هافن، شرخ المرآة.

فووم-

اندفع تيار عنيف عبر الهواء، مطلقًا ارتجافًا عميقًا ومُدويًا أدى إلى ظهور تصدعات إضافية من داخل شرخ المرآة. وبُعيد ظهور هذه التصدعات، ظهر ظلٌ ضخم من أعماق الشرخ، مغطيًا الشرخ بأكمله.

"احذروا!"

"تراجعوا، خطوة للوراء-!"

كانت الحالة خطيرة. فظهور الوحوش من داخل الشرخ لا يعني سوى شيءٍ واحد...

"محطة الإمداد سقطت-!"

"استعدوا جميعًا!"

كانت محطات الإمداد تحرس الشروخ، وتعمل كنقاط تسهيل للدخول إلى شروخ المرآة، وكآخر خط دفاع لمنع الوحوش من الدخول إلى العالم الحقيقي.

للأسف، خرج الوضع عن السيطرة لدرجة أن محطة الإمداد لم تتمكن من الصمود أمام الهجوم المفاجئ للوحوش.

...وذلك على الرغم من وجود الشخصيات القوية التي كانت تحرس المدخل.

"هاييرك-!"

صرخة حادة، تخترق الأذن، انطلقت من أعماق الشرخ، وكان الصوت مزعجًا لدرجة أنه بدا وكأنه يخدش الروح.

اهتز الشرخ بعنف بينما ظهر كيان ضخم، ويداه العملاقتان تمسكان بحواف الشرخ المتشققة بأصابعه الداكنة الرفيعة. ومع كل سحب، كانت هيئته الوحشية ترتفع، والأرض تهتز تحت وزنه.

رررمبل! ررررمبل-!

ومع اكتمال ظهور جسده الضخم، توهجت عيناه بشدة مرعبة بينما كانت تجوب المكان بنظرات مفترسة.

بدا الهواء وكأنه يثقل تحت وطأة وجوده الساحق، وضغط محسوس ومخنق لفّ المنطقة.

وقف هناك، يحدق في جميع الأشخاص الواقفين خلف الشرخ.

"آه، آه-"

شحبت وجوه عدد من الأساتذة عند رؤية ذلك الكائن.

"هذا..."

حتى الأساتذة الأكثر خبرة وقوة كانت تعابيرهم متوترة عند رؤية هذا الكائن.

"إنه من رتبة المدمر-الرفيع."

لم يكن أحد متأكدًا ممن قال هذه الكلمات، لكن الصوت كان مرتفعًا بما يكفي ليسمعه الجميع. وفي تلك اللحظة، أصبح الجو مشحونًا أكثر.

كان شرخ المرآة الموجود داخل الأكاديمية يُعرف بأنه من بين الشروخ الأكثر أمانًا. لكن ظهور كائن بهذه القوة منه كان إشارة مقلقة على أن أمرًا خطيرًا يحدث داخل بُعد المرآة.

كيف ظهر وحش بهذه القوة فجأة؟

ولماذا الآن بالذات؟

لم يكن هذا منطقيًا بالنسبة لكثير من الأساتذة الموجودين، لكن للأسف، لم يكن لديهم الوقت للتفكير بالأمر. خاصةً وأن المستشارة لم تكن موجودة.

"م-ماذا يجب أن نفعل...؟"

ابتلع أحد الأساتذة ريقه بصمت وهو ينظر حوله. وبحسب الوضع الحالي، فسيكونون عديمي الفائدة أمام كائن بهذه القوة.

في الواقع، سيكونون عاجزين تمامًا.

وإذا لم يتصرف أحد بسرعة، فـ-

سوش!

في تلك اللحظة تمامًا، ظهرت شخصية فجأة أمام الجميع. وبينما كانت خصلات شعرها الأسود تتمايل بصمت في الهواء، ومسحت عيناها العميقتان المكان، ركزت دليلا نظرها على الوحش الذي كان يحاول الخروج من الشرخ.

"هياااك-!"

وكأنها شعرت بوجودها، أطلق الوحش صرخة قوية، وكانت قوة الصدمة وحدها كافية لإسقاط عدد من الأساتذة الأضعف.

"أوخ-!"

"آآآه"

نظرت دليلا خلفها فقط وأشارت بيدها.

تشكل قبة ضخمة من الطاقة فوقهم، مغلفة المنطقة بدرع واقٍ. تلاشت الصدمة على الفور، مما سمح للأساتذة الأضعف بالتقاط أنفاسهم واستعادة توازنهم.

وقبل أن يتمكنوا من التعبير عن شكرهم، خطت دليلا خطوة واحدة باتجاه الوحش.

