل وهم أول-مايتي.

نعم، كل ما كانت تعيشه هو مجرد وهم.

منذ اللحظة التي تمكن فيها جوليان من استخدام سحره العاطفي، استغل أول-مايتي اللحظة ليوقعها في وهمه. ومن هناك، ضخ جوليان المزيد من المشاعر فيها، وكلما ازداد اضطرابها، كلما انقطعت الخيوط المتصلة بها وبالوحوش.

رويدًا رويدًا، كانت تفقد الاتصال بالوحوش.

فقط القليل بعد.

كل ما عليه فعله هو الصمود قليلاً فقط.

"نعم... القليل فقط... هاا... بعد."

وهو يمسك رأسه بإحكام، تابع تمتمته:

2025/05/07 · 61 مشاهدة · 1399 كلمة
mhm OT
نادي الروايات - 2025