تينغ-

عندما لامست قدمها الأرض، تموج الفضاء من تحتها كالماء الذي يضطرب بقطرة واحدة.

اندفع نبض دائري قوي من الطاقة السحرية إلى الخارج، مشعًا عبر الأرجاء بقوة ملموسة تقريبًا، مثنيًا الهواء ومثيرًا الغبار في طريقه.

تينغ، تينغ-

تشكلت المزيد والمزيد من التموجات مع كل خطوة كانت تخطوها، وبدأ ضغط مخيف يخيم على المنطقة.

كان ضغطًا هائلًا ومرعبًا لدرجة أن الأجواء توقفت فجأة تقريبًا.

وكأن الزمن نفسه توقف لكل شيء عداها، طافت خصلات شعر دليلا بصمت في الهواء الساكن.

"هِي..."

خرق صرير حاد ومزعج الصمت الثقيل، صادرًا من الوحش. بدأ جسده الضخم يتحرك بعدم ارتياح، وكانت حركاته التي كانت مفعمة بالثقة سابقًا مضطربة وغير مستقرة، وكأنه شعر بالقوة المشؤومة التي تشع منها.

غريزته...

كانت تحذره من الكائن الذي يقف أمامه.

لا...

كانت تحذره من الوحش الذي يقف أمامه.

'اهرب، تراجع-!'

وقف شعر الوحش بالكامل بينما صرخ جسده بالخوف.

كلما اقتربت دليلا، قلّ وضوح شكلها.

ومع كل خطوة كانت تخطوها، كانت هيبتها تغوص أكثر في الظلام، وتصبح أكثر رعبًا. شعرها بدأ يدور نحو الأعلى وكأنها تندمج مع الظلمة نفسها.

تعلقت نظرات الوحش بعينيها – تلك الفراغات السوداء العميقة التي بدت وكأنها تدور بلا نهاية، ساحبة كل ضوء بعيدًا عن العالم. كانت الشيء الوحيد الذي يستطيع رؤيته، وقد ملأته برعب لم يشعر به من قبل.

'تحرك...!'

حاول أن يصرخ، لكن فمه كان مغلقًا.

رغم قوته الهائلة، بدا أن الوحش يذبل تحت وطأة حضور دليلا الشبيه بالهاوية.

أمام هذا الكيان الذي يقف أمامه، انقبض قلب الوحش بإحساس خانق بالعجز، وجسده الشاهق يرتجف تحت ما بدا وكأنه وزن ساحق.

'لا...!'

يد ضغطت على رأسه.

كانت باردة.

باردة جدًا.

ثم...

تلاشى وعي الوحش، غارقًا في ظلام لا نهائي لم يستطع الهروب منه.

||

ساد الصمت العالم بعد ذلك مباشرة.

ومع توجّه جميع الأنظار نحو المستشارة التي أطاحت بكائن بهذه القوة بكل سهولة، بدأ الجميع يتساءل:

"هل أصبحت أقوى...؟"

"لماذا يبدو أنها أصبحت أقوى من ذي قبل؟"

"ليس شعوري فقط، صحيح؟"

دون أن تهتم بالهمسات القادمة من حولها، سحبت دليلا يدها بعيدًا عن الوحش.

وإذا دققت النظر، للاحظت أنه ما زال يتنفس.

لم تقتله.

...والسبب أنها كانت مهتمة بتجربة شيء ما.

سوش!

في تلك اللحظة، ظهر شخص خلفها.

"ألن تقتليه؟"

كان صوته ناعمًا ودافئًا، يحمل نغمة مهدئة تذيب التوتر.

استدارت دليلا ونظرت إلى أطلس نظرة سريعة قبل أن تهز رأسها.

"لا."

"...لن تفعلي؟"

"لن أفعل."

"هل لي أن أسأل لماذا؟"

"لأن هناك شيئًا أريد تجربته."

"أوه؟"

رفع أطلس حاجبه، متوقعًا من دليلا أن توضح أكثر، لكنها لم تفعل. ولوّحت بيدها، فتلاشى الوحش من مرأى الجميع.

وبعد ذلك بلحظات، نظرت في اتجاه شرخ المرآة. اخترقت نظراتها الشرخ مباشرة نحو محطة الإمداد المدمّرة التي كانت خلفه.

أغلقت عينيها للحظة قصيرة.

'...كان يجب أن أصل في وقت أبكر.' نظرًا لكون شرخ الأكاديمية من بين الشروخ الأكثر أمانًا وكونها إحدى الحكّام السبعة للإمبراطورية، لم يكن أمام دليلا خيار سوى التوجه إلى برمر لتهدئة الوضع هناك.

وكان الحال ذاته مع أطلس أيضًا، إذ لم يكن لديه خيار سوى الذهاب بسبب نسبه، ما ترك الأكاديمية في وضع ضعيف.

نظريًا، لم يكن غيابهما يجب أن يتسبب في كل هذه المشاكل، لكن لم يكن أحد يتوقع ظهور كائن من رتبة المدمر.

"سيستغرق الأمر وقتًا لإعادة بناء محطة الإمداد. ولحسن الحظ، أرسلنا كل المتدربين خارجًا. أتساءل كيف حالهم الآن."

نظرت دليلا نحوه دون أن تجيب.

لم تكن تثق به.

كانت متأكدة أنه يحاول معرفة مكان المتدربين، لكن فقط هي وقلة من الأشخاص الذين تثق بهم كانوا يعرفون مواقعهم.

أخرجت كرة صغيرة، ونظرت إليها وهزت رأسها.

"إنهم بخير."

كانت الكرة إجراءً طارئًا أعدّته مسبقًا. في حال تعرض أحد المتدربين للخطر، ستتمكن من الظهور أمامه في أي لحظة.

وكان بإمكانها كذلك رؤية ما كانوا يفعلونه.

وفي هذه الحالة، كان تركيزها الأساسي على طلاب السنة الثانية.

كانوا الفئة التي تميل إلى الوقوع في الخطر أكثر. ولقد راقبت وضعهم طوال الوقت، وكادت أن تتوجه إليهم عدة مرات، لكنها تراجعت في كل مرة.

بدا الوضع خطيرًا، لكنه لم يصل أبدًا إلى درجة تستدعي تدخلها. المشكلة الوحيدة أنها فقدت أثر ثلاثة متدربين في منتصف الأحداث، لكنها كانت متأكدة أيضًا من أنهم بخير، إذ كان بحوزتها أثر أثري آخر يمكّنها من معرفة ما إذا كانوا بأمان أو لا.

تنهدت بارتياح عندما رأيتهم مجددًا، لكن الأمور أخذت منحى غريبًا مرة أخرى.

والأهم من ذلك، أن عدة مشاهد فاجأتها أثناء مراقبتهم، لكنها قررت أن تلتزم الصمت في الوقت الحالي.

كانت تخطط للتحقيق لاحقًا.

أما الآن، فهناك أمور أكثر أهمية. نظرت عرضيًا نحو أطلس مرة أخرى، ثم تقدّمت خطوة، وبدأ جسدها يتلاشى من مرأى الجميع.

ومع اختفائها من أعين الجميع، كان أطلس الوحيد الذي تمكن من رؤية وجهتها بينما كان يتتبع جسدها المغادر بعينيه.

وأخيرًا، بعد أن لم يعد قادرًا على متابعتها، صرف نظره وأدار وجهه نحو شرخ المرآة.

كرا كراك-

مقارنة بالمرة السابقة، ظهرت تصدعات أكثر. وعند رؤية هذه التغييرات، ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتيه.

"قريبًا..."

تمتم، وكان صوته مسموعًا لنفسه فقط.

"قريبًا."

***

"أخرجونا من هنا-!"

دوّت صرخات كيرا داخل غرفة صغيرة حيث كان الجميع محتجزًا.

كان تقريبًا الجميع داخل الغرفة، باستثناء ثلاثة أشخاص. وهم كاليون، كايوس، وجوليان.

"سأقتلكم!"

بانغ!

ضربت كيرا باب الغرفة بيدها.

"هل أنتِ غبية؟"

عندها تحدثت إيف وهي تعبث بشعرها بانزعاج.

"استمري بهذا الشكل ولن يطلقوا سراحنا أبدًا."

"هل تريدين أن أقتلكِ بدلًا من ذلك؟"

"بإمكانك المحاولة، لكنكِ ستمنحينهم سببًا أكبر لإبقائنا هنا."

"أوخ-!"

وضعت كيرا يديها على رأسها وشدت شعرها.

"أقسم بالسامي. عندما أخرج من هذا المكان سأـ"

كلانك!

في تلك اللحظة، انفتح الباب وظهر شخص لم يكن أحد يعرفه.

كان رجلاً طويل القامة، بحاجبين قصيرين وشعر بني قصير. ألقى نظرة سريعة حوله، ثم فتح الباب وتنهد.

"يرجى اتباعي،"

قال بصوته العميق الخالي من أي مشاعر.

"سنبدأ في التحقق مما إذا كان أي منكم ما زال تحت تأثير التعويذة. وبمجرد أن نتأكد من زوالها، سيتم إطلاق سراحكم."

2025/05/07 · 68 مشاهدة · 1340 كلمة
mhm OT
نادي الروايات - 2025